في العصر الرقمي، تكون خيارات الشراء لا حصر لها؛ إذ يمكن للمستهلكين التسوق من الأسواق عبر الإنترنت، مثل (Amazon)، أو (eBay)، أو (Etsy)، وقد تكون هذه الوفرة من الخيارات مُربكة في بعض الأحيان، ممَّا يجعل اتخاذ القرارات أمراً صعباً بالنسبة إلى المستهلكين.
كثرة الخيارات قد تؤدي إلى الاكتئاب:
يمكن لكثرة الخيارات أن تؤدي إلى الحيرة في اتخاذ القرار والقلق؛ إذ تشير الأبحاث إلى أنَّ معظم الخيارات يمكن أن تجعل الأشخاص يتخذون القرارات بصعوبة، ممَّا يؤدي إلى الإرهاق الذهني والقلق، وقد حدَّد الأطباء النفسيون أنَّ وفرة الخيارات يمكن أن تؤدي إلى ظاهرة تسمى "مفارقة الاختيار"؛ إذ يصبح الناس غارقين في عدد الخيارات، ويجدون صعوبة في اتخاذ القرارات، وهذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الشعور بالرفاهية النفسية، وحتى الاكتئاب.
ما هي وجهة نظر المعالجين النفسيين عن كثرة الخيارات؟
يظنُّ المعالجون النفسيون أنَّ كثرة الخيارات يمكن أن تؤدي إلى الشعور بعدم الكفاءة والارتباك والشعور بالإرهاق، لقد حدَّدوا أنَّ وفرة الخيارات يمكن أن تؤدي في كثير من الأحيان إلى شعور الناس بأنَّهم اتخذوا قراراً خاطئاً؛ إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى شعور الناس بالندم، وعدم الرضى عن اختياراتهم، حتى لو كانت لديهم مجموعة كبيرة للاختيار من بينها.
أبيقور: السعادة في قلة الخيارات
اعتقد الفيلسوف اليوناني "أبيقور" أنَّ الحياة البسيطة هي مفتاح السعادة؛ إذ يعني عيش حياة بسيطة تجنُّب الملاحقات والرغبات المادية، فقد كان يعتقد أنَّ الحياة الخالية من الأعباء المادية والاستهلاك هي مفتاح الحياة السعيدة، وبالنسبة إليه معظم الخيارات تؤدي فقط إلى الارتباك والمعاناة غير الضرورية، فمن خلال تبسيط خياراتنا، يمكننا أن نعيش حياة أكثر سعادة.
سقراط: كثرة الخيارات مفيدة بشرط
كان "سقراط" فيلسوفاً يونانياً قديماً، يؤمن بأهمية معرفة الذات، وكان يعتقد أنَّ الأفراد يجب أن يسعوا إلى فهم أنفسهم جيداً، وفهم ما يريدون حقاً، ومن وجهة نظر سقراط، يمكن أن تكون وفرة الخيارات مفيدة إذا أدت إلى التفكير الذاتي ومعرفة الذات، فكان يعتقد أنَّه إذا فهم الناس أنفسهم جيداً، يمكنهم اتخاذ قرارات أفضل، وعيش حياة أكثر سعادة.
خيارات أقل، ندم أقل:
وجدت دراسة حديثة نُشرت في مجلة "أبحاث المستهلك" أنَّ وفرة الخيارات يمكن أن تؤدي إلى القلق والإرهاق أكثر من اتخاذ القرار؛ إذ تبيِّن هذه الدراسة أنَّه عندما قُدِّم عدد أكبر من الخيارات للأشخاص، شعروا بالإرهاق العقلي والجسدي، في حين أنَّ الأشخاص الذين عُرض عليهم عدد أقل من الخيارات كانوا أكثر رضى عن قراراتهم، وشعروا بقدر أقل من الندم.
كثرة الخيارات من وجهة نظر كونفوشيوس:
كان "كونفوشيوس" الفيلسوف الصيني القديم، يؤمن بأهمية تنمية العلاقات الشخصية والوئام الاجتماعي، كان يعتقد أنَّه من خلال فهم دورنا في المجتمع وبناء علاقات قوية مع الآخرين، يمكننا أن نجد السعادة والوفاء، فمن وجهة نظر كونفوشيوس، يمكن أن تكون وفرة الخيارات مدمِّرة، وتؤدي إلى عدم التركيز على ما هو هام، فمن خلال تبسيط حياتنا والتركيز على العلاقات، يمكننا أن نجد السعادة والتوازن.
كثرة الخيارات أمر جديد علينا نحن البشر:
علم النفس التطوُّري هو فرع من فروع علم النفس يبحث في كيفية تأثير ماضي أجدادنا في سلوكنا وعواطفنا وعملياتنا العقلية، فمن منظور تطوري، يمكن جعل كثير من الخيارات ظاهرة جديدة نسبياً، فقد كان لأسلافنا مجموعة محدودة من الخيارات عندما يتعلَّق الأمر بالطعام والأصحاب والمأوى، ولدى الإنسان الحديث مجموعة غير محدودة من الخيارات في كل جانب من جوانب الحياة.
فيما يتعلَّق بصنع القرار، كان على أسلافنا الاعتماد على الاستدلال، أو الاختصارات العقلية، لاتخاذ قرارات سريعة وفعَّالة، كان عليهم اتخاذ قرارات بناءً على معلومات محدودة، والاعتماد على الغرائز من أجل البقاء، وفي العصر الحديث، تعني وفرة الخيارات أنَّ عمليات صنع القرار كانت أكثر تعقيداً؛ إذ يمكن أن يؤدي هذا إلى صعوبة في اتخاذ القرار والتوتر، ما قد يضر بصحتنا العقلية.
كثرة الخيارات وظاهرة التقاعس التكيفي:
يقول خبراء علم النفس التطوري إنَّ الكثير من الخيارات يمكن أن يؤدي إلى ظاهرة تسمى "التقاعس التكيفي"؛ وهذا يعني أنَّ الناس قد يصابون بالشلل في المواقف التي يوجد فيها كثير من الخيارات، ويفشلون في اتخاذ أي قرار، وقد يكون هذا السلوك تكيفياً ونابعاً من ماضي أجدادنا عندما يُتخذ القرار الخاطئ، فقد تكون له عواقب مهددة للحياة، وفي العصر الحديث، يمكن أن يؤدي هذا السلوك إلى ضياع الفرص وتقليل الرفاهية.
عاش أسلافنا في مجتمعات صغيرة، وكان من المرجح أن يقارنوا أنفسهم بالآخرين في بيئتهم المباشرة، ومع ذلك فقد جعلت التكنولوجيا الحديثة الناس يستطيعون مقارنة أنفسهم بالآخرين على مستوى عالمي.
التقاعس التكيفي والمقارنة الاجتماعية يمكن أن يكون لها آثار سلبية في صحتنا العقلية، لكن يجب ملاحظة عدم تأثُّر جميع الأفراد بكثير من الخيارات بنفس الطريقة؛ إذ قد تؤدي العوامل الشخصية للخلفية الثقافية دوراً في طريقة التعامل معها.
شاهد بالفيديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية
باري شوارتز ومفارقة الاختيار:
يؤكد المؤلف "باري شوارتز" في كتابه (The Paradox of Choice: Why More Is Less)، أنَّ وفرة الخيارات المتاحة في المجتمع الحديث تجعلنا أقل سعادة وأكثر قلقاً، ومع أنَّ وجود بعض الخيارات هام وضروري، فإنَّ كثيراً من الخيارات قد يكون ضاراً، ويؤدي إلى نقص القدرة على التحليل والندم وعدم الرضى.
يقدم "شوارتز" عدة أفكار رئيسة في الكتاب:
- كلما زادت خياراتنا، قلَّ رضانا عن الخيارات التي نتخذها.
- أدت الزيادة في الخيارات إلى انخفاض في المسؤولية الشخصية والمساءلة.
- يميل الأشخاص الذين يحاولون دائماً اتخاذ أفضل خيار ممكن إلى أن يكونوا أقل سعادة من الأشخاص الذين يختارون شيئاً يلبِّي الحد الأدنى من متطلباتهم.
- يمكن تقليل عبء الاختيار عن طريق تقليل الخيارات أو تفويض القرارات للخبراء أو المصادر الموثوقة.
- لا تؤثر مفارقة الاختيار في الأفراد فحسب؛ بل تؤثر أيضاً في المنظمات والمجتمع ككل.
كيف نستطيع التعامل مع مفارقة الاختيار؟
يقدم "شوارتز" أيضاً نصائح عملية عن كيفية التعامل مع مفارقة الاختيار، مثل:
- ركِّز على ما يهمك حقاً.
- كن على دراية بتحيُّزاتك، وحاول تجنب فخاخ اتخاذ القرار.
- بسِّط خياراتك، واستخدم الأساليب المنطقية لاتخاذ القرارات بطريقة أكثر كفاءة.
تسلط "مفارقة الاختيار" الضوء على أهمية توخي الحذر بشأن الخيارات التي نتخذها والتأثير الذي يمكن أن تحدثه وفرة الاختيار في سعادتنا ورفاهيتنا.
ما هي الطرائق الصحيحة للتعامل مع كثرة الخيارات من وجهة نظر الطب النفسي؟
التعامل مع وفرة الخيارات من منظور الطب النفسي، ينطوي على فهم كيفية معالجة الدماغ واستجابته لتعدد الخيارات.
فيما يأتي بعض الاستراتيجيات التي قد تكون مفيدة:
1. ضع توقعات واقعية:
اعلم أنَّه لا يوجد خيار مثالي، وكن مستعداً لقبول النقائص والعيوب.
2. قللّ الخيارات:
قلِّل عدد الخيارات التي تفكِّر فيها عن طريق وضع معايير واضحة لما تريده وتحتاج إليه، يمكن أن يساعد ذلك على تجنب القلق وتسهيل الاختيار.
3. اطلب النصيحة:
استشر الأصدقاء الموثوق بهم، أو أفراد الأسرة، أو الخبراء الذين لديهم خبرة في المجال الذي تتخذ قرارات بشأنه، يمكن أن يساعد ذلك على تقليل الشكوك وتقديم وجهات نظر قيمة.
4. تدرَّب على اليقظة:
ابق حاضراً في الوقت الحالي، وركِّز على ما يهمك، وتجنَّب الملهيات، وحاول عدم اجترار الخيارات السابقة، أو الاحتمالات المستقبلية.
5. كن ممتنَّاً:
حاول أن تقدِّر الخيارات المتاحة لك والجوانب الإيجابية لما هو موجود أو متاح، بدلاً من التركيز على ما ليس لديك أو لا يمكنك اختياره.
6. اطلب المساعدة المتخصصة:
إذا كنت تعاني من القلق أو الاكتئاب أو مشكلات الصحة النفسية الأخرى المتعلقة بكثرة الخيارات، فكِّر في طلب المساعدة من اختصاصي الصحة العقلية.
في الختام:
تذكَّر أنَّه لا توجد طريقة واحدة "صحيحة" للتعامل مع وفرة الخيارات، فما يصلح لشخص ما قد لا يصلح لشخص آخر؛ لذا يجب أن تجرِّب استراتيجيات مختلفة، وأن تجد ما يناسبك.
أضف تعليقاً