في هذا المقال، سنستعرض الفروق الأساسية بين الحزن العادي والاكتئاب السريري، ونوضح الأعراض والعلامات التي يمكن أن تساعدك في التعرف على ما إذا كنت أو أحد أحبائك بحاجة إلى مساعدة مهنية.
تعريف الحزن العادي
الحزن يُعتبر رد فعل طبيعي يواجهه الإنسان نتيجةً لفقدان شيء مهم، أو خيبة أمل، أو مواجهة صعوبات ومواقف معقدة، حيث إن الشعور بالحزن بشكل دوري جزء من تجارب الحياة اليومية، وغالباً ما يكون مؤقتاً، مما يتيح لنا استئناف حياتنا بشكل طبيعي بعد فترة قصيرة.
ويمكن أن يتجلى الحزن بعدة أشكال، مثل الإحباط أو مشاعر الحزن العميق. وبينما قد يصف بعض الأشخاص مشاعرهم بأنها اكتئاب، فإذا كانت هذه المشاعر تتلاشى من تلقاء نفسها ولا تؤثر بشكل كبير على مجريات الحياة، فمن المحتمل ألا تكون حالات اكتئاب مرضية.
تعريف الاكتئاب السريري
الاكتئاب السريري، المعروف أيضاً باضطراب الاكتئاب الشديد (MDD)، هو اضطراب نفسي يتسبب في انخفاض مستمر في المزاج وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانت تجلب السعادة سابقاً، ويمكن أن يؤثر هذا النوع من الاكتئاب على النوم، الشهية، والقدرة على التفكير بوضوح. ولتشخيص الاكتئاب السريري، يجب أن تستمر هذه الأعراض لمدة لا تقل عن أسبوعين.
ويعتبر الاكتئاب السريري حالة مزمنة، ولكنه يظهر عادة في نوبات قد تستمر لأسابيع أو أشهر. من الممكن أن يعاني الشخص من عدة نوبات خلال حياته، كما يختلف الاكتئاب السريري عن اضطراب الاكتئاب المستمر، الذي يتميز باكتئاب خفيف إلى متوسط والذي يستمر لمدة عامين على الأقل.
وهناك عدة أنواع فرعية من اضطراب الاكتئاب الشديد، من بينها:
- الاضطراب العاطفي الموسمي (الاكتئاب الموسمي).
- اكتئاب ما قبل الولادة واكتئاب ما بعد الولادة.
- الاكتئاب غير النمطي.
وغالباً ما يعاني الأشخاص المصابون بالاكتئاب السريري من اضطرابات نفسية أخرى، مثل:
- اضطراب تعاطي المواد (التشخيص المزدوج).
- اضطراب الهلع.
- اضطراب القلق الاجتماعي.
- اضطراب الوسواس القهري.
أسباب الحزن
قد ينشأ الحزن نتيجة لأسباب مختلفة تختلف من شخص إلى آخر، حيث يشعر الجميع بالحزن في بعض الأحيان، ومن الأسباب التي يمكن أن نواجه مشاعر الحزن نتيجة لها:
1. مشاكل العلاقة
إن نشوء المشاكل في العلاقات مع العائلة، الأصدقاء، أو الشركاء قد تسبب الحزن للشخص نتيجة تعقد المشكلة وعدم القدرة على الإتيان بالحلول المناسبة لها، مما قد يترتب عليها انفضال بين الطرفين أو خسارة الصديق أو الشريك.
2. الخسارة الشخصية
فقدان شيء ذي قيمة، مثل فقدان وظيفة مهمة قد يكون الشخص قد بنى أحلامه المهنية والمستقبلية عليها، أو فقدان شخص عزيز يعني الكثير للشخص، يمكن أن يؤدي إلى مشاعر حزن عميقة.
3. أنماط التفكير غير الصحية
كالانغماس في دوامة التفكير السلبي وكثرة النقد واللوم الذاتي يمكن أن يزيد من مشاعر الحزن.
4. الاكتئاب
الحزن قد يكون مؤشراً وعلامة على الاكتئاب، والذي يترافق مع أعراض أخرى مثل التعب وفقدان الشهية.
5. الإجهاد
إن الشعور بالتوتر المزمن يمكن أن يؤدي أيضاً إلى ظهور عوارض الحزن.
للتعامل مع الحزن، من المهم تجربة استراتيجيات متعددة حتى تجد ما يناسبك، مثلاً التواصل مع محترف صحي نفسي يمكن أن يساعد في تحديد الأسباب ويقدم الدعم اللازم.
سننتقل الآن لتناول الشق الثاني من مقالنا وهو الاكتئاب السريري ومن يصاب به وما هي الأعراض المرافقة له وكيفية التشخيص والعلاج، لنتابع معاً.
شاهد بالفيديو: 5 طرق لقهر الاكتئاب النفسي
من يتأثر بالاكتئاب السريري؟
يمكن أن يصيب الاكتئاب السريري أي شخص، بما في ذلك الأطفال والبالغين. وغالباً ما تبدأ الحالات في العشرينات من العمر، لكنها قد تظهر في أي عمر. كما أن الأشخاص الذين يفتقرون إلى علاقات شخصية وثيقة، أو الذين هم مُطَلقون، مُنفصلون، أو أرامل، يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب السريري.
مدى شيوع الاكتئاب السريري
الاكتئاب السريري (اضطراب الاكتئاب الشديد)هو حالة شائعة جداً، وهو من أكثر حالات الصحة العقلية انتشاراً، حيث يؤثر على ما بين 5% إلى 17% من الأشخاص في مرحلة ما من حياتهم.
كيفية تشخيص الاكتئاب السريري والعلاج
فهم كيفية تشخيص الاكتئاب السريري هو الخطوة الأولى نحو الحصول على العلاج المناسب. وفيما يلي سوف نستعرض أبرز أعراض الاكتئاب السريري والمعايير المستخدمة في التشخيص وأهم الخيارات العلاجية المتاحة للمساعدة في التغلب على هذه الحالة.
أعراض الاكتئاب السريري
الاكتئاب السريري، أو اضطراب الاكتئاب الشديد (MDD)، يتضمن مجموعة متنوعة من الأعراض التي تؤثر على الحالة المزاجية، الجسدية، والسلوكية. وإليك بعض الأعراض الشائعة:
الأعراض المزاجية
- شعور مستمر بالحزن أو الفراغ: يترافق مع شعور دائم بالحزن أو اليأس.
- فقدان الاهتمام أو المتعة: حيث لا يعود الشخص قادراً على الاستمتاع بالأنشطة التي كانت تجلب له السعادة سابقاً.
الأعراض الجسدية
- تغيرات في الشهية: يحصل أن تتراوح حالة الشخص ما بين فقدان الشهية أو الإفراط في تناول الطعام، مما يؤدي إلى فقدان أو زيادة الوزن.
- مشاكل في النوم: يواجه الشخص مشاكل الأرق المتواصل ليلاً أو النوم المفرط.
- تعب أو فقدان الطاقة: يواجه الشخص شعوراً دائماً بالتعب أو الإرهاق.
- آلام جسدية غير مبررة: حيث يشعر الشخص بآلام في الجسم دون سبب واضح.
الأعراض السلوكية
- صعوبة في التركيز: يعاني الشخص من صعوبة في التفكير بوضوح أو عدم القدرة على اتخاذ القرارات بشكل سليم.
- تباطؤ في الحركة أو الكلام: يعاني الشخص من بطء في الحركة أو الكلام.
- الشعور بمشاعر الذنب أو عدم القيمة: يواجه الشخص شعوراً مفرطاً بالذنب أو عدم القيمة.
- توارد أفكار عن الموت أو الانتحار: التفكير في الموت أو الانتحار، أو القيام محاولات الانتحار.
إذا كنت تشعر بأي من هذه الأعراض لفترة تزيد عن أسبوعين، فمن المهم التحدث إلى متخصص في الصحة النفسية للحصول على الدعم والمساعدة المناسبة.
تشخيص الاكتئاب السريري
يقوم مقدمو الرعاية الصحية بتشخيص الاكتئاب السريري (اضطراب الاكتئاب الشديد) من خلال تقييم شامل لأعراضك وتاريخك الطبي والنفسي. وقد يتم تشخيصك بنوع معين من الاكتئاب السريري، مثل الاضطراب العاطفي الموسمي (SAD) أو الاكتئاب غير النمطي، بناءً على الأعراض التي تعاني منها.
ولتشخيص الاكتئاب السريري، يجب أن تظهر لديك خمسة أو أكثر من الأعراض المذكورة في قسم الأعراض في هذه المقالة، وتستمر هذه الأعراض طوال اليوم تقريباً، كل يوم، لمدة أسبوعين على الأقل. ويجب أن تشمل الأعراض انخفاض الحالة المزاجية وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي كنت تستمتع بها سابقاً.
ويجب على مقدم الرعاية الصحية استبعاد الأسباب الأخرى المحتملة لأعراضك، مثل الحالات الطبية أو تعاطي المخدرات، وقد يطلب منك إجراء فحوصات طبية، مثل فحوصات الدم، للتأكد من عدم وجود أسباب أخرى.
كما يجب عليهم التأكد من أنك لم تمر بنوبة من الهوس الخفيف أو الهوس الشديد، مما قد يشير إلى إصابتك بالاضطراب ثنائي القطب. حيث أن حوالي 5% إلى 10% من الأشخاص المصابين بالاكتئاب السريري قد يصابون بالاضطراب ثنائي القطب.
شاهد بالفيديو: 6 نصائح لتقديم الدعم لشخص يعاني من الاكتئاب
كيف يتم التعامل مع كل من الحزن العادي والاكتئاب السريري؟
على الرغم من تشابه بعض الأعراض، فإن الحزن العادي والاكتئاب السريري حالتان مختلفتان تتطلبان طرق تعامل متباينة، وفيما يلي سوف نستعرض كيفية فهم هذه الفروقات واستراتيجيات التعامل المناسبة لكل منهما.
كيف تتعامل مع الحزن؟
1. اعترف بما يحدث
من الطبيعي ألا تشعر بأنك بخير في بعض الأحيان. فإذا كنت تشعر بالحزن، تذكر أنك لست وحدك في هذا الشعور.
2. اعتني بنفسك
احرص على تناول الطعام الصحي، وممارسة الرياضة بانتظام، والحصول على قسط كافٍ من الراحة. وخصص وقتاً لنفسك واحتفل بنجاحاتك مهما كانت صغيرة، وتذكر أنك تبذل قصارى جهدك.
3. انتبه إلى مشاعرك
أثناء ممارستك لنشاط تستمتع به، حاول التركيز على اللحظة الحالية. ولاحظ كيف يمنحك كل جزء من النشاط شعوراً بالرضا والأمل والفرح، أو كيف يقلل من التوتر. كما يمكن أن يكون هذا النشاط بسيطاً مثل الاستمتاع بكل خطوة أثناء تحضير العشاء.
4. كتابة اليوميات
اكتب يومياتك للتعبير عن مشاعرك، وابدأ بكتابة ثلاث كلمات تعبر عن حالتك النفسية، ثم اختتم كلامك بوصف الإحساس الرئيسي لديك.
5. التحلي بالإلهام
استمد الإلهام من المعاني الإيمانية وتفكر في عواقب الصبر، وتقبل فكرة السماح للنسيان بالتخفيف من آلام الحزن.
6. حافظ على التواصل مع الآخرين
تواصل مع الأشخاص الذين ترغب في البقاء على اتصال معهم، سواء كانوا أصدقاء، عائلة، جيران، أو زملاء عمل.
7. احصل على المساعدة من متخصص
إذا لم يختفِ حزنك، فمن المهم التحدث إلى متخصص في الصحة النفسية.
إذا كنت تعتقد أنك قد تكون مكتئباً، فإن الخطوة الأولى هي التحدث إلى مقدم الرعاية الصحية. وهذا مهم بشكل خاص إذا كانت أعراضك تتفاقم أو تؤثر على أنشطتك اليومية. وتذكر أن الاكتئاب ليس خطأك، والحصول على الدعم يمكن أن يساعدك ويساعد أحبائك.
8. حدد موعداً مع مستشار
لا تتردد في تحديد موعد مع مستشار للحصول على الدعم اللازم.
كيف تتعامل مع الاكتئاب السريري؟
عادةً ما يتضمن علاج الاكتئاب السريري (اضطراب الاكتئاب الشديد) تناول الأدوية و/أو العلاج النفسي (العلاج بالكلام). حيث تُظهِر الدراسات أن الجمع بين هذه العلاجات يكون أكثر فعالية من استخدام أي منهما بمفرده.
1. العلاج النفسي
يتضمن التحدث مع أخصائي الصحة العقلية، مثل الطبيب النفسي، حيث يساعدك المعالج على تحديد وتغيير المشاعر والأفكار والسلوكيات غير الصحية.
وهناك أنواع عديدة من العلاج النفسي، ولكن العلاج السلوكي المعرفي (CBT) والعلاج الشخصي (IPT) هما الأكثر شيوعاً لعلاج الاكتئاب السريري. ويمكنك أن ترى معالجك مرة واحدة في الأسبوع أو مرة كل أسبوعين.
2. الأدوية
يمكن أن تساعد مضادات الاكتئاب في تغيير كيمياء الدماغ التي تسبب الاكتئاب، حيث هناك أنواع مختلفة من مضادات الاكتئاب، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت وتجربة أكثر من دواء واحد لمعرفة الدواء الأنسب لك. لا بد أن تُظهر لبعض مضادات الاكتئاب آثار جانبية، والتي غالباً ما تتحسن وتتلاشى مع مرور الوقت.
3. العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT)
بالنسبة للاكتئاب السريري الشديد الذي لم يستجب للعلاجات الأخرى، فإن العلاج بالصدمات الكهربائية فعال للغاية. ويتضمن هذا العلاج تمرير تيار كهربائي خفيف عبر الدماغ، مما يتسبب في حدوث نوبة قصيرة.
هذا ويعتبر العلاج بالصدمات الكهربائية آمناً حيث يتم تخدير المريض تخديراً عاماً ولا يسبب أي ألم.
كما تشمل الأنواع الأخرى من العلاج التحفيزي للاكتئاب المقاوم للأدوية ما يلي:
- التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS) .
- تحفيز العصب المبهم (VNS).
- كيتامين وإسكيتامين.
في الختام
إن التمييز ما بين الحزن العادي والاكتئاب السريري قد لا يكون سهلاً بسبب التداخل ما بين الحالتين، حيث قد يؤدي تطور الحزن وشدته إلى أن يتحول إلى اكتئاب يصيب الشخص.
استعرضنا في هذا المقال تعريف الحزن العادي وتعريف الاكتئاب السريري وتطرقنا لنتعرف على أسباب الحزن وانتقلنا لنستعرض أسباب الاكتئاب السريري ومن يمكن أن يصاب به وأعراض الإصابة به، وكيفية العلاج.
نتمنى أن نكون قد وفقنا في تقديم فكرة واضحة عن الفرق ما بين الحزن العادي والاكتئاب السريري، كما نؤكد على ضرورة الاستعانة بأصحاب الخبرة والاختصاص من المستشارين والخبراء النفسيين وأخصائيي الصحة العقلية، فهم الأقدر على تحليل جذور المشكلة التي تواجه الشخص ووضع واقتراح الحلول المناسبة حسب درجة الحالة وتعقدها.
أضف تعليقاً