ويستدعي هذا الموضوع استكشاف عمق ظاهرة عقدة ذنب الناجي، وتحليل تأثيرها على الفرد والمجتمع، مع التركيز على الاستراتيجيات النفسية والاجتماعية للتعامل مع هذا الشعور المعقد.
تابعوا معنا لتتعرفوا أكثر على عقدة ذنب الناجي، وكيفية التعامل معها.
ما هي عقدة ذنب الناجي؟
الشعور بالذنب لدى الناجين هو نوع خاص من الذنب يتطور عند أشخاص نجوا من موقف يهدد حياتهم، حيث يشعر بعض الناجين بالذنب لأنهم نجوا بينما مات آخرون، وهناك من يعتقدون أنهم كان بإمكانهم فعل المزيد لإنقاذ حياة الآخرين، وثمة أيضاً أولئك الذين يشعرون بالذنب لأن شخصاً آخر توفي أثناء محاولته إنقاذهم.
هذا وتعتبر عقدة ذنب الناجي شائعة أيضاً بين الذين نجوا من تجارب صحية. على سبيل المثال، وصف أولئك الذين عاشوا خلال وباء الإيدز مشاعر الذنب المتعلقة بنجاتهم بينما توفي آخرون، بما في ذلك الأصدقاء أو العائلة، كما يمر بعض الناجين من السرطان بنفس الشعور بالذنب إذا تعافوا بعد التشخيص في حين توفي آخرون.
أعراض عقدة ذنب الناجي
تتفاوت شدة ومدى عقدة ذنب الناجي من شخص لآخر، حيث يمكن أن تكون أعراض شعور الذنب نفسيّة وجسدية وتشبه في كثير من الأحيان تلك المرتبطة باضطراب ما بعد الصدمة.
أشهر الأعراض النفسية تشمل:
- الشعور بالعجز.
- تذكر الحدث الصادم.
- الاضطراب.
- فقدان الدافع.
- تقلبات المزاج والانفعالات الغاضبة.
- أفكار مهووسة حول الحدث.
- أفكار انتحارية.
ويمكن أن تشمل الأعراض الجسدية الشائعة:
- تغييرات في الشهية.
- صعوبة في النوم.
- الصداع.
- الغثيان أو الألم في المعدة.
- تسارع في نبض القلب.
عقدة الذنب قد يكون لها تأثير خطير على حياة الشخص ووظائفه، مما يشير إلى ضرورة إجراء المزيد من البحوث لاستكشاف وسائل فعالة لمساعدة الأشخاص في التعامل مع مشاعر الذنب هذه.
الندم، التأمل، والتحيّز الرجعي
بعد تجربة الصدمة، قد يعاني الأشخاص من مشاعر الندم أيضاً، فقد يتأملون في الأحداث التي وقعت ويفكرون في الأمور التي كان بإمكانهم فعلها أو كان يجب عليهم فعلها والتي (يعتقدون) أنها كانت ستغيّر النتيجة، ويمكن أن يزيد هذا الاستعراض للأحداث من مشاعر الذنب، خاصةً إذا شعر الناس أن أفعالهم الخاصة (أو تقاعسهم) قد فاقمت النتائج.
وفي كثير من الحالات، يتأثر هذا التأمل بما يُعرف بالتحيّز الرجعي، حيث ينظرون إلى الخلف ويبالغون في تقدير قدرتهم على معرفة نتيجة حدث ما، وبما أنهم يشعرون بأنهم يجب أن يكونوا قادرين على توقع ما حدث، قد يقتنعون بأنهم كانوا قادرين أيضاً على تغيير النتيجة.
وفي بعض الأوقات يكون لعقدة الذنب سبب (مثل تسبب حادث في وفاة شخص آخر أو إصابته)، ولكن في الكثير من هذه الحالات، يكون هناك القليل أو لا شيء مما يمكن للشخص فعله لتجنب أو تغيير النتيجة.
شاهد بالفيديو: طرق علاج جلد الذات
أسباب عقدة ذنب الناجي
شعور الذنب لدى الناجين يحدث للأشخاص الذين خضعوا لنوع من أنواع الصدمات. ومع ذلك، ليس كل من يعيش هذه التجربة يطوّر هذا النوع المشاعر.
مكانة التحكم لدى الشخص قد تلعب دوراً في تحديد ما إذا كان سيعيش عقدة الذنب أم لا، حيث نجد بعض الأشخاص أكثر عرضة لتحميل اللوم لأنفسهم، وعند تفسير الأحداث، يميلون إلى أن ينسبوا السبب إلى صفاتهم الشخصية بدلاً من القوى الخارجية.
وفي كثير من الحالات، يمكن أن يكون هذا أمراً جيداً لتقدير الذات، ومن خلال تحميل الفضل لأنفسهم في النتائج الجيدة، يمكن للأشخاص أن يشعروا بتحسن تجاه أنفسهم وقدراتهم، ولكن يمكن أن يكون الأمر مدمراً عندما يلوم الناس أنفسهم على أحداث خارجة عن سيطرتهم.
العوامل الإضافية التي قد تزيد من خطر تجربة عقدة ذنب الناجي تشمل:
1. تاريخ الصدمة
أشارت بعض الأبحاث إلى أن تجربة الصدمة أثناء الطفولة قد تزيد من احتمالية الشعور بالانفعالات السلبية بعد أحداث مهددة الحياة.
2. تاريخ الاكتئاب
الأشخاص الذين يعانون بالفعل من الاكتئاب أو الذين تعرضوا له في الماضي قد يكونون أكثر عرضة لتجربة الذنب والقلق بعد الصدمة.
3. قلة تقدير الذات
الأشخاص ذوي التقدير المنخفض للنفس قد يضعون قيمة أقل لرفاهيتهم الشخصية، وعند مواجهتهم لتجربة النجاة حيث توفي الآخرون، قد يكونون أكثر عرضة للتساؤل عما إذا كانوا "يستحقون" حظهم الجيد، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى مشاعر النقص وحتى الذنب.
4. نقص الدعم الاجتماعي
الأشخاص الذين ليس لديهم شبكة قوية من الدعم الاجتماعي قد يكونون أكثر عرضة لتجربة عقدة الذنب.
5. ضعف مهارات التكيف
الأشخاص أكثر عرضة لاضطراب ما بعد الصدمة إذا كانت لديهم أساليب تجنبية للتكيف مع التوتر، ومن الأمثلة على استراتيجيات التجنب لدينا الانسحاب السلوكي والتفكير المليء بالتمني.
علاج عقدة ذنب الناجي
الحصول على العلاج المناسب إذا كنت تعاني من مثل هذه الأعراض أمر مهم، فعقدة الذنب لا تقلل فقط من الرفاهية العقلية وجودة الحياة، ولكن يمكن أيضاً أن تشكل مخاطر جمة، خاصةً إذا كانت هناك أية أعراض أخرى لاضطراب ما بعد الصدمة.
وفي الواقع، اكتشف الباحثون أن عقدة الذنب المتعلقة بالصدمة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأفكار الانتحارية لدى المحاربين القدامى.
وفي هذا الصدد نجد أن العلاج السلوكي المعرفي (CBT) هو نهج يمكن أن يكون فعّالاً بشكل خاص، حيث يتعاون العملاء خلال هذا النهج مع أخصائي نفسي لاستكشاف الأفكار السلبية التلقائية التي تسهم في الشعور بالذنب، ويمكن أن يساعد فحص الأفكار غير الواقعية واستبدالها بأخرى أكثر واقعية في التخفيف من مشاعر الذنب واللوم الذاتي.
وقد تكون هناك أشكال أخرى من العلاج النفسي، والعلاج الجماعي، ومجموعات الدعم، والأدوية أيضاً مفيدة في علاج أعراض عقدة ذنب الناجي.
كيفية التعامل مع عقدة ذنب الناجي
مشاعر الذنب، جنباً إلى جنب مع أي ضيق آخر قد تواجهه بعد حدوث حدث صادم، غالباً ما تتلاشى مع مرور الوقت، وفيما يلي مجموعة من الاستراتيجيات التي تساعدك في التعامل مع عقدة ذنب الناجي وتخفيف تأثيرها حتى تبدأ بالتلاشي بشكل طبيعي.
1. العمل على القبول
بعد حدوث حدث صادم، يمكن أن يكون القبول أمراً صعباً للغاية، ولكن عليك أن تقبل الحدث نفسه، مما قد يتضمن الاعتراف والتأقلم مع فقدان أحبائك أو طريقة حياتك، كما يجب عليك أيضاً الاعتراف والقبول بالشعور بالذنب والحزن وأية مشاعر أخرى تنشأ عن تلك الصدمة.
وفي بعض الأحيان، قد يبدو تجنب أو حجب ذكريات الحدث الصادم أمراً أكثر فائدة، لأنه بعد كل شيء، قد يمنعك التجنب من إعادة تجربة المشاعر المزعجة وغير المرغوبة عندما لا تشعر بالاستعداد للتعامل معها. ومع ذلك، عادةً ما لا يعمل التجنب والإنكار كحل طويل الأمد.
وعندما تأخذ وقتك للحزن ومعالجة مشاعرك بشكل كامل، غالباً ما يصبح من الأسهل قبول جميع جوانب الصدمة، بما في ذلك حقيقة أنك لم تكن السبب فيها ولم تكن قادراً على فعل أي شيء لتغيير النتيجة.
أيضاً يجد الكثيرون أن التأمل هو نهج مفيد لممارسة قبول وتنظيم العواطف الأليمة أو الصعبة، وإذا لم يفيدك التأمل، قد تساعدك كتابة اليوميات في التعبير عن الذنب ومعالجة الحزن وغيرها من مشاعر الضيق العاطفي.
2. جرب اليقظة وتمارين التركيز الأخرى
تقنيات اليقظة يمكن أن تعزز التركيز على اللحظة الحالية، مما يجعل من السهل التخلص من الأفكار المزعجة دون التمسك بها أو الحكم على النفس بسببها.
وفيما يلي بعض التكتيكات السريعة لتعزيز اليقظة:
- قم بالمشي. ركز انتباهك على ما تراه وتسمعه وتشعر به.
- قم بالتلوين أو الرسم أو الخربشة.
- جرب فحص الجسم السريع أو أي تأمل بسيط آخر.
- مارس التأريض.
3. تحدث مع الأحباء
الدعم العاطفي من الأحباء يمكن أن يحدث فارقاً كبيراً بعد وقوع حدث صادم، حيث يمكن للأصدقاء والعائلة أن يقدموا الدعم من خلال الاستماع إلى ما يسبب لك الضيق وتذكيرك بأنك لم تكن مسؤولاً.
ويمكن أن يساعد الأحباء الذين يعبرون عن دعمهم أيضاً في تذكيرك بأنه لا يوجد شيء خاطئ في الشعور بالراحة أو الامتنان لسلامتك الشخصية، ويمكن لهذه الأحاسيس أن تكون حاضرة ولا تزال تشعر بالأسف والألم الذي عاشه الآخرون وهذا أمر طبيعي.
كما أن مشاركة عواطفك مع الأحباء الذين مروا بالصدمة معك يمكن أيضاً أن يشجعهم على القيام بالشيء نفسه.
في الختام
الشعور بالذنب بسبب النجاة، عندما يعاني الآخرون يظهر فقط ليوضح تفهمك وتعاطفك. ومع ذلك، في حين أن هذه المشاعر قد تنبع من مكان جيد، إلا أنها قد تزيد من الألم والضيق.
وبدلاً من معاقبة نفسك لأنك نجوت، حاول فهم نجاتك كهبة، هبة يمكنك أن تقدمها مع الامتنان واللطف تجاه الآخرين، وأن تقوم بما تستطيع لدعم الأحباء، أو حتى الغرباء، الذين لا يزالون يكافحون فهذا يمكن أن يضيف معنى وغرضاً لحياتك.
أضف تعليقاً