ومع ذلك، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مثل "إنستغرام" (Instagram) و"فيسبوك" (Facebook) و"سناب شات" (Snapchat) وغيرها، أجزاءً أساسيةً من حياتنا اليومية، لدرجة أنَّ بعضنا توقف عن التساؤل: "هل هذا في الواقع شيءٌ جيد؟".
حسناً، بعد 10 سنوات من التفاعلات الاجتماعية والعلاقات عبر الإنترنت، أصبحت لدينا بياناتٌ كافيةٌ للإجابة عن هذا السؤال؛ إذ تبيَّن أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي في شكلها الحالي تملك تأثيراً سلبياً بالمحصلة في المجتمع.
ومع ذلك، لا يمكننا استبعاد حقيقة أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون إيجابيةً إذا استُخدمت استخداماً صحيحاً، وفي هذا المقال، نناقش العلم وعلم النفس اللذين يقودان هوسنا بوسائل التواصل الاجتماعي، ومن ذلك ماهية الخطأ فيه، والأهم من ذلك، ما يمكننا القيام به لإصلاح هذا الهوس.
العلم وعلم النفس فيما يخص وسائل التواصل الاجتماعي:
لطالما كان لوسائل التواصل الاجتماعي مناهضوها، ومع مرور الوقت، تضاءل عدد هؤلاء الأشخاص بسرعةٍ نحو الصفر، وذلك حتى الآن، وفي الآونة الأخيرة، تحدَّث عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي المؤثِّرون، مثل المديرين التنفيذيين السابقين في شركة "فيسبوك" (Facebook) "شون باركر" (Sean Parker) و"شامات باليهابيتيا" (Chamath Palihapitiya)، ضد وسائل التواصل الاجتماعي وتعلُّق المجتمع بها؛ إذ يزعم هؤلاء أنَّ وظيفة شركات وسائل التواصل الاجتماعي والشركات القائمة على الويب عموماً، لا تقود إلى مجتمعٍ أفضل؛ بل تجعلك أكثر إدماناً لتطبيقاتهم أو تجاربهم.
وهو ما يُعَدُّ أمراً منطقياً؛ إذ إنَّ الدافع الأساسي للشركات الحديثة تعزيز القيمة المُقدَّمة إلى المساهمين، مع وجود دوافع أخرى تكاد لا تُذكر، واستجابةً لذلك، أصبحت شركات وسائل التواصل الاجتماعي مهووسةً بعلم النفس البشري، وتبحث عن طرائق لزيادة متوسط طول جلسة المستخدم والاستخدام الإجمالي له؛ ونتيجةً لذلك، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تسبب الإدمان، ومن المفارقات أنَّها تسبب الهوس الذاتي والافتقار إلى الفردانية.
فيما يأتي نناقش 5 تطورات نفسية رئيسة سببتها وسائل التواصل الاجتماعي.
1. كيف يمكن أن تسبب وسائل التواصل الاجتماعي الإدمان؟
يُعَدُّ الهدف من شركات وسائل التواصل الاجتماعي، زيادة الوقت الذي تقضيه في أنظمتها البيئية من خلال التأثير في فيزيولوجيا الإنسان؛ إذ إنَّ البشر كائناتٌ تشبه بقية الكائنات، ومثل جميع الثدييات الأخرى، لدينا آليات كر وفر متأصلةٌ في أدمغتنا بشكل ناقلات عصبية - من بين أمور أخرى - وتُطلَق هذه الناقلات العصبية في أوقات الحاجة الماسة إليها؛ وهذا يساعدنا على التركيز أو القتال أو الفرار كلما لزم الأمر.
على سبيل المثال، يمكنك التفكير في الدوبامين على أنَّه "آلية للكر والفر"، فعندما يُطلَق الدوبامين في الدماغ، فإنَّه يجعلنا نركز تركيزاً حاداً؛ وهذا يمنحنا الدافع ويساعدنا على تقييم المواقف بسرعة؛ لذا ليس من المستغرب أن يزيد الكوكايين من إفراز الدوبامين في الدماغ، فإنَّ ما عرفته شركات وسائل التواصل الاجتماعي هو أنَّ الدوبامين أيضاً ناقلٌ عصبي "للرغبة"؛ أي إنَّه يزيد من مشاعر الرغبة ويؤثر في مراكز المكافأة والمتعة في أدمغتنا.
لا يقف الأمر عند ذلك الحد؛ إذ إنَّنا نملك أيضاً مادةً كيميائيةً في دماغنا تسمى "الأوكسيتوسين"، وهي "مادةً كيميائية تُفرَز عند العناق"، ويمكن القول إنَّها تمنحنا الشعور بالمتعة عندما نتواصل جسدياً أو عاطفياً مع شخصٍ ما، وعندما يُطلَق الأوكسيتوسين في دماغنا، فإنَّه يجعلنا أكثر ثقةً وتعاطفاً، وبالنهاية أكثر ارتباطاً بأولئك الذين نتفاعل معهم.
إذاً، ما الذي فعلته شركات التواصل الاجتماعي المعلومات؟ حسناً، لقد بنوا منصاتهم بحيث تزيد مستويات الدوبامين والأوكسيتوسين في الدماغ، ومرةً أخرى، مَن يمكن أن يلومهم عندما يتطورون على أساس النمو وليس الوعي الاجتماعي؟ ومع ذلك، فإنَّ المفارقة هي أنَّ الدوبامين والأوكسيتوسين يأتيان على شكل جرعات تتدفق في أوقاتٍ محددة، فهما لا يحافظان على استمراريتهما؛ ونتيجةً لذلك، أصبحنا أكثر إدماناً لهذه الجرعات، فنعود ونستخدم هواتفنا الجميلة مراراً وتكراراً للحصول على جرعةٍ أخرى.
يمكن لمنصات التواصل الاجتماعي القيام بذلك من خلال الغموض المنظَّم (planned unpredictability)، والتدفق المستمر للمعلومات، والمكافآت الذهنية مثل الإشعارات؛ ونتيجةً لذلك، وجدنا أنَّ الأوكسيتوسين يمكن أن يرتفع بمقدارٍ يصل إلى 13%، وهي النسبة نفسها التي يشعر بها الكثيرون في يوم زفافهم، والآن، فكِّر فيما سيحدث إذا تمكنت من إعادة يوم زفافك وجميع المشاعر التي صاحبت ذلك، مراراً وتكراراً، وقتما تشاء، عن طريق تسجيل الدخول إلى التطبيق في هاتفك فحسب.
2. تكوين عاداتٍ على أساس الإدمان:
تتمثل النتيجة بأن تصبح مدمناً سريعاً على تلك المستويات العالية من الدوبامين والأوكسيتوسين؛ أي بعبارةٍ أخرى، تلك المشاعر من الابتهاج والفرحة، وتظهِر الدراسات الحديثة أنَّه يمكن أن يكون تجاهل إشعارات موقع "تويتر" (twitter) أصعب من تفويت تدخين سيجارةٍ؛ لذلك، وتماماً مثل الكوكايين، يستمر الناس في العودة للحصول على جرعةٍ أخرى على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن يعود الدوبامين والأوكسيتوسين إلى المستوى الطبيعي.
ومع ذلك، يُعَدُّ ما ذكِر نصف المشكلة فقط؛ لأنَّنا جميعاً نعلم أنَّه مع مرور الوقت، يصبح من الصعب أن تبلغ مرحلة النشوة؛ إذ تزداد مقاومة جسمك لتأثير المواد الكيميائية، فما هو الخطأ الذي ارتكبه؟ أنت تقوم بتفقد وسائل التواصل الاجتماعي مرتين في كثيرٍ من الأحيان لتحصل على الشعور نفسه، فانظر نحو المستقبل بعد بضع سنوات، وستدرك أنَّه من السهل معرفة سبب تفقُّدك هاتفك أكثر من 100 مرة في اليوم، ومن الأسهل معرفة سبب اعتقاد الناس أنَّه أمر طبيعي ومقبول تماماً.
أصبحت هذه العادات القائمة على الإدمان منتشرةً في مجتمعنا، لدرجة أنَّ الباحثين في النرويج ذهبوا إلى أبعد من ذلك، ليتوصلوا إلى مقياسٍ نفسي ريادي لتحديد الإدمان على موقع "فيسبوك" (Facebook)، ويسمى "مقياس بيرغن للإدمان على فيسبوك" (Bergen Facebook Addiction Scale)؛ إذ يحتوي هذا المقياس على ستة مدخلاتٍ تتراوح من الشعور بالحاجة إلى استخدام "فيسبوك" (Facebook) أكثر فأكثر، إلى استخدامك "لفيسبوك" (Facebook) كثيراً؛ وهذا يكون له تأثير سلبي في وظيفتك أو دراستك، ويوجد احتمال كبير بأنَّ معظمنا سيفشلون في هذا الاختبار.
3. كيف تسبب وسائل التواصل الاجتماعي الهوس بالنفس؟
فضلاً عن الإدمان الذي تتسبب به منصات وسائل التواصل الاجتماعي، فإنَّها تجعلنا مدمنين على الشعور بالذات أيضاً؛ إذ تسببت وسائل التواصل الاجتماعي في نشوء عصر الهوس بالذات، فأصبحت رؤية وجه شخصٍ ما على تطبيق "إنستغرام" (Instagram) شيئاً طبيعياً تماماً؛ إذ أضحى التقاط صورٍ لنفسك بجانب شخصٍ أو مكانٍ أو شيءٍ ما، أكثر أهميةً من تجربتك مع الشخص أو المكان أو الشيء بحدِّ ذاتها.
تمعَّن في الأمر؛ فقد أصبحنا الآن أكثر هوساً بإظهار الشخصيات الذين نظن أنَّها تمثل حقيقتنا، بدلاً من الهوس باكتشاف مَن نكون نحن فعلاً؛ على سبيل المثال، يتحدث الناس عادةً عن أنفسهم في 30% - 40% تقريباً من الوقت في أيِّ محادثةٍ معيَّنة.
ومع ذلك، عندما تجري نفس هذه المحادثات عبر الإنترنت، يتحدث الناس عن أنفسهم بنسبةٍ تصل إلى 80% من الوقت أو أكثر؛ لذلك في حين أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون بمنزلة أداةٍ رائعةٍ تربط الناس بعضهم ببعض، فإنَّنا بدلاً من ذلك نقضي معظم وقتنا في الحديث عن أنفسنا، والقليل من الأمور الأخرى.
عندما نستقرئ ونبحث في الأمر، نبدأ بفهم لماذا يبدو الناس أكثر تركيزاً على الأنا في الوقت الحاضر؛ وذلك لأنَّنا تعلمنا وتدربنا من خلال منصات التواصل الاجتماعي أنَّ التحدث عن نفسك هو أفضل ما يمكنك فعله، ونقول لأنفسنا إنَّ الجميع يفعل ذلك، فلِم لا نفعل ذلك نحن أيضاً؟ من ناحيةٍ أخرى، عندما تنخفض المعدلات التاريخية من التركيز على الآخرين بنسبة 60% من الوقت إلى 20% أو أقل، فإنَّها تسبب تدهور أساس معنى الإنسانية، الذي يتجلَّى في صورة إنسان يعمل من أجل المصلحة العامة ويضع الآخرين في الحسبان.
شاهد بالفيديو: سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي
4. صورة "السيلفي" اضطراب نفسي:
خذ صورة السيلفي على سبيل المثال، فقد عدَّت الرابطة الأمريكية للطب النفسي (APA) رسمياً صورة السيلفي اضطراباً ذهنياً؛ إذ إنَّهم يقولون إنَّ صورة السيلفي هي غالباً رغبة قهرية ووسواسية في تصوير نفسك بأفضل شكل في الحياة، والتستر على تدنِّي احترام الذات والفجوات في الألفة والمودة؛ فإنَّ ما يعنيه هذا، أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن كونها هاجساً ذاتياً يبعد تركيزنا عن المجتمع، باتت تطيل أيضاً مشاعر النقص وتثبط النزعة الفردية بنهاية المطاف.
5. كيف تثبط وسائل التواصل الاجتماعي الفردانية؟
لكي تفهم بالضبط كيف تثبط وسائل التواصل الاجتماعي الفردانية، عليك أولاً أن تفهم الجزء من الدماغ المسمى بـ "الموصل الصدغي الجداري" (TPJ)؛ إذ إنَّ الموصل الصدغي الجداري هو جزء من الدماغ يكون نشطاً عندما يقرر الناس فيما إذا كانوا يرغبون في مشاركة شيءٍ ما على وسائل التواصل الاجتماعي أم لا.
لقد اكتشف باحثون في جامعة كاليفورنيا أنَّه عند فحص الموصل الصدغي الجداري، تبيَّن أنَّه كان من المرجح أن يشارك الناس شيئاً ما على وسائل التواصل الاجتماعي بصرف النظر عن كونه ممتعاً بالنسبة إليهم، لمجرد أنَّهم ظنوا أنَّ الآخرين قد يستمتعون به.
هذه ليست بأخبار جديدة ومفاجئة؛ فبالطبع لن يشارك شخص ما شيئاً ما إلا إذا ظنَّ أنَّ أصدقاءه ومتابعيه سيستمتعون به، ومع ذلك، وبفضل العقل الجمعي، أدت هذه الحقيقة البسيطة إلى انعزال المرء في بيئة لا يسمع فيها إلا الآراء التي توافق آراءه، كونها مليئة بأشخاص لا يفكرون في أنفسهم؛ ذلك لأنَّ الناس بطبيعتهم ينتظرون حتى يقفز شخصٌ آخر قبل أن يقفزوا بأنفسهم، وهذا دليلٌ اجتماعي يتمثل بانتظار المصادقة والتقدير من قبل الآخرين قبل الالتزام بأيِّ إجراء.
لذلك، فإنَّنا ننتظر رؤية ما ينشره الآخرون على وسائل التواصل الاجتماعي، ليحدد الموصل الصدغي الجداري الأشياء التي نشاركها، والتي نفترض أنَّها ما يريد الآخرون رؤيته؛ والنتيجة أنَّه مع مرور الوقت، عندما نتحقق من صحة ما يشاركه الآخرون من خلال مشاركة أجزاء مماثلة من المعلومات تؤكد صحة ما نشاركه، فإنَّنا ننشئ فقاعة وسائط اجتماعية تشبه إلى حدٍّ كبير حالة "الدجاجة أو البيضة" ونطبقها على أيِّ شيء، حتى الصور الشخصية التي نلتقطها أصبحت تتأثر بالدليل الاجتماعي للآخرين، وبذلك أصبح هوسنا الذاتي يفتقر - لسخرية الواقع - إلى الفردانية.
المشكلات الخمس الرئيسة في وسائل التواصل الاجتماعي:
لقد حددنا الأسباب العلمية وراء علم نفس وسائل التواصل الاجتماعي لدينا، وعلى وجه التحديد، هناك خمس مشكلات رئيسة في وسائل التواصل الاجتماعي وكيف تؤثِّر فينا نفسياً وعاطفياً، والنتيجة المشتركة لهذه المشكلات، هي أنَّ نسيج المجتمع نفسه والطريقة البسيطة التي نتفاعل بها مع بعضنا بعضاً تتغير تغيراً سلبياً:
1. تضعِف وسائل التواصل الاجتماعي الحوار:
أنا متأكد أنَّ الأشياء التي في رأسك والأشياء التي تقولها خلف الكواليس تختلف كثيراً عن الأشياء التي تقولها في الأماكن العامة؛ فقد تعاتب رئيسك في العمل على انفراد وتتصرف مثل أفضل صديق له في الأماكن العامة؛ إنَّه أمرٌ طبيعي جداً، ومع ذلك، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، وضعنا الآن شاشةً بين الأشخاص عندما يريدون التحدث؛ نحن نجرِّد المحادثة من إنسانيتها.
ونتيجةً لذلك، يكون الناس أكثر استعداداً وأكثر احتمالاً لقول أشياء مؤذية وتوجيه تهديدات فارغة، فما عليك سوى إلقاء نظرة على التعليقات في أيِّ مقال أو صورة أو جزء من محتوى رقمي؛ إذ إنَّ معظم الحوارات تكون على الأرجح بين أشخاصٍ يتبادلون الإساءات، ويحاولون الحط من مستوى الشخص الذي أنشأ المحتوى، فضلاً عن التعرض لغيرهم من المعلقين.
وهذا يختلف كثيراً عمَّا كان عليه الأمر من قبل، عندما كان عليك أن تنظر في عين شخصٍ ما عندما كنت تناديه بالقبيح أو تخبره أنَّك تريد النيل منه - لا سمح الله - ولم يعد الأمر كذلك في يومنا هذا؛ إذ يمكننا الآن الاختباء خلف حساباتنا الشخصية على "تويتر" (Twitter) و"فيسبوك" (Facebook)، لنطلق على الأشخاص مختلف الأوصاف كالفاسقين أو البلهاء، بينما نحن جالسون على أريكتنا المريحة.
2. تَحُدُّ وسائل التواصل الاجتماعي التنوع:
كما ذكرنا آنفاً، تنشئ وسائل التواصل الاجتماعي غرف تكتلاتٍ اجتماعية، وهذه التكتلات بحكم التعريف، مليئةٌ بالأشخاص ذوي التفكير المماثل الذين يشاركونك كثراً من معتقداتك، وعلى الأرجح لديهم تجارب وخلفيات حياتية مماثلة؛ ونتيجةً لذلك، تتسبب وسائل التواصل الاجتماعي بانخفاض التنوع، على الرغم من أنَّ المجتمع العالمي أصبح أكثر ارتباطاً من أيِّ وقت مضى.
بدلاً من التفاعل مع شخصٍ لديه أفكارٌ متعارضةٌ، وإجراء نقاشٍ مفعمٍ بالحيوية يوسِّع به كلٌّ منكما نظرته إلى العالم، نحن الآن نتحقق وحسب من صحة نظام معتقداتنا الضيق مع الآخرين الذين لديهم معتقدات ضيقة أيضاً، وفي الوقت الذي يجب أن يؤدي فيه العالم المتصل إلى مزيدٍ من التنوع، فإنَّه يتسبب في انخفاضٍ في كلٍّ من التنوع والتفكير المستقل.
3. تسبِّب وسائل الإعلام الاجتماعية الإدمان عن عمد:
لا ريب في أنَّ الهدف من أيِّ عملٍ ربحي هو النمو ورفع قيمة العائد للمساهمين، وبعد أن تصبح الشركة عامة، يُقاس هذا الهدف باستخدام أسعار الأسهم وعائد السهم؛ لهذا السبب، تحاول شركات وسائل التواصل الاجتماعي بنشاطٍ إنشاء تجربةٍ مسببةٍ للإدمان عن عمد، وهذا ليس خطأهم.
إذا كنَّا نتوقع أن تنمو الشركات كل ربع سنة، فماذا يتعين على منصة "فيسبوك" (Facebook) أن تفعله أيضاً؟ بالطبع سيجد "تويتر" (Twitter) طرائق لزيادة طول الجلسة وقاعدة المستخدمين الإجمالية، وما من طريقة أفضل من استهداف مراكز المتعة في الدماغ لتحقيق ذلك.
4. تعزِّز وسائل التواصل الاجتماعي المماطلة:
نتيجةً لإدماننا وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح البشر غير منتجين من حيث العمل العميق، وبدلاً من ذلك، أصبحنا نختار قضاء أوقات عدم الإنتاجية، حاضرين جزئياً في مهامنا بينما نتصفح موجز الأخبار على "فيسبوك" (Facebook) بإبهامنا، والنتيجة أنَّنا ننجز عملاً أقل، ناهيك عن أنَّنا نمنح وقتاً واهتماماً أقل للعمل الذي يستحق.
فلِم قد تجلس وتبدأ التزامك التالي، بينما يمكنك التحقق من حساب "تويتر" (Twitter) الخاص بك لتتفقد وجود أيِّ إشعاراتٍ جديدة، ما دمت ستُكافأ بالدوبامين والأوكسيتوسين؟ وهما شيئان تفتقر إليهما وظيفتك.
شاهد بالفيديو: 6 فوائد لترك مواقع التواصل الاجتماعي
5. تزيد وسائل التواصل الاجتماعي من الشعور بعدم الكفاءة:
تُعَدُّ وسائل التواصل الاجتماعي فرصةً نرغب جميعاً في استغلالها لتصوير أنفسنا بأفضل ما لدينا؛ إذ تتعلق أخبار مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بنا بأشخاصٍ جميلين يسافرون حول العالم، ويبدو أنَّهم يعيشون الحياة التي نريدها جميعاً في أعماقنا، ونتيجةً لذلك، نقارن قصة حياتنا بشكلٍ أساسي عن طريق تسليط الضوء على حياة شخصٍ آخر؛ لذا ينبغي ألَّا تثير دهشتك معرفة أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي تزيد من مشاعر النقص عندما ننظر عبر الإنترنت ونرى حياةً مثالية واحدةً تلو الأخرى من دون أن نملك حياةً مشابهة.
وجدت دراسةٌ نُشرت على موقع "بلوس" (PLOS) أنَّ "فيسبوك" (Facebook) يمكن أن يؤدي إلى انخفاضٍ في مستوى الرفاهية الذاتية، فهو يمكن أن يقلل من الرضى العام عن الحياة وكذلك السعادة اللحظية، والأسوأ من ذلك، وجدت الدراسة أنَّه كلما زاد استخدامك لمنصة "فيسبوك" (Facebook)، زادت التعاسة والنقص اللذان قد تشعر بهما.
كيف تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي استخداماً صحيحاً:
خصصنا هذا المقال للتصريح عن علم نفس وسائل التواصل الاجتماعي، وكشف الشركات العاملة في هذا المجال، ومع ذلك، نحن نعلم أنَّه في أعماقنا، يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي أداةً رائعةً ذات فوائد إيجابية؛ إذ يكمن المفتاح في استخدامها بالطريقة الصحيحة كأداة، بدلاً من عدِّها مكوناً أساسياً للتفاعل الاجتماعي.
على سبيل المثال، إذا كنت ترغب في دعوة أشخاص إلى حفلة تقيمها، فقد يكون "فيسبوك" (Facebook) أداةً مثاليةً للقيام بذلك، وإذا كنت ترغب في نشر المعلومات لمَن حولك، فإنَّ "تويتر" (Twitter) مناسب لهذه المهمة، هذه هي الطرائق الصحيحة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أمَّا الطريقة الخاطئة فهي الاستمرار في تصفح "فيسبوك" (Facebook) فتراتٍ طويلةً من الوقت، وهذا ليس جيداً؛ بل ويؤدي إلى استمرار المشكلات العديدة التي حددناها في هذا المقال.
بالنسبة إليَّ، كان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بالطريقة الصحيحة عملاً بسيطاً يتمثل بحذف جميع تطبيقات الوسائط الاجتماعية من هاتفي؛ إذ تشير الدراسات إلى أنَّ الإقلاع عن أشياء مثل "فيسبوك" (Facebook) يمكن أن يؤدي إلى مستوياتٍ أعلى من الرفاهية.
لا تقلق، فما زلت أحتفظ بحساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي بحالتها النشطة، وأستخدم جهاز الحاسوب أحياناً في تفقد ما الجديد عليها، لكن بuد إزالة التطبيقات من هاتفي، توقفت وسائل التواصل الاجتماعي عن كونها في قمة اهتماماتي، ومع مرور الوقت، تنسى حتى أنَّ لديك حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ وهذا يسمح لعقلك بالاهتمام بمعلوماتٍ أكثر أهميةً.
أفضل شيء يمكن تحقيقه هو أنَّني لم أعد أستخدم "إنستغرام" (Instagram) أبداً؛ إذ إنَّني أدركت بعد فترة أنَّ الأخبار التي كنت أتابعها من خلاله كانت مليئةً "بعارضي إنستغرام" (Instagram models)، وأنَّ مشاهير مثل المطرب "دريك" (Drake) يعيشون حياةً مجنونة.
قلت لنفسي إنَّه لا يمكن أن يكون هذا صحياً وهذه ليست حياةً حقيقية؛ لذلك بدأت تنظيف صفحتي بحيث لم يتبقَّ فيها سوى أصدقائي الحقيقيين، ومع ذلك، لم يكن هذا كافياً أيضاً؛ لأنَّ أولئك الذين نحبهم كثيراً وقعوا أيضاً في الفخ نفسه الذي نقع فيه؛ فهم يصورون أفضل ما في حياتهم فحسب على وسائل التواصل الاجتماعي.
لذلك، تركته تماماً ولم أستخدمه منذ ذلك الحين، لكنِّي سأصارحك بشيء؛ في الأيام والأسابيع القليلة الأولى بعد حذفي للتطبيقات، كنت أتفقد هاتفي باستمرار لأدرك على الفور عدم وجود شيء يستحق النظر إليه؛ إذ لم أعد أجد تلك الأضواء اللامعة أو الإشعارات الساطعة التي تمنحني جرعاتٍ من الدوبامين، وتماماً مثل المدمن، كان عليَّ أن أفطم نفسي عن هاتفي؛ الأمر الذي كان مدهشاً.
لكنَّني الآن أجلس هنا بجوار هاتفي ولا أرغب في تفقده، لم أعد أجد نفسي أتساءل كيف تحمَّل صديقي تكلفة رحلةٍ إلى الخارج في حين أنَّني لا أستطيع ذلك، أو كيف تبدو وظيفة هذا الصديق أفضل من وظيفتي، وبدلاً من ذلك، أصبحت أركز أكثر على ما هو أمامي ومَن حولي؛ وهذا يمنحني مساحةً أكبر للتفكير والنمو، وسأخبرك أنَّني أظن أنَّ حياتي أفضل حالاً بسبب ذلك.
في الختام:
ربما تكون أفضل طريقة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي هي عدم استخدامها على الإطلاق، ومع ذلك، يوجد كثير من الفوائد التي يمكن أن تأتي من وسائل التواصل الاجتماعي؛ لذا بدلاً من عدم استخدامها أبداً، ربما يكون من الأفضل استخدامها باعتدال، مع إدراك أنَّها تؤثِّر فينا تأثيراً سلبياً، وكلما استخدمناها أكثر، كنَّا أكثر عرضة للوقوع في شركها؛ لذا تأكد من فهمك علم نفس وسائل التواصل الاجتماعي حتى تتمكن من مكافحتها عند الضرورة.
أضف تعليقاً