تأتي أهميَّة المساجد من كونها المكان الذي يتوجَّهُ إليه المسلمون لأداءِ الصَّلوات وتلاوة الذكر والدُّعاء، إضافةً إلى كونها - في عصورٍ سابقةٍ وحتى هذه الأيَّام - مراكز تعليميَّة للعلوم الدينيَّة؛ ففيها تُعقَدُ حلقاتُ العلمِ والمعرفة، وتُلقى الدروسُ والعبر الحياتيَّة، ويُستمَعُ إلى خُطبِ الوعظ والإرشاد.
لا تقتصرُ أهميَّة المساجد على مكانتها الدينية والاجتماعية فقط، بل هي أداةٌ تعكسُ التطوُّر العمراني الإسلامي، ففي بديع عمرانها وزخرفاتها ومآذنها ما يثبت أنَّ الحضارة الإسلاميَّة عريقةٌ ومتفوِّقةٌ في جميع المجالات، وما تزال بعض المساجد شاهدة على عظمة الإسلام وحضارته رغم مرور قرونٍ عديدة.
سنتحدَّثُ في مقالنا اليوم عن حجرِ أساسِ المساجد، وأوَّل مسجدٍ بُنيَ في الإسلام؛ وهو مسجد قباء في المدينة المنورة، فسوف تجدُ في هذه السُّطور كل ما تريد معرفته عن مسجد قباء.
موقع مسجد قباء أول مسجد في الإسلام وسبب تسميته:
يقعُ مسجد قباء في شمالِ غربِ المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية، على بعد حوالي 6 كيلو مترات من المسجِد النبوي، وهو أوَّلُ مسجدٍ بُنيَ في الإسلام، وأوَّلُ مسجدٍ بُنيَ في المدينة المنورة، ويُعدُّ من أهمِّ المساجد في الإسلام، وله مكانةٌ وقدسيَّةٌ خاصَّة عند المسلمين، ويتميَّزُ مسجدُ قباء بجمالِه وعظمةِ بنائِه، فله أربعُ مآذنَ، وسبعةُ مداخلَ رئيسة، واثنا عشر مدخلاً ثانوياً مع 56 قبَّةٍ صغيرةٍ محيطةٍ بالمسجد.
ما سبب تسمية مسجد قباء بهذا الاسم:
يعودُ سببُ تسمية مسجدِ قباء بهذا الاسم إلى اسم القرية التي بُنيَ فيها، فقد ذكرَ "ياقوت الحموي" في كتابه (معجم البلدان) أنَّ "قبا": أصله اسم بئر، وعُرِفت القرية بها، وهي مساكن بني عمرو بن عوف".
قصَّة بناء مسجد قباء:
يُروى أنَّ - رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلم - كان في طريقه إلى المدينة المنورة مُهاجراً من مكة المكرمة، فنزل في قباء - وهي قرية بني عمرو بن عوف - فاستقبلَهُ أهلُها بحفاوةٍ، وطلبوا منه أن يبنيَ لهم مسجداً يُصلُّون فيه معه، فنزلَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في دار كلثوم بن حاتم رضي الله عنه، ووضعَ حجرَ الأساس للمسجد في المكان الذي استقرَّت فيه ناقته، وقيل إنَّ النبيَّ قد أرخى زمام ناقته قائلاً: "اتركوها فإنَّها مأمورةٌ"، وصار مسجدُ قباء أوَّلَ وقفٍ إسلاميٍّ يُقطعُ بغرضِ الانتفاعِ به.
كما رُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه عندما شيَّدَ هذا المسجد، كان يحملُ الحجارة على ظهره حتى ينثني، وكان الغبار يُرى على ثوبهِ وبطنهِ، وعندما يأتي أحد رفاقه ليُنزلَ عنه العبء، كان يقول: لا، ويطلبُ من رفيقه أن يذهبَ ويحملَ حمولةً مماثلة بدلاً من ذلك.
بُنيَ مسجد قباء في يوم الإثنين 8 ربيع الأول في السنة الأولى من الهجرة، والموافق 23 سبتمبر سنة 622م، إذ نزلَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقباء وأقام فيها أربعة أيَّامٍ، وبحسب المؤرخين كانت أيَّام الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس.
ما هو الفرق بين مسجد قباء والمسجد النبوي؟
يُعدُّ مسجد قباء والمسجد النبوي من أهمِّ المساجدِ في الإسلام، ولكن ثمة بعض الفروقات بينهما.
الفروقات بين المسجد النبوي ومسجد قباء:
أولاً: الموقع
1. مسجد قباء:
يقعُ مسجدُ قباء في شمال غرب المدينة المنورة، على بعد حوالي 6 كيلومترات من المسجد النبوي.
2. المسجد النبوي:
يقعُ المسجدُ النبوي في وسط المدينة المنورة، وهو المسجدُ الأكثرُ شهرة في المدينة.
ثانياً: التَّاريخ
1. مسجد قباء:
هو أوَّلُ مسجدٍ بُنيَ في الإسلام، وأوَّلُ مسجدٍ بُنيَ في المدينة المنورة.
2. المسجد النبوي:
بُنيَ المسجدُ النبوي بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة بـ 8 سنوات، ووسِّعَ وجُدِّدَ عدَّة مراتٍ على مرِّ العصور.
ثالثاً: الحجم
1. مسجد قباء:
مسجد قباء أصغر بكثير من المسجد النبوي، وتبلغ مساحته حوالي 13500 متر مربع.
2. المسجد النبوي:
يُعدُّ المسجد النبوي ثاني أكبر مسجدٍ في العالم من حيث المساحة بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة، وتبلغ مساحته حوالي 3575 متراً مربعاً.
رابعاً: الأهميَّة الدينيَّة
1. مسجد قباء:
يُعدُّ مسجد قباء من أهمِّ المساجد في الإسلام؛ فهو أوَّلُ مسجدٍ بُنيَ وإن لم يكُن الأكبر، وله مكانةٌ خاصَّة عند المسلمين، وهناك العديدُ من الأحاديث النبويَّة الشَّريفة التي رَفعَت من مكانة المسجدِ، ومنها قول النبي محمد صلَّى الله عليه وسلَّم: "من تطهَّر في بيته، ثمَّ أتى مسجد قباء وصلَّى فيه كان له كأجرِ عُمرة".
2. المسجد النبوي:
يُعدُّ المسجد النبوي ثاني أكبر مسجد في الإسلام بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة، وفيه قبرُ النبي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم،وقبري الصحابيَين الجَليلَين أبي بكرٍ الصدِّيق وعمر بن الخطاب.
خامساً: الزيارات
1. مسجد قباء:
يزورُ مسجد قباء ملايين المسلمين سنويَّاً، وخاصَّةً في شهر رمضان المبارك.
2. المسجد النبوي:
يزورُ المسجد النبوي عشرات الملايين من المسلمين سنوياً، وخاصَّةً في موسم الحج والعمرة.
بشكلٍ عام، لكلٍ من المسجدين مكانته، وفضله، وتميزُّه، الخاص وأهمَّيته الدينيَّة والتاريخيَّة.
فضل الصلاة في مسجد قباء:
إنَّ الصَّلاةَ في مسجد قباء مسجدُ التقوى وأوَّلُ مسجدٍ بُنيَ في الإسلام له قدسيَّةٌ خاصَّة، وخشوعٌ لا نظيرَ له، كما أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يزورهُ ويصلِّي فيه ركعتين، وبحسب ما قال "النووي" في "المجموع": يُستحَبُّ استحباباً مؤكَّداً أن تأتيَ المسجد ناوياً التقرُّب بزيارته، والصَّلاة فيه؛ لحديث ابن عمر حين قال: "كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يأتي مسجد قباء راكباً وماشياً فيصلِّي فيه ركعتين"، وفي روايةٍ أُخرى قيل إنَّهُ قد صلَّى فيه ركعتين، وعن أسيد بن الحضير أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: "صلاةٌ في مسجد قباء كعُمرة".
دعاء مسجد قباء:
لم يذكُر النبيُّ محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - دعاءً خاصَّاً بمسجد قباء، ولكنَّ الدُّعاءَ في مثل هذا المكان المقدَّسِ مُستجابٌ بإذن الله.
فيما يأتي بعضُ الأدعية التي يمكنُ الدُّعاء بها في مسجد قباء:
- "اللهمَّ لكَ الحمدُ كما ينبغي لجلالِ وجهك وعظيمِ سلطانك، سبحانكَ لا نُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على سيِّدنا محمد في الأولين والآخرين، وفي الملأِ الأعلى إلى يومِ الدين، اللهمَّ إنَّا نسألُك من الخيرِ عاجلُه وآجلُه، ما علمنا منه وما لم نعلَم، ونعوذُ بكَ من الشرِّ عاجلُه وآجلُه، ما علِمنا منه وما لم نعلَم، ونسألُك من خيرِ ما سألك منه عبدُك ونبيُّك سيُّدنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونعوذُ بك من شرِّ ما استعاذَ بك منه عبدك ونبيُّك سيدنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونسألُك ما قضيت لنا من أمرٍ أن تجعلَ عاقبتَه رشداً يا أرحمَ الرَّاحمين".
- "اللهمَّ يسِّر لنا في كلِّ عامٍ زيارة بيتك الحرام ومسجد نبيِّك وهذا المسجد الطيِّب المُبارك، الذي أخبرنا رسولك أنَّ الصَّلاة فيه كالعُمرة، ويسِّر يا ربَّ العالمين بالدُّعاء أحوالنا، وأصلِح أمورَ أهلنا وأولادنا، إنَّكَ على كلِّ شيءٍ قدير".
- "اللهمَّ كما كتبتَ لنا في عامنا هذا زيارةَ بيتك وخيرةِ مساجدك، أسألُكَ من فضلِكَ العظيم أن تكتبَ لنا الصَّلاح والفلاح، وخير الرِّزق، والرِّضى بالقضاء، وقبولُ التوبةِ إنَّك أنت التوَّابُ الرَّحيم".
- "الحمدُ لله الحليم الكريم، سبحانَ الله رب العرش العظيم، اللهمَّ إنَّا نسألك موجباتِ رحمتك، وعزائمَ مغفرتك، والغنيمةَ من كل برٍّ، والسَّلامة من كلِّ إثمٍ، يا ربُّ لا تدَع لنا ذنباً إلَّا غفرته، ولا همَّاً إلَّا فرَّجته، ولا دَيناً إلا قضيته، ولا حاجةً هي لك رضى ولنا بها صلاح إلَّا قضيتها يا قاضي الحاجات يا ربَّ العالمين".
- "ربَّنا تقبَّل منَّا إنَّك أنت السَّميع العليم، وتُب علينا إنَّك أنت التوَّاب الرَّحيم، ربنا آتنا في الدُّنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذابَ النار، ربَّنا لا تُزِغ قلوبنا بعد أن هديتَنا، وهِب لنا من لدُنكَ رحمةً إنَّك أنت الوهَّاب".
- دعاء دخول المسجد: اللهمَّ افتَح لي أبوابَ رحمتك، وارزقني من فضلك، وطهِّر قلبي من الخطايا والذنوب.
- دعاء الصلاة في المسجد: اللهمَّ تقبَّل مني صلاتي، واجعلني من المتَّقين، ولا تجعلني من الخاسرين.
- دعاء الخروج من المسجد: اللهمَّ اغفر لي ذنوبي، وارزقني من فضلك، واجعلني من عبادك الصالحين.
في الختام:
إنَّ مسجد قباء هو أوَّلُ مسجدٍ بُنيَ في الإسلام، فقد بناه الرَّسول محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيديه الطاهرتين وبمساعدة أصحابه والمؤمنين، واختار له مكاناً بالقرب من بئر قباء؛ ليتوضَّأ المُصلُّون ويسقوا ماشيتهم، ولقد أمرَ الله تعالى ناقة النَّبي بأن تسجدَ في ذلك الموضع؛ لتكون هذه إشارة على مكان بناء المسجد.
مرَّ وقت طويل منذ بُنيَ المسجد، إلَّا أنَّه ما يزال قائماً حتى يومنا هذا، شاهداً على إعلاء كلمة الحقِّ، واحتضان زوُّار التوحيد والإسلام، إذ يحرصُ المسلمون وخادم الحرمين الشريفين على ترميمه بشكلٍ دوريٍّ؛ ليقصده المؤمنون من كل بقاع الأرض، ويتباركوا بالصَّلاة والدعاء فيه.
أضف تعليقاً