تخيَّل أنَّك تستطيع علاج المرض الذي تعاني منه وتتخلص منه من جذوره دون استخدام الأدوية التي تخفف أعراضه فقط؟
تخيَّل أنَّك قادر على استعادة حالتك الصحية الجيدة كما كنت سابقاً بطريقة بسيطة وبعيدة عن العلاجات الكيميائية؟
عانت صديقتي من الأرق ومشكلات النوم لفترة زمنية طويلة، وتسبب ذلك بتدمير حياتها، فحالتها المزاجية أدت لتراجع الأداء والإنتاجية في العمل، وتأزمت علاقاتها الاجتماعية، وابتعد شريكها العاطفي عنها، وقد أجرت كثيراً من التحاليل والفحوصات الطبية لتكتشف في النهاية أنَّ حالتها الصحية ناتجة عن نظامها الغذائي السيئ، وكان تعديله كافياً في علاجها.
أخرى سئمت من آلام مفاصلها المزمنة وسئمت من العلاجات التقليدية، ثم اتبعت علاجاً بالإبر الصينية وعادت المرونة لمفاصلها، فما هو هذا النوع من الطب؟ وهل يساعدنا على علاج الأمراض المزمنة أو الوقاية منها؟
يمكننا التطلع إلى حياة أكثر صحة من خلال الطب الوظيفي، بالرغم من أنَّ الطب التقليدي قدَّم للبشرية فوائد عظيمة وأنقذ حياة المليارات من البشر وحافظ على صحة الكثيرين، إلا أنَّ الطب الوظيفي أيضاً يؤدي دوراً هاماً، وخاصة في التعامل مع الأمراض المزمنة، ومقالنا يوضح ذلك، فتابع القراءة.
ما هو الطب الوظيفي؟
هو نهج حديث يندرج ضمن قائمة الرعاية الصحية، فيعمل على استعادة الإنسان لصحته وحالته الطبيعية والتخلص من أسباب اختلال توازن الجسم، لتزداد قدرته على الشفاء الذاتي، والمبادئ الأساسية للطب الوظيفي هي الآتية:
1. الفردية
في الطب الوظيفي لا يوجد إنسان يشبه الآخر، فلا يمكنك اتباع النهج الذي يعتمده صديقك للتخلص من الأرق أو السمنة أو أوجاع المفاصل مثلاً، فكل إنسان يجب أن يتبع خطة مخصصة له ولا تشبه خطط الآخرين.
2. فهم الأسباب الجذرية
لا يركز الطب الوظيفي على تشخيص حالة المريض، إنَّما يحتاج إلى فهم الأسباب التي أدت لظهور الأعراض والمشكلة المَرضية، فعندما تلجأ للطب الوظيفي لأنَّك تعاني من حالة مَرضية معينة يتم سؤالك عن الآتي:
3. نظامك الغذائي
قد يؤدي النظام الغذائي الذي تتبعه إلى كثير من الأمراض؛ نتيجة نقص الفيتامينات أو المعادن أو نتيجة حساسية الجسم تجاه مواد غذائية معينة والتي تؤدي إلى حدوث التهابات في الجسم وكثير منها مزمن.
4. أسلوب حياتك
الروتين اليومي الذي تتبعه أيضاً يؤدي دوراً هاماً في سلامة جسدك من الأمراض؛ لذلك سيتم سؤالك عن عدد ساعات النوم والنشاط البدني الذي تقوم به، ونوع العمل وعدد ساعاته.
5. البيئة المحيطة
صحة الإنسان في مكان يتعرض به لملوثات بيئية أو مواد كيميائية مضرة تختلف عن صحته في مكان طبيعي ونظيف، فكلما زادت الملوثات زادت الأمراض معها.
6. الوراثة
مورثات الإنسان لها دور في جعله قابلاً للإصابة بأمراض معينة؛ لذلك يجب النظر لتاريخ المرض في العائلة.
ما هي فوائد الطب الوظيفي؟
يقدم الطب الوظيفي مجموعة من الفوائد التي جعلته يحقق نجاحاً مميزاً، وأهمها ما يأتي:
1. علاج الأسباب الرئيسة للمرض
لا يسعى الطب الوظيفي إلى معالجة الأعراض المرافقة للمرض؛ إنَّما يسعى إلى التخلص من المرض من جذوره.
2. تحسين صحة الإنسان العامة
يساعد الطب الوظيفي على تعزيز صحة الإنسان بزيادة طاقته وحيويته.
3. اتباع نظام حياة صحي
يخصص الطب الوظيفي خطة لكل فرد بعد التقييم الشامل لوضعه الصحي ونمط حياته، ليتبع نظام حياة صحياً يبعده عن الأمراض المزمنة وغير المزمنة.
شاهد بالفيديو: 8 معلومات طبية عن مرض السكري
متى يلجأ الإنسان إلى الطب الوظيفي؟
يمكن أن تلجأ إلى الطب الوظيفي في الحالات الآتية:
1. الأمراض المزمنة
أثبت الطب الوظيفي دوره الهام في علاج الأمراض المزمنة وأبرزها مرض السكري، وأمراض القلب المختلفة مثل اضطرابات ضغط الدم أو الالتهابات أو مستوى الكوليسترول، وأيضاً الأمراض المناعية كالتهاب المفاصل واضطرابات الجهاز الهضمي وأهمها القولون العصبي، وأيضاً الأمراض العصبية مثل مرض باركنسون وألزهايمر، وغيرها الكثير من التحديات الصحية كالأرق والربو والاضطرابات الهرمونية وحب الشباب والصدفية والأكزيما وتكيس المبايض والاضطرابات البولية والقلاع والبدانة وضعف المناعة.
2. الحالات التي فشل الطب التقليدي في علاجها
في بعض الأحيان تفشل الأدوية الكيميائية في معالجة المرض أو الوصول إلى نتائج مُرضية.
3. رغبة الإنسان في اتباع أسلوب حياة صحي وطبيعي
يفضل معظم البشر العلاجات الطبيعية التي تعتمد على الأغذية والهواء النقي بدلاً من الأدوية والإجراءات الجراحية.
ما هو دور الطب الوظيفي في التعامل مع الأمراض المزمنة؟
أهم فوائد الطب الوظيفي هي علاج الأمراض المزمنة كما ذكرنا آنفاً، فهو يؤدي الدور الآتي:
- يعد الطب الوظيفي المرض ملازماً للصحة، ويمكن عكس معظم الأمراض المزمنة والحالات الصحية وعلاجها دون الاعتماد على الأدوية أو الحاجة لها، فلا يسعى إلى التخلص من الأمراض أو تسكين الألم، إنَّما يسعى لتحسين صحة المريض على الأمد الطويل، وهذه الطريقة الأمثل للتعامل مع الأمراض المزمنة.
- يعد الطب الوظيفي أنَّ المرض المزمن ناتج عن خلل معقد في الجسم وعوامل أدت لتحفيزه، وأهمها الغذاء والبيئة ونظام الحياة الذي يمكن أن يؤدي أيضاً إلى تغيير في طبيعة جسم الإنسان إن قام كل فرد باتباع المناسب له من قواعد غذائية وصحية، ومن ثم منع محفزات الجينات التي تعزز المرض من القيام بعملها، ومن ثم عمل على الحد من عوامل المرض الخطرة.
- يدرك الطب الوظيفي أنَّ جسم الإنسان مترابط ومعقد، فلا يوجد سبب وحيد للإصابة بمرض مزمن؛ لذلك يؤدي الطب الوظيفي دور التحري، فيبحث الطبيب ويركز في مختلف التفاصيل لتكون النظرة عن حياة المريض شاملة، ليجمع بين خبراته السريرية ومعلوماته ويرسم خطة حياة فريدة للمريض تمكِّنه من العيش مع جسده بأفضل شكل، فيستعيد صحته ويحافظ عليها.
- يشارك الطب الوظيفي المرضى في رحلة استعادة الصحة، وهذا ما يحتاجه كثيرون منا، فأحياناً لا نعطي الأهمية الكبيرة للأدوية، ولا نلتزم بمواعيدها؛ لأنَّنا لا ندرك حالتنا الصحية بدقة ولا ندرك الخطر الناتج عن إهمال الدواء، وعند الإصابة بالأمراض المزمنة قد يودي ذلك بحياة المريض، على خلاف ذلك في رحلة العلاج في الطب الوظيفي، فإنَّه يعطي الأولوية لمشاركة المريض في معالجة ذاته؛ من خلال بناء علاقة تعاونية معه، يشعر من خلالها أنَّه المسيطر، فهو من يشخِّص الأعراض والأسباب من خلال التحدث عن أسلوب حياته ونظامه الغذائي وتاريخ المرض في عائلته، وهو من يعالج نفسه باتباعه لنهج الحياة الجديد.
- يعد الطب الوظيفي الغذاء من أهم معالجات المرض المزمن، فالطعام هو سبب لكثير من الأمراض، وقد أثبتت ذلك العديد من الدراسات التي ربطت بين بكتيريا الأمعاء والصحة النفسية للعقل، لتوضح العلاقة بين الطعام وكيمياء خلايا الدماغ، لذلك اتباع الحمية هو الحل.
مثلاً في علاج أمراض القلب وبعد تحديد الأسباب الرئيسة للمرض، يتم اتباع نظام غذائي غني بالخضار والفاكهة والأوميغا 3 والحبوب الكاملة، ويتم الابتعاد عن السكر والصوديوم والدهون المشبعة، إلى جانب الإقلاع عن التدخين وتناول مكملات غذائية لدعم صحة القلب مثل فيتامين دال.
أما في علاج مرض السكري، فيتم اتباع نظام غذائي غني بالألياف ومنخفض الكربوهيدرات، إلى جانب مكملات المغنسيوم بهدف المساعدة على تنظيم السكر في الدم، إضافة إلى أنَّ الطب الوظيفي يركز على أهمية الأعشاب وفوائدها، فالكثير منها تؤثر ضعف تأثير الأدوية؛ لذلك لا يخلو نظام غذائي صحي من وجود أعشاب تناسب حالة المريض الصحية.
ما هي التحديات التي تواجه الطب الوظيفي في علاج الأمراض المزمنة؟
لا يخلو أن مجال من تحديات تعرقل عمله، وأبرز التحديات في مجال الطب الوظيفي ما يأتي:
1. الاعتراف المهني والأكاديمي بالطب الوظيفي
على الرغم من أنَّه أثبت جدارته في كثير من الحالات، إلا أنَّ الحاجة إلى مزيد من الأبحاث والدراسات واسعة النطاق ملحة جداً لتعترف مختلف المؤسسات الصحية والطبية بالطب الوظيفي كطريقة للعلاج والوقاية من الأمراض المزمنة وغيرها أيضاً، كذلك الحاجة لوجود تنظيم للمهنة والخدمات والوسائل المستخدمة في العلاج.
2. التكاليف المرتفعة
لتحديد الأسباب المختلفة للمرض والجينات التي تحفز الإصابة بأمراض معينة يحتاج المريض إلى إجراء كثير من الفحوصات المكلفة، وكذلك العلاج والنظام الغذائي الصحي قد لا يتمكن الكثير من الناس من اتباعه لارتفاع التكاليف.
3. مدة العلاج
لا تظهر نتائج العلاج بعد مدة قصيرة من اتباع نهج الحياة الجديد الذي وضعه الطب الوظيفي، إنَّما يجب أن يلتزم المريض التزاماً مطلقاً لتظهر النتائج بعد وقت أطول بكثير مقارنة بالطب التقليدي.
4. قلة الوعي
لا يثق معظم الناس بهذا النوع من العلاج، لأنَّنا اعتدنا على العلاج بالأدوية والجراحة وما شابه، كما أنَّ الشركات الدوائية تسعى للتفوق على الطب الوظيفي، لذلك يواجه الكثير من الضغوطات.
في الختام
الطب الوظيفي هو نوع من الرعاية الصحية الطبيعية إلى حد كبير، فيه يسعى المريض إلى استعادة الصحة بعيداً عن استخدام الأدوية من خلال تحديد مسببات المرض الرئيسة والعمل على التخلص من المرض بالاعتماد على تغيير النظام الغذائي للمريض وأسلوب حياته والبيئة التي يعيش فيها.
لقد أثبت الطب الوظيفي دوره في علاج الأمراض المزمنة التي تحتاج إلى أسلوب حياة صحي وليس لعلاج الأعراض والتخلص منها مثل مرض السكري وأمراض القلب، ويعمل الطب الوظيفي على رسم خطة حياة فريدة لكل مريض بناءً على الجينات والبيئة ونمط حياته، بحيث يتحرى ويجمع كافة المعلومات عنه ثم يقرر الأسلوب الجديد المناسب له.
أضف تعليقاً