وما هي العوامل التي تزيد من خطر الإصابة به؟ وما هي أحدث التطورات في علاجه؟ وهل حقَّاً هناك يوم عالمي خاص بمرضى سرطان الرئة؟
يشكِّل سرطان الرئة تحدِّياً كبيراً أمام العلم والطب، ففي العقود الأخيرة، أصبح سرطان الرئة مصدر قلق عالمياً يثير انتباه الجميع، فهو ليس مجرد مرض يهدد الصحة البدنية؛ بل يمتد تأثيره ليشمل الجوانب الاجتماعية والنفسية أيضاً، ويُعد سرطان الرئة واحداً من أخطر أنواع السرطان التي تواجه البشرية اليوم، فهو السبب الرئيس وراء الوفيات المرتبطة بالسرطان في جميع أنحاء العالم.
ما هو سرطان الرئة؟
سرطان الرئة هو نوع من أنواع السرطان يبدأ عادة في الخلايا التي تغطي الأنابيب الهوائية في الرئتين، يتكوَّن السرطان عندما تبدأ هذه الخلايا في النمو بشكل غير طبيعي وعشوائي وبسرعة غير مسبوقة، وهذا يؤدي إلى تكوين كتلة تسمى ورماً في الرئة، هذا الورم يكون خبيثاً، وهذا يعني أنَّه ينتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم.
يُعد سرطان الرئة أحد أكثر أنواع السرطان شيوعاً وفتكاً في العالم، ويعزى ذلك جزئياً إلى العادات الضارة مثل التدخين وتعرُّض الأشخاص للدخان من البيئة المحيطة بهم، ومع ذلك، تظهر أيضاً حالات نادرة من سرطان الرئة لدى الأشخاص الذين لا يدخنون.
أنواع سرطان الرئة:
أولاً: سرطان الرئة ذو الخلايا الصغيرة (Small Cell Lung Cancer - SCLC)
يعد سرطان الخلايا الصغيرة نوعاً شائعاً من سرطان الرئة، ويمثل حوالي 10 إلى 15% من جميع حالات سرطان الرئة، ويسمى أحياناً بالخلايا الصغيرة الأنابيبية وغالباً ما يكون نموُّه سريعاً وانتشارُه مبكراً إلى أجزاء أخرى من الجسم.
ثانياً: سرطان الرئة ذو الخلايا غير الصغيرة (Non-Small Cell Lung Cancer - NSCLC)
يشكِّل هذا النوع حوالي 85% من حالات سرطان الرئة، ويتضمن عدة أنواع من السرطانات، ومن ذلك:
1. سرطان الخلايا غير الصغيرة الانسيابي(Adenocarcinoma):
يعد سرطان الخلايا غير الصغيرة الانسيابي واحداً من أكثر أنواع سرطان الرئة شيوعاً، فيشكل حوالي 40% من جميع حالات سرطان الرئة، ويبدأ هذا النوع من السرطان في الخلايا التي تُغطي الغدد الصغيرة في الرئة، وهو يميل إلى النمو بشكل بطيء، وينتشر إلى الأنسجة المحيطة والأعضاء الأخرى.
2. سرطان الخلايا السكوامية (Squamous Cell Carcinoma):
ينشأ هذا النوع من السرطان من الخلايا السطحية للرئة، وقد يظهر في أي جزء من الرئة، ولكنَّه عادة ما يكون في السنجاب الهوائي (Bronchus)، الذي يشكِّل المسار الذي يمر به الهواء إلى الرئتين، وغالباً ما يكون سبب حدوثه التدخين.
3. سرطان الخلايا الكبيرة (Large Cell Carcinoma):
يُعد سرطان الخلايا الكبيرة نوعاً نادراً من سرطان الرئة، يتميز هذا النوع بخلايا كبيرة الحجم وغير مميزة، ولا يمكن تصنيفه تحت أي نوع آخر من أنواع سرطان الرئة.
أسباب سرطان الرئة:
1. التدخين:
يُعدُّ التدخين أحد أسباب الإصابة بسرطان الرئة الرئيسة والأكثر شيوعاً، يحتوي دخان التبغ على مجموعة من المواد السامة والمسرطنة مثل النيكوتين والتار والبنزين والفورمالدهيد وغيرها، عندما يتم استنشاق هذه المواد، يتراكم الدخان في الرئتين، وذلك يؤدي إلى تلف الأنسجة والخلايا الصحية، وبمرور الوقت، يتطور هذا التلف إلى نمو غير طبيعي للخلايا ومن ثم إلى تكوُّن الأورام السرطانية في الرئة، عادةً، يزداد خطر الإصابة بسرطان الرئة كلما زادت مدة التدخين وكمية السجائر التي يتم تدخينها يومياً.
2. التدخين السلبي:
التدخين السلبي، المعروف أيضاً بالتعرض للدخان البيئي، يشير إلى التعرض لدخان التبغ دون قصد مباشر من الشخص نفسه، وذلك عن طريق استنشاق الدخان الذي يتم إطلاقه من الأفراد الذين يدخنون في الجو المحيط، سواء كان ذلك في المنازل أم الأماكن العامة مثل المطاعم والمقاهي أم حتى في السيارات، فيحتوي هذا الدخان على نفس المواد الضارة والمسرطنة التي توجد في دخان التدخين النشط.
3. التعرض لغاز الرادون عن طريق تركيزه العالي في المنزل ومحيطه:
غاز الرادون هو غاز طبيعي معدوم اللون والرائحة وغير قابل للاشتعال، يتكون الرادون نتيجة تحلُّل اليورانيوم في التربة والصخور، وينتج بشكل طبيعي في الأرض، وعندما يتم تحلل الرادون، يتحول إلى عناصر رادون بنفسجية الإشعاع، يحدث التعرض لغاز الرادون عادةً عندما يتسرب الرادون من التربة والصخور إلى المباني ويتجمع في المساحات المغلقة مثل البيوت والمنازل، عندما يكون هناك تركيز مرتفع لغاز الرادون في المنازل، يتعرض الأشخاص لهذا الغاز عندما يستنشقون الهواء داخل المنازل ويصبحون أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة، فقد أظهرت الدراسات أنَّ التعرض المطوَّل لمستويات مرتفعة من الرادون يزيد من احتمالية تطور سرطان الرئة، خاصة عندما يكون التعرض متكرراً وطويل الأمد.
4. الوراثة:
وجود تاريخ عائلي لسرطان الرئة يعني أنَّ ارتفاع احتمالية تطوير المرض لدى الأفراد في العائلة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنَّهم سيصابون بالمرض، فيتضمن تأثير الوراثة في سرطان الرئة توارثَ عدم القدرة على معالجة أو التخلص من المواد المسرطنة بشكل فعال، وهذا يزيد من احتمالية تطوير الأورام السرطانية في الرئة، كما تكون هناك تحورات جينية موروثة تجعل الشخص أكثر عرضة للتأثير الضار للعوامل البيئية المسرطنة، مثل التدخين أو التعرض لملوثات الهواء.
5. تلوث الهواء:
يحتوي الهواء الملوَّث على مجموعة متنوعة من المواد الضارة والسامة مثل الجسيمات العضوية الطبيعية والكيميائية، والعوادم الصناعية، وعوادم السيارات، والدخان الناتج عن حرائق الغابات والمحاصيل، وغيرها، فعندما يتنفس الإنسان هذه المواد الضارة في الهواء، تتسلل إلى الرئتين وتتراكم فيها، وتُحدِث هذه المواد تفاعلات كيميائية داخل الجسم تؤدي إلى تلف الخلايا الرئوية وتزيد من احتمالية تطور الخلايا السرطانية.
إضافة إلى ذلك، قد تحتوي بعض ملوثات الهواء على مركبات مسرطنة مثل البنزين وأكسيد النيتروزين، التي قد تزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة عند التعرض المطول لها، ومن الجدير بالذكر أنَّ الأشخاص الذين يعيشون في المناطق ذات التلوث الهوائي العالي، سواء كانت في المدن الكبرى أم القرى التي تعاني من التلوث الصناعي، قد يكونون أكثر عرضة لخطر الإصابة بسرطان الرئة نتيجة للتعرض المستمر للملوثات الضارة في الهواء.
6. التعرض للمواد الكيماوية السامة:
يعدُّ التعرض للمواد الكيميائية السامة عاملاً آخر يزيد من احتمالية الإصابة بسرطان الرئة، وتتضمن هذه المواد السامة مجموعة متنوعة من المواد الكيميائية التي تُستخدَم في مختلف الصناعات والعمليات، فعندما يتم التعرض لهذه المواد بشكل مستمر أو على الأمد الطويل، تتراكم في الجسم وتسبب تغيرات ضارة في الخلايا الرئوية.
من الأمثلة عن المواد الكيميائية السامة التي تزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة: (الأسبستوس)، والتي تُستخدَم في بعض الصناعات مثل البناء والعزل، (البنزين) الذي يتم استخدامه في صناعة البتروكيماويات والطلاءات والمذيبات الصناعية، (الكروم السداسي) ويُستخدَم في صناعة الصلب والدهانات والطلاءات، (النيكل) يُستخدَم في العديد من التطبيقات الصناعية مثل صناعة البطاريات، (الأفريوم) يُستخدَم في صناعة التعدين والتصنيع الكيميائي.
7. التعرض للإشعاع:
يزيد التعرض للإشعاع بأنواعه المختلفة من احتمالية الإصابة بسرطان الرئة، يتم التعرض للإشعاع من مصادر متنوعة، ومن بين هذه المصادر:
الإشعاع الشمسي:
يزيد التعرض المفرط لأشعة الشمس أي للأشعة فوق البنفسجية من خطر الإصابة بسرطان الجلد، وقد تنتقل هذه الإشعاعات أيضاً إلى الرئتين وتساهم في تطوير سرطان الرئة.
الإشعاع الطبي:
تُستخدَم الأشعة السينية في التشخيص والعلاج الطبي، وقد يكون التعرض المتكرر للأشعة السينية في الصدر، مثل عند إجراء الفحوصات الشعاعية للصدر، عاملاً يساهم في زيادة خطر الإصابة بسرطان الرئة.
الإشعاع المفرط في بعض الوظائف:
تتطلب بعض الوظائف التعرض المفرط للإشعاع، مثل الوظائف في مجال الطب النووي أو البحث النووي، وقد يزيد هذا التعرض من خطر الإصابة بسرطان الرئة.
يتسبب التعرض للإشعاع في تلف الحمض النووي داخل الخلايا الرئوية، وهذا يزيد من احتمالية تحوُّل الخلايا الطبيعية إلى خلايا سرطانية، ومع ذلك، يجب أن نلاحظ أنَّ التعرض للإشعاع بوصفه عاملاً لزيادة خطر سرطان الرئة يعتمد على درجة التعرض ومدته، وقد لا يكون هذا العامل سبباً شائعاً للإصابة بسرطان الرئة لدى الأشخاص العاديين في الحياة اليومية.
أعراض سرطان الرئة:
قد تكون أعراض سرطان الرئة غير محددة في المراحل الأولى، وقد لا تظهر الأعراض إطلاقاً في بعض الحالات، لكن عندما تظهر الأعراض، فإنَّها قد تكون متشابهة مع أعراض العديد من الأمراض الأخرى، وهذا يجعل تشخيص سرطان الرئة صعباً في بعض الأحيان، وأهم أعراض سرطان الرئة:
- سعال مزمن أو تغير في نمط السعال، مثل السعال المستمر أو السعال المليء بالدم.
- ضيق التنفس.
- ألم في الصدر أو آلام في الظهر.
- فقدان الوزن غير المبرر.
- ضعف عام وتعب غير مُفسَّر.
- صعوبة في بلع الطعام.
- تورُّم الوجه أو اليدين.
- صوت مبتل أو مزمجر عند التنفس.
- ظهور كتلة في الرقبة أو الجهة العليا من الصدر.
من الهام مراجعة الطبيب إذا كنت تعاني من أيٍّ من هذه الأعراض، أو إذا كانت لديك أي علامات غير طبيعية في الجهاز التنفسي.
تشخيص سرطان الرئة:
يتضمَّن تشخيص سرطان الرئة عدة خطوات واختبارات، ويشمل عدة إجراءات طبية للتحقق من وجود الورم السرطاني وتحديد نوعه ومدى انتشاره، إليك الخطوات الرئيسة التي يتبعها الأطباء في تشخيص سرطان الرئة:
1. استجواب وتاريخ طبي:
يبدأ الطبيب بسؤال المريض عن الأعراض التي يعاني منها وعن التاريخ الطبي للمريض، ومن ذلك التاريخ الشخصي للتدخين والتعرض لعوامل الخطر الأخرى.
2. الفحص الجسدي:
يتضمن فحص الصدر والاستماع إلى الرئتين باستخدام (الستيثوسكوب) للبحث عن أي تغيرات غير طبيعية في الأصوات التنفسية.
3. الصور الطبية:
قد يُطلَب إجراء أشعة الصدر (الصور الشعاعية) أو فحص الأشعة المقطعية (CT scan) للرئتين والصدر لتحديد وجود أي تغيرات مريبة أو أورام.
4. فحص البلعوم:
يُجرى فحص للبلعوم (برونكوسكوبي)، فيُدخَل أنبوب صغير مرن مزود بكاميرا عبر الفم أو الأنف إلى الرئة لفحص القصبة الهوائية والرئتين مباشرة.
5. تحليل العينات النسيجية (Biopsy):
في حالة الاشتباه بوجود ورم، تُؤخذ عينة من النسيج المشبوه للتحليل تحت المجهر لتحديد ما إذا كان الورم سرطانياً أم لا ونوع السرطان.
6. التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) والتصوير بالموجات فوق الصوتية (Ultrasound):
قد تُستخدَم هذه الفحوصات لتحديد انتشار الورم إلى أجزاء أخرى من الجسم.
شاهد بالفديو: 5 أطعمة خطيرة تعرضك للإصابة بمرض السرطان
علاج سرطان الرئة:
توجد عدة طرائق لعلاج سرطان الرئة، وتعتمد الطريقة المناسبة لكل حالة على نوع السرطان ومرحلته وحالة المريض والعوامل الأخرى، تُحدَّد الطريقة الأكثر فاعلية وأماناً لعلاج سرطان الرئة بناءً على الاستشارة مع الطبيب المُختص، من بين الطرائق الشائعة لعلاج سرطان الرئة:
1. الجراحة:
تشمل عمليات الجراحة إزالة الورم السرطاني والأنسجة المحيطة به إذا كان الورم لم ينتشر بشكل كبير، وقد تتضمَّن الجراحة إزالة جزء من الرئة (الفص السفلي أو الفص العلوي) أو إزالة الرئة بأكملها (التلويج الرئوي).
2. العلاج الإشعاعي:
يُستخدَم الإشعاع عالي الطاقة لتدمير الخلايا السرطانية أو تقليل حجم الأورام السرطانية، وغالباً يكون العلاج الإشعاعي الخيار الأول أو يستخدم بعد الجراحة لتدمير الخلايا السرطانية المتبقية.
3. العلاج الكيميائي (العلاج الكيماوي):
يتضمن استخدام الأدوية الكيميائية لقتل الخلايا السرطانية أو منع نموها، ويمكن استخدام العلاج الكيميائي وحده أو مع الجراحة أو العلاج الإشعاعي.
4. العلاج المستهدف:
يستخدم العلاج المستهدف أدوية أو عقاقير تستهدف خصائص خاصة في الخلايا السرطانية لتدميرها أو منع نموها دون التأثير في الخلايا السليمة.
5. العلاج الهرموني:
يمكن استخدام العلاج الهرموني في حالة سرطان الرئة صغير الخلايا، فهو يهدف إلى إبطاء نمو الورم السرطاني عن طريق تقليل مستويات الهرمونات التي يحتاجها الورم للنمو.
اليوم العالمي لسرطان الرئة:
يُحتفَل سنوياً في يوم 1 من شهر أغسطس (آب) باليوم العالمي لسرطان الرئة، وهو فعالية عالمية تهدف إلى زيادة الوعي بسرطان الرئة وتسليط الضوء على التحديات التي يواجهها المرضى والجهود المبذولة في مكافحته، تقيم منظمات مختلفة، ومن ذلك منظمات غير حكومية ومؤسسات طبية ومراكز بحثية، نشاطات وفعاليات متنوعة في هذا اليوم، تشمل إطلاق حملات للتوعية ، والفعاليات التثقيفية، والفحوصات المجانية للكشف المبكر عن سرطان الرئة، والندوات والمحاضرات الطبية، والتواصل مع وسائل الإعلام لنشر المعلومات والتوعية، إضافة إلى ذلك يعد اليوم العالمي لسرطان الرئة فرصة للتضامن مع المرضى وأسرهم، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم، وتسليط الضوء على تحدياتهم واحتياجاتهم.
في الختام:
الوقاية أفضل من العلاج، والحياة لا تأتي مرتين، ولذلك من الأفضل الحفاظ على صحتك وتجنُّب عوامل الخطر التي قد تؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة، فإنَّ سرطان الرئة يظل مرضاً قاتلاً، ولكن باستخدام التوعية والتشخيص المبكر، يمكننا تحسين فرص الشفاء والبقاء، ومن الضروري التوعية بأسبابه وعوامل الخطر، مثل التدخين والتعرض للأشعة والتلوث، والعمل على تقليلها قدر الإمكان.
إضافة إلى ذلك، يجب الاهتمام بالعلاج والرعاية المتكاملة للمرضى المصابين بسرطان الرئة، ويتطلب ذلك الوصول إلى أحدث التقنيات الطبية والعلاجية، إضافة إلى دعم نفسي واجتماعي قوي للمرضى وأسرهم خلال هذه الرحلة الصعبة، وبالعمل المشترك والتوعية المستمرة، يمكننا تحقيق تقدُّم في مكافحة سرطان الرئة وتحسين جودة الحياة للمصابين به.
أضف تعليقاً