ستكون الحياة صعبة جدَّاً، إن لم تمتلك علاقة صحيَّة وقويَّة مع شقيقك، وهذا يدفع مختلف الأسر للسعي إلى بناء علاقات جيِّدة بين أطفالها، فقد وصلوا للعمر الذي بيَّن لهم أهمية العلاقة بالشقيق، كما أكَّدت على ذلك مختلف الدراسات، فتحدَّث كثير من المختصِّين أنَّ جائحة كورونا التي حدثت منذ عدة سنوات، وتسبَّبت بحَجر الناس في منازلهم، قد كشفت عن وجود عيوب في علاقة الأشقاء ببعضهم، وكان ذلك الحَجْر فرصة ساعدتهم على تغيير أسلوب معاملتهم لأشقائهم؛ لزيادة التضامن والرحمة في العلاقات الأسرية.
يوضح مقالنا اليوم أهم النقاط المتعلقة بتعزيز العلاقات الصحية بين الأشقاء، فتابع القراءة.
أهميَّة العلاقة الصحية بين الأشقاء
تُعدُّ العلاقة مع الأشقاء من أهم العلاقات الإنسانية وأكثرها تأثيراً في حياتنا، وتعود أهميتها للأمور الآتية:
1. الدعم العاطفي
لا يوجد أجدر من الشقيق لتقديم الدعم العاطفي في لحظات الحزن والفرح ومختلف الأوقات، ويمدُّك شقيقك بشعور لا يمكن للآخرين منحك إيَّاه مهما كان عدد الأصدقاء من حولك كبيراً.
2. التقدُّم والتطوُّر
قد يتطوَّر الإنسان بفضل شقيقه؛ لأنَّه يؤثر فيه أكثر من أي معلِّم، ونلاحظ أنَّ الأطفال الأصغر يتعلَّمون بسرعة غالباً؛ لأنَّهم شاركوا أخوتهم الأكبر سنَّاً في التعلُّم وحلِّ المشكلات.
3. الشعور بالاستقرار
يشعر الإنسان بالأمان والراحة في حياته بوجود شقيقه حوله؛ لأنَّه يعلم بأنَّه قادر على مساعدته في أي وقت يحتاجه؛ لذلك يزداد شعوره بالاستقرار بوجود علاقة متينة مع الأشقاء.
4. تعزيز القدرة على بناء علاقات اجتماعية صحية
تعزِّز العلاقة المتينة مع الأشقاء النمو الشخصي، وتزيد ثقة الإنسان بنفسه، وتعلِّمه كيفية التعامل مع الاختلافات، وكيفيَّة التواصل الفعَّال والاهتمام بمشاعر الآخرين وتقديرهم، والمحافظة على العلاقة معهم من خلال حلِّ النزاعات.
يعتاد الإنسان على وجود صعوبات في أي علاقة في حياته سواء أكانت عاطفية أم غيرها، ويصبح أكثر قدرة على بناء علاقات صحية، والنجاح في حياته الشخصية برغم الصعوبات المختلفة؛ لأنَّ الحياة الأسرية مليئة بالتغيُّرات والتحديات.
كيفية بناء علاقات صحية مع الأشقاء والمحافظة عليها
تجمع العلاقة مع الأشقاء في طيَّاتها كثيراً من المشاعر المتضادة في بعض الأحيان؛ لذلك نحتاج للانتباه لنقاط معيَّنة لتعزيزها، وأبرزها ما يأتي:
1. التواصل الفعَّال
يُعدُّ التواصل الفعَّال الأساس لمختلف العلاقات القوية في الحياة عموماً، والعلاقات الأسرية خصوصاً، فلا تنتظر من الشقيق أن يفهمك دون أن تتكلَّم، ولا تنتظر منه التحدُّث عمَّا يزعجه في حياته المهنية أو الخاصة دون أن تسأله، بل يجب أن تتحدَّث دائماً للأشقاء بصراحة عما يدور في عقلك من أفكار، وما تشعر به من عواطف، سواء أكانت تتعلَّق بك أم بهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى احتياجاتك، فلا يجب أن تخجل من شقيقك، بل يجب أن تحدِّثه بصدق عما تريده منه أو من الآخرين.
ابتعِد عن الكذب مهما كان الموقف الذي وُضِعت فيه؛ لأنَّه يتسبَّب بشرخ في علاقتك مع أشقائك، وحاول أن تبقى على اتصال دائم مع الأشقاء، وتجنَّب القطيعة والإهمال قدر الإمكان، ومهما كانت الظروف التي تعيش ضمنها صعبة، فقد يكون كلٌّ منكم في بلد، والعلاقة بينكم متينة أكثر من علاقة الأشقاء الموجودين في منزل واحد، ويجلسون يومياً على مائدة واحدة.
2. الاستماع الفعَّال
لا يجب أن تتكلَّم فحسب، بل يجب أن تسمع جيداً أيضاً؛ لأنَّ الشقيق ينتظر منك ما لا ينتظره من أحد في الحياة وهو الاهتمام لما يقوله؛ لذلك ركِّز في حديثه جيداً سواء أكان الحديث عن مشاعره أم أفكاره أم احتياجاته أم رغباته وأحلامه أم مخاوفه.
لا تقلِّل من أهميَّة كلامه أبداً، فأحياناً يحتاج الإنسان فقط من يسمعه باهتمام وتركيز في مختلف الأوقات، فلا تنشغل في هاتفك المحمول، أو في مشاهدة التلفاز في أثناء حديث شقيقك.
شاهد بالفيديو: 12 طريقة لتعزيز التواصل الأسري
3. تقديم الدعم دائماً
يحتاج شقيقك لدعم منك دائماً مهما بلغ من العمر، ويختلف شكل الدعم بحسب الموقف، فهو يحتاج وجودك في أثناء تخرُّجه وزفافه، وعندما يُرزَق بطفل، وعند نجاحه في عمل ما، وكذلك في أوقاته الحزينة.
ثمة فكرة شائعة مزعجة بالنسبة إلي وإلى الكثيرين؛ وهي ترك الشقيق الأصغر يواجه بعض المواقف وحيداً ليصبح أقوى، فتؤثِّر هذه التصرُّفات سلباً في العلاقة بين الأشقاء، فهي قادرة على إنهاء العلاقة تماماً؛ لذلك قدِّم الدعم المعنوي والمادي عند الاستطاعة.
4. الاحترام
يُعدُّ الاحترام ضرورياً في مختلف العلاقات الاجتماعية والإنسانية مهما كانت الاختلافات، وخاصَّة بين الأشقاء؛ لأنَّ الفروق الفردية تكون كبيرة بينهم أحياناً، ولكن لا يعني ذلك أنَّك أفضل من شقيقك ويمكنك التقليل من أهميَّته، بل يجب عليك التركيز على النقاط الإيجابية التي يمتلكها، ومحاولة تعزيزها، إضافة إلى مساعدته على التغلُّب على النقاط السلبية، وكذلك تقدير الأعمال التي يعدُّها إنجازاً، والهوايات التي يحبُّها، والأشياء المميزة له، ويمكن دائماً إيجاد نقاط مشتركة بينكم.
5. حل النزاعات وتقليل الصراعات
لا تخلو أي علاقة من وجود خلافات، ولكن حاول تقليل الصراعات مع شقيقك من خلال محاولة فهم وجهات نظره، والمحافظة على التواصل معه حتى إن حدث خلاف معيَّن، والتغاضي عن الأخطاء قدر الإمكان، وتجنُّب الألفاظ المسيئة والكلمات الجارحة؛ لأنَّ الخلاف يُحَلُّ ويُنسى، ولكنَّ الكلمات الجارحة تبقى محفورة في الذاكرة وتسيء للعلاقة مع شقيقك.
تعلَّم دائماً أنَّ التركيز على إيجاد الحلول أهم من توبيخ الطرف الآخر، وأنَّ المسامحة والعفو عندما يسيء لك أفضل من القطيعة والمشاعر السلبية التي تنتج عنها.
6. المشاركة في النشاطات العائلية
يجب أن تشارك في مختلف النشاطات العائلية دائماً؛ لكونها تساعد على توطيد العلاقات الأسرية، مثل ذكرى ميلاد أحد أفراد الأسرة، أو حفل زفافه، أو تناول الطعام معاً في الأعياد أو الرحلات ومختلف النشاطات الجماعية.
لا تتردَّد في أن تكون جزءاً من تلك اللوحة الجميلة حتى في حال وجود خلافات مع أحد أفراد العائلة؛ لأنَّها ستبقى ذكرى في عقلك وعقل شقيقك، وتؤدي الذكريات الجميلة دوراً هامَّاً في توطيد العلاقات بين الأشقاء.
7. نسيان الماضي
قد تمتلك ذكريات سيِّئة مع أشقائك، ولكن لا يجب فتح الجروح القديمة، بل يجب صناعة ذكريات جميلة مجدداً، فخُذ وقتاً كافياً لإصلاح العلاقة، وكن مثابراً وصبوراً، ويمكن الاستعانة بالاستشاريين والخبراء لإصلاح العلاقات الفاسدة.
دور الآباء في تعزيز العلاقات الصحية بين الأشقاء
يؤدي الآباء دوراً هاماً في بناء وتعزيز العلاقات القوية والصحية بين الأشقاء؛ لذلك يجب عليهم تطبيق النصائح الآتية في أثناء تربية أطفالهم:
1. خصِّص وقتاً للعب معاً، وممارسة نشاطات يحبُّها الجميع
لا تجبر طفلك على اللعب مع أخيه ومشاركته نشاط لا يحبُّه، بل يجب الانتباه للنشاطات المشتركة بينهما، وتخصيص وقت لها، واسألهم دائماً عن النشاطات التي يجبونها معاً، وحاوِل التخطيط للقيام بتلك النشاطات باستمرار.
2. علِّمهم كيفية تقديم الدعم المعنوي لبعضهم
يمكن ذلك من خلال تعليمهم كيفيَّة إلقاء التحيَّة صباحاً على بعضهم، وأن يقولوا لبعضهم قبل النوم: "أحبك وأحلام سعيدة"، وأن يتوقَّفوا عن اللعب عندما يكون أحدهم حزيناً، وأن يحاولوا رعايته، والتخفيف من حزنه، والعناية به إن كان مريضاً.
3. ابتعِد عن إثارة المنافسة بين الأطفال
لا تقارِن بين أطفالك، ولا تفضِّل أحدهم على البقية؛ كيلا يشعروا بأنَّهم ضمن منافسة دائماً، بل تحدَّث عن إيجابيات كل طفل منهم، وأخبرهم أنَّهم يكمِّلون بعضهم بعضاً.
4. درِّبهم على حلِّ المشكلات
يمكن تجاهل النزاعات الصغيرة، ولكن تدخَّل عندما يتطوَّر الأمر، ودرِّبهم على إيجاد حلول ترضي الجميع، ولا تحمي الطفل الصغير فقط لأنَّ الكبير يجب أن يكون أكثر تفهُّماً، بل امنح الكبير حقَّه أيضاً.
في الختام
تمرُّ معظم العلاقات الأسرية بفترات سيِّئة أحياناً وجيِّدة أحياناً كالمدِّ والجذر، ولكن يجب أن تكون العلاقة بين الأشقاء قويَّة، ولقد تحدَّثنا في مقالنا عن كيفيَّة تعزيزها، وذلك من خلال التواصل الفعَّال في مختلف الأوقات، والاستماع الفعَّال أيضاً، وتقديم الدعم بمختلف أشكاله، وكذلك الاحترام في مختلف الحالات، والمشاركة في النشاطات العائلية؛ لكونها تساعد على توطيد العلاقات، والسعي إلى حلِّ الخلافات عند حدوثها، والعفو والاعتذار للمحافظة على العلاقة.
يؤدي الآباء أيضاً دوراً هامَّاً في بناء علاقات قويَّة بين الأشقاء، وذلك من خلال تشجيعهم على القيام بنشاطات تسعدهم جميعاً، والابتعاد عن إثارة المنافسة الدائمة بينهم، وتعليمهم كيفيَّة تقديم الدعم لبعضهم دائماً، وكذلك تدريبهم على حلِّ المشكلات، وتساعد العلاقات القوية بين الأشقاء على بناء علاقات صحيَّة مستقبلاً، وهذا ما نتمنَّاه جميعنا.
أضف تعليقاً