ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، ويُحدِّثنا فيه عن فكرة تقول إنَّ الدماغ أشبه بنظام تشغيل الأجهزة.
اعذرني إذا لم تكن تعمل في مجال التكنولوجيا، أو إذا لم تكن مطلعاً على خفايا ما يدور في "وادي السيليكون" (Silicon Valley)؛ فأنا أعمل في مجال التكنولوجيا واطلعت على خفايا وادي السيليكون، وقد ساعدني ذلك على رؤية العالم رؤية خاصة وشيقة جداً.
كما ترى، لقد بدأ الناس بالتفكير في البشر على أنَّهم أجهزة حاسوب بيولوجية من نوع ما، وهذا ليس لأنَّنا بدأنا العمل مثل الآلات؛ بل لأنَّها هي بدأت تعمل مثلنا، من خلال التعلم الخوارزمي، وروبوتات المساعدة مثل: "سيري" (Siri)، والروبوتات التي يمكنها المشي مثل البشر، فأصبح من الصعب التمييز بين الاثنين.
هل سمعت عن "اختبار تورنغ" (Turing Test)؟ إنَّه اختبار يقيس مقدار تشابه الحاسوب والإنسان. عندما يتفاعل شخص ما مع آلة معينة، فإنَّه غير قادر على تحديد ما إذا كانت الآلة جهاز حاسوب أم لا، فقد اجتازت الآلة الاختبار، والتقييم الذي يقدمه هذا الاختبار - الذي يمكن أن يُجرى على جميع الحسابات ولجميع الأغراض - مشابهٌ للتقييم الذي يقدِّمه البشر، ويقدِّم نتائج دقيقةً كالتي تقدِّمها الآلات.
ولكنَّني لست هنا من أجل التحدث عن البأس الذي ينتظرنا في المستقبل، ولكنَّ التقدم الهائل للتكنولوجيا يسلط الضوء على فكرة مثيرة جداً للاهتمام، وهي: أدمغتنا وأجسادنا، عبارة عن قطع من الأجهزة المحملة مسبقاً ببرامج حاسوبية، وتماماً مثل نظام التشغيل والشاشة على جهاز "آيفون" (iPhone)، يمكن تحديث هذه الأشياء ومراجعتها.
ألن يكون من الرائع أن تستطيع القيام بتحديث لدماغك من نظام التشغيل "آي أو إس 4" (iOS 4) إلى النظام "آي أو إس 13" (iOS 13) وما بعده؟ فكر في مقدار قوة جهازك الـ "آيفون" الحالي، مقارنةً بأول جهاز حملته، والذي كنا أيضاً نستطيع مراجعة برامجنا وأجهزتنا الشخصية فيه.
نظام تشغيل الدماغ:
ما هو الوعي؟ وما الذي يملي عمليات التفكير لدينا؟ وكيف نفكر عموماً؟
كل هذه الأشياء هي لغز رائع بالنسبة إليَّ، ولا شك أنَّ في كل مكان توجد أبحاث تتحدث حديثاً مفصلاً عن أصل الهوية وعقولنا اللاواعية، لكن عندما نفكر في الأمر، فإنَّ شخصيتنا ووجهات نظرنا حتى واقعنا ينبع من نظام التشغيل الشخصي لدينا.
كما ترى، تماماً مثل "آيفون" أُنتِج في مصنع، عندما نُخلَق في هذه الدنيا، نكون محملين مسبقاً بالبرامج البشرية، والآن أصبح من المسلَّم به أنَّ نظام التشغيل هذا فريد إلى حد ما بالنسبة إلى طبيعتنا، ولكنَّه أقرب إلى المعيار الذي يمكن أن تحصل عليه الآلة البيولوجية.
نحن جميعاً لدينا معلومات متجانسة محملة مسبقاً، تماماً مثل التطبيقات الأصلية على جهاز "ماك" (Mac) الخاص بك؛ لذا فكِّر في الأمر، جميعنا لدينا ميل لاستجابة الكر أو الفر، ورغبات بشرية فطرية، واحتياجات متشابهة، وكل هذه الأشياء تُقدَّم لنا على أنَّها جزء من "إعدادات المصنع".
بعد ذلك، عندما تندمج التنشئة مع طبيعتنا، نبدأ بالابتعاد عن مواصفات التصنيع الخاصة بنا وتحديث برنامجنا كما لو كانت شركة "آبل" (Apple) ترسل لنا تحديثاً لنظام التشغيل، فكل تجربة لدينا، وكل الإجراءات أو القرارات التي نتخذها، تعمل على أنَّها تحديث صغير للبرمجيات؛ إنَّها تعمِّق فهمنا للعالم، ومن ثمَّ تعمِّق فهمنا لأنفسنا.
لذلك، يمكنك التفكير في وعيك ووجهة نظرك بوصفها نظام تشغيل لدماغك، وكما في نظام التشغيل الخاص بهاتفك، يمكن لدماغك تحديث نفسه مع مرور الوقت، كما أنَّه يجمع مزيداً من البيانات ويصبح أكثر قوة.
مع ذلك، بقدر ما يبدو هذا محمساً، فتوجد دائماً جوانب سلبية في البرمجيات، ونظراً لأنَّ نظام التشغيل الخاص بك هو جزء من برنامج عضوي، فمن الممكن أن يحتوي أخطاء تحتاج إلى الإصلاح؛ نعم، لقد خلقنا الله بأحسن تقويمٍ بكل تأكيد، لكن في بعض الأحيان، يصيب البرنامج - الذي هو طريقة تفكيرنا هنا - بعض الخلل.
فتغيِّر هذه الأخطاء الطريقة التي يعمل بها برنامجنا؛ أي "مشغل أدمغتنا"؛ فقد يكون لديك بعض الأخطاء أو ربما لا، لكن من المحتمل أن تصيبه بعض الأعطال، وهذه الأخطاء، كما ذكرت آنفاً، يمكن أن تأتي من طبيعتك "إعدادات المصنع"، أو من "تربيتك"؛ أي من تحديثات نظام التشغيل الخاصة بك.
أجهزة الدماغ:
تماماً مثل هاتفك، يتكون جسمك من البرمجيات والأجهزة، ولكنَّ الأجهزة أسهل قليلاً في التخيل، إنَّه جسمك المادي، ومن ذلك عقلك المادي، الذي يضم برامجك ويسمح لها بالعمل.
وبالنسبة إلى العقل، فإنَّ الجهاز هو المادة الرمادية نفسها، أما من وجهة نظر الجسم، فهي الجلد والعظام والأغلفة الأخرى التي تحيط بأحشائك؛ لذا استمر في التفكير في نفسك كما لو أنَّك جهاز هاتف، إنَّه أمرٌ غريب، أليس كذلك؟ إنَّ أجهزة دماغك عبارة عن الرقاقة والأسلاك داخل الجهاز، أما جسمك فهو الميزات الخارجية مثل الغلاف الخلفي المعدني والشاشة الأمامية غير القابلة للكسر.
مثل هاتفك المحمول تماماً، يؤثر هذا الجهاز تأثيراً مباشراً في برنامج التشغيل الخاص بك؛ إذ ستساعد توصيلات دماغك، على سبيل المثال، على إعطاء تعليمات عن طريقة تفكيرك وفرز المؤثرات الخارجية، ومن الأمثلة الأخرى ما يضفيه مظهر الجسم على التنشئة وتأثيره في نظرتك إلى نفسك.
تماماً مثل نظام التشغيل لديك، يمكنك تحديث أجهزتك، والأمر مشابه لأخذ شاشة هاتفك المحمول المكسورة إلى المتجر من أجل إصلاحها، فالتمرينات الرياضية والأكل الصحي يُحسِّنان أجهزة جسمك، وهذا يمنحك الثقة والشعور بالإيجابية تجاه نفسك، وكذلك يمكن تحديث أجهزة دماغك من خلال التعلم المستمر والتوق للمعرفة؛ إذ يؤدي ذلك إلى إنشاء مسارات عصبية جديدة، تتيح لبرنامجك العمل بشكل أسرع وأكثر كفاءة.
لكن توجد عيوب حتى في أجهزتك، ولا يمكنك فعل أي شيء حيال ذلك، فبعض الأشخاص لديه عيوب أسوأ من بعضهم الآخر، وغيرهم ليس لديه عيوب على الإطلاق، ويُعَدُّ الخلل في توصيلات الدماغ والقابلية إلى تجميع الدهون وارتفاع نسبة الكوليسترول، كلها أمثلة عن الأجهزة التي لا تعمل بمستوى عالٍ من الكفاءة.
شاهد بالفديو: 5 نصائح ذهبيّة لتعزيز طاقة الدماغ
مجموع الآلات الخاصة بك:
ماذا يعني هذا إذاً؟ أولاً، أنت تُعطى مجموعة من الأجهزة والبرمجيات الصادرة من المصنع، ولا يمكنك فعل أي شيء حيال ذلك؛ إذ إنَّها منسوجة في حمضك النووي، لكن عندما تبدأ بالنمو والتعلم، فسوف يكون بوسعك أن تعمل بنشاط على تحديث كل من نظام التشغيل والغلاف الصلب لديك، وهذا بدوره يجعلهما أكثر كفاءة وقوة.
على سبيل المثال، يمكن لأي شخص يعاني من نقص في التعلم أن يفوز بـ "جائزة نوبل"، سيستغرق الأمر فقط مزيداً من تحديثات البرامج، ويمكن للشخص الذي يعاني من انخفاض الأيض أن يصبح لاعباً أولمبياً، وسيستغرق الأمر بضعة تحديثات أخرى للأجهزة.
هذا يعني أنَّه لا يمكنك القلق بشأن الطبيعة التي اكتسبتها من الخالق، فلا فائدة من ذلك؛ لأنَّك لا يمكنك تغيير طبيعتك، لكن يمكنك التحكم بنشأتك، ومن ثمَّ يجب أن تكون في بحث دائم عن التحديثات من خلال تجارب الحياة.
ثانياً، من الهام أن تبدأ بالتفكير في الأشخاص الآخرين على أنَّهم مجموعة من البرامج والأجهزة، ومثلك تماماً، من الممكن أن يكون لديهم أخطاء معيبة ومن الممكن ألا يكون، ولا يمكنك أن تعرف أبداً؛ لذا يجب أن تعمل على افتراض أنَّهم فعلاً لديهم أخطاء؛ ففي المرة التالية التي يُسيء فيها شخص ما إليك، قل لنفسك: "لا بد أنَّها إحدى وظائف نظام التشغيل الخاص به، وهذا ليس خطأه".
كما ترى، يحاول الناس بذل قصارى جهدهم باستخدام البرامج والأجهزة التي مُنِحت لهم، وفي بعض الأحيان، عندما يفعل شخص ما شيئاً غير معهود أو مسيء؛ فذلك لأنَّه يعمل مع مجموعة مختلفة من البرامج والأجهزة.
الخلاصة:
تمنحك معرفة أنَّك مكوَّن من برامج وأجهزة عضوية إحساساً بالتحرر؛ وهذا بدوره يساعدك على فهم سبب تفكيرك بالطريقة التي تفكر بها، ويخبرك أنَّه يمكنك تغيير طريقة تفكيرك تغييراً فعالاً، إذا حاولت.
ومن ثم، تمنحك معرفة أنَّ الأشخاص الآخرين هم عبارة عن مجموعة أنظمة تشغيل وتربط بينها أسلاك إحساساً بالتحرر أيضاً؛ وهذا بدوره سيساعدك على التعاطف وفهم وجهة نظرهم، ولمجرد أنَّ لديهم نظام تشغيل مختلفاً عنك، أو لأنَّ لديهم تحديثات مختلفة عنك، فهذا لا يعني أنَّهم على صواب أو على خطأ؛ بل يعني أنَّهم فريدون من نوعهم، مثلك تماماً.
أضف تعليقاً