أولاً: نسب النبي ﷺ وأسرته
لنسب النبي ﷺ ثلاثة أجزاء:
- جزء اتفق على صحته أهل السير والأنساب وهو إلى عدنان.
- جزء اختلفوا فيه بين متوقف فيه وقائل به، وهو ما فوق عدنان إلى إبراهيم عليه السلام.
- وجزء مشكوك بصحته، وهو ما فوق ابراهيم إلى آدم عليه السلام.
أمّا أسرة النبي ﷺ فتعرف بالأسرة الهاشمية، فنسبه إلى جده هاشم بن عبد مناف. عبد الله ابن عبد المطلب والد رسول الله ﷺ وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وكانت تعتبر من أفضل النساء في قريش نسباً وموضعاً.
وقد أقرّ أبو سفيان أَمَام هِرَقْل بعلوّ نسب النبي ﷺ حين سأله هِرَقْل: "كيف نسبه فيكم؟" فأجاب أبو سفيان: "هو فينا ذو نسب". فقال هرقل: "فكذلك الرُّسُلُ تبعث في نسب قومها".
توفّيَ والد النبي ﷺ "عبد الله" وهو في الخامسة والعشرين من العمر، وكانت وفاته قبل أن يولد رسول الله ﷺ، وقيل إنه توفي بعد مولده بشهرين وهي رواية ضعيفة.
ثانياً: تاريخ المولد النبوي الشريف
ولد النبي ﷺ في مكة في صبيحة يوم الإثنين التاسع من شهر ربيع الأول، لأول عام من حادثة الفيل، ولأربعين سنة خلت من مُلك كسرى أنوشروان، ويوافق ذلك العشرين أو الثاني والعشرين من شهر أبريل سنة 571م.
وروى ابن سعد أنّ أمّ رسول الله ﷺ لما وضعته خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب، حتى أضاءت منه قصور بصرى بأرض الشام.
ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده، فجاء مستبشراً ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له، واختار له اسم محمد وهو أسم لم يكن معروفاً في العرب، وختنه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون.
ويذكر أن أول من أرضعته ﷺ من المراضع هي ثويبة مولاة أبي لهب، كما أرضعت عمّه حمزة بن عبد المطلب. وأرضعت النبي ﷺ أيضاً حليمة بنت أبي ذؤيب والتي روت عن بركته عندما أخذته للرضاعة ما يثير العجب والدهشة.
ثالثاً: معجزة شق الصدر
بقي رسول الله ﷺ في بني سعد، حتى إذا كانت السنة الرابعة أو الخامسة من مولده وقع حادث شق صدره، فقد روى مسلم عن أنس أنّ رسول الله ﷺ أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لَأَمَه، ثم أعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه فقالوا: إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، صحيح مسلم.
وقد خَشِيَت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتى ردّته إلى أمه، فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين، إلى أن لاحقها المرض، وتوفيت بالأبواء بين مكة والمدينة.
وقد عاش محمد ﷺ مع جده عبد المطلب الذي أحبه وقرَّبه إليه، وكان يأخذه معه إلى الكعبة وسط أعمامه، ويجلسه بجواره، ويربت على ظهره بحب، وعندما كان النبي ﷺ في الثامنة من عمره مات جده عبد المطلب، ورأى قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبو طالب شقيق أبيه.
ونهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وضمه إلى ولده، وقدمه عليهم، واختصه بفضل احترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله.
رابعاً: حياته ﷺ ما قبل النبوة
لم يكن له ﷺ عمل معين في أول شبابه، إلا أنّ الروايات توالت بأنه كان يرعى غنماً، وفي الخامسة والعشرين من عمره خرج تاجراً إلى الشام في مال خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
ولما رجع إلى مكة، ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم ترَ قبل هذا، وأخبرها غلامها ميسرة بما رأى فيه ﷺ من شمائلَ كريمة، وفكر راجحٍ، ومنطق صادق، ونهجٍ أمين - وجدت ضالتها المنشودة، وكان السادة والرؤساء يحرصون على زواجها، فتأبى عليهم ذلك، فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منية التي ذهبت إليه ﷺ تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضي بذلك، وعلى إثر ذلك تم الزواج، وكانت سنها آنذاك أربعين سنة، وكانت يومئذٍ أفضل نساء قومها نسباً وثروة وعقلاً، وهي أول امرأة تزوجها رسول الله ﷺ، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت، ومن ثمّ تزوّج النبي ﷺ بعد وفاة خديجة.
وفي السنّة الخامسة والثلاثين من مولده ﷺ قامت قريش ببناء الكعبة، ولما بلغ البنيان الحجر الأسود، اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه، واستمر النزاع أربع ليالٍ أو خمساً، واشتد حتى كاد أن يتحول إلى حربٍ في أرض الحرم، إلا أنّ أبا أُمَيّة بن المغيرة المخزومي، عرَض عليهم أن يُحَكِّموا فيما شجر بينهم أولَ داخل عليهم من باب المسجد، فارتضَوه، وشاء الله أن يكون ذلك رسولَ الله ﷺ، فلما رأوه هتفوا: هذا الأمين، رضيناه، هذا محمّد. فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبر، طلب رداءً، فوضع الحجر وسطه، وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعاً بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه، أخذه بيده، فوضعه في مكانه، وهذا حلٌّ حصيفٌ رضي به القوم.
خامساً: أخلاقه ﷺ قبل النبوة
جمع النبي في نشأته خير ما في طبقات الناس من ميّزات، فلقد كان ﷺ يمتاز في قومه بأخلاق فاضلة، وشمائل كريمة، فكان أفضل قومه مروءةً، وأحسنهم خُلقاً، وأعزهم جواراً، وأعظمهم حلماً، وأصدقهم حديثاً، وأعفَّهم نفساً، وأَبَرّهم عملاً، وأوفاهم عهداً، وآمَنهم أمانةً، حتى سماه قومه "الأمين"، لما جمع فيه من الأحوال الصالحة، والخصال المَرْضِيَّة، وكان كما قالت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-: "يحمل الكَلَّ، ويَكسِبُ المعدوم، ويَقْرِي الضيف، ويُعين على نوائب الحق".
وكان النبي ﷺ ينأى بنفسه عن كل خصال الجاهلية القبيحة، فكان لا يشرب الخمر، ولا يأكل من الذبائح التي تذبح للأصنام، ولم يكن يحضر أي عيد أو احتفال يقام للأوثان، بل كان معروفاً عنه كراهيته الشديدة لعبادة الأصنام وتعظيمها، حتى أنه كان لا يحب مجرد سماع الحلف باللات والعزى وهما صنمان مشهوران كان العرب يعظمونهما ويعبدونهما ويكثرون الحلف بهما.
سادساً: نبوة محمد ﷺ ونزول الوحي
عندما بلغ النبي ﷺ الأربعين من العمر بدأت آثار النبوة تلوح له في الأفق، من خلال الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، حتى مضى على ذلك ستة أشهر، فلما كان رمضان السنة الثالثة في عزلته في غار حراء، شاء الله أن يفيض من رحمته على أهل الأرض، فأكرمه بالنبوة، وأنزل إليه جبريل بآيات من القرآن،
وقد روت هذه الواقعة أم المؤمنين السيدة عائشة فقالت رضي الله عنها فيما روى البخاري في صحيحه:
((أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إلى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: "مَا أَنَا بِقَارِئٍ"، قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ﴾، فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ: "زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي" فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي" فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَداً، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخاً كَبِيراً قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعاً، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيّاً إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ"، قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْراً مُؤَزَّراً)).
وقد استغرق نزول الوحي ثلاثاً وعشرين عاماً، منها ثلاثة عشر عاماً بمكة، وعشر سنين في المدينة.
سابعاً: نبي الرحمة والإنسانية
قال تعالى الآية: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾، [التوبة].
وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)، [الأنبياء].
ووردت العديد من الأحاديث التي تتجلى فيها رحمة النبي ﷺ، وقد أقرّ ﷺ مبدأ الرحمة بشكل عام حين قال: "لا يرحم الله من لا يرحم الناس"، [البخاري]، وكلمة الناس هنا عامة تشمل كل أحد، دون اعتبار لجنسهم أو دينهم.
وورد عن البخاري في باب رحمة الناس والحيوانات حديث النبي ﷺ: "ما من مسلم غرس غرساً فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة"، [البخاري].
وقد حفظ النبي ﷺ لغير المسلمين حرية الاعتقاد والعبادة والتي تتجلى فيها رحمته وإنسانيته لغير المسلمين، فلم يثبت عنه ﷺ أنه ألزم أهل الكتاب بدين الإسلام أو أجبرهم عليه.
ففي كتابه لأهل نجران النصارى نجد: (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي للأسقف أبي الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل وكثير جوار الله ورسوله، لا يغير أسقف من أسقفته، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم، ولا ما كانوا عليه من ذلك جوار الله ورسوله أبداً؛ ما أصلحوا ونصحوا عليهم غير مبتلين بظلم ولا ظالمين).
وروي عنه ﷺ أنه مرَّ في غزوة حنين بامرأة قتلها خالد بن الوليد والناس مزدحمون عليها فقال لبعض أصحابه: أدرك خالداً، فقل له: "إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو عسيفاً".
وكان ﷺ يقول لأصحابه عند توزيع الأسرى: "استوصوا بالأسرى خيراً".
وكان سيدنا محمد ﷺ أشدّ الناس تواضعاً، وأبعدهم عن الكبر، وكان يعود المساكين، ويجالس الفقراء.
قالت السيدة عائشة: "كان رسول الله ﷺ يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته". وسئلت السيدة عائشة، ما كان رسول الله ﷺ يعمل في بيته؟ قالت: "كان بشراً من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه".
وكان ﷺ أوفى الناس بالعهود، وأوصلهم للرحم، وأعظم شفقة ورحمة بالناس ومهما ذكرنا من صفات للنبي ﷺ لن نوفيه جزءاً من عظمته وكماله.
فأين نحن الآن من هذه الصفات وهذا الكمال؟!
ثامناً: وفاة النبي ﷺ
لما اكتملت الدعوى وبلغ ﷺ رسالته التي بعثه الله بها، فأكمل الله تعالى دينه، وأتم نعمته، ورضي دينه لعباده، أذن سبحانه بقبض رسوله، وأعلمه بدنو أجله، فحج بالناس حجة الوداع، وعلمهم مناسكهم، وقال لهم (أيها الناس إني والله لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد يومي هذا بمكاني هذا).
وقد حضره الموت في حجر السيدة عائشة رضي الله عنها، وبين يديه عليه الصلاة والسلام علبة بها ماء فكان يخفف عن نفسه سكرات الموت بالماء، فيدخل يديه في العلبة، ويمسح بهما وجهه وهو يقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات، ثم نصب يده فجعل يقول: (اللهم في الرفيق الأعلى حتى قُبِضَ ومالت يده) رواه البخاري.
وأول من دخل عليه بعد موته عليه الصلاة والسلام عمر بن الخطاب والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما، استأذنا على عائشة فأذنت لهما وجذبت إليها الحجاب، فنظر عمر إلى رسول الله ﷺ وهو مسجى فقال: واغشياه! ما أشد غشي رسول الله ﷺ! ثم قاما، فلما دنوا من الباب قال المغيرة: يا عمر، مات رسول الله ﷺ، قال: كذبت بل أنت رجل تحوسك فتنة، إن رسول الله ﷺ لا يموت حتى يفني الله عز وجل المنافقين.
وبدأ الناس يتناقلون خبر وفاة النبي ﷺ، فقال عمر رضي الله عنه والله لا أسمع أحداً يذكر أن رسول الله ﷺ قبض إلا ضربته بسيفي هذا.
ودخل أبو بكر على عائشة فرفعت الحجاب، فنظر إلى النبي ﷺ فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون مات رسول الله ﷺ، ثم أتاه من قبل رأسه فحدر فاه وقبَّل جبهته، ثم قال: وانبياه، ثم رفع رأسه ثم حدر فاه وقبَّل جبهته ثم قال: واصفياه، ثم رفع رأسه وحدر فاه وقبَّل جبهته وقال: واخليلاه، ثم قال: مات رسول الله ﷺ.
ثم خرج أبو بكر رضي الله عنه إلى الناس، وهم بين مُنْكِر ومصدّق من هول الأمر، فرأى عمر يكلم الناس مُنْكِرَاً موت الرسول ﷺ فاجتمع الناس على أبي بكر فقال: "أما بعد من كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت"، وتلا قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾ فسكن الناس وجلس عمر على الأرض لا تحمله قدماه وكأنهم لم يسمعوا الآية إلا تلك الساعة.
توفي النبي ﷺ في يوم الإثنين في الثاني عشر من ربيع الأول، وهو أبن ثلاثة وستين عاماً.
وأخيراً فقد كانت هذ المقالة تذكيراً ببعض من مقتطفات حياة النبي ﷺ وسيرته النبوية الشريفة والطاهرة وصفاته الكمالية التي اختفت تقريباً من مسلمي هذا الزمان، فعلنا بهذه الكلمات أن نعود لنحيي بعضاً مما فقدناه من صفات الإسلام والمسلمين، ونعود لنقتدي بسنة النبي ﷺ وأخلاقه السامية.
شاهد بالفيديو: في ذكرى المولد النبوي الشريف محطات من حياة الرسول محمد ﷺ
المصادر:
أضف تعليقاً