فوائد الطبيعة للصحة النفسية:
بطريقةٍ فطريةٍ نتجه نحو الحدائق والمنتزهات في كل مرة تضيق علينا سبل الحياة وتزدحم في رؤوسنا الأفكار، كما أنَّنا نشعر بارتياح نفسي غريب عندما ننظر إلى نبتة زينة زرعناها في بيوتنا أو عصفور بري طرقَ نافذتنا وغرد قربها، ولا ريب في ذلك، فالإنسان ابن الطبيعة، وهي أمه وأم جميع الكائنات، فإن الارتياح للحضور في أحضانها أمر فطري، فما هي فوائد الطبيعة للصحة النفسية؟
إليك فيما يأتي فوائد الطبيعة للصحة النفسية:
1. تعزيز القدرات الإدراكية:
تتحدث عدة دراسات عن أهمية وجود مساحات خضراء قرب المدارس وإلى جوار المنازل، فلهذه المساحات تأثير كبير في القدرات المعرفية للأطفال، فهي تساهم في تحسين تطورهم المعرفي وتعزيز ضبطهم لأنفسهم، ووَفقَ الدراسات عينها فإنَّ السكن في أحياء غنية بالمساحات الخضراء أو تلك التي تتيح الحضور في الطبيعة من شأنه أن يحسِّن كلاً من الذاكرة والانتباه وغيرها من الوظائف المعرفية والإدراكية.
تزيد المساحات الطبيعية من المرونة المعرفية وتقوِّي الذاكرة، وليست رؤية الطبيعة هي ما يحسِّن القدرات الإدراكية فقط؛ بل إنَّ سماع أصوات الطبيعة لا يقل أهمية وتأثيراً إيجابياً عن ذلك، فالدراسات أيضاً أثبتت أنَّ الأشخاص الذين يستمعون لأصوات الطبيعة يؤدون أداءً أفضل في الاختبارات الإدراكية، إذا ما قورنوا بأولئك الذين تملأ آذانهم أصوات الصخب والضجيج في المدن والمقاهي.
2. رفع الإحساس بالسعادة:
إنَّ فوائد الطبيعة للصحة النفسية كان موضوعاً مثيراً بالنسبة إلى كثير من العلماء، ولقد تناولته دراسات كانت من بينها واحدة حلَّلت تأثير الطبيعة في الرفاهية النفسية، وتوصَّلت هذه الدراسات إلى أنَّ زيادة الاتصال بالطبيعة تتناسب طرداً مع زيادة السعادة والرفاهية وإيجابية التفاعلات الاجتماعية، كما أنَّ الأشخاص الذين يتصلون اتِّصالاً منتظماً مع الطبيعة أكثر إدراكاً للشعور بالجدوى ومعنى الحياة وجوهرها، كما أنَّهم أقل تعرضاً للشعور بالضيق النفسي.
3. تخفيض مستويات التوتر:
باستكمال حديثنا عن فوائد الطبيعة للصحة النفسية، نصل إلى تأثيرها في تقليل مستويات التوتر، وهذا ما أثبتته الدراسات أيضاً، فالقيام بالنشاطات البدنية في الخارج ضمن المساحات الخضراء، كالمشي مثلاً أو الجري أو ركوب الدراجة الهوائية، يؤثر تأثيراً إيجابياً وملحوظاً في الصحة الجسدية والنفسية.
كما أنَّ ممارسة النشاط البدني في وسط الطبيعة من شأنه أن يخفِّف الشعور بالآلام الجسدية، ويحسِّن من وظائف الدماغ، ويقلِّل من علائم الشيخوخة وأمراض القلب، كما أنَّه يساعد على خفض هرمون الكورتيزول المسؤول عن التوتر وخفض معدَّل ضربات القلب أيضاً.
شاهد بالفيديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية
4. تعزيز الشعور بالرضى:
من فوائد الطبيعة للصحة النفسية أنَّها تعزِّز مشاعر الرضى عند الإنسان، هذه المشاعر التي تمنحه نظرة للحياة أكثر مرونة وسلاسة، وتزيد من تقبُّله لما يمرُّ به من أحداث دون أن يتوتر بشأنها توتراً مبالغ به يضرُّ بصحته، فالحضور في الطبيعة له تأثير خاص أكثر من مجرد تحسُّن في المزاج أو سيطرة لشعور عابر بالسعادة، الأمر الذي أكَّدته الدراسات بدورها، وأخبرتنا أنَّ الأشخاص الذين يتمتعون بعلاقة أقوى مع الطبيعة يكونون على درجة عليا من الرضى، ويمتلكون الوعي الكافي لأهمية وجودهم والمغزى من حياتهم.
5. تقليل الآثار السلبية للانعزال والوحدة:
نعاني معظمنا من مشاعر الوحدة والعزلة التي فرضها علينا نمط الحياة المزدحم والمتسارع، ولكن مَن يخطر بباله أن تكون ثمة فوائد الطبيعة للصحة النفسية قد طالت هذا الجانب، فإنَّ الأبحاث واستطلاعات الرأي جميعها تؤكِّد أنَّه يمكن للاتصال بالطبيعة أن يخفف التأثير السلبي الهائل للوحدة والانعزال الاجتماعي المترتب على صحتنا النفسية والعقلية، كما أنَّ من يعانون من العزلة الاجتماعية ولديهم علاقة وطيدة مع الطبيعة يسجِّلون مستويات عالية من الرفاهية النفسية مقارنة بأولئك المنعزلين في غرفهم المظلمة.
6. تعزيز المرونة النفسية:
يرتبط الاتصال مع الطبيعة بمستويات عالية من المرونة النفسية، وإمكانية مواجهة الصعوبات والضغوطات الحياتية، كما أنه متعلق تعلقاً وثيقاً باستعادة الاستقرار النفسي بعد التعرض للأزمات والصدمات النفسية، ومن فوائد الطبيعة للصحة النفسية أنها تقلل من احتمالات الحاجة لتناول العقاقير التي تعالج الاكتئاب عند المرور بفترات نفسية عصيبة، وهذا ما أثبتته الدراسات أيضاً، والتي أثبتت كذلك بأن قضاء الوقت في أحضان الطبيعة والتأمل في أصواتها وتفاصيلها ومعاني الحياة من شأنه أن يساعد الإنسان على فهم أزماته ومعرفة أسبابها، والدروس التي تحاول الحياة أن توصلها له من خلالها.
7. الوقاية من الأمراض المزمنة:
في دراسة أجريت على مجموعة من النساء تهدف إلى سبر فوائد الطبيعة للصحة النفسية تبيَّن أنَّ النساء اللواتي يعشنَ في مناطق تحتوي على كثير من المساحات الخضراء، كنَّ أقل تعرضاً لخطر الوفاة مقارنة بغيرهنَّ بنسبة 12%، وفي دراسة أخرى تبيَّن أنَّ المشي في رحاب الطبيعة وخاصة المناطق المكتسية باللون الأخضر كالغابات يساعد على تعزيز نوع من خلايا الدم البيضاء يُدعى الخلايا القاتلة الطبيعية "إن كيه" (NK) وهي التي تقوي جهاز المناعة وتدعمه يكون تأثيرها من خلال خفض خطر الإصابة بالسرطان، ومكافحة العدوى واضطرابات المناعة الذاتية، إضافة إلى الحماية من أمراض القلب والسكري.
كيف نحصل على فوائد الطبيعة للصحة النفسية؟
بعد أن عدَّدنا فوائد الطبيعة للصحة النفسية قد تتساءلون عن كيفية الاستفادة من هبة الطبيعة هذه، وكم من الوقت يجب قضاؤه في الطبيعة لضمان الحصول على هذه الفوائد الثمينة، والإجابة في دراسة نشرتها مجلة (Nature) خضع لها ما يقارب 20 ألف شخص في المملكة المتحدة، وخلصت إلى أنَّ قضاء ساعتين على الأقل كل أسبوع في مناطق طبيعية، كان له أثر إيجابي واضح في الصحة الجسدية والنفسية لأولئك الأشخاص، ولا يوجد فرق إن قُضيَت مدة الحضور في الطبيعة في جلسة واحدة أو قُسِّمت بين أيام الأسبوع.
كما أنَّ دراسة أخرى في فنلندا قد خلصت إلى كون 15 دقيقة من الجلوس في الحدائق أو الغابات قد تكون كافية، فلاحظوا أنَّ المشاركين قد بدؤوا بالشعور بعلائم التوازن النفسي بعد انقضاء 15 دقيقة فقط ضمن رحاب الطبيعة، فلا بدَّ لنا أن ننوِّه لكم أنَّ كلمة الطبيعة لا يقتصر معناها على المناطق الخضراء فقط، فبقية المناظر الطبيعية من بحار وأنهار وصحاري وجبال لها التأثير الإيجابي الكبير ذاته، وهذا ما أثبتته الدراسات أيضاً.
كما أن قسماً منها قد تناول في بحثه عينة متنوِّعة من البيئات، ثم توصل إلى نتيجة مفادها أن المساحات المائية يمكن أن تكون صاحبة التأثير الإيجابي الأكبر، ومن الهام التأكيد على نقطة إضافية، تتعلق بالاستفادة من التأثير الإيجابي الثمين للطبيعة، فهذه الفائدة لا يتطلب الحصول عليها بذل كثير من الجهد، فمجرد الحضور في الأماكن الطبيعة والمشي في ربوعها ولو لمدة قصيرة قد يكون كافياً لتحسين الحالة المزاجية للشخص وتعزيز شعوره بالسعادة، حتى ولو كان دماغه منشغلاً في كثير من الأمور، ولو لم يكن تركيزه المطلق مع الطبيعة.
في الختام:
إنَّ الإنسان وكما قلنا هو ابن للطبيعة، فلا عجب أن تدخل الطمأنينة والسكينة قلبه ونفسه عند الحضور في رحابها، وإنَّ المكوث في الطبيعة من شأنه أن يعزز المهارات المعرفية والإدراكية، ويرفع الشعور بالسعادة مقلِّلاً مستويات هرمون الكورتيزول المسبِّب للتوتر، كما أنَّه يقلِّل من الأثار السلبية للعزلة ويقي من الأمراض المزمنة ويزيد مشاعر التقبُّل والمرونة النفسية، وبعد قراءتك هذا المقال عليك ألَّا تفوِّت فرصة الحضور في الطبيعة، بين الجبال والأشجار أو على ضفاف البحار والأنهار؛ فلا يهم المكان، الهام هو أن تشعر بالسكينة وتتنعَّم بالهدوء، وتتأمَّل السحر الممدود أمامك في الأفق.
أضف تعليقاً