ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن رجل الأعمال ديف نيميتز (Dave Nemetz)، ويُحدِّثنا فيه عن كيفية التخلص من متلازمة المحتال.
إذا كنتَ مؤسس شركةٍ أو منشئ محتوىً أو أي إنسان فمن المحتمل أن تكون على دراية بمتلازمة المحتال (Imposter Syndrome)، فتشير التقديرات إلى أنَّ 70% من الأشخاص يعانون من متلازمة المحتال في مرحلة ما من حياتهم، ومن أعراضها عدم القدرة على الاعتراف بالنجاح والإمكانات، والخوف من أن تُكتَشَف حقيقتك، والشك المؤلم بالذات.
لقد أبلغ العديد من الشخصيات المعروفة عن استمرار شعورهم بأنَّهم محتالون حتَّى بعد الوصول إلى القمة في مجالهم، وكما قالت الشاعرة "مايا أنجيلو" (Maya Angelou) الحائزة على جائزة بوليتزر (Pulitzer Prize) عن شكوكها الذاتية: "لقد كتبت 11 كتاباً ولكن في كل مرة أفكر: لقد خدعت الجميع، وسيكتشفون أمري".
كما شارك الروائي الأسطوري "جون شتاينبك" (John Steinbeck) مخاوف مماثلة، فقال: "أنا لست كاتباً، ولقد خدعت نفسي والآخرين"، فإذا لم ينجح أصحاب الأداء المتميز في تفادي متلازمة المحتال، فماذا يقول الآخرون؟ هذه المشاعر إمَّا أن تقضي على أفكارنا وتحدَّ من إمكاناتنا أو أن ندرك أنَّنا نعانيها جميعاً.
تجربتي مع متلازمة المحتال:
إنَّ شعوري بأنَّني محتالٌ لم يختفِ قط إلَّا أنَّني تعلمت السيطرة عليه، وطورت استراتيجيات لمواجهته، ومع ذلك فإنَّ الشكوك الداخلية تعود عندما أصعد على خشبة المسرح لأتحدث في أحد المؤتمرات، أو عند رفع صوتي لإثبات وجهة نظر في اجتماع تنفيذي، أو في أثناء قراءة نقد أعمالي على الإنترنت.
بدأت متلازمة المحتال بالظهور عندي في بداية عملي في تأسيس الشركات؛ فقد أسست شركة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) عندما كان عمري 22 عاماً في عام 2005، وكانت منصة فيسبوك (Facebook) ما تزال شيئاً يثير الفضول ولم تكن قد بدأت موضة المؤسسين الشباب.
في تلك الأيام تعلمت الاستفادة من وضع أنَّني محتال على أنَّها ميزة، وفي وقت باكر حددت هدفاً لبناء علاقات مع شركات الإعلام الرياضية المشهورة، وفي عمري ومستوى خبرتي شعرت بأنَّني شخص غريب في كل مكان، وسرعان ما أدركت أنَّ ذلك يمكن أن يَصُبَّ في مصلحتي؛ إذ قلل صغر سني وقلة خبرتي من التوقعات؛ فلم يكن عليَّ سوى تجاوز هذه التوقعات البسيطة لأتمكن بذلك من تحقيق النجاح.
أتذكر عندما حضرتُ اجتماعاً خاصاً مع كبار المديرين التنفيذيين في شركة "سي بي إس سبورتس" (CBS Sports) فعلى أحد جانبي الطاولة جلس موظفو الشركة بملابسهم الرسمية وقد بدوا بالنسبة إلي مثل البالغين الحقيقيين الذين يدركون كل شيء، وعلى الجانب الآخر جلستُ بشعري الأشعث وملابسي التي لم تكن مناسبة، وكنت هناك لأشرح لهم عن شركة رياضية ناشئة.
لقد بذلت قصارى جهدي لدعم نفسي، وكنت أؤمن في أعماقي مقتنعاً أنَّهم يعرفون أيضاً أنَّني لا أنتمي إلى هذا المكان؛ لكنَّني طلبتُ عقد الاجتماع وأتوا إليه، فسواء أخذوني على محمل الجد أم لا ركزتُ على ممارسة الأعمال التجارية، وغادرت الاجتماع بصفقة توزيع محتوى شركتي على موقعهم المشهور.
في ذلك الوقت كان ذلك بمنزلة نقلة عملاقة لإثبات أهلية علامتنا التجارية، وبعد ذلك بعامين انضم أحد هؤلاء التنفيذيين "ريتش كالاتشي" (Rich Calacci) إلى شركتي وكان أول مسؤول رئيس للإيرادات، فهل كان مشاركاً في الخدعة؟ على الأرجح كان يعلم في تلك المرحلة من حياته المهنية أنَّ لا أحد ضليع بكل شيء فنحن جميعاً نختلق الأمور باستمرار، وفضَّل أن ينضم إلى بعض النشطاء المبتدئين الذين يكتشفون الأمور بطريقة جديدة، وفي غضون سنوات قليلة حقَّقَت شركتنا نجاحاً باهراً، وبعد سنوات من التجربة وصلت إلى ذروة نجاح الشركة الناشئة عندما قمنا ببيع كل ما لدينا لشركة "تيرنر سبورتس" (Turner Sports).
شاهد بالفديو: 18 نصيحة سريعة تساعدك على تحقيق النجاح
إذاً ماذا حدث لمشاعر متلازمة المحتال عندما حقَّقتُ النجاح بالفعل؟
هل تلاشى كل ذلك لأنَّني حققت الهدف الذي يطمح إليه المؤسسون جميعهم؟ لا؛ بل أصبحت متلازمة المحتال أكثر حدة؛ فعندما أدخل إلى أيِّ غرفة لم يعد الأشخاص الموجودون على الجانب الآخر من الطاولة يرون مؤسساً شاباً لشركة صغيرة؛ بل رأوا "ديف نيميتز" (Dave Nemetz) المؤسس المتمرس لشركة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) وهي قصة نجاح لوسائل الإعلام الرقمية.
في السابق كان بإمكاني التقدُّم من خلال تجاوز الحد الأدنى من التوقعات فحسب، أمَّا الآن شعرتُ بأنَّ الجميع يتوقع منِّي أن أكون خبيراً في كل شيء وأصبحت التوقعات أكبر، وقد ترك ذلك مجالاً أكبر للشعور بالشك الذاتي، وأصبحت مدركاً لما يظنُّه الآخرون عنِّي، ولقد قلقتُ من فكرة ما إذا قدمت نفسي على هيئة مؤسِّسٍ ناجحٍ أم لا.
مع ازدياد مشاعر عدم الأمان عدت إلى استنكار الذات، ولطالما اعتمدت حسَّ الدعابة لدي لتجاوز المواقف المحرجة، ولم يكن هذا مختلفاً؛ إذ حسبتُ أنَّه يمكنني رمي عصفورين بحجر واحد، فمن خلال تقديري لذاتي يمكنني خفض مستوى التوقعات، ومن خلال إظهار التواضع كنت سأثبت أنَّني لم أترك النجاح يسيطر علي.
لكنَّ هذا النهج لم يكن ناجحاً؛ لأنَّني ظننتُ أنَّني أستطيع محاربة متلازمة المحتال من خلال خفض المعايير المتوقعة منِّي، والاستسلام لها، وبسبب روح الدعابة والتواضع أنكرت نجاحي، فقد كنت أؤمِّل إقناع الآخرين ومن ثمَّ نفسي أنَّني لم أكن باهراً؛ حتَّى لا أرى نفسي شخصاً متصنعاً.
لسنوات حتَّى بعد أن أسست شركتي الثانية تركَت هذه العقلية تشويشاً على تفكيري؛ فمن الأفضل إبقاء التوقعات منخفضة، فقد كنت أعلم أنَّه يمكنني تحقيقها بدلاً من جعلها عالية للغاية والفشل، وحتَّى أنَّني قاومت الكتابة علناً؛ بسبب الشكوك التي شعرت بها، فكنت أقول لنفسي: "لا أحد يريد سماع ما يجب أن أقوله، ولا أريد أن أكون واحداً من هؤلاء الرجال الذين يبذلون كل ما يستطيعون ثمَّ يخفقون في النهاية، وأفضِّل أن أتراجع وأتجنب الانتكاسات المحتملة".
منذ أن بدأت الكتابة في الفترة الأخيرة ظهرت عيوب هذا التفكير بصورة واضحة، وتلقيت دعماً وتقديراً كبيرين من الأقران والأشخاص الذين أُكنُّ لهم الاحترام، والأهم من ذلك من المؤسسين والمبدعين الآخرين الذين واجهوا مواقف مماثلة، وبالتأكيد خالف بعضهم الأشياء التي كتبتها، ولكن أثار ذلك نقاشاً صحياً وأساليب تفكير جديدة، وأنا متأكد من أنَّ بعض الأشخاص يكرهونني، ولكن لا وقت لدي لأشغل تفكيري بهم فالحياة قصيرة جداً.
التغلب على متلازمة المحتال:
إذاً ما الذي تغيَّر؟ وكيف تغلبت على متلازمة المحتال؟ وكيف تخليت عن الاستتار بالفكاهة والتواضع لأكشف عن ذاتي الحقيقية؟ وكيف تقبَّلتُ نجاحاتي وتحمَّلتُ مسؤوليتها في الوقت الذي عاملت فيه المشكلات التي أواجهها بأريحية؟ كان لبيع شركتي الثانية "أنفرس" (Inverse) دور كبير في ذلك، ولسنوات بعد شركتي الأولى كان لدي حمل على كتفي لإثبات أنَّني لم أنجح بسبب الحظ وكانت شركتي الثانية فرصتي لإظهار أنَّني أستطيع تكرار النجاح، وهذه المرة وحدي، وأنا فخور للغاية بشركة إنفرس (Inverse) من نواحٍ كثيرة مع أنَّها لم تحقق النجاح التجاري الذي حققته شركة بليتشر ريبورت (Bleacher Report).
إذاً ما الذي حدث بعد انطلاق شركتي الثانية الضعيف؟ وهل كُشِفَ الاحتيال الذي كنت أقوم به دائماً؟ وهل كانت حياتي المهنية والشخصية مبنية على الأكاذيب المكشوفة؟ تواصل المستثمرون بصعوبة للتعبير عن دعمهم واهتمامهم بدعم الجهود المستقبلية، وما يزال المؤسسون والزملاء يأتون إلي للحصول على المشورة، واستمرت عجلة الحياة في الدوران.
لقد وجدت أنَّ أفضل طريقة لمحاربة متلازمة المحتال هي أن أكون على طبيعتي:
لا داعي للقلق بشأن مستوى توقعات الآخرين عنِّي، وتوقفت عن التفكير فيما يظنُّه الآخرون عني، وتحملت مسؤولية نجاحي أو إخفاقي؛ فالحقيقة هي أنَّ كل شخص آخر مشغول جداً بمستوى التوقعات الخاص به ولا وقت لديه ليشغل تفكيره بتوقعاتي.
في الختام:
تتسلل متلازمة المحتال إلي دائماً، وتظهر في كل مرة أستعدُّ فيها للتحدث في حدث ما أو نشر تغريدة أو نشر مقال جديد؛ لكنَّني تغلبت عليها الآن من خلال التركيز على مستوى توقعات مختلف أحدده لنفسي، فإذا كنت أؤمن حقاً بما أفعله فلن أتردد، وبمجرد أن أكون صريحاً فإنَّ ما يقرر الآخرون فعله متروك لهم، فالاحتيال الحقيقي هو ألَّا تكون على طبيعتك الحقيقية.
أضف تعليقاً