الحياة مزيج من البناء والهدم في الوقت ذاته، ولا يمكن الهروب من هذا الواقع أو السماح للأفكار والمشاعر السلبية بالسيطرة علينا، فلا يمكن حصر الأسباب القادرة على وصولك إلى شعور الضياع، لكن قد تجد معنى حياتك مهما كانت الظروف المحيطة سيئة وعلى اختلاف الحالة النفسية والاجتماعية؛ وذلك لأنَّ الاستمتاع بالحياة يضيف البهجة والحياة لحياتك، فتعطيها القيمة الحقيقية، وترتبط بها ارتباطاً وثيقاً يدفعك لإثبات نفسك على الرغم من الخسارات الكثيرة والأخطاء وتدمير العلاقات العاطفية.
يساعدك مقالنا لهذا اليوم على إيجاد معنى حياتك من خلال مجموعة من الاستراتيجيات الهامة، فتابع القراءة.
ما هو معنى الحياة؟
يقول "ستيف جليسون": "لأنَّ معنى الحياة يختلف من إنسان إلى إنسان، ومن يوم إلى يوم، ومن ساعة إلى ساعة، فإنَّ ما يهم ليس معنى الحياة عموماً؛ بل المعنى المحدد لحياة الشخص في لحظة معينة"، ويقول "مالكولم جلادويل": "مهمتي في الحياة ليست مجرد البقاء على قيد الحياة؛ بل أن أزدهر، وأن تفعل ذلك ببعض العاطفة، وبعض التعاطف، وبعض الفكاهة، وبعض الأسلوب".
يقول "ريتشارد دوكنز" أيضاً: "الأصدقاء القدامى يزولون، ويظهر أصدقاء جدد، فإنَّهم مثل الأيام، يمر يوم من العمر ويصل يوم جديد، والشيء الهام هو أن تجعله ذا معنى (صديق ذو معنى- أو يوم ذو معنى)".
نستنتج مما سبق أنَّ وجود معنى للحياة لا يعني أن تكون غنياً مادياً، أو تمتلك كثيراً من الأصدقاء، ووجود كثير من الأشخاص المتعلقين بك، أو امتلاكك للقدرات الفريدة التي تميزك عن الآخرين؛ إنَّما يعني التركيز على النفس والعثور على هدف في الحياة أو أكثر من هدف يدفع الإنسان إلى النهوض بعد كل سقوط والاستمرار بعد كل خطأ، فمعنى الحياة لا يعني أن تكون سعيداً كما يظن كثير من الناس؛ إنَّما المعنى أن تكون مفيداً بحيث يكون وجودك هو الفارق فتصل إلى الرضى عن النفس.
كيف تجد معنى لحياتك؟
إن أردت إيجاد المعنى لحياتك، يجب عليك أن تتبع الإرشادات الآتية لتساعدك على ذلك:
1. أسأل نفسك "أنت تهم من؟"
ينتاب الشعور بعدم وجود فائدة لحياتنا الجميع، وفي هذه الحالة يجب عليك أن تجلس مع نفسك وتنظر إلى حياتك من الخارج بحيث تفكر بالمجتمع المحيط بك من عائلة وأصدقاء وغيرهم، وتحدد الأشخاص ممن تهتم بهم، والذي يُحدِث غيابك ضرراً لهم، سواء كان ضرراً نفسياً أم غير ذلك من الأضرار.
لا بد من وجود أشخاص يعرفون قيمتك حقاً ويقدِّرونك، فوجود شخص واحد يحبك بعمق ويعرف قيمتك، يعني أنَّك تعيش حياة غنية فعلاً.
2. غيِّر نظرتك للحياة:
يبدأ ذلك باكتشاف الغاية من وجودك، والتأكد من أنَّ وقتك وقدراتك قادران على جعل الغاية من وجودك سامية، ويتم ذلك بالتفكير بما تمتلكه من مواهب وبالمواقف التي أثبتَّ جدارتك فيها بتخطِّي أمر صعب أو بحل مشكلة ما.
يُعَدُّ جميع ما سبق نقاط قوة يجب تعزيزها، فمثلاً إن كنت تحب الرسم، فاتبع دورة تدريبية لتنمية هذه الموهبة، وفي نهاية كل يوم دوِّن النشاطات التي جعلتك تشعر بالسعادة ومنحتك الطاقة الإيجابية لكونك أنجزت أمراً معيناً لتركز عليها، وقد تتضمن القائمة الوقت مع العائلة، أو التقاط صورة جميلة، أو حواراً مع صديق، أو مساعدة طفل على عبور الشارع.
أما بالنسبة إلى العمل، ولأنَّ كثيراً منا يمتهن مهنة لا يحبها كثيراً؛ فمن الضروري تغيير طريقة تفكيرك تجاه وظيفتك، فلا بد من وجود هدف وغاية سامية لذلك العمل، ومن ثمَّ يعود أداؤه بالفائدة، لذلك فكر بالخير الذي يعود على المستفيدين من عملك حتى لو كانت وظيفتك بسيطة، وحاول أن تنجز مهامك بأفضل شكل، فيميزك ذلك عن العامة، فمثلاً جميعنا نتذكر بعض الأساتذة ممن قاموا بتدريسنا بطريقة جعلتنا لا ننساهم، فكن أنت من تقدِّم خبرات تجعل وجودك هاماً للمكان الذي تعمل به.
شاهد بالفديو: 6 حقائق قاسيّة ولكنّها واقعيّة عن الحياة
3. حدد هدفاً تريد تحقيقه:
نمتلك جميعنا أهدافاً رغبنا بتحقيقها، منها ما استمررنا بالحلم بتحقيقه منذ الصغر، ومنها أهداف تساعد على تغيير حالتنا الحالية الصحية، مثل الالتزام بممارسة الرياضة يومياً أو الالتزام بتناول الطعام الصحي والنوم باكراً.
أياً كان حلمك فالسعي نحو تحقيقه يجعل لحياتك معنى هاماً، ولأنَّنا جميعاً معرضون للفشل، فلا يجب أن تحصر نفسك بوقت محدد لتحقيق الهدف؛ إنَّما يمكن تقسيمه لأهداف صغيرة وإنجازها على مراحل فتصبح مهمتك أسهل، وكلما أنجزت قسماً تشعر بالنجاح وتزداد حماستك لتحقيق مزيد من الإنجازات.
4. فكر بالأشياء الجميلة في حياتك:
عند قراءة هذه النقطة ربما تشعر بالسخافة وتعتقد أنَّك لا تملك أشياء تمتن لوجودها وأنَّ حياتك فارغة، ولكنَّ هذا الاعتقاد خاطئ، فأن تملك بيتاً جميلاً وسريراً مريحاً ووجبة طعام وملابس مريحة ونظيفة هو نعمة، أو أنَّك استطعت متابعة تعليمك على الرغم من الظروف الصعبة، أو حصلت على عمل يساعدك على تأمين متطلبات الحياة الكثيرة، فالرضى بما تملك شعور جميل جداً.
5. تطوير وتعزيز العلاقات الاجتماعية:
وجود علاقات قوية ضروري لحياة الجميع مهما كان وضعك المادي أو الاجتماعي أو المهني، فأنت بحاجة إلى عائلة تربطك بهم علاقة ممتازة وكذلك أصدقاء لتضيف الحب إلى حياتك والدعم المعنوي، لذلك عزز علاقاتك مع الجميع لتحافظ على العلاقات الموجودة في حياتك الآن ولتكسب صداقات جديدة ربما تفتح لك أبواباً هامة.
لتعزيز علاقاتك مع الآخرين يجب عليك الاهتمام بهم، كأن تسأل عن أحوالهم باستمرار، وتحرص على مشاركتهم أفراحهم وأحزانهم، وتقدِّم المساعدة إن طلبها أحدهم منك، فتصبح شخصاً جديراً بالثقة في نظر الجميع، وعند تحدُّثك مع شخص، أظهِر اهتمامك بالاستماع لحديثه وعدم الانشغال بهاتف مثلاً، وإن أرسل أحدهم رسالة، فلا تتأخر بالرد عليها، وإن أخطأت في حق شخص، فاعترف بالخطأ واعتذر وعبِّر عن مشاعرك بطريقة صحيحة.
من الضروري التحكم بالنفس، فلا تسمح للغضب بالسيطرة عليك، فلا توجد علاقة دون مشكلات سواء كانت علاقة عاطفية أم عائلية أم غيرها، وإن شعرت بأنَّ الضغط أو الفراغ الذي تشعر به يتسبب بسوء التعامل مع الآخرين، فيُفضَّل استشارة مختص لتتعلم كيفية وضع الحدود والتعامل بأفضل طريقة.
6. افعل كثيراً من الخير:
تضفي الرحمة والخير على الحياة معنى كبيراً، وعلى الرغم من صعوبة تقديم الخير للناس في كثير من الأوقات، إلا أنَّ الإنسان يشعر بقيمة كبيرة عندما يقدِّم وليس عندما يأخذ كما يعتقد بعض الناس.
أكدت على ذلك بعض الدراسات التي تقول إنَّ التعاطف والرحمة في التعامل ينشطان مركز المتعة في مخ الإنسان، ويفسر ذلك شعورنا بالفرح عندما نساعد شخصاً سواء نعرفه أم لا نعرفه، لذلك تبرَّع بما تملكه، ولا نقصد بذلك المال فقط؛ إنَّما يمكن أن تتبرع بالوقت في أيام العطل مثلاً، فتساعد الجمعيات الخيرية التي توزع الطعام أو تقوم بتعليم الأطفال أو مساعدة صديق.
يمكنك التبرع ببعض الطعام أو الملابس، وإن كنت من محبي الحيوانات، يمكن التطوع في الجمعيات المعنية بالأمر، وتذكَّر أنَّه يجب عليك التعاطف مع نفسك أيضاً، فلا تستحقرها أو تقسو عليها إن أخطأت، فجميعنا نرتكب الأخطاء، وهو أمر طبيعي.
شاهد بالفديو: 8 أشياء يجب أن تقوم بها حتى تعيش شغف الحياة
7. ابحث عن مكان جديد:
إن اتبعت كل ما سبق من الإرشادات المذكورة آنفاً، والتزمت بها، ولم تجد أي تغيير يُذكَر أو تجد معنى وغاية سامية لحياتك، فيُفضَّل أن تغير مكانك، فلا يمكن تحمُّل المشاعر السلبية الناتجة عن وجودنا في عمل غير مناسب مثلاً فترة طويلة من الزمن.
لكن يجب التفكير ملياً عند اتخاذ قرار تغيير المكان الذي تعيش فيه أو العمل في عمل آخر لكونه قراراً حساساً ويترتب عليه كثير من التغييرات، وإن كنت من الأشخاص ممن يشعرون بعدم الراحة عند تجريب أشياء جديدة أو مقابلة أشخاص جدد، فيجب أن تشجع نفسك ربما بالتأمل والتفكير بالصعوبات التي اجتزتها سابقاً أو بطلب رأي المقربين أو بالاستعانة باختصاصي نفسي.
في الختام:
يمر الإنسان بظروف وعلاقات فاشلة وتجارب سيئة تجعله يصل إلى حالة من فقدان الشغف والشعور بالضياع وغياب الأهمية لوجوده، وفي هذه الحالة لا يجب الاستسلام والسماح للمشاعر السلبية بالسيطرة على حياتنا؛ بل يجب إيجاد المعنى للحياة من خلال تغيير النظرة تجاه الحياة، ويتم ذلك بتحديد الاهتمامات والنشاطات التي تضيف السعادة إلى حياتك وتحديد نقاط القوة وتعزيزها.
من الضروري تحديد هدف أو حلم تريد تحقيقه وتبدأ بالسعي نحو الوصول إلى هدفك، ويُفضَّل تدوين الأشياء الجميلة التي تمتن لوجودها لتتذكر النعم التي تملكها كلما شعرت بالتعاسة، ولأنَّ العلاقات القوية أمر ضروري لتقديم الدعم المعنوي لنا في مختلف الأوقات؛ فحافظ على العلاقات العائلية وغيرها من العلاقات الهامة في حياتك، ولتشعر بأهمية وجودك، شارك في الخير بمختلف أشكاله، وكن رحيماً قدر الاستطاعة.
أضف تعليقاً