تؤدي بعض العوامل البيئية والسلوكية مثل النظام الغذائي، وقلَّة النشاط البدني، والتدخين دوراً كبيراً في تطوُّر هذه الأمراض، ولكن ثمة أيضاً عوامل وراثية تسهم إسهاماً محورياً في ارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب.
قد يؤثِّر فهم تأثير الوراثة في أمراض القلب تأثيراً كبيراً في كيفية تشخيص وإدارة ووقاية هذه الأمراض؛ لذا تُعدُّ دراسة الدور الذي تؤديه العوامل الوراثية في تطوُّر أمراض القلب خطوة حيوية نحو تحسين استراتيجيات الكشف المبكِّر والعلاج، وهذا يسهم في تعزيز الصحَّة القلبية، ورفع مستوى الوعي بأهمية الفحوصات الجينية، والتشخيص المبكِّر.
ما هي أمراض القلب؟
أمراض القلب: هي مجموعة من الأمراض والاضطرابات التي تؤثِّر في القلب ووظائفه، وتشمل الأوعية الدموية المتصلة به، وتُعدُّ هذه الأمراض من الأسباب الرئيسة للوفاة على مستوى العالم، وتشمل أنواعاً مختلفة تتراوح بين مشكلات في الشرايين، وعضلة القلب، وصمَّامات القلب، والنظام الكهربائي الذي يتحكَّم في ضربات القلب.
كيف تؤثر الوراثة في الصحة القلبية؟
تؤثِّر الوراثة في الصحة القلبية - من خلال الجينات التي نرثها من والدينا - وفي كيفية عمل القلب والأوعية الدموية، وكذلك في مدى استعدادنا للإصابة بأمراض القلب.
إليك الطرائق التي تؤثر فيها الوراثة في الصحة القلبية:
1. الأمراض الوراثية القلبية
تنتقل بعض الأمراض القلبية عبر الأجيال من خلال الطفرات الجينية، مثل: فرط كولسترول الدم العائلي، واعتلال عضلة القلب الضخامي، ومتلازمة مارفان.
2. الاستعداد الوراثي لأمراض القلب
قد يرِث بعض الأشخاص عوامل جينية تجعلهم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، مثل ارتفاع ضغط الدم، أو السكَّري، أو السمنة، وقد تؤدي هذه العوامل إلى تراكم الكوليسترول في الشرايين، وزيادة خطر النوبات القلبية والسكتات الدماغية.
3. التفاعل مع العوامل البيئية
قد يرِث الفرد مجموعة من الجينات التي تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، ولكنَّ العوامل البيئية مثل النظام الغذائي، والنشاط البدني، والتدخين قد تزيد أو تقلِّل من تأثير هذه الجينات، على سبيل المثال: يمكن للأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي لارتفاع ضغط الدم تقليل خطر الإصابة من خلال اتباع نمط حياة صحي.
4. الاستجابة للأدوية
تؤثِّر الجينات أيضاً في كيفية استجابة الجسم للأدوية المستخدَمة في علاج أمراض القلب، كما قد تؤثِّر الطفرات الجينية في كيفية امتصاص الجسم للأدوية أو تكسيرها، وهذا بدوره يؤثِّر في فاعليَّتها، ويزيد من احتمالية حدوث آثار جانبية.
5. التشخيص المبكر والتدخل الوقائي
قد يساعد فهم الجينات المرتبطة بأمراض القلب على التشخيص المبكر والتدخُّل الوقائي، ويمكن للأطباء من خلال الفحص الجيني تحديد الأفراد الذين لديهم خطر وراثي مرتفع، وتقديم نصائح عن تغييرات في نمط الحياة، أو تقديم علاجات مبكرة؛ لمنع تطوُّر أمراض القلب.
6. الاستشارة الجينية
قد تساعد الاستشارة الجينية - في حالات معينة - الأفراد والأسَر على فهم المخاطر الوراثية لديهم، واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن فحص وتشخيص وعلاج الأمراض القلبية.
أنواع الأمراض القلبية الوراثية
الأمراض القلبية الوراثية: هي مجموعة من الأمراض التي تنتقل من جيل إلى جيل عبر الطفرات الجينية، وقد تؤثِّر هذه الأمراض في وظيفة القلب وبنيته، وتشمل مجموعة متنوعة من الحالات.
إليك شرح تفصيلي لأبرز أنواع الأمراض القلبية الوراثية:
1. اعتلال عضلة القلب الضخامي (Hypertrophic Cardiomyopathy)
اعتلال عضلة القلب الضخامي: هو اضطراب وراثي يتميَّز بتضخُّم غير طبيعي في جدران عضلة القلب، وخاصَّة في البطين الأيسر، ويجعل هذا التضخُّم من الصعب على القلب ضخ الدم بفاعليَّة.
الأعراض: ضيق التنفُّس، وآلام الصدر، وخفقان القلب، والإغماء وقد يؤدي في بعض الحالات إلى الموت القلبي المفاجئ، وخاصَّة عند الشباب الرياضي.
2. اعتلال عضلة القلب التوسعي (Dilated Cardiomyopathy)
يتميَّز هذا المرض بتوسُّع وتجوُّف البطينين، وهذا يؤدي إلى ضعف قدرة القلب على ضخ الدم ضخَّاً فعَّالاً.
الأعراض: التعب الشديد، وضيق التنفُّس، وتورُّم القدمين والكاحلين، وقد يصاب المريض بقصور القلب مع تقدُّم المرض.
3. متلازمة كيو تي الطويلة (Long QT Syndrome)
هي اضطراب في النظام الكهربائي للقلب يسبِّب فترات طويلة بين ضربات القلب، وهذا يؤدي إلى اضطرابات خطيرة في نظم القلب، وقد تسبِّب الإغماء، أو السكتة القلبية المفاجئة، وتنتقل عادةً عبر نمط وراثي جسدي سائد، وتنتج عن طفرات في جينات معينة تؤثِّر في قنوات أيونية في خلايا القلب.
الأعراض: خفقان القلب، والإغماء، والتشنُّجات، وقد تحدث الوفاة المفاجئة في بعض الحالات.
4. متلازمة بروغادا (Brugada Syndrome)
هي حالة وراثية تؤثِّر في النظام الكهربائي للقلب، وهذا يزيد من خطر الإصابة باضطرابات خطيرة في نظم القلب، والتي قد تؤدي إلى الموت القلبي المفاجئ.
الأعراض: الإغماء، وخفقان القلب، وقد تكون العلامة الأولى - في بعض الحالات - هي الموت المفاجئ.
5. اعتلال عضلة القلب النشواني (Arrhythmogenic Right Ventricular Cardiomyopathy)
هو اضطراب نادر يؤثِّر في البطين الأيمن، ويستبدل خلايا عضلة القلب بالنسيج الليفي أو الدهني، وهذا يؤدي إلى اضطرابات في نظم القلب.
الأعراض: خفقان القلب، والإغماء، وضيق التنفس، وقد يؤدي إلى الموت القلبي المفاجئ، خاصَّة عند الرياضيين.
6. فرط كولسترول الدم العائلي (Familial Hypercholesterolemia)
هو اضطراب وراثي يؤدي إلى ارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم ارتفاعاً غير طبيعي، وهذا يزيد من خطر الإصابة بتصلُّب الشرايين، وأمراض القلب التاجية.
الأعراض: ظهور رواسب دهنية في الجلد وحول العينين، وظهور علامات مبكرة لأمراض القلب التاجية مثل الذبحة الصدرية أو النوبات القلبية.
7. متلازمة مارفان (Marfan Syndrome)
هي اضطراب وراثي يؤثِّر في النسيج الضام في الجسم، ومن ذلك القلب والأوعية الدموية، ويزيد من خطر الإصابة بتمدُّد الشريان الأورطي، وهذا قد يؤدي إلى تمزُّقه.
الأعراض: طول القامة غير الطبيعي، والمرونة الزائدة في المفاصل، ومشكلات في العين، إضافة إلى مشكلات قلبية تشمل تضخُّم الشريان الأورطي.
8. عيوب القلب الخلقية (Congenital Heart Defects)
هي تشوُّهات في بنية القلب تحدث في أثناء التطوُّر الجنيني، وقد تشمل عيوباً في الجدران بين غرف القلب، أو مشكلات في صمامات القلب.
الأعراض: تعتمد على نوع وشدة العيب، وقد تشمل الزرقة (ازرقاق الجلد)، والتعب، وصعوبة التنفُّس.
كيفية تشخيص الأمراض القلبية الوراثية
قد تظهر أمراض القلب هذه في أي عمر، وقد تكون أعراضها خفيفة أو شديدة، وحتى مميتة في بعض الحالات، ويؤدي التشخيص المبكر دوراً هامَّاً في اتخاذ تدابير وقائية؛ لتجنُّب المضاعفات، وتحديد العلاج المناسب مبكراً بناءً على نوع المرض وشدَّته.
إليك كيفيَّة تشخيص هذه الأمراض:
1. التاريخ الطبي العائلي
تُجمَع معلومات عن تاريخ العائلة الطبي، ومن ذلك وجود أي حالات وفاة مبكرة بسبب أمراض القلب، أو حالات معروفة من الأمراض القلبية الوراثية.
2. الفحص السريري
يُجري الطبيب فحصاً بدنياً شاملاً؛ للبحث عن أي علامات تشير إلى وجود مرض قلبي، مثل النفخات القلبية، أو علامات فشل القلب.
شاهد بالفيديو: 8 علامات تحذيرية تدل على أنّ قلبك يواجه مشكلة
3. إجراء الاختبارات القلبية
وهي:
- تخطيط كهربائية القلب (ECG)، يقيس هذا الاختبار النشاط الكهربائي للقلب، ويمكنه الكشف عن اضطرابات نظم القلب، مثل متلازمة كيو تي الطويلة، أو متلازمة بروجادا.
- تخطيط صدى القلب (Echocardiography)، يستخدم هذا الاختبار الموجات فوق الصوتية لإنشاء صور للقلب، وهذا يساعد على تقييم حجم وشكل عضلة القلب، ويمكنه الكشف عن اعتلالات عضلة القلب، مثل الاعتلال الضخامي، أو المتوسِّع.
- تصوير القلب بالرنين المغناطيسي (MRI)، يقدِّم تفاصيل دقيقة عن بنية القلب، وهذا يمكِّن من تشخيص حالات، مثل اعتلال عضلة القلب، أو مشكلات في الشرايين التاجية.
- الفحص الجيني، تُؤخَذ عيِّنة من الدم أو اللعاب؛ لتحليل الحمض النووي، ثمَّ يُبحَث عن طفرات معيَّنة مرتبطة بأمراض القلب الوراثية.
- الاستشارة الجينية، يُوصَى بها غالباً للمرضى وأسرهم؛ لفهم نتائج الاختبارات الجينية والمخاطر الوراثية.
- اختبار الجهد (Stress Test)، لتقييم وظيفة القلب في أثناء المجهود البدني، وهذا قد يكشف عن مشكلات في تدفُّق الدم، أو اضطرابات نظم القلب التي قد لا تظهر في حالة الراحة.
- اختبارات الدم، قد تشمل قياس مستويات الكولسترول والدهون الثلاثية، ووظائف الكلى والكبد.
4. إجراء الاختبارات الجينية
مثل:
- الفحص الجيني، تُؤخَذ عيِّنة من الدم أو اللعاب؛ لتحليل الحمض النووي، ثمَّ يُبحَث عن طفرات معيَّنة مرتبطة بأمراض القلب الوراثية.
- الاستشارة الجينية، يُوصَى بها غالباً للمرضى وأسرهم؛ لفهم نتائج الاختبارات الجينية والمخاطر الوراثية.
5. اختبارات إضافية حسب الحاجة
وتشمل:
- اختبار الجهد (Stress Test)، لتقييم وظيفة القلب في أثناء المجهود البدني، وهذا قد يكشف عن مشكلات في تدفُّق الدم، أو اضطرابات نظم القلب التي قد لا تظهر في حالة الراحة.
- اختبارات الدم، قد تشمل قياس مستويات الكولسترول والدهون الثلاثية، ووظائف الكلى والكبد.
علاج الأمراض القلبية الوراثية
توجد عدة خيارات علاجية قد تساعد على إدارة الأعراض، وتحسين نوعيَّة الحياة للمرضى، وذلك وفقا لنوع المرض، على الرغم من عدم وجود علاج جذري لمعظم هذه الأمراض حتى الآن.
تشمل خيارات العلاج ما يأتي:
1. الأدوية
مثل:
- أدوية لتنظيم ضربات القلب (بيتا - حاصرات - حاصرات قنوات الكالسيوم).
- أدوية لخفض ضغط الدم.
- أدوية لتقليل الكوليسترول.
- أدوية لتخفيف بعض الأعراض مثل الألم أو ضيق التنفُّس.
2. الجراحة
مثل:
- جراحة القلب المفتوح؛ لإصلاح العيوب الخلقية في القلب، أو استبدال الصمَّامات التالفة.
- زراعة جهاز تنظيم ضربات القلب؛ لتنظيم ضربات القلب غير المنتظمة.
- زراعة جهاز لإزالة الرجفان؛ لمنع حدوث ضربات قلب سريعة وخطيرة.
3. العلاج بالجينات
هو مجال بحثي واعد، ويهدف إلى تصحيح الطفرات الجينية التي تسبِّب المرض، وقد تكون الاستشارة الوراثية جزءاً من العلاج؛ لإرشاد المريض وأسرته فيما يتعلق بمخاطر المرض، وكيفية الوقاية منه، إضافة إلى التخطيط للأجيال المستقبلية.
4. تغيير نمط الحياة
ويشمل ذلك:
- اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن.
- ممارسة الرياضة بانتظام (بعد استشارة الطبيب).
- الإقلاع عن التدخين.
- الحفاظ على وزن صحي.
5. المتابعة الطبية المنتظمة
يحتاج المرضى إلى متابعة طبية مستمرة؛ لمراقبة تقدُّم المرض، وتعديل العلاج حسب الحاجة، إضافة إلى ذلك يُعدُّ التصوير الدوري للقلب ضرورياً؛ للحفاظ على متابعة دقيقة لأي تغييرات في بنية القلب أو وظيفته.
شاهد بالفيديو: نصائح لمرضى القلب في العيد
نصائح عامة للوقاية من أمراض القلب الوراثية
تنتج الأمراض القلبية الوراثية عن طفرات جينية، لكن قد تؤثر بعض العوامل البيئية والأنماط الحياتية في شدَّة المرض وتطوُّره. إليك بعض النصائح العامَّة التي تساعد على الوقاية من مضاعفات هذه الأمراض وحماية صحَّة القلب:
1. أجرِ الفحوصات الدورية
يجب على الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي في أمراض القلب إجراء فحوصات طبية دورية لضغط الدم، ومستويات الكوليسترول والسكَّر في الدم، حتى لو كانوا يشعرون أنَّهم بصحَّة جيدة.
2. اتبع نمط حياة صحيا
ركِّز على الأطعمة الغنيَّة بالألياف والفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والدهون الصحية، وقلِّل تناول الأطعمة المصنَّعة والمشروبات السكَّرية والدهون المُشبَعة.
3. مارس الرياضة بانتظام
مارِس تمرينات رياضية معتدلة لمدة 30 دقيقة على الأقل معظم أيام الأسبوع، وذلك بعد استشارة الطبيب.
4. حافظ على وزن صحي
تزيد السمنة من خطر الإصابة بأمراض القلب؛ لذا يجب الحفاظ على وزن صحي من خلال اتباع نظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة بانتظام.
5. أقلع عن التدخين
يُضرُّ التدخين بصحَّة القلب والأوعية الدموية؛ لذا يجب الإقلاع عنه تماماً.
6. قلل من شرب الكحول
يؤثِّر الإفراط في شرب الكحول سلباً في القلب؛ لذا يجب الحد من استهلاكه.
7. راقب ضغط الدم
يجب مراقبة ضغط الدم بانتظام، والعمل على خفضه بالأدوية، أو تغيير نمط الحياة إذا لزم الأمر.
إقرأ أيضاً: النوبة القلبية وطرق علاجها
8. راقب الكوليسترول المرتفع
يجب مراقبة مستويات الكوليسترول، والعمل على خفضه بالأدوية، أو تغيير نمط الحياة إذا لزم الأمر.
9. راقب السكري
يجب مراقبة مستوى السكَّر في الدم، والعمل على التحكُّم فيه بالأدوية، أو تغيير نمط الحياة إذا لزم الأمر.
10. الجأ إلى الاستشارة الوراثية
تساعد الاستشارة الوراثية الأفراد وعائلاتهم على فهم مخاطر الإصابة بالأمراض الوراثية، واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الرعاية الصحية.
11. خفف من التوتر
يؤثِّر التوتر سلباً في صحَّة القلب؛ لذا يجب تعلُّم تقنيات الاسترخاء، مثل التأمُّل واليوغا.
12. احصل على قسط كافٍ من النوم
يساعد النوم الجيِّد على الحفاظ على صحَّة القلب.
في الختام
تُعدُّ الوراثة سبباً مباشراً للإصابة بالعديد من أمراض القلب، وهذا يبرز أهميَّة الفهم العميق للتركيب الجيني وتأثيراته في الصحَّة القلبية، ويمكن حاليَّاً - وبعد التقدُّم في المجال الطبي - تحديد المخاطر الوراثية تحديداً دقيقاً، وتطوير استراتيجيات وقائية وعلاجية مخصَّصة للأفراد، وتمنحنا الابتكارات في مجال الطب الجيني والعلاجات الشخصية أملاً كبيراً في تحسين التشخيص والعلاج، وتقليل تأثير هذه الأمراض في الأجيال القادمة، وذلك رغم التحديات التي تفرضها الطبيعة الوراثية لهذه الأمراض، ويبقى الوعي والبحث المستمر ضروريَين لمواصلة التقدُّم في هذا المجال الحيوي والهام.
أضف تعليقاً