لا يمكن للإنسان الاستقرار والتركيز في حياته العملية أو الدراسية أو العاطفية في الوقت الذي يعيش فيه خلافات مستمرة مع والديه أو أخوته، فهل تتخيل نفسك ضمن ساحة معركة طوال الوقت؟
من الصعب الحياة دون أمان واستقرار العائلة، والأصعب أن تكون أحد الأطراف التي ساهمت في هدم تلك العائلة وقطع حبال الوصل بين أفرادها من خلال سوء التصرف في أثناء الشجارات وعدم حل الخلافات، فالعائلة هي ملاذك الآمن في الحزن والشدة وهي خط الدفاع الحامي لك في لحظات الضعف عند التعرض لمخاطر المجتمع المختلفة، فكم سمعنا عن مجرمين أو مرضى نفسيين أو أشخاص غير قادرين على اتخاذ القرارات في حياتهم نتيجة فقدان الاستقرار العائلي؟
لذلك خصصنا هذا المقال اليوم للتحدث عن أهم النقاط المساعدة على حل النزاعات العائلية بأفضل شكل، فتابع القراءة.
المشكلات الأسرية وأسباب حدوثها
تنشأ عادة في مختلف الأسر اختلافات بين أفراد الأسرة سواءً بين الزوجين أم بين الأبوين والأبناء أم اختلافات الأبناء مع بعضهم بعضاً، وأحياناً يحتدم الخلاف وتعلو الأصوات عندما يسيطر الغضب على النفس، فيصبح سماع الآخر شيئاً شبه مستحيل.
تعود أبرز المشكلات الأسرية للأسباب الآتية:
1. ضعف التواصل بين الأفراد
لا يجب أن تعيش مع أفراد المنزل دون وجود تواصل حقيقي بينكما، وخاصة بالنسبة إلى الأزواج؛ لأنَّ هذا الأمر كفيل بتراجع العلاقة ثم تدميرها، فأحياناً تجد أحد الأطراف يتحدث بأمر هام والأطراف الأخرى مشغولة في التلفاز أو الهاتف المحمول، فيتسبب الأمر بنشوب مشكلة.
2. الأمور المالية
تعد هذه المشكلات الأكثر شيوعاً بين الأزواج أو بين الآباء والأبناء، وقد تنتج عن عدم الصدق أو الإسراف والديون وعدم إنشاء ميزانية عائلية أو عدم الالتزام بها.
3. ضعف الثقة
من الضروري وجود ثقة بين الأزواج، ووجود ثقة عالية من قبل الأهل بالأبناء، فلا يمكن محاسبة الطرف الآخر لأنَّه تأخر قليلاً أو غيرها من التفاصيل التي لا تستحق رد فعل مبالغاً فيه.
4. ضعف المسؤولية
تنشأ معظم الصراعات نتيجة عدم تحمل أحد الأطراف المسؤولية الواجب تحملها، أو نتيجة عدم وجود عدل في تقاسم المسؤوليات بين الأفراد.
شاهد بالفيديو: 8 تصرفات خاطئة تهدد الحياة الزوجية
كيفية التعامل الفعال مع النزاعات العائلية
يمكن حل معظم النزاعات والخلافات العائلية والحفاظ على حالة مستقرة في المنزل من خلال اتباع النقاط الآتية:
1. المحافظة على الهدوء
تترافق النزاعات والنقاشات بين أفراد الأسرة غالباً بالغضب الناتج عن المشاعر السلبية التي يشعر بها الإنسان عندما تتم مخالفته بالرأي، وهذا الأمر طبيعي، ولكن غير الطبيعي هو الصراخ أو رمي الأشياء على الأرض أو غيرها من التصرفات التي يقوم بها بعض الأشخاص بوصفها رد فعل عند الغضب، والتي تزيد الموقف سوءاً، وتجعل أبسط الخلافات تتحول إلى كارثة.
التصرف الصحيح هو المحافظة على الهدوء، من خلال الانتباه إلى نبرة الصوت ومناقشة الآراء المختلفة وتوضيح الرأي بطريقة مفهومة بالنسبة إلى الآخر لا بفرضها دون وجود مبررات لذلك، وفي حال شعرت بالغضب يُفضَّل أن تأخذ استراحة من هذا النقاش، وتخرج لتمشي قليلاً في الهواء الطلق، أو تمارس التنفس العميق لتتمكن من تفريغ الطاقة السلبية وتراجع أفكارك وتصيغها من جديد.
2. الاستماع الفعَّال
تحتدم كثيراً من النقاشات نتيجة عدم سماع الطرف الآخر بشكل فعال، فيؤدي ذلك إلى إساءة الفهم وعدم تفسير كلامه بالشكل الصحيح، بينما الاستماع الفعال يساعد على تبسيط مختلف الخلافات وتقريب وجهات النظر والفهم الصحيح للآخر.
يشمل الاستماع الفعال التركيز الجيد في حديث الطرف المتحدث، فلا تنشغل بأي عمل آخر أو بهاتفك مثلاً، واستخدم جسدك لإيصال فكرة هامة للمتحدث، وهي أنَّ كلامه يستحق؛ وذلك من خلال الجلوس أمامه والنظر إلى عينيه، لأنَّ التواصل البصري يسهل التفاهم بينكما، وامتنع عن المقاطعة، فإن لم تفهم فكرة معينة انتظر لينهي كلامه واطرح الأسئلة التي تريدها بوضوح وصراحة.
3. احترام الرأي المخالف
أن تكونوا أسرة واحدة لا يعني أن تكون الآراء متشابهة أو وجهات النظر أو المعتقدات، فلكل إنسان في هذه الحياة آراء لا يجب أن تقلل من قيمتها، فلا يصبح الأخ عدواً إن لم يعجبك رأيه في المباراة أو في الملابس الجديدة التي اشتراها، وفي الوقت ذاته لا نطلب منك أن تحب ما يحبه لترضيه، إنَّما عليك إظهار الاحترام دائماً لرأي الطرف المخالف لك.
4. التركيز على الصورة الأكبر
قد نرغب أحياناً في الفوز ببعض الصراعات العائلية فقط لإثبات صحة كلامنا ورأينا حتى إن سبَّب ذلك الحزن للطرف الآخر، ومن ثم نحزن نتيجة الخلاف، وربما تصعب استعادة الراحة في الحديث والثقة بيننا، لذلك يجب أن تركز على الصورة الأكبر والأهم وهي العائلة وسعادتها واستقرارها.
التفكير بهذا الأمر يجعلك تسعى نحو حل النزاعات مهما كانت، من خلال إيجاد الحلول المشتركة التي ترضي جميع الأطراف ولا تسيء لأحد أو تشعره بالخذلان، فالعائلة يجب أن تكون دائماً يداً واحدة تعمل ليسعد الجميع، حتى في المواقف التي لا يمكن الوصول فيها إلى حل مشترك يمكنك الاكتفاء بالاحترام والتعاطف مع الآخر.
5. إدراك أنَّك في حوار عائلي ولست في حرب
من الضروري الانتباه إلى طريقتك في الحوارات العائلية، وخاصة عند وجود نزاعات، فلا يجب أن يكون الحوار العائلي مشابهاً للنقاش السياسي بين الأطراف المتنازعة أو لنقاش العمل، إنَّما الاجتماع العائلي يجب أن يتسم بالبساطة والسلاسة، فلا تسخر من أحد الأطراف المناقِشة وتتنمر عليه وتذكر صفاته السلبية في هذا الحوار؛ لأنَّ الأمر سيزداد سوءاً.
يمكن إضافة بعض المرح للنقاشات لحل الخلافات بأسرع طريقة؛ وذلك من خلال الابتسامة في وجه الطرف الآخر وتذكيره ببعض الذكريات الجميلة، فأحياناً يُحَل الخلاف بين الأخوة لمجرد أنَّ الآخر قدَّم لأخته قطعة شوكولا تحبها، أو الزوجة قدمت لزوجها طبق طعام مفضل لديه، ويمكن تحضير نوع من الحلوى وتقديمه للجميع في أثناء النقاش لجعله أكثر عاطفية.
6. فهم تأثير النزاعات في مختلف أفراد الأسرة
عندما يحدث خلاف على أمر معين مع أحد أفراد العائلة، لا تعتقد أنَّكما فقط المعنيان بذلك وأنَّ المشاعر السلبية التي ستشعر بها خاصة بك؛ إنَّما سيشعر كل أفراد العائلة بتلك المشاعر، وخاصة إن كان المتخاصمان هما الأزواج، فالاضطرابات المزاجية التي تحدث سيشعر بها الأولاد، وكلما كانوا أكبر سناً، كان الأثر النفسي للنزاعات أكثر سلبية في الأولاد مهما حاول الأبوان إخفاء الخلاف.
تلك النزاعات هي السبب الرئيس خلف القلق والاكتئاب والتصرفات العدوانية للمراهقين وضعف الثقة بالنفس، لذلك خصص وقتاً للنقاش في مختلف الأمور التي تختلف بها مع أحد أفراد الأسرة بينكما، ومهما كان الاختلاف، تجنَّب حدوث الشجارات أمام الأطفال، بل يمكن ذلك في أثناء وجودهم في المدرسة أو خلال النوم.
تذكر أنَّك تقدم مثالاً لأولادك عن كيفية التعامل في النزاعات العائلية وكيفية التحكم بمشاعر الغضب، وتذكر أيضاً أنَّ استقرار وراحة أفراد العائلة مسؤولية الجميع، فلا تسمح لمشاعرك السلبية بالإساءة للراحة النفسية لأفراد الأسرة.
7. عدم الانسحاب
يعد الانسحاب حلاً بالنسبة إلى معظم الأشخاص لإنهاء النقاشات دون الوصول إلى حلول مشتركة ترضي الجميع، ولكن الانسحاب يؤدي إلى ترك ندبة سلبية في نفس الطرف الآخر، وتتراكم الندبات لتنفجر في لحظة غير متوقعة، ويحدث نزاع يؤدي إلى شرخ عائلي غالباً، فلا تعتقد أنَّك تحمي نفسك من سماع الكلمات المسيئة أو تحمي الطرف الآخر من ذلك، بل الأفضل هو النقاش دائماً للحفاظ على التواصل الفعال في مختلف الحالات.
8. التسامح
يمنح التسامح الجميع الشعور بالسعادة، فلا تظن أنَّ المشاعر السلبية والإساءة التي يتسبب بها الخلاف العائلي تسيء للطرف المخطئ فقط، إنَّما تسيء لك أيضاً؛ لذلك كن رحيماً وتذكر أنَّ العفو والتسامح يساعدان على تماسك الأسرة وخاصة إن كان العفو من الطرف الأكثر قوة، كأن يسامح الأب ابنه بدلاً من ضربه والاكتفاء بتوضيح الخطأ ووضع سياسة أو قواعد جديدة في المنزل.
في الختام
الخلافات والنزاعات العائلية أمر طبيعي في جميع الظروف وفي مختلف العائلات، وقد تحدث نتيجة اختلاف في أمور مالية أو نتيجة التواصل غير الجيد بين أفراد الأسرة، وفي مختلف الخلافات يجب أن تدرك أنَّ عليك اتباع عدة نقاط هامة لتحل الخلافات، وقد ذكرناها في مقالنا كالمحافظة على الهدوء، والتحكم برد الفعل عند الغضب، وكذلك الاستماع النشط والفعَّال للطرف الآخر بالتركيز في كلامه وعدم مقاطعته، والمحافظة على التواصل البصري.
من الضروري التركيز على سعادة العائلة واستقرارها وعدم السعي للفوز بالنقاش وإحزان الطرف الآخر بالمقابل أو الإساءة له والتقليل من قيمته، وتذكر أنَّ عليك دائماً احترام الطرف الآخر والتعاطف معه، فأنت في حوار عائلي ولست في ساحة حرب، وسعادة أفراد العائلة واستقرارهم هي مسؤولية الجميع.
أضف تعليقاً