تعريف وادي السيليكون:
تُطلَق تسمية وادي السيليكون في الولايات المتحدة الأمريكية على المنطقة الجغرافية الواقعة جنوبي خليج "سان فرانسيسكو" وشمال "كاليفورنيا"، والمتمركزة في وادي "سانتا كلارا"؛ وهي الموطن الأصلي لشركات تكنولوجية رائدة وشهيرة مثل "فيسبوك" و"آبل" و"غوغل" وغيرها.
لقد شاع مصطلح وادي السيليكون كتسمية بديلة عن هذه المنطقة في سبعينيات القرن العشرين، وتم اختيار هذا الاسم كناية عن "ترانزستورات السيليكون" (Silicon transistor) التي تُستعمَل في صنع المعالجات الدقيقة الحديثة، والتي تدل على التقدم التقني للمنطقة واعتمادها على الحوسبة المتطورة.
يُعَدُّ وادي السيليكون حالياً من أكثر المناطق غنىً وثراءً على مستوى العالم، فهو مركز عالمي للابتكارات التقنية، وقد قامت مؤسسة "بروكينجز" بتصنيف منطقة "سان خوسيه" المحاطة بوادي السيليكون في المرتبة الثالثة عالمياً من حيث نصيب الفرد الذي يحصل عليه من الناتج الإجمالي المحلي عام 2015، لتسبقها فقط في التصنيف "زيوريخ" السويسرية و"أسلو" النرويجية.
وفي تقرير صادر في شهر أيار/ مايو عام 2012 عن صحيفة "نيويورك تايمز"، فإنَّ نسبة الأسر في مقاطعتي "سان ماتيو" و"سانتا كلارا" التي تكسب نحو 200000 ألف دولار سنوياً تعادل 14%؛ ويعود السبب في ذلك إلى وجود شركات التكنولوجيا صاحبة الوزن والتأثير في منطقة وادي السيليكون؛ وهذا ما جعل المنطقة جذابة بالنسبة إلى المستثمرين الرأسماليين ومشاريعهم. وفي حلول العام 2017 كانت المنطقة تضم المقرات الرئيسة لأشهر الشركات العالمية وأكثرها وزناً وقيمة.
"فريديريك تيرمان" وتاريخ وادي السيليكون:
بتسليط الضوء على تاريخ وادي السيليكون، نجد أنَّ المُنشئ الأول له هو المهندس الكهربائي الأمريكي والبروفيسور "فريديريك إيمونز تيرمان"، والذي عاش بين السابع من شهر حزيران/ يونيو سنة 1900 والتاسع عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1982، وقد سانده في مهمته هذه المخترع وعالم الفيزياء الأمريكي "ويليام شوكلي".
بدأ "تيرمان" إنجازاته من خلال دوره الكبير في إنشاء مختبر أبحاث الميكرويف عام 1945 في "كلية ستانفورد للعلوم الفيزيائية"؛ وفي عام 1951 كان من أوائل منشئي حديقة ستانفورد الصناعية التي أصبحت تسمى الآن حديقة ستانفورد للأبحاث؛ حيث انتقلت إليها فيما بعد شركات "جنرال إليكتريك" و"إيستمان كوداك"، وأُطلِق عليها منذ ذلك الحين اسم وادي السيليكون.
في مرحلة كسادٍ كبيرٍ عمَّت المنطقة، قرر البروفيسور "تيرمان" خلق الكثير من فرص العمل لطلبته، وقد شجعه على ذلك اثنان منهما هما: "ديفيد باكارد" و"ويليام هيولت"؛ إذ سعى البروفيسور إلى استصدار منحة لهما تُمكِّنهما من إنشاء شركة تكنولوجية عالية تحمل اسميهما، وكانت شركة (HP).
بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح "فريديريك" عميد كلية الهندسة في "جامعة ستانفورد"، وشجع أعضاء هيئة التدريس ليصبحوا أعضاءً في مجالس المؤسسات المستحدثة، واتصل مع "واشنطن" من أجل الحصول على منح البحوث الدراسية، مؤسِّساً بذلك حديقة ستانفورد الصناعية الهادفة إلى تخصيب الأبحاث بين الشركات المحلية وستانفورد، لتقوم "جامعة ستانفورد" فيما بعد باستئجار أراضٍ من أجل شركات "إتش بي" و"لوكهييد" و"فاريان أسوسييت" و"جنرال إليكتريك" و"إيستمان كوداك".
وفي عام 1955، وبعد أن أصبح البروفيسور "تيرمان" عميداً للجامعة، وسع الحديقة الصناعية لتضم التكنولوجيا الحيوية. أمَّا في عام 1957 فقد أطلقت شركة "فيرتشايلد" لأشباه الموصلات 38 شركة من بينها شركة "إنتل".
أسباب نجاح وادي السيليكون:
من أهم أسباب نجاح وادي السيليكون نذكر الآتي:
1- الموقع:
يساعد وجود الصناعات والأسواق المتشابهة ضمن أمكنة قريبة من بعضها بعضاً على إيقاد جذوة المنافسة المستمرة بينها؛ الأمر الذي ينعكس انعكاساً إيجابياً على العمل من ناحية الجودة والاهتمام به والتركيز في تطويره وتحسينه.
2- روح التعاون:
تتميز بيئة العمل في وادي السيليكون بسيادة روح التعاون وحب الابتكار والمخاطرة؛ وهذا من شأنه أن يخلق جواً تحفيزياً للشركات التقنية الناشئة؛ إذ يقوم الخبراء المخضرمون في مجال التكنولوجيا بمهمات الإرشاد والإشراف والدعم لشركائهم أصحاب الشركات الناشئة وتشجيعهم على الاستمرار والتطور. كما تتعاون الشركات المتجاورة في إيصال أصواتها إلى الحكومة والضغط عليها في مجالات تخصُّ تحسين أعمالها، مثل زيادة عدد تأشيرات الدخول للموظفين الأجانب، وتأمين النقل إلى الضواحي المجاورة للشركات والقريبة منها، ومنح الموظفين المزايا المحفزة مثل تأمين وسائل النقل والطعام.
3- الإجابات والتساؤلات وعقد الندوات:
تُعَدُّ الندوات المنتظمة طقساً هاماً من طقوس وادي السيليكون، وواحداً من أسباب نجاحه؛ إذ يقوم الخبراء والمسؤولون بتأمين المعلومات حول التطورات التقنية، وزيادة المعارف عن التقدم المبتكر وتقنيات الجيل الجديد، كما تحرص الشركات عن طريق جلساتها على الإجابة القطعية عن تساؤلات العملاء واستفساراتهم المتعلقة بمجالات الأبحاث وتطور التقنيات.
4- الدعم القانوني:
لعلَّ الدعم القانوني واحد من أهم أسباب نجاح وادي السيليكون، فالقوانين هناك تدعم حماية المليكة الفكرية والمصالح والأسرار التجارية؛ وهذا أمر غاية في الأهمية في مجال الأعمال التقنية، وخاصة على صعيد المشاريع الناشئة الصغيرة، التي تضمن عدالة الفرص والمنافسة الشريفة.
5- تقديم التمويل للشركات الناشئة الصغيرة:
يتطلب إنشاء شركة في وادي السيليكون رأس مال كبير جداً؛ لذا فإنَّ الشركات الكبرى تأخذ على عاتقها مساندة الشركات الصغيرة الناشئة التي تستطيع أن تثبت تميزها، وتلفت نظر الشركات الكبرى في مجالٍ تكنولوجي معيَّن؛ إذ إنَّ تميُّز الأفكار لدى الشركات الصغيرة يجعلها محط أنظار المستشارين القانونيين والشركات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال المغامرين، الذين يراهنون دائماً على نجاح الشركات التكنولوجية صاحبة الأفكار المتميزة الجديدة، فيقدمون إليها المال الكافي لتمويل الأبحاث وإقامة الاختبارات والتجارب.
شركات وادي السيليكون:
تتسع المساحة المقدرة بخمسين ميلاً لأهم الشركات التقنية الرائدة في العالم؛ إذ تتقاسم هذه الشركات صدارة المنافسات التقنية، وتستوعب ما يقارب 100000 موظف وخبير تقني ومعلوماتي للعمل في مقراتها، وتنتج بناء على هذه الخبرات البشرية والتمويلات البحثية ما لا يمكن حدُّه من الأجهزة المتطورة التي تضفي إلى العالم مزيداً من التقدم. وفيما يأتي أبرز الشركات التي تقع مقراتها في وادي السيليكون:
1- شركة "آبل" (APPLE):
تقع شركة "آبل" في وادي السيليكون وتحديداً في "كوبيرتينو"، ويبلغ عدد موظفيها ما يزيد عن 188000 موظف. ومؤسسوها هم "ستيف جوبز" (Steve Jobs)، و"ستيف وزنياك" (Steve Wozniak)، و"رونالد واين" (Ronald Wayne).
تُعَدُّ شركة "آبل" من أكثر العلامات التجارية قيمة على مستوى العالم، التي قامت بتطوير وتصميم أشهر الأجهزة الحاسوبية الشخصية والأجهزة الإلكترونية والبرامج. وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهتها "آبل" في الماضي، إلا أنَّها تُعَدُّ اليوم الشركة المسيطرة على الصناعات التقنية العالمية، وتتجاوز إيراداتها السنوية 260 مليار دولار.
2- شركة "برودكوم" (Broadcom):
إنَّ موقع شركة "برودكوم" من وادي السيليكون هو في "سان خوسيه"، ويزيد عدد موظفيها عن 45000 موظف. تأسست شركة "برودكوم" في عام 1991، وهي معنية بتصميم وتطوير البنى التحتية للرقميات وأشباه الموصلات؛ إذ تحل شركة "برودكوم" مشكلة الشبكات الممتدة على نطاق واسع، ومشكلات الاتصال السلكية واللاسلكية، إضافة إلى الصعوبات التي تواجه شبكات البيانات والتخزين.
أمَّا بالنسبة إلى منتجاتها، فإنَّها تشتمل على الحلول اللاسلكية المدمجة، والمعالجات المدمجة، ومكونات التردد اللاسلكي، والشبكات، وشرائح السيليكون المخصصة، إضافة إلى مشفرات التحكم بالحركة. تبلغ عائدات شركة "برودكوم" السنوية نحو 22.6 مليار دولار.
3- شركة "آفايا" (AVAYA):
تقع شركة "آفايا" في "سانتا كلارا" من وادي السيليكون، ويربو عدد موظفيها عن 14000 موظف. تأسست الشركة في عام 2000 من أجل المساهمة في صناعة خبرات وتجارب اتصالات بين الزبائن والموظفين، فضلاً عن بناء حلول مفتوحة من أجل تسهيل عملية الاتصال؛ وذلك عن طريق التعاون مع الشركات الصغرى والكبرى والوكالات الحكومية.
تقدم الشركة أنظمة هاتفية خاصة بالمكاتب، تعتمد على بروتوكولات عناوين الإنترنت IP، وبروتوكولات بدء الجلسة SIP؛ وذلك من أجل تحقيق الوصول الهاتفي والنصي، والوصول إلى الإنترنت وتحقيق استجابة صوتية تفاعلية. أمَّا عن عائداتها السنوية، فإنَّها تقدَّر بأكثر من ملياري دولار.
4- شركة "أدوبي سيستمز" (ADOBE SYSTEMS):
شركة مختصة بإنتاج برامج الغرافيك والأنيميشن المتطورة، ومقرها في وادي السيليكون. تأسست "أدوبي" في عام 1982 ويبلغ عدد موظفيها نحو 17000 موظف، وهي تختص بمجال تصميم الغرافيك وتحرير الفيديو.
5- شركة "أوراكل" (ORACLE):
تأسست عام 1977 ومقرها في وادي السيليكون، ويبلغ عدد موظفيها نحو 138000 موظف. تختص شركة "أوراكل" بأنظمة التشغيل وقواعد البيانات والبرمجيات الحاسوبية.
6- شركة "ياهو" (YAHOO):
تأسست شركة "ياهو" في عام 1994 ويبلغ عدد موظفيها نحو 8500 موظف، ويوجد مقر الشركة في وادي السيليكون. تُعرَف شركة "ياهو" بتخصصها بتقنيات الحواسب والإيميلات ومحرك البحث "ياهو".
ومن الشركات الشهيرة الأخرى التي يقع مقرها أيضاً في وادي السيليكون، شركة "غوغل" و"سيسكو سيستمز" و"إيباي" و"فيسبوك" و"إنتل" و"نتفلكس" و"ويستيرن ديجيتال" و"معهد ستانفورد للأبحاث".
شاهد أيضاً: 6 نصائح لإدارة شركتك الناشئة مالياً
في الختام:
يدرك العالم أجمع اليوم أنَّ وادي السيليكون (سيليكون فالي) هو أكبر تجمُّعٍ للشركات التي أصبحت رائدة كعلامات تجارية في مجال صناعة الأجهزة الإلكترونية والبرمجيات؛ إذ استطاع هذا التجمع استقطاب الطموحين من الطلبة للدراسة، والخبراء من الموظفين والمبرمجين للعمل في شركاته، والمغامرين الطموحين من أصحاب رؤوس الأموال الهادفين إلى تشجيع الشركات الصغيرة الناشئة.
ولا بُدَّ لمكان اجتمعت فيه كل هذه الخبرات، إضافة إلى الموقع المتميز وروح التعاون في سبيل خدمة البشرية، أن يشكل ثورة في عالم التطور التكنولوجي والتقني.
أضف تعليقاً