ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة "جولي كريستيان" (Julie Christian)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها في كيفية تقبُّل الاختلاف خلال هذه الظروف المتغيرة.
سألته عن صديقه "بيتر" (Peter)، وكان قد زارنا "بيتر" في منزلنا لبضعة أيام خلال الصيف عندما كانت والدته تذهب إلى العمل، وفي ذلك الوقت كانوا أصدقاء مقربين، وأجابني: "لقد أصبح "بيتر" فتى مشهوراً الآن؛ فهو يلعب لعبة الفيديو "فورتنايت" (Fortnite)، كما يفعل كل الأطفال الآخرين، ولا يريدون أن يكونوا أصدقائي لأنَّني لا ألعبها"، ولم أُصدِّق ما سمعتُه.
قبل عام واحد فقط، كان "بيتر" هو الطفل الجديد في المدرسة، الذي انتقل من مدرسة أخرى؛ ذلك لأنَّه تعرَّض للتنمر، والآن، أصبح ضمن مجموعة من الأولاد الذين يقضون معظم أوقات فراغهم خارج المدرسة ليلعبوا ألعاب الفيديو، وفي أوقات فراغهم في المدرسة يسخرون من طفلي الذي لا يلعب معهم بهذه الألعاب.
لقد كنَّا في بداية رحلتنا في الاستغناء عن الشاشات في المنزل، وأردت أن أتخلى عنها، ولكنَّني كنت مصممة، حتى لو كان ذلك يعني أن يفقد ابني أصدقاءه، فكنت قد أزلت الشاشات في نهاية عامه الدراسي الثالث، وكان هناك الكثير من الفوائد الإيجابية من التغيير لدرجة أنَّني لم أستطع أن أتقبَّل العودة إلى ما كانت عليه الأمور؛ ففي غضون بضعة أشهر فقط دون شاشات، زادت مهارات القراءة لدى "جايكوب" كثيراً، وتضاءلت نوبات غضب شقيقه ثم اختفت، وأصبحت حياتنا شبه طبيعية وأكثر سلاماً.
فإذا كان يعني ذلك ألا يحظى ابني بشعبية، فليكن، ومن ثم بدأ الآباء الآخرون يعاملونني المعاملة نفسها، وحتى أمي وأبي انتقدا اختياراتي، فكان من الصعب عليَّ أنا وزوجي الوقوف بحزم خلال التزامنا، لكنَّنا رأينا الفارق في أطفالنا وعائلتنا.
كان زوجي يعمل مسؤولاً عن مراقبة الأحداث؛ أي المراهقين، لقد رأى تأثير سنوات من اللعب واستخدام الشاشة في القضايا المتعلقة بالأحداث، فقد كانت لدينا لمحة عن المستقبل، واخترنا عدم السماح لأبنائنا بالسير في هذا الطريق.
شاهد بالفديو: 10 أسباب لمنع الطفل من الألعاب الإلكترونية!
وبعد الكثير من التفكير، أدركت أنَّنا نعيش في مجتمع تخترق فيه وسائل التواصل الاجتماعي، وألعاب الفيديو، والأفلام، وغيرها من وسائل الترفيه القائمة على الشاشات كلَّ جانب من جوانب حياتنا؛ إذ يتشارك البالغون والأطفال حياة تستهلك كميات هائلة من الترفيه المعتمد على الشاشة، وتبدأ معظم مشاركاتنا الاجتماعية وتنتهي بمناقشات تخصُّ وسائل التواصل الاجتماعي، والأفلام، وما شاهدناه أو نخطط لمشاهدته.
إذا واصلت تجنُّب هذه الأشياء، فسيظل أطفالي دائماً الأطفال "الغريبين" في الفصل في المدرسة الذين لا يعرفون أحدث تطوُّرات لعبة الفيديو "فورتنايت" (Fortnite)، أو الذين لا يشاهدون قنوات "يوتيوب" (YouTube) الأكثر شهرة، ولن يعرف أطفالي أحدث موضات منصة "تيك توك" (TikTok)، ولن يُبلَّغوا بالتجمعات الاجتماعية عبر منصة "سناب شات" (Snapchat)، ولن يكونوا مشهورين.
وكان عليَّ أن أجبر نفسي على أن أوافق على ذلك، ومع عدم إمكانية الوصول إلى الشاشات، فمن المرجح ألا يكونوا "الأطفال الرائعين" في مدرستهم.
فكَّرتُ مرة أخرى في طفولتي، فهل كنت من هؤلاء "الأطفال الرائعين؟"، وبعد فوات الأوان، أعتقد أنَّني وأصدقائي كنا رائعين، وقد تبيَّن لنا جميعاً أنَّنا بالغون رائعون بالتأكيد، لكنَّنا بالتأكيد لم نكن جزءاً من الموضة، فتتبُّع الموضات ليس كل ما عليك القيام به.
أدركتُ أنَّني لست بحاجة إلى اتخاذ خطوات لجعل أطفالي أكثر روعة بالنسبة إلى أقرانهم، وكنت بحاجة إلى البدء بتعليمهم أنَّ كونهم غير رائعين في مجتمع اليوم هو أمر أفضل؛ فنحن عائلة مختلفة، وما يهمنا يختلف عمَّا يهم العائلات الأخرى؛ ولذلك سيكون أطفالي دائماً مختلفين عن غيرهم من الأطفال، ولأنَّنا نبقيهم بعيداً عن الشاشات ونملأ حياتهم بنشاطات أخرى أكثر فائدة؛ فسيظلون دائماً متميزين، لقد أمضيت أكثر من ثلاث سنوات في هذه الرحلة.
وكوننا عائلة تؤمن بأنَّ الحياة أفضل بعيداً عن شاشات الأجهزة الإلكترونية، قد كان له بعض الجوانب السلبية، لكن له العديد من الجوانب الإيجابية؛ فلا يشارك أطفالنا في نوادي "الألعاب" الشهيرة، ولا يشاركون في المحادثات مع أقرانهم على وسائل التواصل الاجتماعي؛ بل ما يفعلونه هو دعوة أصدقائهم للاحتفال بعيد ميلادهم في منزل الشجرة الجديد الرائع الذي بنوه بأنفسهم، ويقرضون كتباً لأطفال الحي ويلعبون معهم في الحي.
ومع مرور الوقت، توقَّف أطفالي عن القلق بشأن شعبيتهم، فلقد كانوا مشغولين جداً في فعل الأشياء التي من المفترض أن يفعلها الأطفال؛ إذ يعودون إلى المنزل مرهقين وملابسهم متسخة ولديهم الكثير من القصص لمشاركتها معنا.
ففي بداية هذه الرحلة كان هناك آباء تصنَّعوا موافقتنا بالرأي ولكن انتقدونا في غيابنا، ولكنَّ هؤلاء الآباء أنفسهم بدؤوا برؤية النتائج السلبية للوقت الذي يقضيه أطفالهم أمام الشاشات والألعاب في منازلهم؛ إذ بدأ أفراد الأسرة الذين أخبرونا بأنَّنا قد بالغنا كثيراً في ملاحظة اختلاف ملموس بين أطفالنا وأطفال أقاربنا الذين لم يجروا التغييرات نفسها.
ومع مرور الوقت، الآباء أنفسهم الذين خالفونا في اختيارنا المبالَغ فيه جاؤوا إلينا سراً بقصصهم المحرجة؛ إذ نشرَت ابنة إحدى الأمهات البالغة من العمر 11 عاماً رقصات غير ملائمة على منصة "تيك توك" (TikTok)، وترك ابن أحد الأقارب الكلية بعد أن فقدَ المنحة الدراسية لأنَّه يسهر طوال الليل.
الأشخاص أنفسهم الذين انتقدوا اختلافي في طريقة تربية أطفالي، يمدحوننا الآن على سلوك أطفالنا، ويتمنون أن يكون أطفالهم مختلفين عن الأطفال الآخرين، وجاء الناس في الكنيسة إلينا ليخبرونا كيف كان أطفالنا الصغار لطفاء ومحترمين، وصار ابني الأكبر يعود إلى المنزل حاملاً بطاقات ورسائل من أساتذته تشكره على جِدِّه وسلوكه اللطيف في المدرسة.
وأصبح أطفالي في المدرسة الإعدادية الآن، وفي بعض الأحيان يكون من الصعب عليهم أن يبدؤوا صداقات عندما لا يكون لديهم أدوات ليتواصلوا مع أقرانهم كهاتف ذكي أو ألعاب فيديو، ولكنَّهم تعلَّموا درساً قيِّماً.
من الجيد أن تكون مختلفاً؛ فالحياة ليست مسابقة يكسبها مَن يحظى بشعبيَّةٍ أكبر، وفي يوم من الأيام لن يكون عدد الأصدقاء الذين يحضرون حفل عيد ميلادك بعد ظهر يوم السبت أمراً هاماً، وما يهم هو ما يمثِّلونه وما الذي يعملون بجد لتحقيقه، والشيء المثير للاهتمام هو أنَّه عندما يدافعون عن الأشياء الإيجابية ويحققونها، فإنَّ المزيد والمزيد من الناس يريدون أن يكونوا أصدقاء لهم، فأطفالي مختلفون بطريقة جيدة، فلقد أصبحوا مفكرين وقادة الغد.
وفي النهاية، عندما يريد الأطفال المنشغلون باللعب بشاشاتهم أن يكونوا أصدقاء مع أطفالي، هناك متسع كبير في منزل الشجرة الخاص بنا.
أضف تعليقاً