يركِّز هذا المقال على استعراض معلومات مفصَّلة عن هذه الأمراض، إضافة إلى تقديم أحدث الأساليب العلاجية التي تساعد على التحكم فيها والحد من مضاعفاتها، فإذا كنت تبحث عن طرائق لتحسين صحتك وتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة، فإنَّ هذا المقال يوفِّر لك المعلومات الشاملة والمفيدة لتحقيق ذلك مع تقديم نصائح عملية مدعومة بأحدث الأبحاث العلمية، فانضم إلينا لاكتشاف كيف يمكنك الحفاظ على صحتك وتعزيز نمط حياتك من خلال خطوات بسيطة وفعَّالة.
ما هو المرض المزمن؟
الأمراض المزمنة، بطبيعتها المستديمة والتدريجية، تشكِّل تحدياً صحياً يمتدُّ لأشهر وغالباً ما يتجاوز الثلاثة أشهر، مع العلم أنَّها لا تنتقل من فرد لآخر، وهذه الحالات لا تستجيب للوقاية باللقاحات ولا تزول بالعلاجات الدوائية العادية، بل تتطلَّب نهجاً شاملاً لإدارة الأعراض والتعايش معها، وتتميَّز بكونها غير مرتبطة بالعدوى الفيروسية أو البكتيرية، وتحتاج إلى رعاية طبية مكثَّفة ومستمرة، وهذا يجعلها عبئاً مادياً ونفسياً على المصابين.
تؤثر هذه الأمراض في الأفراد في مختلف الأعمار، لكنَّها تظهر ظهوراً أكبر بين كبار السنِّ، فيعاني 58% من الأشخاص فوق سنِّ الـ 60 من واحدة أو أكثر من هذه الحالات، في حين أنَّ هذه النسبة تنخفض إلى 14% بين الأصغر سنَّاً، وهذا التفاوت يسلِّط الضوء على أهمية الوعي الصحي والتدخُّلات الوقائية في مراحل العمر المبكِّرة لتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة.
أنواع الأمراض المزمنة:
أصبحت الأمراض المزمنة آفة العصر وتهدِّد حياة الكثيرين، ومن بينها:
أولاً: أمراض الجهاز التنفسي المزمنة
1. مرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD):
يحدُّ هذا المرض من تدفُّق الهواء بسبب التغيرات الهيكلية أو التضييق في المجاري الهوائية الصغيرة، وهذا يؤدي إلى صعوبة في التنفس.
2. الربو:
يتسبَّب مرض الربو في شكاوى من ضيق الصدر والسعال وضيق التنفس نتيجة الاستجابة المفرطة للممرَّات الهوائية للمحفزات المختلفة.
ثانياً: أمراض القلب والأوعية الدموية
أمراض القلب والأوعية الدموية المزمنة هي مجموعة معقَّدة من الاضطرابات التي تصيب قلب الإنسان وأوعيته الدموية، وهذه الأمراض مسؤولة عن 17 مليون وفاة في العالم، وتشمل أمراض الشرايين التاجية التي تتسبَّب في نوبات قلبية، وفشل القلب الناتج عن عدم قدرة القلب على ضخِّ كمية كافية من الدم، وأمراض الصمَّامات القلبية التي تؤثر في كفاءة ضخ الدم، وأمراض الشرايين الطرفية التي تقلِّل من تدفُّق الدم للأطراف، بالإضافة إلى ذلك، ارتفاع ضغط الدم المستمر والسكتات الدماغية الناتجة عن انسداد أو انفجار الأوعية الدموية في الدماغ.
ثالثاً: مرض السكري من النوع الأول والثاني
ينشأ هذا النوع من السكري عندما لا يتمكَّن الجسم من استخدام الأنسولين استخداماً فعالاً، والأنسولين هو الهرمون المسؤول عن تنظيم مستويات السكر في الدم، وعندما يصبح الجسم مقاوماً له، فإنَّ الخلايا تصبح غير قادرة على امتصاص السكر امتصاصاً صحيحاً، وإذا لم يُعالَج المرض علاجاً مناسباً، فقد تنشأ مضاعفات خطيرة كأمراض القلب والأوعية الدموية والمشكلات البصرية والكلوية والعصبية.
رابعاً: السمنة
السمنة المزمنة هي حالة صحية بالغة الخطورة تتميَّز بزيادة ملحوظة في الوزن الجسدي، يُشخَّص الشخص على أنَّه مصاب بالسمنة إذا بلغ مؤشِّر كتلة جسمه (BMI) أكثر من 30، وتنطوي السمنة المزمنة على مجموعة من المضاعفات الصحية الخطيرة، ومنها أمراض القلب والأوعية الدموية، والارتفاع في ضغط الدم، ومرض السكري، وبعض أنواع السرطان.
خامساً: أمراض مزمنة أخرى
- التهاب المفاصل.
- الأمراض العصبية الإدراكية.
- الأمراض النفسية المزمنة.
- أمراض الجهاز الهضمي المزمنة.
- الأمراض السرطانية المختلفة.
تشكِّل جميع هذه الأمراض المزمنة تحديات صحية كبيرة تستدعي اهتماماً وجهوداً مكثَّفة من قِبل المجتمع الطبِّي والصحي لتحسين جودة الحياة للمرضى والسيطرة على هذه الأمراض.
عوامل تزيد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة:
تزيد بعض العوامل المؤثرة من خطر الأمراض المزمنة وتفاقم الحالة الصحية للمرضى، ومن ذلك:
- ممارسة العادات غير الصحية مثل التدخين، تعاطي الكحول والمخدرات، تؤدِّي إلى أضرار كبيرة على أجهزة الجسم الرئيسة كالجهاز التنفسي والقلب والسرطان.
- الإهمال في ممارسة الرياضة يؤدي إلى البدانة والإصابة بأمراض مزمنة كمرض السكري.
- تناول كثير من الأطعمة والوجبات السريعة الغنية بالدهون والمواد المصنعة يتسبَّب بتراكم الدهون في الجسم وأمراض القلب، كما أنَّ تناول الأطعمة المحتوية على مواد مسرطنة له تأثير سلبي في الصحة.
شاهد بالفيديو: 8 علامات تحذيرية تدل على أنّ قلبك يواجه مشكلة
تقارير منظَّمة الصحة العالمية عن الأمراض المزمنة:
- الأمراض المزمنة (مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والأمراض التنفسية المزمنة والسكري) تسبِّب 63% من الوفيات في جميع أنحاء العالم.
- %80 من الإصابات بالأمراض المزمنة تحدث في البلدان ذات الدخل المنخفض.
- أكثر من 9 ملايين حالة وفاة نتيجة الأمراض المزمنة تحدث بين الأشخاص الذين تقلُّ أعمارهم عن 60 عاماً.
- الأمراض المزمنة تصيب النساء والرجال بالتساوي.
- علاج الأمراض المزمنة يتطلَّب أدوية مرتفعة التكلفة.
- ارتفاع ضغط الدم هو المسؤول عن 16.5% من مجموع الوفيات الناجمة عن الأمراض المزمنة.
- %9 من الوفيات ناتجة عن استخدام التبغ.
- ارتفاع مستوى السكر في الدم يمثل 6% من الوفيات.
- %6 من الوفيات سببها قلة النشاط الجسدي.
- زيادة الوزن والبدانة مسؤولة عن 5% من الوفيات.
- تمثِّل نسبة الوفيات الناتجة عن عدم تناول كمية كافية من الخضار والفواكه 5%.
علاج الأمراض المزمنة:
ظهرت في السنوات الأخيرة رؤية جديدة للرعاية الصحية، انبثقت من حركة الرعاية الموجهة في الولايات المتحدة، وهذه الرؤية تؤكِّد على أهمية اتِّباع نهج شامل لمعالجة الأمراض المزمنة، بينما ما يزال العلاج الكامل لهذه الأمراض صعباً في كثير من الأحيان، فإنَّ إدارتها إدارةً فعالةً باستخدام مجموعة من الأساليب الطبية والنمط الحياتي هي أمر ممكن.
هذا التغيير في التوجُّه جاء بعدما كان الهدف الأصلي هو خفض التكاليف، والآن أصبح الهدف توفير رعاية صحية أكثر ملاءمة لعصر جديد، فالفرضية هنا هي أنَّ رعاية الأمراض المزمنة لفترة طويلة تتطلَّب أشكالاً مختلفة من التنظيم الطبي عن تلك الموجهة نحو رعاية الحالات الشديدة، ومن الممكن تجنُّب النوبات الشديدة والعلاجات المكلفة في المستشفيات من خلال توفير الدعم بالاستعانة بفرق متخصصة بالرعاية الذاتية للمرضى.
أبرز هذه المبادرات كان نموذج الرعاية المزمنة الذي وضعه الطبيب الأمريكي "إدوارد واجنر"، وطُوِّر نموذج البيت الطبي في الولايات المتحدة، والذي يهدف إلى إنشاء فرق من مقدمي الرعاية تتولى توفير القدرة على الوصول إلى الرعاية المثلى واستمرار الرعاية للمرضى الذين يعانون من أمراض متعددة، وعلى الرغم من أنَّ أنظمة الرعاية الصحية الضخمة لا يمكنها أن تتحول بسهولة أو بسرعة، إلَّا أنَّ مثل هذه الجهود قد تشكِّل خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح بتركيزها على الحاجة إلى توفير الرعاية المناسبة من حيث الجودة والتكلفة للأمراض المزمنة.
هل يمكن الوقاية من المرض المزمن؟
لحماية صحتنا من الأمراض المزمنة، ينبغي علينا اعتماد نمط حياة صحي، وهذا يشمل الحفاظ على وزن صحي من خلال تناول وجبات متوازنة وممارسة الرياضة بانتظام، والابتعاد عن العادات الضارة كالتدخين والإفراط في شرب الكحول، ويجب علينا الحصول على قسط كاف من النوم والراحة، إضافة إلى ذلك، من الهام المشاركة في برامج الفحص الطبي الدوري للكشف المبكِّر عن الأمراض المزمنة، مثل السرطان والأمراض القلبية الوعائية، وهذا يساعد على اكتشاف أية مشكلات صحية في وقت مبكِّر، وبدوره يُسهِّل علاجها.
لمن لديهم أمراض مزمنة بالفعل، من الضروري الالتزام بخطة العلاج الموصى بها من قبل الطبيب، والمشاركة في برامج إدارة هذه الأمراض، وينبغي علينا السعي للحدِّ من عوامل الخطر التي قد تؤدي إلى تفاقم هذه الأمراض، مثل الضغط النفسي والتلوث البيئي، إضافة إلى ذلك، من الهام تعزيز صحتنا العقلية والاجتماعية من خلال المحافظة على علاقات اجتماعية قوية والمشاركة في النشاطات المجتمعية، فهذا سيساعد على التعامل مع التوتر والقلق تعاملاً فعالاً.
كيف تؤثر الأمراض المزمنة في المجتمع؟
تؤثر الأمراض المزمنة في المجتمع تأثيراً كبيراً، فعلى الصعيد الصحي، تؤدي هذه الأمراض إلى انتشار واسع للمرض والإعاقة، ما يترتب عليه تكاليف طبية ضخمة تُثقل كاهل الأفراد والنظام الصحي، وتؤثر هذه الأمراض سلباً في الجانب الاقتصادي، فتؤدي إلى غياب الأفراد المنتجين عن العمل، ما يقلِّل من الإنتاجية ويعرقل النشاط الاقتصادي، فضلاً عن التكاليف الباهظة التي تتحمَّلها الحكومات والشركات لمعالجة الحالات.
أمَّا على الصعيد الاجتماعي، فتؤدي الأمراض المزمنة إلى إرباك في الحياة اليومية للناس وتقييد لحركتهم، كما قد تؤدي إلى وصم اجتماعي وتمييز ضد المرضى وعائلاتهم، أمَّا على المستوى السياسي، فإنَّ انتشار الأوبئة قد يؤدي إلى أزمات سياسية وأمنية، خاصة في البلدان الهشة، ويشكِّل تهديداً لاستقرار المجتمع والحكومة.
في المجال التنموي، تمثِّل هذه الأمراض عبئاً كبيراً على الموارد والخدمات العامة، ما يؤثر في قدرة الدول على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لذا، فإنَّ مواجهة هذه التأثيرات الشاملة تتطلب استجابة متكاملة من الحكومات والمجتمعات المحلية والمنظمات الدولية، لتعزيز الوقاية والتصدي بفاعلية لانتشار الأمراض المزمنة.
يجب أن ندرك أنَّ الصحة هي الثروة الحقيقية، وأنَّ الاستثمار فيها يبدأ بخطوات بسيطة ولكن فعالة، فلنكن جزءاً من تغيير المجتمع نحو الوعي والصحة، ولنتَّخذ قرارات حكيمة اليوم من أجل مستقبل أفضل، ولنجعل الوقاية والعلاج من الأمراض المزمنة أولوية شخصية وجماعية لضمان حياة أفضل لنا ولأجيالنا القادمة.
أضف تعليقاً