في مقالنا اليوم، سنستعرض استراتيجيات فعالة تعزز مهارات اتخاذ القرار لدى أطفالنا، وسنناقش أهمية التربية الإيجابية، وكيفية خلق بيئة آمنة تشجِّع على التفكير النقدي والاستقلالية، وسنتناول أيضاً كيفية التعامل مع الأخطاء بوصفها فرصاً للتعلم، ممَّا يمكِّن الأطفال من بناء ثقتهم بأنفسهم، فانضم إلينا لاكتشاف الطرائق التي يمكننا من خلالها مساعدة أطفالنا على أن يصبحوا قادة في عالمهم.
أسباب تعليم الطفل اتخاذ القرارات
إن مهارة اتخاذ القرارات تعد من المهارات الأساسية التي يحتاج الأطفال إلى تطويرها، فتساهم القرارات التي يتخذونها في تحديد مسارات حياتهم المستقبلية، فعندما نعلم أطفالنا كيفية اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، فإننا نساعدهم على بناء استقلاليتهم وزيادة شعورهم بالمسؤولية وثقتهم بأنفسهم. وقد تؤدي الخيارات السيئة إلى عواقب غير مرغوبة، ولكن من خلال هذه التجارب، يمكن للأطفال أن يتعلموا ويصبحوا أكثر حكمة في قراراتهم المستقبلية،
وعلى الرغم من أنَّ الطفل لن يصبح قادراً على اتخاذ القرارات اتِّخاذاً سليماً بين ليلة وضحاها، يمكن للأم أن تؤدي دوراً هاماً في مساعدته على فهم خياراته من خلال استعراض التجارب السابقة، سواء كانت إيجابية أم سلبية. وبهذه الطريقة، نبني جيلاً قادراً على التفكير النقدي واتخاذ قرارات مدروسة.
كيف أعلِّم طفلي اتخاذ القرارات الصحيحة؟
تعدُّ أساليب التربية المتَّبعة في الأسرة من العوامل الحاسمة في تشكيل شخصية الطفل، فبين هاتين الجملتَين "أنا أعرف مصلحتك وما يناسبك أكثر" و"سأشتري لك ما ترغب به وسنتناول ما تحب"، نجد نمطين مختلفين يهدف كل منهما إلى إسعاد الطفل. في الحالة الأولى، وقد يؤدي هذا النهج إلى فقدان الطفل الثقة بنفسه، ممَّا يجعله عرضة لأن يصبح تابعاً للآخرين أو متمرداً على كل شيء، بحثاً عن السيطرة على حياته التي سلبت منه.
أما في الحالة الثانية، فيتعلم الطفل عدم تقدير ما لديه، معتقداً أنَّ العالم بأسره ملك له، وأنَّ الآخرين ملزمون بتلبية رغباته. ولكن هناك خيار ثالث يتمثل في توفير مساحة آمنة للطفل لإبداء اختياراته ضمن حدود يضعها البالغون. وهذه الطريقة فعالة وتعدُّ فرصة مربحة لكلا الطرفين، فيحدد الآباء الخيارات المناسبة، بينما يشعر الطفل بأنَّه يمارس السيطرة على أموره، فالجميع يفضِّل أن يكون له دور في اتخاذ القرارات. إليك بعض الاستراتيجيات لتُعلِّم طفلك اتخاذ القرار المناسب:
شاهد بالفيديو: 8 ممارسات لتزرع الثقة في نفس طفلك
1. تحديد الخيارات للطفل
إن ترك عدد من الخيارات للطفل، قد يؤدي إلى شعوره بالخروج عن السيطرة بدلاً من التمكين، لذلك يفضل تبسيط الأمور من خلال تقديم خيارين فقط، فإذا وجد الطفل صعوبة في اتخاذ القرار، فمن الأفضل عدم تقديم خيار ثالث له، فيمكن أن يزيد ذلك من حيرته. وفي حال عدم اتخاذه للقرار في الوقت المناسب، يمكنك التدخل واختيار ما يناسبه، مع توضيح أنَّك ستقوم بذلك إذا لم يتخذ هو القرار في الوقت المحدد. وتساعدك هذه الطريقة في منح الطفل الشعور بالراحة والوضوح في اختياراته، ممَّا يعزز ثقته بنفسه وقدرته على اتخاذ القرارات.
2. وضع حدودٍ معتدلة
يصاب الأطفال بالارتباك عندما نترك لهم حرية الاختيار في بعض الأوقات، ثمَّ نفرض عليهم اختياراتنا في أوقات أخرى، ممَّا يجعلهم غير قادرين على فهم حدودهم فهماً واضحاً.
وقد يؤدي ذلك إلى شعورهم بالإحباط والاحتجاج، فمثلاً إذا أبلغنا الأطفال أنَّهم أحرار في اختيار ما يريدون لتناول الإفطار لمدة أسبوع، ثمَّ فرضنا عليهم فجأة فطوراً محدداً دون استشارتهم، فإنَّهم قد يجدون صعوبة في استيعاب هذا التغيير. ومن المحتمل أن يتذمروا أو يحتجوا لأنَّ الحدود أصبحت غير واضحة.
ولتوضيح الموقف، يمكننا أن نقول: "لا يتوفر الآن خيار آخر، لكن عندما أذهب للتسوق سيكون لدينا المزيد من الخيارات". بهذه الطريقة، نساعدهم على فهم الوضع فهماً أفضل ونخفف من مشاعرهم السلبية.
3. إعطاء خيارات موجودة
عند تحديد الخيارات المتاحة للطفل، من الهام أن تتجنب تقديم خيار لا تريده بنفسك، فإذا اختار الطفل خياراً يبدو صعب التنفيذ أو غير متوفر حالياً، فلا تُقنِعه بالخيار الآخر أو تفرضه عليه في النهاية، وبدلاً من ذلك، يجب أن تركِّز على تقديم خيارات متاحة بالفعل لكسب ثقة الطفل.
علاوة على ذلك تأكَّد من أنَّ الخيارات التي تقدمها مقبولة له، فلا تخيِّره مثلاً بين السمك والسبانخ لوجبة الغداء إذا كان قد أعرب مراراً وتكراراً عن عدم حبه لأي منهما، وبهذه الطريقة، تعزز من شعوره بالاحترام والتقدير، مما يسهل عليه اتخاذ قراراته بمزيد من الثّقة.
4. تجنب إرهاق طفلك
ليس المقصود من ترك الاختيار للأطفال هو إشراكهم في القرارات الكبيرة التي تتعلق بحياتهم، وكما تشير الدكتورة "إيرين ليبا" في مقالها على موقع "سيكولوجي توداي"، فإن اعتماد الأطفال على والديهم في اتخاذ القرارات الكبرى يمنحهم شعوراً بالأمان، فمن الرائع أن نمنح الأطفال فرصة للتعبير عن آرائهم، لكنَّ القرارات الكبرى قد تكون ساحقة بالنسبة لهم، ممَّا يؤدي إلى شعورهم بالقلق والضغط. لذا من الهام أن نحدِّد متى يكون من المناسب منح الأطفال حرية الاختيار، مع التأكيد على أهمية وجود دعم الوالدين في المواقف الحاسمة.
5. توفير الدعم المتواصل لطفلك
يؤدي تعبير الآباء والأمهات عن إعجابهم بخيارات أطفالهم دوراً هاماً في تعزيز ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على اتخاذ قرارات جيدة، فمثلاً عندما يختار الطفل صنع البسكويت لوجبة الإفطار، يمكنك تشجيعه بعبارة مثل "شكراً لاختيارك صنع البسكويت، إنَّه لذيذ حقاً ولم نتناوله منذ وقت طويل، ولقد استمتعت بوجبة الإفطار اليوم".
هذه الإيجابية لا تعزز فقط من ثقته بنفسه؛ بل تجعل الطفل يشعر بأنَّ قراراته محط تقدير، ممَّا يشجعه على الاستمرار في اتخاذ خياراته بثقة.
6. طرح أسئلة تفاعلية عليهم
يعزز طرح الأسئلة تفكير الأطفال في الأهداف التي يضعونها لأنفسهم، فمثلاً إذا كان هدف الطفل هو تحسين مهاراته في لعب كرة القدم، يمكن للوالدين أن يسألوه: "كيف يمكنك تحقيق ذلك؟ وما الخطوات التي يمكنك اتخاذها للوصول إلى هذا الهدف؟" هذه الأسئلة تحفِّز الطفل على التفكير العميق وتطوِّر قدرته على اتخاذ القرارات الصحيحة.
7. تشجيع الأطفال على تحقيق أهدافهم
تعدُّ القدرة على تحديد الأهداف وتحقيقها مهارة حياتية أساسية، وتعزيزها لدى الأطفال في سنٍّ مبكرة لا يعزز تركيزهم فحسب؛ بل يرفع أيضاً وعيهم الذاتي وقدرتهم على اتخاذ قرارات صحيحة. ويمكن أن تكون الأهداف بسيطة، مثل ممارسة رياضة جديدة أو العزف على آلة موسيقية، لكنَّ الأهم هو أنَّ هذه العملية تتيح للأطفال تشكيل مساراتهم التعليمية بأنفسهم، فمن خلال تعلم كيفية وضع أهداف واضحة والسعي لتحقيقها، يكتسب الأطفال مهارات قيِّمة تساعدهم على مواجهة التحديات والتطور في مختلف مجالات حياتهم.
8. تعزيز الثقة عند أطفالك
عند تشجيع طفلك على تنمية مهارات اتخاذ القرارات، من الضروري أن تمنحه الثقة بنفسه وتتجنّب لومه حين يخطئ، فكلُّ خطأ هو فرصة للتعلم والتطور. ناقِش نوع القرار الذي يحتاج إلى اتخاذه، بما في ذلك العواقب المحتملة، وافتح المجال أمامه لاستكشاف خيارات بديلة. ستساعده بهذه الطريقة على التفكير النقدي وتعزيز قدرته على اتخاذ قرارات مستنيرة، ممَّا يسهم في نموه الشخصي ويعزز من ثقته بنفسه.
ماذا نستفيد من تعليم أطفالنا اتخاذ القرارات الصحيحة؟
إن تقوية العلاقة بين الطفل ووالديه، تتطلب منح الطفل بعض السيطرة ضمن الحدود المحددة، مما يعزز شعوره بالتفاهم والقرب من أسرته ويقلل من انزعاجه ومقاومته، بالإضافة إلى ذلك، يتيح منح الطفل خيارات محددة للآباء فرصة التعرف على اهتمامات أبنائهم على مستوى أعمق، خاصة أنَّ بعض الأطفال قد يجدون صعوبة في التعبير عن أنفسهم. فمن خلال إتاحة الفرص لهم، ننمي مهارات اتخاذ القرار لديهم ونعزز ثقتهم بأنفسهم، كما يمكن إدارة أوقاتهم إدارة فعالة.
على سبيل المثال، كأن نقول "عندما تنتهي من واجبك المنزلي، سأساعدك على صنع الحلوى، ولكن عليك إنهاؤه قبل موعد النوم". هنا نمنح الطفل خيار المماطلة أو إنهاء واجبه، ممَّا يحفِّزه على إدارة وقته بنفسه دون إجبار.
علاوة على ذلك، فإنَّ ترك مساحة للاختيار يوجه الطفل نحو تحمَّل عواقب قراراته، فإذا خُيِّر بين لعبتين واختار إحداهما، ثمَّ عبَّر عن عدم إعجابه بها، يجب ألا نعطيه الأخرى.
وهذه التجربة تعلِّمه أهمية التفكير قبل اتخاذ القرار، وتطوِّر وعيه بعلاقة السبب والنتيجة، ممَّا يعزز مهاراته في حل المشكلات، ويجعله أكثر استعداداً لمواجهة خياراته في المستقبل.
في الختام
في نهاية حديثنا عن كيفية مساعدة أطفالنا على اتخاذ القرارات الصحيحة، نجد أن دورنا بوصفنا آباء ومربِّين يتجاوز مجرد توجيههم، وأن بناء بيئة تشجع على التفكير النقدي، وتعزز من استقلاليتهم هو المفتاح. لذا، يجب علينا أن نكون مستمعين جيدين، نقدِّم الدعم والتوجيه دون فرض آرائنا، ونساعدهم على فهم عواقب خياراتهم. فعندما نمنح أطفالنا الفرصة لمواجهة التحديات واتخاذ القرارات بأنفسهم، نحن نعدُّهم لمستقبل أكثر إشراقاً.
تذكَّر أنَّ القرارات الصحيحة لا تأتي دائماً من النجاح؛ بل من التعلم من الأخطاء، فدعونا نستثمر في تعليمهم هذه المهارات الحياتية، ليصبحوا أكثر ثقة وقدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة.
أضف تعليقاً