ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن البروفيسورين بروك باستيان (Brock Bastian) وأشلي همفري (Ashley Humphrey)، يحدثاننا فيه عن كيفية تجنب الإيجابية السامة.
تُظهر الأبحاث أنَّ الأشخاص الأكثر سعادة يميلون إلى العيش لفترة أطول والتمتع بصحة أفضل والاستمتاع بحياة أكثر نجاحاً، ويتمتع الأشخاص السعداء جداً بالمزيد من هذه الفوائد مقارنة بالأشخاص السعداء نسبياً، لكن عند السعي وراءها بطرائق خاطئة يمكن أن تصبح السعادة أو الإيجابية سامة.
ما دفعنا إلى إجراء البحث الذي نُشر في مجلة "ذا جورنال أوف بوزيتيف سايكولوجي" (The Journal of Positive Psychology) الذي شارك فيه نحو 500 شخص هو النتائج المتضاربة؛ فقد يكون السعي وراء السعادة أمراً جيداً وسيئاً لصحتنا، وكان هدفنا الكشف عن العنصر الرئيس الذي يجعل الإيجابية سامة.
التوقعات الإيجابية تؤدي إلى شعور أسوأ:
أظهرت بعض الدراسات أنَّه عندما يولي الناس قيمة عالية لسعادتهم فقد يؤدي ذلك إلى سعادة أقل لا سيَّما في الحالات التي يتوقعون فيها الشعور بالسعادة؛ فقد رُبِطَ توقع السعادة ثمَّ الشعور بخيبة الأمل أو إلقاء اللوم على النفس لعدم الشعور بالسعادة الكافية بأعراض اكتئاب أكبر ونقص في العافية.
يصور رسام الكاريكاتير "راندي جلاسبيرجن" (Randy Glasbergen) في إحدى رسوماته مريضاً يعترف فيما يعانيه لطبيبٍ نفسيٍّ قائلاً: "أنا سعيد جداً؛ لكنَّني أريد أن أكون أكثر سعادة ولهذا السبب أنا بائس"، ومع ذلك فقد لاحظ الباحثون أيضاً أنَّه عندما يعطي الناس الأولوية للسلوكات التي تزيد من احتمالية سعادتهم في المستقبل بدلاً من محاولة زيادة مستويات السعادة لديهم مباشرةً في الوقت الحالي، فمن المرجح أن يشهدوا تحسناً في مستويات العافية لديهم.
قد يعني هذا المشاركة في الأنشطة التي توفر إحساساً بالإنجاز أو الهدف، مثل التطوع أو إكمال المهام الصعبة أو إنشاء روتين يومي يدعم العافية؛ فيشير هذا العمل إلى أنَّ السعي وراء السعادة على نحو غير مباشر بدلاً من جعلها محور التركيز الرئيس، يمكن أن يحول بحثنا عن الإيجابية من حالتها السامة إلى حالة منتجة.
شاهد بالفديو: 10 خطوات بسيطة لنشر التفاؤل والطاقة الإيجابية
تقدير السعادة مقابل إعطاء الأولوية للإيجابية:
أردنا في بحثنا معرفة السبب الذي يجعل اتخاذ السعادة هدفاً رئيساً يؤدي إلى نتائج عكسية، وللحصول على فهم أفضل قسنا النهجين الآتيين لإيجاد السعادة، وهما: تقدير السعادة وإعطاء الأولوية للإيجابية؛ فقد وافق الأشخاص الذين قدَّروا السعادة على عبارات مثل: "أنا قلق بشأن سعادتي حتَّى عندما أشعر بالسعادة"، أو "إذا لم أشعر بالسعادة فربَّما أعاني خللاً ما"، في حين وافق الأشخاص الذين أَعطوا الأولوية للإيجابية عباراتٍ مثل: "أقوم بتنظيم يومي لتحقيق أقصى قدر من سعادتي"، أو "أبحث عن مشاعري الإيجابية وأغذيها".
كما أضفنا مقياساً لمدى شعور الناس بعدم الارتياح تجاه تجاربهم العاطفية السلبية، وللقيام بذلك طلبنا ردوداً على عبارات مثل: "أرى نفسي فاشلاً في الحياة عندما أشعر بالاكتئاب أو القلق"، أو "أحب نفسي بدرجة أقل عندما أشعر بالاكتئاب أو القلق".
الأشخاص الذين توقعوا أن يشعروا بالسعادة؛ أي أولئك الذين سجلوا درجات عالية في تقدير السعادة، يميلون أيضاً إلى رؤية حالاتهم العاطفية السلبية على أنَّها علامة على الفشل في الحياة ولا يتقبلون هذه التجارب العاطفية، وهذا الانزعاج من المشاعر السلبية يفسر جزئياً سبب انخفاض مستويات العافية لديهم.
من ناحية أخرى الأشخاص الذين سعوا وراء السعادة بصورة غير مباشر؛ أي الذين سجلوا درجات عالية في إعطاء الأولوية للإيجابية ولم يروا حالاتهم العاطفية السلبية بهذه الطريقة؛ فكانوا أكثر تقبلاً للمشاعر السلبية ولم يروا أنَّها علامة على فشلهم في الحياة.
النتيجة هي أنَّه عندما يظنُّ الناس أنَّهم بحاجة إلى الحفاظ على مستويات عالية من الإيجابية أو السعادة طوال الوقت لجعل حياتهم جديرة بالاهتمام أو للحصول على تقدير الآخرين، فإنَّهم يتفاعلون على نحو سيئ مع مشاعرهم السلبية؛ فإنَّهم يعانون هذه المشاعر أو يحاولون تجنبها بدلاً من قبولها على أنَّها جزء طبيعي من الحياة.
فالسعي وراء السعادة بصورة غير مباشر لا يؤدي إلى نفس رد الفعل، والشعور بالإحباط أو التوتر لا يتعارض مع العثور على السعادة؛ لكنَّ السعي إلى أن تكون سعيداً طوال الوقت يمكن أن يجعل الانتكاسات تبدو كأنَّها فشل.
ما الذي يجعل الإيجابية سامة؟
يبدو أنَّ العنصر الأساسي في الإيجابية السامة ليس الإيجابية بحد ذاتها؛ بل موقف الشخص تجاه السعادة الذي يقوده إلى الاستجابة للتجارب السلبية في الحياة، فاحتمالية المعاناة من الألم أو الفشل أو الخسارة أو خيبة الأمل في الحياة أمر لا مفر منه؛ فثمة أوقات نشعر فيها بالاكتئاب أو القلق أو الخوف أو الوحدة، وهذه حقيقة وما يهم هو كيف نستجيب لهذه التجارب، فهل نقبلها على حقيقتها؟ أم نحاول تجنبها ونهرب منها؟
فإذا كنَّا نهدف إلى أن نكون سعداء طوال الوقت، فقد نشعر بأنَّ الأوقات الصعبة تقف في وجه هدفنا، لكن إذا تعاملنا مع الإيجابية على أنَّها أولوية ببساطة نصبح أقل اهتماماً بهذه المشاعر؛ فنحن نراها عنصراً في الحياة وجزءاً من الرحلة الشاملة، فبدلاً من محاولة الشعور بالسعادة طوال الوقت نكون أكثر استعداداً لتقبل مشاعرنا السلبية أو غير المريحة، ونفهم أنَّ القيام بذلك سيجعلنا سعداء على الأمد الطويل؛ وذلك لأنَّ تعلُّم الاستجابة لهذه المشاعر بدلاً من إظهار رد فعل تجاهها هو عامل أساسي لسعادتنا.
في الختام:
غالباً ما يكون رد فعلنا تجاه الانزعاج هو الابتعاد وتقليل الألم، وقد يعني هذا أنَّنا نستخدم استراتيجيات غير فعالة لتنظيم المشاعر، مثل تجنب أو قمع المشاعر غير السارة، وإذا فعلنا ذلك فإنَّنا نفشل في التعامل مع الأفكار التي تجلبها التجارب غير السارة.
الاستجابة الجيدة لهذه التجارب هي الشعور بعدم الارتياح؛ أي الشعور بالراحة مع عدم ارتياحنا، وبعدها يمكننا أن نشعر بما نشعر به ونشعر بالفضول بشأن سبب هذه المشاعر؛ ممَّا يتيح لنا زيادة فهمنا ورؤية خياراتنا واتخاذ قرارات أفضل؛ فلا مفر من الألم، لكن المعاناة اختيارية.
أضف تعليقاً