أمَّا في فصل الصيف يزداد الشعور بالسعادة والبهجة؛ لذلك يُعَدُّ الصيف الفصل الأنسب للنشاطات الاجتماعية، أمَّا في فصل الخريف يَغلُب علينا الشعور بالحنين والهدوء، فإنَّ تساقط الأوراق واختفاء الألوان يُثير لدينا مشاعرَ الحزنِ أحياناً، ويزيد ذلك الإلهام والإبداع لدى الكثيرين، وأخيراً في فصل الشتاء يزداد الشعور بالكسل والخمول نتيجة ساعات النهار والبرد القارس، ويربط بعض الأشخاص فصل الشتاء بالاكتئاب والحزن فقط، فما هو السبب؟
سوف نتحدَّث بالتفصيل أكثر في مقالنا هذا عن تأثير هذه الفصول في مشاعرنا، مع بعض النصائح للتخلُّص من المشاعر السلبية التي تصيبنا بسبب تغيُّر الفصول فتابع القراءة.
العوامل المؤثرة التي ينتج عنها تأثير تغيُّر الفصول في مشاعرنا:
إنَّ تأثير الفصول في مشاعرنا يخضع لعواملَ عدَّةٍ تؤثِّر فيها، ويمكن أن يكون هذا التأثير سلبياً أو إيجابياً، إليك أبرز العوامل:
أولاً: التركيبة البيولوجية
يُعاني بعض الأشخاص من حساسية أكبر لتغير الفصول من غيرهم، وتشمل هذه التركيبة البيولوجية على:
1. الساعة البيولوجية:
تمتلك أجسامنا ساعةً بيولوجيةً داخلية تُنظِّم إيقاعاتنا اليومية، ومن ذلك النوم والاستيقاظ والهرمونات والمزاج، وتتأثر الساعة البيولوجية في الضوء الطبيعي، وهذا يعني أن تغيُّر طول النهار خلال الفصول يؤثر في إيقاعاتنا، وقد يعاني بعض الأشخاص من اضطراب عاطفي موسمي (SAD) خلال فصل الشتاء بسبب تغيُّر الساعة البيولوجية يدخلهم في مناخ الحزن والكآبة.
2. الهرمونات:
تتغيَّر مستويات الهرمونات في الجسم خلال الفصول، وهذا يؤثر في المزاج والسلوك والطاقة، فعلى سبيل المثال يزداد إفراز هرمون الميلاتونين في فصل الشتاء، والذي يزداد في الليل وينقص في النهار، وهذا قد يؤدي إلى الشعور بالنعاس والخمول، بينما يزداد إفراز هرمون السيروتونين (هرمون السعادة) في فصل الصيف، والذي يؤدي إلى الشعور بالنشاط والحيوية.
3. العوامل الوِراثية:
تؤدِّي العوامل الوراثية دوراً هاماً في كيفيَّة تأثر الأشخاص في الفصول؛ لذلك قد يكون بعض الأشخاص أكثر عرضة للاضطراب العاطفي الموسمي من غيرهم، وقد يكون لدى بعضهم الآخر حساسية أكبر للضوء، وهذا قد يؤثر في نومهم ومزاجهم.
4. العوامل البيئية:
تؤدِّي العوامل البيئية أيضاً دوراً في كيفيَّة تأثُّر الأشخاص بالفصول، فقد يعاني الأشخاص ممَّن يعيشون في مناطق ذات شتاء بارد من أعراضِ اضطرابٍ عاطفيٍّ موسميٍّ أكثرَ من غيرهم، وقد يستمتع الأشخاص الذين يعيشون في مناطقَ ذاتِ صيفٍ حارٍّ بالنشاطات الخارجية أكثرَ في فصل الشتاء.
ثانياً: الظروف الشخصية
تُؤثر هذه الظروف مثل العمل والعلاقات الاجتماعية في تأثير تَغيُّر الفصول في مشاعرنا، فقد يستمتع بعض الناس بفصلِ الصيف وأشعة الشمس والنشاطات الخارجية، وقد يجد آخرون صعوبةً في العمل في درجات الحرارة المرتفعة، وذلك بحسب عوامل شخصية تشمل ما يأتي:
1. العمر:
عادةً يستمتعُ الأطفالُ بالنشاطات الخارجية في فصل الصيف، كاللَّعب في الحديقة أو السباحة، بينما معظم كبار السن يجدون صعوبةً في التعامل مع درجات الحرارة المُرتفِعة؛ ربَّما لأنَّهم أكثر عرضةٍ للإصابة بأمراضٍ مرتبطةٍ بارتفاعِ درجات الحرارة.
2. الصحة:
إنَّ الأشخاص ممَّن يعانون من أمراضٍ مزمنةٍ مثل أمراض القلب أو الرئة، يجدون صعوبة في التنفس في الطقس الحارِّ، أمَّا بالنسبة إلى الأشخاص ممَّن يعانون من اضطراباتٍ نفسيةٍ مثل القلق أو الاكتئاب قد تَضطَرِب حالتهم الصحية شتاءً.
3. الموقع الجغرافي:
المناطق ذات المناخ المُعتدِل لا يُلاحَظ على الأشخاص الذين يعيشون فيها تغييرات كبيرة في مزاجهم أو سلوكهم مع تغيُّر الفصول، لكن في المناطقَ ذات المناخ القاسي مثل المناطق الصحراوية أو المناطق القطبية، يعاني الأشخاص الذين يعيشون فيها من تغيُّراتٍ كبيرةٍ في مزاجهم وسلوكهم مع تَغيُّر الفصول.
4. العوامل الاقتصادية:
قد يكون لدى الأشخاص الذين يتمتَّعون بمستوى اجتماعيٍّ واقتصاديٍّ مرتفعٍ إمكاناتٌ أفضل للتعامل مع تأثيرات الطقس، مثل امتلاك مُكيِّفات هواءٍ أو القدرة على السفر إلى أماكن ذات مناخ أكثر اعتدالاً في الصيف أو الشتاء.
5. العمل:
قد تؤثر طبيعة العمل في كيفيَّة تأثر الشخص في الفصول، فعلى سبيل المثال قد يجد الأشخاص الذين يعملون في الخارج صعوبةً في التعامل مع درجات الحرارة المرتفعة في فصل الصيف أو الشتاء أكثرَ من الأشخاص الذين يعملون في مكاتب.
6. التفضيلات الشخصية:
قد يُفضِّل بعض الأشخاص النشاطات الخارجية مثل المشي لمسافاتٍ طويلةٍ أو ركوب الدراجات أو السباحة فيناسبهم الصيف والربيع، بينما يُفضِّل بعضهم الآخر النشاطات الداخلية مثل القراءة أو مشاهدة الأفلام فيناسبهم الخريف والشتاء.
شاهد بالفديو: أسباب الاكتئاب الشتوي وطرق علاجه
ثالثاً: الذكريات الشخصية
تؤدي الذكريات دوراً هاماً في التأثير في الأشخاص، وقد تُثير بعض الفصول ذكريات إيجابية أو سلبية، وهذا يُؤثِّر في مشاعرهم، ويمكن أن نقسمَ هذه الذكريات إلى عدَّةِ مجموعات:
1. الذكريات المرتبطة بالنشاطات:
قد يشعر شخصٌ ما بسعادةٍ بالغةٍ عند حلول فصل الصيف، لأنَّه يتذكَّر النشاطات المُمتِعة التي كان يمارسها في هذا الفصل مثل السباحة واللعب على الشاطئ، بينما قد يشعر شخصٌ آخر بالحزن عند حلول الصيف لأنَّه يتذكَّر النشاطات التي كان يمارسها في هذا الفصل ولم يَعُدْ بإمكانه ممارستها، وكذلك بالنسبة إلى فصل الشتاء فقد يحزن بعض الأشخاص لكونه امتنعَ عن ممارسة نشاطاته القديمة مثل المشي في الأجواء الماطرة الخفيفة والتي لم يَعُدْ بإمكانه ممارستها بسبب تقدُّمه في السِّنِّ، فخروجه في هذه الأجواء أصبح صعباً ويؤثِّر في صحته كثيراً.
2. الذكريات المرتبطة بالعلاقات:
قد يشعر شخصٌ ما بالسعادة عند حلول فصل الربيع؛ لأنَّه يتذكَّر اللحظاتِ الجميلةَ التي قضاها مع أصدقائه وعائلته، والنزهات التي كان يخرج بها والجلوس على العشب مثلاً في هذا الفصل، بينما قد يشعر شخصٌ آخر بالحزن عند حلول فصل الخريف؛ لأنَّه يتذكَّر اللحظاتِ الحزينةَ التي قضاها مع حبيبه في هذا الفصل.
3. الذكريات المُرتبِطة بالأحداث:
قد يشعر شخصٌ ما بالسعادة عند حلول فصل الصيف لأنَّه يتذكَّر حفلَ زفافِه الذي أُقيمَ في هذا الفصل، فأغلب حفلات الزفاف تقام صيفاً، بينما قد يشعر شخصٌ آخرُ بالحزن عند حلول فصل الشتاء لأنَّه يتذكَّر وفاةَ أحدٍ أفراد عائلته في هذا الفصل.
يجب التأكيد على أنَّه من الهام أن ندرك أنَّ تأثيرَ الذكريات الشخصية في مشاعرنا بالفصول يختلف من شخصٍ لآخر، فما قد يجعل شخصاً ما يشعر بالسعادة قد يجعل شخصاً آخر يشعر بالحزن، ووجب التنبيه إلى ضرورة مراعاة مشاعر الآخرين واحترامها.
إقرأ أيضاً: كيف نتقن فن إدارة المشاعر والتحكم بعواطفنا؟
بعض النصائح للتعامل مع المشاعر السلبية المرتبطة بالفصول:
يشمل التأثُّر بتغيُّر الفصول شقَّين من المشاعر؛ فإمَّا أن يكون تأثيرها إيجابياً أو سلبياً، لذلك سوف نقدِّم في مقالنا هذا بعض النصائح في حال كانت المشاعر سلبية:
- حاولْ أن تركِّزْ على الذكريات الإيجابية فقط التي تربطك بكل فصل.
- مارسْ النشاطات التي تجعلك تشعر بالسعادة.
- تواصل مع العائلة والأصدقاء دائماً واصنعْ ذكرى جميلة معهم في كل فصل.
- اطلب المساعدة من مُختصٍّ إن كنت تعاني من مشاعرَ سلبيةٍ قوية لا تستطيع التخلص منها أو التحكم بها مهما قمت بنشاطات مُسلِّيةٍ ومُفرِحةٍ.
- تذكَّر أنَّ مشاعرك هي مشاعرٌ طبيعيةٌ وأنَّك لست وحدك من يشعر ويتأثَّر بحلول فصلٍ ما.
نصائح يومية للتعامل مع التغيرات المزاجية المرتبطة بتغير الفصول:
- احصل على قسطٍ كافٍ من النوم، فيُساعد النوم على تحسين الحالة المزاجية ويحافظ على الصحة الجسدية والعقلية.
- تناوَل الطعام الصحي الذي يساعد على تحسين الحالة المزاجية بتوفير الطاقة اللَّازمة للتغلُّب على المشاعر السلبية.
- مارِس الرياضة باستمرار، فتُعزِّز التمرينات الرياضية إفراز هرمونات السعادة وتحسِّن الحالة المزاجية وتُقلِّل التوتر وخصوصاً إذا مورِسَت في الهواء الطلق، فيزيد التَّعرُّض لأشعة الشمس المشاعر إيجابية بسبب تنظيم الساعة البيولوجية لدينا.
- التواصل الاجتماعي مع الآخرين باستمرار، فيُعزِّز الجلوس مع العائلة والأصدقاء ومع أشخاص مقرَّبين منَّا الشعورَ بالانتماء، فيُعطينا السعادة والدعم الكافي للتخلُّص من أيِّ مشاعرَ سلبية.
في الختام:
نلاحظ أنَّ مزاجنا يتأثَّر تأثُّراً كبيراً بتغيُّر الفصول، وهذا الأمر طبيعي فلكلِّ فصلٍ خصائص فريدة من نوعها تؤثِّر في هرموناتنا وكيمياءِ الدماغ لدينا، وهذا ينعكِس على مشاعرنا وسلوكنا، وهذا السبب بأنَّ شخصاً يفضِّلُ فصلَ الشتاء ويشعر بالحنين إلى ذكريات مُعيَّنةٍ عند هطول المطر، وآخر يَشعُر بسعادةٍ عارمةٍ عندما يتمدَّدُ على العشب الأخضر في فصل الربيع والشمس الدافئة تعلو سماءه، في حين يكره آخرون حرارة الصيف المرتفعة التي لا يمكن تحمُّلها.
وضَّحنا في مقالنا أنَّ تأثُّر الشخص بالفصول يعتمد على مجموعةٍ من العواملِ الشخصية، ومن ذلك العمر والصحة والموقع الجغرافي والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والتفضيلات الشخصية، وللسيطرة على المشاعر السلبية يمكن أن نتَّبعَ بعض النصائح والخطوات، كالقيام بنشاطات مُسلِّيةٍ وعَيش ذكريات سعيدة في كلِّ فصلٍ.
أضف تعليقاً