ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "مارك تشيرنوف" (Marc Chernoff)، ويتحدث فيه عن 7 فوائد نجنيها عندما نتوقف عن محاولة تغيير الحياة.
التقيت في هذا الصباح بصديقة قديمة، وهي شخص يعني لي الكثير؛ لكنَّني كنت قلقاً دائماً بشأن صحتها، وأردت أن أساعدها على التعافي، فقد خشيت أن أفقدها، وأردت أن أقدِّم لها بعض النصائح لعيش حياة أكثر سعادةً وصحةً وأكثر بساطةً.
لقد ساعدت نصائحي الكثيرين؛ لذلك اعتقدت أنَّ بإمكانها أن تتخلص من نمط حياتها غير الصحي، وتبدأ بممارسة التمرينات الرياضية والتأمل وتلبي احتياجاتها، وبالنتيجة تتحول إلى شخص مختلف كلياً، لكن لم تكن هذه هي دوافعي الحقيقية، لقد أردت أن أسيطر على شيء يثير لديَّ القلق، ولم يكن بيدي حيلة للقيام بأيِّ شيء، والسبب أنَّني لا أسيطر سوى على نفسي.
أردت أن أساعد صديقتي؛ لكنَّها لا ترغب في تلقي المساعدة، وقد أخبرتني ذلك مرات عديدة في الماضي؛ لذلك قررت أخيراً أن أدعها وشأنها، ولا أقصد بذلك التخلي عنها، لكن كلُّ ما هنالك أنَّني توقفت عن محاولة تغييرها، استسلمت وتقبَّلتها كما هي.
لقد وجدت فيها إنسانة مرحة ومميزة وعاطفية وحنونة وحكيمة وعفوية ومخلصة، عندما توقفت عن محاولة تغييرها تمكنت من تقبُّلها كما هي، وقد استمتعت بصحبتها حقاً بدلاً من قلقي المستمر من فقدانها، وليس هذا فحسب، لقد اكتشفت أنَّ هذه هي الطريقة الحكيمة للعيش في مختلف جوانب الحياة؛ فقد توقفت عن محاولة تغيير الناس وتركت الأمور تسير على طبيعتها، وتقبَّلت الآخرين كما هم، ويمكنك تحقيق ذلك من خلال التعرُّف إليهم جيداً وتجاوز هفواتهم، أمَّا بالنسبة إليك فيمكنك التوقف عن التذمُّر بسبب ظروف حياتك، وإخفاقاتك، والحياة بشكل عام، واترك الأمور تسير على طبيعتها وتقبَّلها كما هي.
عش في اللحظة الحالية فقط، وتقبَّل ما يجري، وقدِّر ما لديك وقدِّر الآخرين، قد تتساءل لماذا يجب أن تتبنى هذه العقلية؟
إليك فيما يأتي 7 فوائد تجنيها عندما تقرر التخلي عن محاولة السيطرة على حياتك:
1. ستحب الناس كما هم، ولا تشعر بالحاجة إلى تغييرهم:
من الطبيعي أن تختلف مع آراء الأشخاص الذين تحبهم وأفكارهم، لكنَّ هذا لا يعطيك الحق في تجاهل حقهم في تبني قناعات مختلفة عن قناعاتك، ولا الحق في اتهامهم بأنَّهم لا يجيدون التعبير عن آرائهم فقط لمجرد أنَّها لا تعجبك.
تعلَّم كيف تتقبل وجهات نظر الآخرين، ونمط حياتهم وآرائهم، وإن تطلَّب الأمر بعض التواضع والخروج من منطقة الراحة الخاصة بك، وللأمانة إنَّ معرفتنا بمعظم الناس هي معرفة مغلوطة؛ ولذلك عندما تتعرف إلى الأشخاص عن كثب فستجد أنَّ معظمهم رائعون.
الحب هو السماح للأشخاص الذين نحبهم أن يكونوا على طبيعتهم دون أن يقدِّموا لنا أعذاراً، وعدم محاولة تغييرهم حتى يتلاءموا مع أفكارنا ونظرتنا إلى الطريقة الصحيحة للعيش.
2. ستتابع حياتك بصرف النظر عن المرات التي يُساء فيها فهمك:
تذكَّر كم مرةً أُسيء فهمك، وكم مرةً أثَّر سوء الفهم في طريقتك في العيش؟ وتذكَّر كم مرة حُرمت من فرصة؛ لأنَّ شخصاً ما أساء فهمك بالكامل، كم خسرت من الأصدقاء، وكم من الأصدقاء كسبت؟ تُعزى هذه المفارقة إلى قدرة بعض الناس على رؤية جانب من شخصيتك لفترة قصيرة من الوقت، فإمَّا أن يعجبهم فيصبحوا أصدقاءك، أو لا يعجبهم فتخسرهم بوصفهم أصدقاء، وكلُّ ذلك تبعاً لظروف مؤقتة غير مستدامة.
كم مرة سارت حياتك بعكس الطريقة التي تريدها بسبب أوهام الآخرين وسوء فهمهم، يشبه الأمر السراب في الصحراء، والأهم من كلِّ ذلك، كم مرةً خاب أملك بسبب سوء فهم الآخرين لك؛ إذ إنَّك كنت تعتقد أنَّك تستطيع أن توصل لهم الصورة الصحيحة عن نفسك؟
الحقيقة هي أنَّ الناس يرون ما يريدون أن يرونه فقط، سواء كنت تحاول إيصال الرسالة لهم بطريقة صحيحة أم لا؛ لذلك تخلَّ عن محاولة جعل الناس يرونك بالطريقة الصحيحة، وركِّز فقط على نفسك وما يمكنك القيام به بأفضل طريقة.
3. ستصل إلى السلام الداخلي:
يعبِّر الفيلسوف اليوناني "أبكتيتوس" (Epictetus ) عن هذه الفكرة بطريقة رائعة؛ إذ يقول قبل 2000 عام: "ما يُنغِّص على الناس معيشتهم ليس ما يحدث معهم؛ بل رأيهم ومشاعرهم حيال هذه الأحداث، وعندما نشعر بالعجز أو الضيق أو التعاسة، فيجب ألا نحمِّل الآخرين المسؤولية؛ بل يجب أن نتحمل نحن مسؤولية مشاعرنا؛ أي إنَّ أفكارنا وقناعاتنا هي المسؤولة عن مشاعرنا".
تؤكِّد المدارس الحديثة في علم السلوكات هذا الرأي، فمثلاً نجد أنَّ عالم النفس الأمريكي "آلبرت إليس" ( Albert Ellis) أثبت أنَّ طريقة تفاعل الناس مع الأحداث تتحدد بشكل أساسي من خلال نظرتهم إلى الأحداث، وليس من خلال الأحداث بحد ذاتها.
لكلِّ شخص منا القدرة على العيش بسلام إلى الأبد؛ لأنَّ السلام الداخلي لا يعتمد أبداً على الظروف الخارجية، وكلُّ ما تحتاج إليه حتى تصل إلى هذا السلام هو أن تتخلى عن قلقك ومخاوفك؛ إذ تصبح الحاجة إلى تغيير أيِّ شيء في العالم الخارجي مجرد قلق نابع من الذات، وهذا النوع من القلق يؤدي إلى دخولك في حلقة مفرغة من الخوف.
يمكن الوصول إلى السلام الداخلي في أيِّ وقت وفي أيِّ مكان؛ بمعنى أنَّ السلام الداخلي قرار تتخذه بصرف النظر عمَّا يحيط بك من ظروف أو مشكلات، وهذا القرار يعني أن تتخلى عن رغبتك في تغيير الأشياء وتركها كما هي عليه.
شاهد بالفديو: 6 نصائح بسيطة تساعدك على التخلص من مخاوفك
4. ستفهم المعنى الحقيقي للحياة:
عندما تحاول أن تسيطر على الأشياء الخارجة عن سيطرتك، فإنَّك تمنع نفسك دون أن تشعر من الوصول إلى الحقيقة، والسبب أنَّك ترفض الطريقة التي تسير بها الأمور بدلاً من التعلُّم منها؛ لذلك بدلاً من محاولة جعل الأمور تسير بالطريقة التي تريدها، اتركها تسير على طريقتها، واكتفِ بالمراقبة، وستتعلم كثيراً عن الطبيعة البشرية، وكيف يتفاعل البشر ويشعرون وينظرون إلى العالم.
بينما تكتفي بالمشاهدة دون محاولة منك للتحكم بمسار الأمور، فإنَّك ستجد أنَّ الأشياء تتغير تدريجياً، وترى أنَّ الأشياء مختلفة قليلاً عن الطريقة التي تريدها أن تكون؛ لكنَّك ستكون سعيداً بذلك.
5. ستستمتع بمفاجآت الحياة السارة:
قد تعتقد أنَّ القدرة على التحكم بكلِّ شيء، والسيطرة على مسار الأمور ومعرفة ما سيحدث معك في المستقبل أمر رائع، لكن في الواقع الأمر على العكس من ذلك تماماً؛ فيكمن جمال هذه الحياة في المفاجآت، والأمور التي لا يمكن التنبؤ بها، ويبلغ جمال المفاجآت أحياناً حدَّاً يصعب علينا أن نصفه.
اختبرنا جميعاً هذا الشعور عندما يحدث معنا فجأةً شيء بالغ الجمال إلى درجة أنَّنا لا يمكننا وصفه، أو عندما تقرأ شيئاً أو تكتب شيئاً أو تسمع نغمة موسيقية تحرِّك أحاسيسك المرهفة، وستفقد القدرة على التمتع بهذا الجمال إذا كنت دائم القلق بشأن ما يجري، وتريد أن تعرف ما سيحدث في المستقبل.
6. ستتحرر من الإفراط في التفكير:
بصرف النظر عمَّا يحدث وبصرف النظر عن النتيجة، إلا أنَّ الحياة ستستمر، والحكمة هي أن تستمتع بما تحمله لك الحياة من مفاجآت، بدلاً من إرهاق نفسك في محاولة تغيير الحياة بين الفينة والأخرى، لماذا لا تسترخي وتسمح لنفسك أن تستمتع بها؟
توقف عن محاولة التحكم بشيء يفوق قدراتك، توقف عن السعي جاهداً إلى إيجاد الأجوبة، وتأكَّد أنَّه عندما يحين الوقت المناسب؛ فإنَّك ستعثر على الحلول تلقائياً، هذا إذا لم تصل إلى مرحلة تكتشف فيها أنَّه لم يكن هناك مشكلة من الأساس؛ ومن ثَمَّ لا حاجة إلى تغيير أيِّ شيء.
7. ستحصل على ما تريده دون بذل كثير من الجهد:
تقول الحكمة: "إذا أردت أن تتحكم بشخص ما، فامنحه قدراً أكبر من الحرية"؛ إذ تنطبق هذه المقولة على رغبتنا في التحكم بكلِّ شيء، وإرادتنا في التخلي عن هذه الرغبة وترك الأمور تسير على طبيعتها.
بدلاً من السعي الحثيث من أجل التحكم بشيء ما، اهدأ واترك الأمور تسير دون تدخُّل منك، وستجد أنَّ كلَّ شيء يتجه نحو التحسُّن في الوقت نفسه الذي تلبي فيه حاجاتك، والأهم من ذلك أنَّك ستحصل على السلام الداخلي طالما أنَّك تثق بأنَّ كلَّ شيء يسير على ما يرام.
تنطبق هذه الفلسفة على معظم جوانب الحياة؛ فالتوقف عن محاولة التحكم بمسار الأحداث والسماح لها بأخذ مسارها الطبيعي؛ يعني ثقتك بأنَّ الأمور ستكون على ما يرام في نهاية المطاف، وستلبي احتياجاتك أيضاً.
سيقلل ذلك من شعورك بالتوتر، وسيكون لديك مزيد من الوقت والطاقة للتركيز على الأشياء الهامة في الحياة؛ أي الأشياء التي تستطيع التحكُّم بها فعلا، وأكثرها أهميةً موقفك حيال أيِّ شيء؛ فهذا أحد أكثر الأشياء التي يجب أن تنال نصيبك من الاهتمام.
في الختام:
من الهام أن نؤكِّد أنَّ أكبر مشكلاتنا تنبع من نمط تفكيرنا؛ ومن ثَمَّ، فإنَّ الشيء الذي يجب أن نوليه أكبر قدر من الاهتمام هو أفكارنا، فتبدأ كلُّ أزماتنا من أفكارنا؛ فنحن نبالغ في توقعاتنا السلبية، ومعظم ما نتوقع حدوثه لا يحدث؛ إذ تنطلق التوقعات من أفكارنا وللأسف تُرهقنا هذه التوقعات؛ ولذلك تسيطر علينا هذه الرغبة الشديدة في التحكم بالأشياء التي لا يمكن التحكم بها أصلاً.
إذا سمحت لهذه الأفكار والرغبات بالسيطرة على تفكيرك، فستفقد شعورك بالسلام والمتعة، وفي نهاية المطاف ستخسر حياتك، وستبدأ الاضطرابات النفسية والانهيار العصبي والاكتئاب، وكلُّ ذلك سيؤدي إلى انهيارك بالكامل.
بصدق أقول لك: توجد أشياء كثيرة في الحياة لا نستطيع التحكم بها، وليس من الحكمة بالتالي أن تهدر وقتك وطاقتك على هذه الأشياء متجاهلاً تلك التي بإمكانك السيطرة عليها، فيمكنك مثلاً أن تقرر كيف تقضي وقتك، ومع مَن تقضيه، وكيف تنفق أموالك، ويمكنك أن تقرر من هم الأشخاص الذين تمنحهم الحب والتقدير وتتقبلهم كما هم.
يمكنك أن تقرر كيف سيكون رد فعلك تجاه المفاجآت السارة وخيبات الأمل على حدٍّ سواء، وتقرر ما إذا كنت ستتعامل معها على أساس أنَّها فرص تساعدك على اكتساب مزيد من الخبرة العاطفية أو ستتعامل معها على أنَّها كوارث.
الأهم من كلِّ ذلك، أنَّك تستطيع أن تقرر التوقف عن محاولة السيطرة على كلِّ ما يحدث حولك، وتتكيف بطريقة تناسب كلَّ موقف، وهذا بالتحديد ما يغيِّر أشياء كثيرة.
أضف تعليقاً