إضافة إلى أنَّنا أصبحنا لا نحمل أموالنا في حقائبنا؛ بل نكتفي ببطاقة واحدة نستطيع من خلالها الدفع وشراء ما نريد، وغيرها كثير من الأمثلة عن التكنولوجيا ومدى انخراطها الكبير في عالمنا، نكاد نكون كالعبيد لها، ونتكل عليها في كل شيء؛ في عملنا ونومنا وراحتنا ورياضتنا وحتى حمامنا، حتى بات الكسل والاتكالية صفة تميز إنسان القرن الواحد والعشرين.
إنَّ للتكنولوجيا آثاراً عظيمة عديدة في البشرية، هي عظيمة في إيجابياتها، وعظيمة أيضاً في سلبياتها، لكن تختلف في تأثيرها بحسب الفرد وطريقة معاملته لها، وهنا سنتعرف معاً إلى تأثير التكنولوجيا في البشرية والعالم؛ لذا تابعوا معنا.
تأثير التكنولوجيا في البشرية:
سابقاً كان الإنسان يعتمد عقلَه في كل شيء؛ فكان واسع الذاكرة، وسريع الحفظ والتعلم، ويجرب ويخفق ويعيد الكرَّة حتى ينجح، والتكنولوجيا كانت نتيجة السعي والجهد والتجربة والفشل.
كان يتذكر الأرقام وكل ما يقرؤه من كتب وما يسمعه من كلام، وكان كثير الحركة والنشاط، ويعمل بلا كلل أو ملل، إلى أن جاءت التكنولوجيا وتسهيلاتها وجعلت منه شخصاً كسولاً ويحصل على ما يريد بنقرة واحدة.
في عصور ما قبل التكنولوجيا لم يكن للمعلومات والأخبار أيَّة مصادر موثوقة، فكانت تنتقل بقيل عن قال، وسمع عن سمع، وكانت تستغرق وقتاً طويلاً للتأكد منها أو البحث عنها، أمَّا الآن أصبح بالإمكان الحصول على كافة المعلومات والأخبار من مصادر موثوقة ومثبتة بسرعة وشفافية بمجرد البحث الصحيح عنها على الإنترنت.
نحن هنا أمام أثرين إيجابي وسلبي؛ فالإيجابي هو أنَّ التكنولوجيا قد سهلت التعلم الصحيح والحصول على المعلومات الدقيقة، والسلبي هو أنَّها جعلت الإنسان لا يبذل جهداً يُذكَر ولا يستغل عقله وقدرته على نحو كافٍ للتجربة والبحث والسعي للحصول عليها.
فيما مضى كان الناس يوثِّقون ماضيهم بالرسم على الجدران والنقش على الحجار والنحت وتخليد ذكرياتهم بطرائق بدائية مختلفة، أمَّا في عصر التكنولوجيا أصبحنا نوثِّق ذكرياتنا وتفاصيل حياتنا كلها بصور رقمية ومقاطع فيديو وتسجيلات صوتية ونحملها معنا أينما ذهبنا، كما يمكننا تخليدها وتوريثها للأجيال القادمة بكل بساطة.
سهلت التكنولوجيا الانفتاح على العالم الخارجي والثقافات الأخرى وعملت على تطوير الشعوب فكرياً، فأصبح العالم كله قرية صغيرة، وأبعد قارة تستطيع الوصول إليها بأسرع وقت من خلال الطائرة.
تشارك الناس بالتكنولوجيا وجهات النظر والآراء وكشفت كثيراً من الأسرار التي كانت تختبئ في الظلمات من عنصرية وتشدد وظلم وحروب، فعمدت على إخماد بعضها وإشعال غيرها، وهنا كان لها تأثيران؛ أحدهما إيجابي والآخر سلبي كما هو واضح، لقد أوصلتنا التكنولوجيا إلى القمر والمريخ وتعرفنا إلى الفضاء وإلى نشأة الكون، وتبين أنَّنا مجرد حبة رمل داخل محيطٍ من المجرات.
ساعدت التكنولوجيا على تحسين نوعية الحياة والصحة؛ فهي الآن عماد الطب والأبحاث العلمية، وكل شيء قائم عليها من الصناعات الدوائية والأبحاث والتجارب الطبية والعمليات الجراحية والتحاليل المخبرية والصور الشعاعية وكافة الإجراءات التشخيصية، وبفضلها عالجنا أمراضاً كانت في السابق مستعصية، وأمراضاً أخرى على الرغم من بساطتها في هذا العصر فقد كانت سابقاً قاتلة، وما زال التطور مستمراً.
إيجابيات التكنولوجيا:
1. الاتصال:
إنَّه لأمرٌ مضحك ومثير للسخرية كيف أنَّنا نشكو دائماً من مدى انفصالنا عندما سمحت التكنولوجيا بالاتصال من نواحٍ كثيرة، فقد واجهت تطبيقات الوسائط الاجتماعية على وجه الخصوص كثيراً من الانتقادات على مر السنين بقضايا مثل التنمر وإضاعة الوقت وعدم كونها حقيقية مثل التفاعل وجهاً لوجه، لكن دون هاتف ووسائل التواصل الاجتماعي كيف يمكنك إجراء محادثة فورية مع صديقك من الخارج؟ كيف يمكنك إجراء مكالمة فيديو مع والديك؟ ماذا عن كل قصص الحب التي حدثت من تطبيقات المواعدة؟
شاهد بالفيديو: إيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي
2. الصحة:
لدينا سبب يجعلنا نعيش لفترة أطول؛ وذلك لأنَّ خدماتنا الصحية أصبحت أفضل من أي وقت مضى، فمن أين نبدأ؟ من متتبِّعات اللياقة البدنية على ساعات Apple إلى الطب وزراعة الأعضاء، لن تكون إمكانات الرعاية الصحية اليوم في أي مكان دون التكنولوجيا.
لقد قمنا بتحسين مرافق الرعاية الصحية وأنظمتها، وسلامة المرضى، والأدوية وحلول أفضل، فضلاً عن تقليل الأخطاء، كان هناك كثير من التطورات في المجالات الطبية مثل التكنولوجيا الحيوية والأدوية والمعدات، كما يقوم العلماء والأطباء بتجربة الطباعة ثلاثية الأبعاد لأجزاء الجسم.
3. المال:
هل يمكنك تخيل الحياة دون الخدمات المصرفية عبر الإنترنت؟ انتظر، ماذا عن الحياة دون بطاقة خصم أو ائتمان؟ لا يوجد ممر دفع، فقط نقداً وكلما أردت إجراء سحب كان عليك الانتظار في طابور في البنك في كل مرة، هذا جانب من جوانب حياتك ربَّما لا تلاحظه دائماً؛ لكنَّك تستخدمه كل يوم تقريباً إن لم يكن عدة مرات في اليوم.
ماذا عن التسوُّق عبر الإنترنت؟ قد يكون الأمر مهلكاً لحساباتنا المصرفية في بعض الأحيان، لكن بساطة امتلاك الآلاف من الملابس والأحذية والطعام ووسائل الراحة، أي شيء تريده في متناول يدك من أي مكان في العالم يجعل الحياة أسهل، فيمكنك العثور على أفضل الصفقات، وإجراء تحويلات أكثر أماناً وبيع أغراضك الخاصة، كل ذلك بنقرة زر واحدة، أو في معظم الأحيان مسح بصمة إصبعك.
4. الإنترنت:
ماذا سنفعل دون محركات البحث مثل Baidu أو Google؟ ماذا عن جميع رواد الأعمال والوظائف والشركات التي لم تكن لتوجد اليوم لولا الإمكانات التي يوفرها الإنترنت؟ إنَّه متجر كتب وقناة إخبارية ومكان للتواصل الاجتماعي ومركز تسوق وملاذ للموارد، يمكنك الإعلان عن المنتجات وتتبعها وبيعها، ذلك كله في مكان واحد، ناهيك عن تحسين أنظمة التعليم لدينا إلى حدٍّ كبير، يمكن للطلاب الوصول إلى كثير من المعلومات ويمكنهم تعلم الأشياء بسرعة وكفاءة أكبر، ويمكنك إجراء دورات عبر الإنترنت والتعاون عن بُعد مع زملائك في الفصل واستكشاف مواد البحث والأرشيف التي لا يمكنك الوصول إليها بطريقة أخرى.
5. تخزين البيانات:
في الماضي كان كل شيء يتم من خلال حفظ البيانات يدوياً في الخزانات، فكل قطعة من الورق كانت هامة وإذا فقدتها فهذا أمر سيئ للغاية؛ لأنَّه لا توجد طريقة يمكنك من خلالها عمل نسخة منها، يمكنك قضاء عمر كامل في البحث عن الشيء المحدد الذي تحتاج إليه، أمَّا الآن ما عليك سوى القيام ببضع نقرات على جهاز كمبيوتر، ويمكن البحث فيه بسهولة ويمكن نسخه احتياطياً على محركات أقراص صلبة خارجية أو على السحابة.
لقد مكَّنت التكنولوجيا مستويات الإنتاجية لدينا من أن تكون أعلى بكثير، إضافة إلى القدرة على العمل عن بُعد والتعاون في مكان العمل والجامعة.
تأثير التكنولوجيا السلبي في البشرية والعالم:
لكل شيء جانب جيد، لكن من الطبيعي أن يحمل جانباً سيئاً، وللتكنولوجيا آثار سلبية جمة في البشرية والعالم تعادل آثارها الإيجابية أو تزيد، ومن بين هذه الآثار ما يأتي:
1. التأثير السلبي للتكنولوجيا في الإنسان:
زادت التكنولوجيا من كسل الإنسان واتكاليته فأصبح كثير الخمول وقليل الحركة والنشاط، كل شيء في متناول يده، لا رياضة ولا مشي حتى إن كان ذاهباً إلى عمله فهو يستقل سيارته أو المواصلات العامة.
كل شيء حاضر بكبسة زر، من طعام وشراب وتسوق ومتعة ولعب، فقد استبدلنا لعب الكرة في الملعب بلعبها على أجهزة البلايستيشن، والخروج مع الأصدقاء ببرامج المحادثة ومواقع التواصل الاجتماعي، والطعام الصحي المعد بالمنزل بالطعام الجاهز والسريع غير الصحي، وغيرها كثير.
كثُرت المشكلات الصحية المرتبطة بنمط الحياة الخامل من سمنة مفرطة، وسكري ومشكلات القلب والأوعية الدموية، ومشكلات العمود الفقري، وضعف البصر والسهر وقلة النوم وغيرها كثير.
كما ارتفعت معدلات الاضطرابات والأمراض النفسية كثيراً من قلق واكتئاب، وزادت حالات الانتحار كثيراً، كان معظمها بسبب مواقع التواصل الاجتماعي ممَّا تحمله بين صفحاتها من تنمر وتفاوت طبقي اجتماعي وحقائق مرعبة وعوالم مزيفة مختلفة عن الواقع تماماً.
لقد ارتفعت حالات العزلة الاجتماعية، فبات معظمنا يمضي أغلب أوقاته وراء الشاشات، ويبتعد عن حياته وعائلته وأصدقائه ويهمل ما هو حقيقي ويتبع ما هو مزيف؛ فأمست الاجتماعات العائلية وأمسيات الأصدقاء عبارة عن تماثيل تحمل بين أيديها هواتف محمولة فقط، وغيرها كثير من الآثار السلبية للتكنولوجيا في الإنسان لا يسعنا حصرها جميعها هنا.
2. التأثير السلبي للتكنولوجيا في البيئة:
التكنولوجيا هي أدوات وكل أداة تحتاج إلى صناعة معينة لتطبيقها؛ لذا يمكننا القول إنَّ التكنولوجيا قد أسهمت إلى حدٍّ كبير في تلوث الأرض.
سابقاً كان الإنسان يعيش مندمجاً مع الطبيعة يستفيد منها ويفيدها بمبدأ تبادل المنفعة، إلى أن بدأ التطور الصناعي يظهر، عندها أصبح الإنسان يستنزف الطبيعة من كافة مواردها ويسيء إليها ويدمرها.
شاهد بالفيديو: 8 حلول للحد من ظاهرة التلوث البيئي
تسببت المرحلة الجديدة من التطور التكنولوجي بإلحاق ضرر فادح على الطبيعة ومواردها الرئيسة، ومنها:
1. لوَّثت التكنولوجيا الهواء:
الصناعات التكنولوجية تنشر جميع أنواع الغازات السامة في الهواء؛ ممَّا أدى إلى تلوث الغلاف الجوي وانتشار كثير من الأمراض، وتأثر كل من البشر والحيوان والنبات.
2. لوَّثت التكنولوجيا الماء:
المخلفات الكيميائية والصلبة من المصانع والصرف الصحي وغيرها كلها تصب في البحار أو الأنهار؛ ممَّا أدى إلى تلوثها وتأثر كل المستفيدين منها وموت العديد من الكائنات التي تعيش فيها.
3. دمَّرت التكنولوجيا الغابات:
كان الناس يقطعون الغابات ويخلونها لبناء المصانع مكانها أو للاستفادة من أخشابها في الصناعات، فدمروا المواطِن الطبيعية للحيوانات وتسببوا في موتها أو هجرتها أو حتى في انقراض بعضها.
4. التلوث بالضجيج بسبب التكنولوجيا:
لم نعد ننعم بالهدوء في هذه الحياة التي يملؤها الصخب، لا نسمع تغريد العصافير ولا حفيف الأشجار ولا خرير المياه، وباتت الأصوات مقتصرة على ضجيج الازدحام والمركبات والطائرات والمصانع وغيرها من الأشياء المزعجة التي تضر بكل الكائنات الحية جميعاً.
في الختام:
نلاحظ تأثيرات لا حصر لها للتكنولوجيا في البشرية على وجه الخصوص والأرض عموماً، وقد اكتفينا بذكر بعض التأثيرات الأساسية الإيجابية منها والسلبية التي أثرت وما زالت تؤثر في حياتنا وصحتنا وصحة كوكبنا، ويجب علينا العمل على وضع حلول مفصلية للحد من أخطارها حتى لا نصل إلى طريق ندم مسدود ولا رجعة منه، فينطبق علينا القول إنَّ الإنسان أخطر كائن على قيد الحياة.
أضف تعليقاً