لقد ألقى الباحثون نظرةً على أكثر من 200 دراسة سابقة لفحص الأسباب الكامنة وراء الإفراط في استعمال المضادات الحيوية، التي يمكن أن تؤدي إلى جعل البكتيريا الضارة مقاومة للأدوية، ويمكن أن يسبب ذلك آثاراً ضارة في الميكروبيوم وهي مجموعة من الجراثيم المفيدة التي تعيش في أجسامنا وفوقها.
زاد الاستعمال العالمي للمضادات الحيوية بين عامي 2000 - 2015 بنسبة 39%، مع زيادة بنسبة 77% في البلدان التي يحصل فيها الأفراد على دخل منخفض ومتوسط.
كما ذكر الباحث "مارتن بلاسر" (Martin Blaser)، مدير "مركز التكنولوجيا الحيوية المتقدمة والطب في جامعة روتجرز" (Center for Advanced Biotechnology and Medicine at Rutgers University)، والمؤلف الرئيس للدراسة في مجلة "بايوإيسيس" (BioEssays).
في هذا المقال يجيب "بلاسر" عن بعض الأسئلة عن المشكلات الصحية للإفراط في استعمال المضادات الحيوية لدى الأطفال والبالغين، وكيف توضح النتائج الحاجة إلى مزيد من التثقيف لكل من الأطباء والمرضى.
ما هي المشكلات الصحية الناتجة عن اختلال الميكروبيوم بسبب استعمال المضادات الحيوية؟
"بلاسر": لدى الأطفال، يمكن أن يغير الاستعمال غير السليم للمضادات الحيوية الميكروبيوم في أثناء تطوُّر أنظمتهم المناعية والأيضية والعصبية؛ إذ تربط الدراسات الوبائية بين التعرض للمضادات الحيوية وزيادة خطر الإصابة بأمراض الحساسية والاضطرابات الأيضية والمعرفية، التي أصبحت أكثر شيوعاً عند الأطفال خلال عصر المضادات الحيوية.
أما لدى البالغين، فيوجد أدلة متزايدة تؤكد بأنَّ المضادات الحيوية تزيد من خطر الإصابة بالأمراض الأيضية والأورام، ومن ذلك مرض السكري والحصى في الكلى وانتفاخ القولون والمستقيم الذي يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالسرطان.
ما هي الاتجاهات السائدة التي وجدتَها في استعمال المضادات الحيوية؟
"بلاسر": وجدت دراسات في "الولايات المتحدة" (United States) و"المملكة المتحدة" (United Kingdom) و"الصين" (China) أنَّ معظم الصيدليات الإلكترونية تبيع المضادات الحيوية دون وصفة طبية، وتُعَدُّ هذه المشكلة كبيرة أيضاً في البلدان التي يحصل فيها الأفراد على دخل منخفض ومتوسط؛ حيث تباع المضادات الحيوية دون وصفة طبية بنسبة 60%، غالباً بواسطة أطباء ممارسين غير مدربين.
ربما يكون مصدر القلق - خاصة خلال أزمة جائحة "كوفيد-19" (COVID-19) - هو اكتشاف أنَّ خدمات التطبيب عن بُعد تُعَدُّ مصدراً محتملاً آخر لمبيعات المضادات الحيوية المشكوك فيها في الولايات المتحدة.
كما وجد تحليل أُجرِيَ مؤخراً أنَّ المرضى الذين يعانون من التهابات الجهاز التنفسي الحادة تُوصف لهم مضادات حيوية شاملة في كثير من الأحيان إذا تواصلوا مع طبيب الرعاية الصحية عن بُعد، مقارنةً بالزيارة الشخصية.
تُعَدُّ نسبة استعمال المضادات الحيوية بين الأطفال الصغار هي الأعلى في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في المناطق ذات الدخل المنخفض؛ وغالباً ما يكون هذا الأمر استجابةً لحقيقة أنَّ الأطفال الصغار معرضون للإصابة بـ 4 - 6 حالات التهاب في الجهاز التنفسي العلوي كل عام، ومع أنَّ معظم هذه الالتهابات تُعالَج باستعمال المضادات الحيوية، إلا أنَّ نسبة 80% منها لا تسببها البكتيريا، ومن ثَمَّ لن تستفيد من المضادات الحيوية.
هل من المرجَّح أن يصف بعض الأطباء المضادات الحيوية؟
"بلاسر": تتفق نتائجنا مع الفرضية القائلة إنَّ الأطباء الأكبر سناً قد يصفون المضادات الحيوية أكثر من زملائهم الأصغر سناً، على سبيل المثال: وجدت إحدى الدراسات أنَّ الأطباء الذين تزيد أعمارهم عن 30 عاماً هم أكثر ميلاً لوصف المضادات الحيوية لحالات الجهاز التنفسي الشائعة التي لا تتطلب استعمالها بالضرورة.
كما وجدت دراسة أخرى أنَّ الأطباء الذين لديهم أكثر من 25 عاماً في الممارسة، كانوا ميَّالين ميلاً متناسباً لإصدار وصفات طبية ليستعملها المرضى لأكثر من ثمانية أيام.
ما هي المعلومات الخاطئة المنتشرة بين الناس؟
"بلاسر": يعتقد معظم الناس أنَّ المضادات الحيوية فعَّالة ضد الأمراض البكتيرية والفيروسية، ويضعون جميع أنواع مسببات الأمراض في بوتقة واحدة ويتبنون موقف "الجراثيم لا تختلف عن بعضها"، في حين يعتقد بعضهم الآخر أنَّ تناول المضادات الحيوية لا يضر.
على سبيل المثال: في أوروبا 57% من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع لم يكونوا على علم بأنَّ المضادات الحيوية غير فعَّالة ضد الفيروسات، و44% لم يعرفوا أنَّ المضادات الحيوية ليس لها تأثير ضد نزلات البرد أو الأنفلونزا.
ما هي الأسباب الأخرى التي استُعمِلَت فيها وصفات طبية غير مناسبة للمضادات الحيوية؟
"بلاسر": تُستعمَل المضادات الحيوية استعمالاً شائعاً في جميع أنحاء العالم لعلاج المشكلات الصحية التي لم تكن مخصصة لها أبداً، كما هو الحال في "نيجيريا" (Nigeria)؛ إذ تستعمل النساء استعمالاً متزايداً المضادات الحيوية لتقليل تقلصات وآلام الدورة الشهرية.
غالباً ما يُنظَر إلى المضادات الحيوية في البلدان التي يحصل فيها الأفراد على دخل منخفض ومتوسط، على أنَّها أدوية سحرية قوية قادرة على علاج مجموعة من الأمراض والوقاية منها. في معظم البلدان، يأخذ الناس المضادات الحيوية أيضاً ليتمكنوا من العودة إلى العمل أو المدرسة في حال المرض، ووجدت إحدى الدراسات أنَّ 63% من طلاب الجامعات الصينية يحتفظون بمخزون من المضادات الحيوية في المنزل.
قد يحتاج الآباء إلى استعمال المضادات الحيوية حتى يتمكنوا من الذهاب إلى العمل أو قد يحتاج إليها الأطفال ليتمكنوا من الذهاب إلى المدرسة أو الحضانة. وجدت دراسة أمريكية أنَّ 43% من آباء الأطفال المصابين بأعراض البرد يعتقدون أنَّ المضادات الحيوية ضرورية.
بالإضافة إلى ذلك، يميل بعض الأطباء إلى وصف المضادات الحيوية للحفاظ على علاقة جيدة مع المرضى الذين يريدون التعافي، وقد لا يطلب المرضى المضادات الحيوية طلباً مباشراً؛ ولكنَّهم يستنتجون حاجتهم إليها من وصفهم لخطورة مرضهم أو لأنَّهم استفادوا منها في الماضي في مشكلة مماثلة؛ إذ أصبح الناس أقل استعداداً لتحمُّل المرض وتركه يأخذ مجراه.
يعتقد الناس أنَّه يوجد حبوب لجميع أنواع الأمراض، وهذا يدفعهم إلى مطالبة الأطباء بالشفاء العاجل من الأعراض أو تناول الدواء من تلقاء أنفسهم.
يُمثِّل بيع المضادات الحيوية مصدر ربح بالنسبة إلى الصيادلة، خاصة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل؛ لذلك لا يترددون في بيعها دون وصفة طبية، ويحصل الأطباء في أرياف الصين على مكافآت مالية لقاء وصفات المضادات الحيوية التي يقدمونها للمرضى، وهذا يسهم في استعمالها على نطاق واسع.
كيف يمكن معالجة الإفراط في استعمال المضادات الحيوية؟
"بلاسر": يجب أن يكون الأطباء على علم جيد بالآثار طويلة الأمد في الميكروبيوم، وأن يتعلموا طرائق أفضل للتحدث مع مرضاهم عن مخاطر وفوائد المضادات الحيوية، كما عليهم تحسين طريقة شرحهم لعواقب العلاج باستعمال المضادات الحيوية وتحديد بدائل لها.
أضف تعليقاً