تتغير مجالات العمل بسرعة كبيرة بفضل التطور المستمر للتكنولوجيا؛ وهذا جعل خطة العمل غير كافية لرسم مستقبل شركتك على وجه اليقين، وقد تؤدي التقنيات الحديثة أو المنافسون غير المتوقعين إلى خسارة شركتك بين عشية وضحاها؛ لذا كيف تتميز في هذه البيئة شديدة التنافسية؟ وهل تتساءل عن كيفية وضع خريطة عمل ترشدك إلى الاتجاه الصحيح؟ وهل تعرف كيف ترسم خريطة عمل تحول همومك إلى مكاسب؟
أكبر قوة تؤدي إلى نجاح العمل هي معرفة موقعك الحقيقي وإنشاء خريطة عمل فعَّالة، ويتعين عليك التوقف عن التركيز على كيفية إعداد خطة عمل والتركيز بدلاً من ذلك على كيفية إنشاء خريطة عمل.
ما هي خريطة العمل؟
تنظر خريطة العمل إلى شركتك من حيث المناصب والمسؤوليات والمعايير، وإنَّها ليست مجرد وسيلة للانتقال من النقطة "أ" إلى النقطة "ب" أو لتحقيق أهداف معينة؛ بل تمثل نظرة فاحصة على ما ينجح وما لا ينجح في عملك ومساراً لإجراء تغييرات أو تحسينات من شأنها تحقيق نجاح أكبر.
تتيح لك خريطة العمل مشاهدة طريقة عمل شركتك من أعلى مستوى إلى أدنى مستوى، كما أنَّها لا تقتصر على تحديد المكان الذي تريد أن يصل إليه نمو شركتك في غضون عامين أو كيفية التعاقد مع فريق مبيعات يجلب لك أرباحاً أكبر وحسب؛ بل تتعلق بالتأمل العميق في كل شيء بدءاً من العمليات والمدخلات وسير العمل إلى سبب وجودك في مجالك والتأثير الذي تريد أن تحدثه في مجتمعك.
لخريطة العمل أشكال عديدة، ومن ذلك المخططات الانسيابية والرسوم البيانية ومخططات تدفق القيمة، أو يمكن إنشاؤها باستخدام أنواع مختلفة من البرامج، فلا تنشغل بالتفاصيل واختر مجموعة من الوحدات التي تناسب شركتك على نحو أفضل، والشكل أقل أهمية من الأسئلة التي تطرحها لتطوير خريطة العمل والعقلية وراء ذلك.
فوائد خريطة العمل:
إنَّ عملية إنشاء خريطة عمل أعمق من خطة العمل، فهي لا تتناول إمكانات النمو والمبيعات والمسائل السطحية الأخرى وحسب؛ بل تتعمق فيما تفعله شركتك، وفي مسؤوليات كل شخص، وفي المعايير التي يجب الوفاء بها لتحديد النجاح، ومن ذلك:
1. التركيز على رؤية الشركة:
هدف خريطة العمل هو نفس هدف خطة العمل: أن تكون أكثر فاعلية، ومع ذلك تتطلب نهجاً أشمل للوصول إلى هذا الهدف، وتضمن خريطة العمل التركيز الدائم على رؤية شركتك الشاملة، فهي لا تساعد على تحقيق أهداف شركتك على الأمد الطويل وحسب؛ بل تساعدك أيضاً أنت وفريقك على الحفاظ على رؤية شركتك يومياً، فأنت لا تستخدم خريطة عملك في مراحل نمو عملك وحسب؛ بل تستخدمها طوال فترة عملك.
2. حل المشكلات بفاعلية أكبر:
لا يمكنك حل المشكلات إذا كنت لا تعرفها، وتكشف لك خريطة العمل مكان شركتك الحالي، ومشكلاتها الحقيقية، كما أنَّها تصرف نظرك مؤقتاً عن مهام الإدارة اليومية لترى الصورة الكاملة لشركتك، وتتطلب خريطة العمل أيضاً طلب آراء موظفيك بشأن التحديات والمشكلات التي يواجهونها يومياً؛ وهذا يوفر لك معلومات قيمة من شأنها أن تساعدك على حل المشكلات واتخاذ قرارات صعبة.
3. مواءمة العمليات الداخلية:
تعود كثير من مشكلات العمل إلى سوء تصميم العمليات الداخلية، وقد تواجه تحديات مثل ارتفاع معدل دوران الموظفين أو سوء إدارة المخازن أو وجود قدر كبير من العمل اليدوي أو أوجه قصور أخرى تكلفك الوقت والمال، وتساعدك خريطة العمل على تحديد أوجه القصور هذه واختيار أفضل الممارسات لتقويمها، ومن ثم يتسنى لك توسيع نطاق عملك، وزيادة الإيرادات، والتغلب على التحديات بسهولة أكبر.
شاهد بالفديو: 6 نصائح تساعدك على وضع خطة عمل ناجحة
4. إدارة المخاطر على وجه أفضل:
لدى بعض الناس القدرة على تحمُّل المخاطر أكثر من غيرهم، ولكن ينطوي العمل التجاري دائماً على المخاطر، وقد تؤدي المخاطرة إلى أعلى مستويات النجاح في الأعمال التجارية، فقد أثبتت شركة "نيتفليكس" (Netflix) خطأ الجميع، وغيرت صناعة الأفلام عندما غيرت نموذج أعمالها، وقد تؤدي المخاطرة أيضاً إلى الإفلاس إذا لم تكن مدروسة، وتساعدك خريطة العمل على إدارة المخاطر والامتثال عن طريق توثيق عملياتك وإدارتها لمساعدة الموظفين على فهم مسؤولياتهم.
5. تحسين المرونة:
عندما تصمِّم خطة عمل، فإنَّك تنشئ إطار عمل صارماً بأهداف وإجراءات محددة، وعندما تصمم خريطة عمل، فإنَّ المرونة هي الهدف، فلا غنى عن المرونة في مجالات العمل التي تتغير يومياً والتي تتعرض للخطر، وعلى الرغم من أنَّ خريطة عملك لها هيكل، فإنَّها قادرة على الاستجابة لأية تغييرات تحدث مع عملائك أو الاقتصاد أو مجال العمل، ويساعدك هذا على توفير ثقافة الابتكار وتعزيز النمو، كما يساعدك تغيير عقليتك إلى عقلية المرونة على اكتساب معتقدات قوية تنتشر في شركتك بأكملها.
كيفية إنشاء خريطة عمل:
تعاوَن مع المعنيين الرئيسيين عند إنشاء خريطة العمل، ومن أجل تحويل موظفيك إلى معجبين مخلصين لشركتك، فاطلب آراءهم وطبِّق أفكارهم، ومن ثم اعقد اجتماعات منتظمة لإنشاء خريطة العمل وتحسينها وتحديد متى تتحقق الأهداف، وكلِّف أعضاء الفريق بمهام مختلفة مثل إدارة المشروع وكتابة خطط العمل واتخاذ الخطوات التالية المناسبة، واسأل نفسك الأسئلة الآتية في اجتماعاتك:
1. ما هو مجال عملي؟
من المحتمل أن تكون إجابتك الأولى هي الإجابة البديهية، فأنت تعمل في مجال تطوير البرمجيات أو بناء المنازل أو تقديم الخدمات المهنية، ولكن عندما تتوقف عند هذا الحد، فأنت لم تتعمق بما يكفي؛ إذ يوجد الآلاف من الشركات التي تطور البرمجيات، وتبني المنازل، وتدير الضرائب، فما الذي يجعلك مختلفاً؟
يتسنى لك ربط عملك بشغفك، وذلك باستخدام خريطة العمل، وهو ما يمنحك في النهاية الرغبة في النجاح، على سبيل المثال، ما هو مجال عمل شركة "ستاربكس" (Starbucks)؟
سيقول معظم الناس "تجارة القهوة"، ولكن اسأل مؤسس "ستاربكس هوارد شولتز" (Howard Schultz)، ومن المرجح أن يخبرك عن رحلته إلى إيطاليا، ورأى هناك الناس يجتمعون بلهفة في المقاهي قبل العمل وبعده.
قبل أن يبدأ "شولتز" في التساؤل عن كيفية إنشاء خريطة أو خطة عمل، رأى فرصة واعدة في إنشاء مكان مريح يلتقي فيه الناس لمناقشة شؤون العمل والحياة الشخصية على حد سواء، وكانت تلك البذرة التي أنبتت "ستاربكس"، لقد كان يعلم أنَّ عمله يتعلق بتوفير تجربة فريدة، وليس فقط تقديم القهوة.
اسأل نفسك وفريقك عن التجربة التي تريد إنشاءها عند إنشاء خريطة عمل، وهل يتعلق الأمر بالمنتجات أم الخدمات أم بشيء أكبر؟
يتسنى لك تحقيق رؤيتك عندما تكتشف هدفك وتستثمره سواء كفرد أم شركة.
شاهد بالفديو: 6 نصائح تساعدك على وضع خطة عمل ناجحة
2. ما هو مجال عملي بحق؟
يفيد هذا السؤال عند إنشاء خريطة عمل؛ لأنَّه لا يدفع رب العمل إلى التفكير في شركته وحسب؛ بل في مجال العمل ككل، والأشخاص الذين يقدم لهم قيمة؛ بل إنَّه يجعلك تركز على ما يهم حقاً - العميل - ويضمن أنَّك تسعى باستمرار إلى توفير تجربة عملاء ممتازة.
في أوائل القرن العشرين، لو أدركت شركات السكك الحديدية في الولايات المتحدة أنَّها تعمل بالفعل في مجال النقل، وليس في مجال السكك الحديدية لكان بإمكانها تفادي إفلاس مجال العمل بأكمله عندما سيطرت الشاحنات على قطاع النقل؛ ويعني وجود خريطة عمل في الواقع تأطير عملك بحيث يمكِّنك من رؤية الفرص والتهديدات التي قد تغفل عنها دونها.
من الشائع أن يهتم أرباب العمل بمنتجاتهم أكثر من عملائهم، ولبناء مشروع تجاري ناجح، أو إنقاذ مشروع فاشل، يجب أن تهتم بعميلك لا منتجك؛ إذ تعني معرفة مجال عملك حق المعرفة أن يكون لديك فهم عميق وشامل لعميلك والقيمة التي تمنحه إياها، وهذا هو عامل نجاحك، الطريقة التي تقدم بها قيمة أكبر لعملائك وزبائنك أكثر من أي شخص آخر، والابتكار المستمر والاستراتيجي في مجال عملك وشركتك.
3. كيف يسير عملي الآن وكيف أريده أن يكون؟
السؤال: كيف يسير عملي؟
إنشاء خريطة العمل هو الخطوة التالية لتحقيق أهدافك العامة، وبمجرد أن تفهم كيفية المواظبة على تقديم قيمة أكبر من أي شخص آخر في السوق، فسوف تكون في وضع أفضل لتحديد مكانك الآن، وما يتطلبه الأمر للوصول إلى المكان الذي تريد أن تكون فيه.
من الضروري أن تكون واقعياً وصادقاً بشأن حالة عملك، وإذا وقعت في حب منتجك مثل شركات السكك الحديدية، فأنت حالم ولا ترى المخاطر المحدقة بعملك، وفي الوقت نفسه إذا كنت تشعر بالإحباط والعجز، فقد تعتقد أنَّ الأمور أسوأ مما هي عليه بالفعل، ولهذا السبب جزء أساسي من إنشاء خريطة عمل هو الحصول على آراء الآخرين لمساعدتك على أن تكون موضوعياً.
عندما تسأل نفسك كيف تريد أن يكون عملك، فكر فيما هو أهم من الإيرادات والأرباح والأرقام، فلا يساعدك ربط القيم والهدف بخريطة عملك على النمو وتوفير تجربة أفضل لعملائك وحسب؛ بل يضمن سعادتك وسعادة شركائك وأعضاء فريقك في مكان العمل، وكما يعلم كل قائد ناجح: لن تنجح الشركة ما لم يكن لديها فريق ملتزم ومرتبط ارتباطاً وثيقاً بقضيتها.
في الختام:
ستكتشف ما يعنيه النجاح لك وكيفية تحديد متى تحققه من خلال التأمل العميق الذي يعد جزءاً من إنشاء خريطة العمل، ويساعدك هذا الوضوح أنت وموظفوك على الحفاظ على الرغبة في تحقيق هذا النجاح المحدد والتخلص من الخوف، وتوفر خريطة العمل التفصيلية خطة واضحة لكيفية تحقيق أهدافك؛ وهذا يتيح لك إجراء تعديلات عندما لا تحقق الأهداف الصغيرة، والبقاء مرناً ضمن الإطار الأوسع لرؤيتك الشاملة.
عندما تنشئ خريطة عمل بدلاً من خطة عمل، فإنَّك تتعمق في عملك لمعرفة ما الذي يميزه، ويساعدك هذا على توفير تجربة أفضل لعملائك وأعضاء فريقك ولك، وسيكون لديك أيضاً قدر أكبر من اليقين بشأن ما يحتاج إليه عملك للنمو الآن وستكون أقدر على توجيه مؤسستك وفقاً لهذه الرؤية، والأهم من ذلك أنَّك ستفهم مجال العمل الذي يجب أن تكون فيه لتصبح القوة المهيمنة في السوق.
أضف تعليقاً