وفقاً لاستطلاع أجراه موقع "غلاس دور" (Glassdoor) و"هاريس إنترأكتيف" (Harris Interactive)، أراد كثيرٌ من المتقدمين معرفة فرص التقدم عند إجراء المقابلات للحصول على وظيفة أكثر من أي ميزة أخرى. كما وجد الاستطلاع نفسه أنَّ ثلث الموظفين تركوا الوظيفة بسبب نقص التقدم الوظيفي أكثر من أي سبب آخر، و8% فقط غادروا بسبب مديريهم؛ لذا عندما تغيب فرص التقدم المهني في الشركة، ستصاب بالركود والملل؛ ويؤدي ذلك بدوره إلى مغادرة الموظفين.
ما الذي يحصل عندما يفتقر الموظفون إلى فرص التقدم في العمل؟
يعمل الموظفون دون بذل جهد أو تفكير، وتركيزهم لا يكون على عملهم؛ لذلك تحدث أخطاء، وتنخفض الجودة، وتبدأ اللامبالاة، ويصبح العمل روتينياً. ومع ذلك، قد يسير العمل سيراً حسناً؛ لكن لن يحدث شيء جديد، ولن يكون هنالك أي مجال للإبداع.
حلَّلت إحدى الشركات نتائج استطلاع لأكثر من 20000 موظف تركوا شركة طبية كبرى والشركات التابعة لها خلال فترة خمس سنوات، وقارنت معدل دوران القوى العاملة مع درجات التفاعل، وكانت النتائج مثيرة للاهتمام.
تمتع الموظفون بمستوى عالٍ من التقدم خلال الأشهر الستة الأولى من العمل؛ ومع ذلك، خلال تسعة أشهر، شهدت هذه الشركات مستويات أعلى بكثير من متوسط معدل دوران العمالة، وانخفضت مستويات التفاعل؛ إذاً ما الذي كان يحدث؟
النمو = التفاعل:
بعد إجراء كثير من الاستطلاعات، تبيَّن أنَّه خلال الأشهر الستة الأولى كان هؤلاء الموظفون يتعلمون باستمرار، وهذا منطقي؛ وذلك لأنَّ الوظيفة جديدة بالنسبة إليهم. ومع ذلك، خلال تسعة أشهر، تعلَّم الموظفون أساسيات الوظيفة ولم يواجهوا تحديات كما كانوا خلال الأشهر الستة الأولى، وفي تلك المرحلة، انخفضت مستويات تفاعلهم انخفاضاً كبيراً.
الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أنَّه بعد عمل الموظفين لمدة تتراوح بين 14-18 شهراً، زاد التفاعل والاحتفاظ بالموظفين مرة أخرى حتى عامين، فما الذي كان يحدث في كل نقطة من هذه النقاط الزمنية التي أثَّرت في كل من التفاعل والاحتفاظ؟ الأمر واضح: لقد كان الأمر يتعلق بالنمو.
كان الموظفون يتعلمون ويتطورون في الأشهر الستة الأولى، ولكن بعد نحو تسعة أشهر توقفوا عن التعلُّم، ولم يكن المسار المهني أمامهم واضحاً، ولم يتمكنوا من رؤية أي فرص للتقدم في انتظارهم، وشعروا بشيء من انخفاض العزيمة.
أولئك الذين بقوا لمدة 14-18 شهراً بدؤوا فجأة بالحصول على كثيرٍ من فرص التقدم، مثل المهام الجديدة، والترقيات، والأدوار الوظيفية المختلفة؛ لقد كانوا - مرة أخرى - يتقدمون ويزداد التفاعل. وبقي هذا النمط ثابتاً حتى مرور عامين؛ إذ بدأ الموظفون بالبحث خارج الشركة عن الفرص والتحديات الجديدة، وبعض الذين بقوا وقعوا في أنماط الركود وعدم التفاعل نفسها.
بالنسبة إلى هذه الشركات، كان الحل واضحاً؛ وهو تكثيف الجهود لخلق فرص النمو في مرحلتين زمنيتين هما تسعة أشهر و24 شهراً.
شاهد: كيف تحدد أهدافك في العمل لتطور مهاراتك المهنية
الأمر كله يتعلق بالتطور المهني:
كان على الموظفين بدورهم اختيار الاستفادة من هذه الفرص، وأظهر أولئك الذين استفادوا من الفرص مستويات واضحة من التفاعل، أما أولئك الذين لم يستفيدوا، فقرروا ترك الشركة، وكان هذا - من وجهة نظر هذه الشركات - "معدل دوران عمالة جيد".
هناك قدر كبير من الخوف بين بعض القادة التنظيميين - المديرون التنفيذيون والمديرون على حدٍ سواء - فمن خلال مساعدة الموظفين على التطور المهني، فإنَّهم سيجهزونهم فقط للمغادرة إلى شركات أفضل منهم؛ إنَّها متلازمة "ساعدهم على التقدم وراقبهم وهم يغادرون"، وهذا غير عملي.
كتبت "بيفرلي كاي" (Beverly Kaye) و"جولي وينكل جوليوني" (Julie Winkle Giulioni) في كتابهما "ساعدهم على التقدم أو شاهدهم يغادرون" (Help Them Grow or Watch Them Go): "أصبح التطوير الوظيفي "التطبيق الناجح" لتفاعل الموظفين، الذي يؤدي بدوره إلى زيادة الإيرادات والربح والإبداع والنتائج الإيجابية"؛ لذا يُعَدُّ توفير بيئة يمكن للموظفين فيها اختيار التطوير المهني - إلى حد كبير - أقل ضرراً.
هل هناك خطر من أنَّ القيام بذلك سيؤدي فقط إلى تدريب أفضل الموظفين ليغادروا من أجل وظائف أفضل؟ بالطبع، لكن ضع في حسبانك البديل: هل تفضِّل وجود موظفين غير متحمسين، وغير ماهرين، ومتمسكين بالروتين في قلب شركتك، ويتفاعلون مع عملائك؟
أليس من المنطقي مساعدة موظفيك على تطوير المهارات التي تجعلهم يستحقون الاحتفاظ بهم، ثم التمسك بهم من خلال بناء ثقافة يتمتعون فيها بالاستقلالية والتقدير والحرية لمعرفة مقدار تطورهم دون خوف من الفشل؟ بناءً على البحث، فإنَّه ليس حتى خياراً؛ إذ يغادر بعض الموظفين ذوي العقلية المتنامية، بينما يتفاعل معظمهم ويستمرون في العمل، وتستفيد الشركة.
قضية هامة لجيل الألفية:
مكان العمل الإيجابي للتقدم هام خاصةً لجيل الألفية، الذين سيشكلون الجيل القادم من القوى العاملة؛ إذ أظهر استطلاع عام 2012 لنحو 8000 طالب جامعي أجرته شركة "أتشيفرز آند إكسبيرينس" (Achievers and Experience Inc)، أنَّ العامل الأكثر أهمية بالنسبة إليهم في اختيار مكان للعمل هو فرص التقدم الوظيفي بنسبة 54% مع التقدم الوظيفي مقابل 51% مع الراتب، كما أنَّ "العمل الممتع والصعب" بنسبة 51% مقابل 51% مع الراتب.
من الواضح أنَّه يجب أن تكون هناك عوامل تتعلق بالأجور ومزايا العمل الأخرى، بينما يريد الموظفون التقدم والتنمية ليس فقط لتعزيز آفاق حياتهم المهنية في المستقبل ولكن أيضاً لأنَّه يجعل العمل ممتعاً جداً ومكافئاً لجهودهم؛ فالبشر أفراد فضوليون يرغبون في التعلم والتكيف والتطور، والظروف لا تهم كثيراً؛ فحتى الموظفون الذين يعملون بالساعة يريدون مواجهة التحدي والتقدم من خلال وظائفهم.
النمو يمثِّل تحدياً للموظفين العاملين بنظام الساعة:
شعر 51% فقط من الموظفين الذين يعملون بالساعة أنَّ لديهم صوتاً في الشركة ويمكنهم التحدث دون خوف من العقاب أو العواقب السلبية، مقارنة بنحو 70% من الموظفين الذين يتقاضون راتباً ثابتاً، وأفاد 39% فقط من الموظفين الذين يعملون بالساعة أنَّهم يتلقون المشورة في حياتهم المهنية، مقارنة بـ 54% من الموظفين الذين يتقاضون راتباً ثابتاً. ومع ذلك، ضع في حسبانك أهمية دور الموظف الذي يعمل بالساعة في سلامة الشركة؛ إذ:
- في أغلب الأحيان، يمثِّل الموظفون العاملون بالساعة غالبية الأدوار التي تواجه العملاء.
- يشاركون مشاركة مباشرة في الإنتاج.
- يؤثرون تأثيراً مباشراً في الجودة.
- هم دعاة السلامة.
- يعرفون سبب المشكلات وكيفية حلها.
متى كانت آخر مرة قلق فيها مدير في شركتك بشأن تدريب موظف يعمل بالساعة تدريباً جيداً لدرجة أنَّه أصبح لديه من الخبرة ما يُثنيه عن البقاء في المؤسسة؟ ومع ذلك، فمن خلال حرمان جميع العمال من فرص التقدم بسبب هذا الخوف غير المنطقي، يمنع بعض المديرين بعضاً من أكثر الموظفين قيمة من التحسن في وظائفهم؛ وذلك لا معنى له.
أسلوب "جولة العمل":
ينتشر في هذه الأيام اتجاه يسمى "جولة العمل"؛ إذ يأتي الشخص إلى شركة ما، ويجد فرصاً هائلة للتطوير المهني والشخصي، فيكتسب الخبرة، ثم يترك العمل. ومع ذلك، لأنَّ الإدارة شجَّعت تقدُّمه وأعطته ما يحتاج إليه للتحسن، وبقيت العلاقة قوية، يعود ذلك الشخص بعد بضع سنوات في جولة ثانية محتلاً مرتبة أعلى في سلم الشركة، وفي أغلب الأحيان، يجلب معه مجموعة مهارات أفضل.
في الختام:
يؤدي النمو إلى التفاعل، والموظفون الذين يجدون تفاعلاً عميقاً ومُرضياً في شركة ما هم أكثر ميلاً لتكوين علاقات طويلة الأمد ومفيدة للطرفين مع تلك الشركة، حتى لو كانوا يعملون في مكان آخر.
المصدر: 1
أضف تعليقاً