ما هو الدعم الاجتماعي؟
يعبِّر الدعم الاجتماعي عن طرائق ومنظومات المساعدة بين الناس في المجتمع، ويمكن تعريفة بأنَّه شبكة الأشخاص والجمعيات والهيئات والمنظَّمات الذين يُعتمَد عليهم في حصول الفرد على الدعم في مختلف المستويات، وهو العمليَّة التي تُنفِّذ هذا الدعم بكل ما تحتويه من مبادئ ونشاطات، وما تستهدفه من مجالات احتياجات الفرد، وهذا يعني أنَّ الدعم الاجتماعي هو منظومة واسعة تبدأ من الأشخاص المحيطين بالفرد، بدءاً من أسرته وأصدقائه ومعارفه، وانتقالاً للجماعات والمجموعات المتخصِّصة، وصولاً للهيئات والمنظَّمات الدولية التي تُعنى بتعزيز الدعم الاجتماعي في كلِّ مجتمع وعلى المستوى العالمي ككل.
كيف يُقاس مستوى الدعم الاجتماعي؟
إن كنت تتساءل كيف يمكن قياس مستوى الدعم الاجتماعي في مجتمعٍ ما، فإنَّ ذلك يكمن في شعور الفرد نفسه بالمساعدة المتاحة له داخل مجتمعه، أو التي حصل عليها في جانب من جوانب حياته، وكذلك فإنَّه يُقاس بدرجة الاندماج المجتمعي للأفراد، كما أنَّ تقدُّم المجتمع وتطوُّره بات مؤشِّراً واضحاً على مستوى الدعم الاجتماعي فيه، وأثره في صحَّة أفراده النفسية الذي عزَّز تطوُّر نشاطاتهم.
أصبح دور الدعم الاجتماعي في تعزيز الصحة النفسية لأفراد المجتمع موضع بحث للكثير من المختصِّين؛ وذلك لوضع استراتيجيات تطوِّر مفاهيمه في كلِّ مجتمع، وشمله أكثر من 45000 مقالاً وكتاباً، لذا لا بدَّ لنا من التعرُّف أكثر إلى عناصره ومساراته، وتأثير كل منها في الصحة النفسية للأفراد.
مبادئ الدعم الاجتماعي ودورها في الصحة النفسية:
يقوم الدعم الاجتماعي على جملة من المبادئ التي يجب أن يراعيها حتى تتمَّ العملية بنجاح، وترسِّخ هذه المبادئ دور الدعم الاجتماعي في الصحة النفسية.
إليك بعض هذه المبادئ:
1. تقديم الإرشاد والتوجيه للفرد المُحتاج:
وذلك لمساعدة الفرد على تقويم اتجاهاته وبلوغ أهدافه، بالاعتماد على أسس علمية ونفسية، فلا بدَّ من تكثيف الهيئات المسؤولة عن تأمين الاستشارات الاجتماعية؛ لضمان دعم توجُّهات أفراد المجتمع.
2. التوجه للاستماع إلى الفرد من دون ضغط عليه ليتحدث:
وذلك هامٌّ لضمان راحته النفسية واندماجه بسلاسة أكبر في عمليَّة الدعم الاجتماعي.
3. أن يقدم الدعم من كوادر مدربة ولديها الكفاءة المطلوبة:
فذلك يضمن وصول الدعم للأفراد بالطرائق المناسبة، فلا تحدث إجراءات ليست في مكانها، ويزيد هذا الأمر ثقة الأفراد بمنظومات الدعم الاجتماعي، ويعزِّز الراحة النفسية في المجتمع.
4. العمل السريع على تأمين الاحتياجات الأساسية للفرد في الحالات المُلِحَّة:
مثل المسكن والملبس والغذاء، وهذا يخفِّف كثيراً من التأثيرات النفسية للأحداث المؤلمة التي قد يتعرَّض لها الأفراد.
5. أن يعتمد الدعم على حقوق الإنسان ومبادئ المساواة:
فلا بدَّ لعملية الدعم أن تُعنى بالحقوق المنصوص عليها للإنسان، والأهم هو أن تُقدَّم المساعدات وفقاً للاحتياجات الحقيقية للأفراد دون تمييز عرقي أو جنسي أو أي تمييز آخر، ويقوِّي هذا الأمر دور الدعم الاجتماعي في الصحة النفسية؛ بسبب شعور المساواة بين الأفراد.
6. الشمولية في الدعم الاجتماعي:
أن تكون عمليَّة الدعم متكاملة وشاملة لمستويات الحاجة كافَّة ولكلِّ الفئات.
شاهد بالفديو: 6 عادات خاطئة تقضي على صحتك النفسية
مصادر الدعم الاجتماعي، ودورها في الصحة النفسية:
يأتي جزء كبير من دور الدعم الاجتماعي في الصحة النفسية من جودة مصادره، وقد تظن أنَّك تعرف جميع المصادر التي يحصل من خلالها الفرد على الدعم، ولكنَّ هذا غير دقيق.
نستعرضُ في السطور الآتية أهمَّ مصادر الدعم الاجتماعي:
1. الأسرة والأصدقاء:
تمدُّ الأسرةُ الفردَ بالطمأنينة في محنته، ويعُدُّ دور الأسرة والأصدقاء محوريَّاً في الحفاظ على الصحَّة النفسية للفرد، وتعزيز شعور الأمان والاستقرار لديه، إضافةً إلى دعم اهتماماته، وتشجيعه في مراحل حياته، والأهم هو احتواؤه.
2. المعارف والجيران والزملاء:
إنَّ دائرة الأشخاص هذه أوسع من سابقتها، ولكنَّها هامَّة؛ فهي توفِّر البيئة الهادئة المستقرَّة التي يعيش ويعمل فيها الفرد، وهذه البيئة قادرة على تقديم الدعم المناسب لأفرادها.
3. الحيوانات الأليفة:
أشارت كثير من الدراسات إلى دور تربية الحيوان الأليف في التخفيف من اضطرابات المزاج، وتهدئة القلق وحالات التوتر، فهي تثير لصاحبه جوَّاً من المرح يخفِّف من خلاله أعباء حياته.
4. الجمعيات الخيريَّة والمنظَّمات غير الحكومية:
كرَّست هذه الهيئات نفسها لتقديم الدعم الاجتماعي، وذلك بحسب تخصُّصها في إطار الأعمال التطوُّعية والخدمات المجانية للأفراد، وتتضمَّن: استشارات الصحَّة النفسية، والتعليم والتوجيه، وتوفير مأوى للمشرَّدين، وحل قضايا المستضعفين.
5. المواقع والمنصَّات الاجتماعية على الإنترنت:
كثرت مؤخَّراً مجموعات وفِرَق الدعم النفسي والاجتماعي على منصَّات التواصل، كما أصبح لدى كثير من متخصِّصي الصحة النفسية والدعم الاجتماعي قنوات يقدِّمون من خلالها نصائح وخبرات ومعلومات قيِّمة جداً لدعم حياة الفرد، ويستقبلون الاستشارات عليها، وهذا عزَّز كثيراً دور الدعم الاجتماعي في الصحة النفسية للمجتمع في العصر الحالي.
أنواع الدعم الاجتماعي:
تقدِّم كل تلك المصادر - التي تحدَّثنا عنها - مساعداتها ضمن سياقات احتياج الفرد، ومنه فقد تفرَّع الدعم الاجتماعي إلى أنواع، بحسب الجانب الذي يخدم هذا الاحتياج.
إليك بعض أنواع الدعم الاجتماعي:
أولاً: الدعم في حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية
هو دعم اجتماعي ذو خصوصية عالية موجَّهٌ لتأمين قوى الدعم الإسعافي؛ لتوفير الإسعافات الأوَّلية، ومقوِّمات النجاة، والاحتياجات الأساسية للأفراد في مثل تلك الحالات، إضافة للتعامل التخصُّصي مع الحالات المتضرِّرة نفسياً ومادياً من هذه الأزمات، وتقوِّي ثقة الأفراد بمنظومة الدعم هذه في مجتمعهم دور الدعم الاجتماعي في الصحة النفسية لديهم، كما تمدُّهم بالراحة والطمأنينة.
ثانياً: الدعم في الأحوال العادية والحياة الطبيعية
ينطوي على عدَّة مستويات بحسب احتياجات الفرد، منها:
1. الدعم النفسي والوجداني:
يُعدُّ أهم حاجات الفرد، فالبيئة المحتوية التي توفِّر التعاطف والدفء والمشاركة بالمشاعر الإيجابية والسلبية لأفرادها، هي البيئة التي تُخرِج أشخاصاً مبدعين ولديهم أساس نفسي صلب.
2. التعليم والتوجيه:
وذلك مثل الجمعيَّات التي توفِّر تعليماً متقدِّماً لذوي الاحتياجات الخاصة، وتعقبه بتوجيههم إلى أعمال تناسبهم وتجعلهم أكثر فاعليَّة، وهذا يدعم حالتهم النفسية كثيراً، وهذه صورة بليغة تُظهر دور الدعم الاجتماعي في الصحة النفسية.
3. الدعم المادي:
يُقدَّم هذا الدعم لأصحاب الأفكار والمشاريع، خاصةً من فئة الشباب، وهذا يدعم طموحاتهم ويزيد الطاقات الخلَّاقة في المجتمع.
نشاطات الدعم الاجتماعي، ودورها في الصحة النفسية:
يمتدُّ دور الدعم الاجتماعي في الصحة النفسية بتطبيقاته ليشمل مجموعة متنوعة من النشاطات التي تحقِّق أهدافه، ومن أهمِّ هذه النشاطات:
- التوعية بالقضايا المجتمعية الهامَّة وحملات التثقيف.
- تعليم المهارات المهنية، وتدريب المواهب.
- العمل على دعم العلاقات الأسريَّة.
- ابتكار نشاطات ترفيهية متنوعة.
- توفير الاستشارات الاجتماعية والنفسية لجميع الأفراد.
- تعزيز المشاركة بالفعاليات المجتمعية التذكارية والأعياد العالمية والوطنية.
- توفير صناديق دعم مادي تستهدف عدَّة فئات؛ لتنشيطها وتقويتها.
- تأسيس فعاليات ونشاطات رياضية.
ينبغي لهذه النشاطات تقديم الدعم الاجتماعي تقديماً يحقِّق أهدافه على مستوى الأفراد والمجتمع، وسنتعمَّق أكثر بهذه الأهداف.
شاهد بالفديو: 6 نصائح لتقديم الدعم لشخص يعاني من الاكتئاب
أهداف الدعم الاجتماعي:
توجد أهداف وتطلُّعات كثيرة وشاملة يهدف الدعم الاجتماعي لتحقيقها، نذكر منها:
- يأتي تعزيز ودعم الصحة النفسية في المجتمع على رأس قائمة الأهداف، ويجب على النشاطات والاستراتيجيات جميعها أن تُفضي إليه.
- تقوية العلاقات والروابط الاجتماعية من خلال النشاطات الكثيرة والهامَّة.
- تلبية الاحتياجات الأساسية لأيِّ فرد تلبيةً تضمن له الغذاء والملبس والمسكن، ودمجه ببرامج بناء مهارات وعلوم مناسبة له.
- تعزيز النشاط والاستقلال الاقتصادي، فلا يخفى على أحد أنَّ الدعم الاجتماعي القوي أوَّل ما ستظهر آثاره في الانتعاش والقوَّة الاقتصادية الناجمة عن القدرات الكبيرة للأفراد وحالتهم النفسية القويَّة.
دور الدعم الاجتماعي في الشفاء من الأمراض النفسية:
يتجلَّى دور الدعم الاجتماعي في الصحة النفسية في واقع الحالات والأمراض النفسية، فهو يرفع نسب الشفاء والتحسُّن بفوارق ملحوظة وملموسة على أرض الواقع، ويقلِّل بالأساس من نِسَب هذه الحالات في المجتمع، وذلك من خلال الوقاية التي يوفِّرها لأفراده بدعم حالتهم النفسية وتحسين جودة الحياة ورفاهيتها.
يستطيع الدعم الاجتماعي توفير الدعم في الشفاء من الأمراض والحالات النفسية من خلال:
1. العناية النفسية المتقدمة:
وذلك من خلال المراكز المجهَّزة بكوادر خبيرة، وأساسات وبنيان متينة، وموقع مثالي لتعزيز الراحة والشفاء النفسي، كأن تكون مراكز العناية تلك وسط الطبيعة ويكون هواؤها وجوُّها مُنعِشاً للنفوس.
2. تأمين الاستشارات النفسية لدى المختصِّين الماهرين لكلِّ فرد في المجتمع:
يتضمَّن ذلك توفيرها مجَّاناً عبر جمعيَّات خاصَّة تقدِّم خدماتها للفئات ذات الدخل الضعيف، وذلك يؤمِّن وصول المساعدة النفسية للفئة الأكثر حاجة لها.
3. توفير فرص عمل ودعم مادي لمشاريع ومهارات الأفراد الذين لديهم حالات نفسية:
يعزِّز هذا الأمر دور الدعم الاجتماعي، والنشاط والاندماج في العمل أو التدريب، والاستمتاع به، ويطغى على دور العلاجات الدوائية في تحسين الحالة النفسية.
نستطيع بهذه الاستراتيجيات أن نقلِّل من نسبة الحالات النفسية الصعبة، ونرفع نسبة الشفاء كثيراً.
في الختام:
رأينا كيف يمكن لتقوية استراتيجيات الدعم الاجتماعي أن تطوِّرَ جودة الحياة في المجتمع تطويراً كبيراً، وعرضنا في مقالنا أبرز مبادئ الدعم الاجتماعي، ومصادره، وأنواعه، وشرحنا دوره الكبير في تعزيز الصحَّة النفسية، والمساعدة على الشفاء من الأمراض النفسيَّة، ووضَّحنا أهميَّة أن تسعى للحصول على هذا الدعم بكافة الطرائق الممكنة.
أضف تعليقاً