تجدر الإشارة إلى أنَّه يُوجَدُ عدد قليل جداً من الدراسات التي تعرِّف النرجسية بوضوح وأصلها علمياً، أما بالنسبةِ إلى سيجموند فرويد فقد كان مفهوم النرجسية لديه جزءاً من التطوُّر البشري الطبيعي.
هل حبُّ الذات مرض؟
القليل من حب الذات ليس مرضاً، وعلى العكس من ذلك يُمكِنُ أن يساعدنا على استغلال قدراتنا وعلى تحقيق أهدافنا، إنَّه يشجِّعنا على التفوُّق في الأداء على الآخرين.
بعض الحزمِ هام في الرياضة وفي الحياة المهنيَّة، أما إذا كان يُوجَدُ نقص في الاحترام أو إضرار بشخص آخر من أجل تحقيق الأهداف، فإنَّ هذا لم تَعُد له علاقة بالطموح الصحي، وقد يكون الافتقار إلى التعاطف أحد الأسباب، وهذا أول مؤشر هام للنرجسية.
هل تختلف النرجسية بين الذكر والأنثى؟
تظهرُ النرجسية دائماً في مرحلة الطفولة أو المراهقة، والنرجسيون الذكور أكثر من الإناث، ومع ذلك يَصعُبُ التعرُّف إلى الأنثى النرجسية؛ وذلك لأنَّها لا تضع شخصيتها فوق الآخرين، لكنْ في بعض الأحيان تَستَخدِم استراتيجيات مختلفة، وغالباً ما تكون النساء أكثر انطوائية وأقل تفاخراً في سلوكهن، ولكنَّ الاضطراب الأساسي هو نفسه وكذلك العواقب.
كيف تنشأ النرجسية عند الأطفال؟
أُجريَت دراسة لمعرفة أسباب النرجسية عند الأطفال في جامعة أمستردام، وتمت مقابلة 565 طفلاً وأولياء أمورهم بشكل منفصل عدَّة مرات على مدار 18 شهراً، وكانت الأسئلة الرئيسة المطروحة عن الصورة الذاتية وكيف يرى الوالدان طفلهما؛ على سبيل المثال كان على الأطفال الإشارة إلى مدى سماح الوالدين للطفل بالشعور بأنَّه محبوب، وسُئِلَ الوالدان عن مدى قوة تركهما لطفلهما يشعر بأنَّه محبوب.
مثال آخر؛ يجبُ على الطفل أن يوضِّحَ كيف يرى نفسه مقارنةً بالأطفال الآخرين مع ذكر السبب؛ هل لكونه أكثر ذكاءً، أو لمدى شعوره بالأهمية داخل الفصل؟ ويجب على الآباء الإشارة إلى مدى ذكاء طفلهم بالنسبة إلى الآخرين، أو النموذج الذي يمثِّله الطفل في الفصل.
الدفء العائلي والنرجسية عند الأطفال:
وجدَتْ الدراسة أنَّ الأطفال الذين عاشوا ضمن عاطفة دافئة من آبائهم كانوا يتمتعون بتقدير أكبر لذواتهم، وإذا كان هذا الدفء مفقوداً، فقد أَظهرَت الدراسة أنَّ هؤلاء الأطفال لم يَكُن لديهم إحساس قوي بتقدير الذات.
مَن منَّا لا يحبُّ أن يسمع الثناء ويشعر بالتقدير والتأكيد؟ يجب على الآباء ألَّا يبخلوا بالثناء والتقدير، لكنْ يجب أن ينقلوا ذلك إلى الطفل بطريقة لا تجعله يتوقَّع أن يرى هذا "الإعجاب" من جميع الناس الذين يلتقي بهم.
هل يُوجَدُ تفسير حاسم لكيفيَّة تطوُّر النرجسية عند الأطفال؟
لا يُوجَدُ تفسير حاسم لكيفيَّة تطوُّر النرجسية، ويجادل الخبراء فيما إذا كانَ النرجسي يطوِّرُ سلوكه الاستبدادي من خلال التأثيرات الخارجية لأنَّه لم يتعلم تطوير شخصيَّة صحيَّة تتقبَّل الانتقاد، فقد تكون الرضوض النفسية والاستخفاف سببَ الاضطراب، ثم يصبح السلوك النرجسي جداراً يُخبِّئ خلفه الفردُ ضعفَه.
الدور المحوري للآباء والأمهات في ظهور النرجسية عند الأطفال:
ينهار احترام الذات عند الأطفال الذين يعيشون في ظل الآباء غير العاطفيين أو غير المبالين أو العدوانيين، فيحمي الطفل نفسه من خلال الغضب والاستياء ومحاولة استجلاب تقدير الوالدين له من خلال التحصيل الدراسي، وهذا ما يؤدي إلى تضخُّم الذات.
إذا كان الآباء يَخضَعون إلى طفلهم ويتفاعلون بخيبة أمل عندما لا يكون طفلهم مثالياً؛ فهذا يؤدي إلى رغبة مفرطة عند الطفل في إرضاء والديه، وهنا يبدأ الطفل بتطوير سلوك نرجسي.
شاهد بالفيديو: 8 صفات يتفرَّد بها الشخص النرجسي
النرجسية المؤقَّتة عند الأطفال:
كل طفل لديه صورة ذاتية نرجسية مؤقَّتة، فهو يريد أن يحظى بالإعجاب ويطوِّرَ أحياناً تخيُّلات العَظَمة، وإذا لم تُحَل النرجسية العادية "الطفولية" الناجمة عن نقص الدعم العاطفي، وإذا لم تظهَر حدود الوالدين، فسوف تظل السمات النرجسية موجودة.
أمَّا النرجسية الحقيقية فهي اضطراب خطير في الشخصية، لكنْ ليس من السهل تشخيصه، وسيتطلَّب ذلك فحص النرجسي ومعالجته إذا لزم الأمر، ولكنَّ المعضلة أنَّه لا يرى أي سبب لذلك، ويرى أنَّ كل شيء على ما يرام معه ويوجد شيء خاطئ في الآخرين، وهذا مؤشِّر على اضطراب الشخصية النرجسية.
ما هي السمات المميزة لاضطراب الشخصية النرجسية؟
- يعتقد النرجسيون أنَّهم عظيمون وهامون حتى عندما لا تكون إنجازاتهم كبيرة.
- يعيش النرجسيون في خيال النجاح اللامحدود والقوة والتأثير والجمال والحب.
- يعتقد النرجسي أنَّه شخصيَّة فريدة من نوعها، وأنَّهُ لا يُمكِنُ فهمها أو ربطها إلَّا بأشخاص آخرين يتمتعون بنفس القدر من الخصوصية ويحظون باحترام كبير.
- تكون لدى النرجسيين حاجة قوية إلى الإعجاب.
- يطالب النرجسيون بمعاملة تفضيلية.
- يستفيد النرجسيون من الآخرين فقط لتعزيز أهدافهم واحتياجاتهم "نحو إبهار أكبر".
- يعاني النرجسيون من نقصٍ واضح في التعاطُف؛ أي يرون أنفسهم فقط ويجدون صعوبة في التعرُّف إلى احتياجات ومشاعر الآخرين، وبالتأكيد لا يتعاطفون مع الآخرين.
- يكون النرجسيون مهووسين بالحسد، وقد يعتقدون أنَّ الآخرين يحسدون أنفسهم.
- يكون النرجسيون متعجرفين للغاية بسبب سلوكهم في التواصل مع الآخرين.
- سيكون من الخطأ تصنيف الطفل على أنَّه نرجسي لمجرَّد أنَّ خاصية أو أخرى تناسبه تماماً.
ما هي الصفات النرجسيَّة التي يجب علينا الحذر منها؟
1. يكونون مُستغلِّين خطيرين:
النرجسيون دائماً ما يقدِّسون مصلحتهم الشخصية، إنَّهم يذهبون بعيداً ولا يخشون استخدام الآخرين لأغراضهم والتلاعب بهم، وعادةً ما يكون النرجسيون أذكياء ومهتمين بذلك، إنَّهم يحرِّفون الحقائق من أجل نقل اللوم المُحتمَل إلى الآخرين بمهارة شديدة حتى ينتهي بهم الأمر إلى تصديق ذلك بأنفسهم.
2. يروِّجون ذواتهم:
يحبُّ النرجسيون التباهي بأنفسهم، يريدون أن يكونوا مركز الاهتمام ولا يتسامحون مع أي شخص آخر، ومن المرجَّح أن يلجؤوا إلى مجموعات ويحاولوا قيادتها أو استغلالها.
3. ينتهكون القواعد:
يجد الأطفال أصحاب الهياكل النرجسية صعوبة بالغة في اتِّباع القواعد في الرياضات الجماعية وتقبُّل الفشل.
4. لا يثقون في أحد:
لا يثق النرجسيون في أي شيء، إنَّهم يعانون من نقص كبير في احترامهم لذاتهم ويعوِّضون النقص بالسلوك النَّشِط والمتهوِّر بدلاً من ضبط النفس، ويمكن أن يأخذ هذا السلوك بعض الأبعاد المدمِّرة للبيئة الشخصية إذا ضغطوا على المقربين منهم.
شاهد بالفيديو: صفات الشخصية النرجسية وكيفية التعامل معها
النرجسية الصفة الأسوأ بامتياز:
إنَّهم أساتذة في الاستفادة من الآخرين وغير قادرين على قبول النَّقد، أما إذا كان أحدهم متفوِّقاً على النرجسي، فإنَّ هذا يؤدي إلى إهانة عميقة ويمكن أن يغرقه في أزمة نفسية حقيقية، يصبح فيها خَطِراً على نفسه أو على الآخرين في أسوأ الأحوال، ويتصرَّف النرجسي مثل برميل البارود عندما تكون الأمور خارجة عن إرادته.
هل يمكن مساعدة النرجسيين؟
مساعدة النرجسيين أمر صعب، ولا يمكن مساعدتهم إلَّا إذا فكَّروا في سلوكهم وتطوَّرَ الضغط النفسي لديهم، وعلى العكس من ذلك يحتاج الأطفال والشباب الآخرون إلى الحماية من الشخصيات النرجسية، وهذا وحده يُمثِّل تحدياً؛ وذلك لأنَّ النرجسيين غالباً ما تكون لديهم مجموعة من المعجبين حولهم.
ماذا يمكنُ أن نفعل مع النرجسيين؟
النرجسيون غير محمولين اجتماعياً وغير منطقيين؛ وهذا يعني أنَّه من الصعب الوصول إليهم من أجل تطبيق الأساليب العلاجية، ومع ذلك فإنَّ العلاجات مُمكِنَة؛ والتي ستكون في يد مُعالِج نفسي.
يمكنُ أن ينجح هذا إذا أدركَ الشخص المُصاب أنَّه غارق في أزمة حادة، وربما يكون على استعداد لقبول المساعدة، فبعد ذلك يتعيَّن عليه إعادة برمجة وعيه الذاتي، وتعلُّم كيفيَّة التحكُم بدوافعه، ويُعَدُّ تعلُّم كيفية معاملة الآخرين باحترام عملية شاقة بالنسبة إليه، ولا يُوجَدُ إجراء واحد سحري؛ لأنَّ هذا يعتمد على رغبة المريض.
يتضمَّن العلاج أيضاً السماح للمعالِج بأن يكون قريباً من ضعف الإنسان النرجسي، ومعدَّل التسرُّب من العلاجات مرتفع جداً عند النرجسيين.
كيف يُمكِنُ التعامل مع الطفل النرجسي بطريقة سليمة؟
من المفيد أن ينضمَّ طفل يعاني من مشكلات سلوكية سلبية للغاية إلى مجموعة الشباب أو يشارك في معسكر عطلة.
يتطلَّب انتقاد الطفل بسلوك نرجسي دقة كبيرة؛ وذلك لأنَّ أي شيء يمكن أن يُفسَّر على أنَّه استفزاز وسوف يؤجِّج مشاعر التحدي، والمدح في بداية المحادثة يمكن أن يجعل الطفل "رقيقاً" وأكثر تقبُّلاً لأن يُطلَب منه عدم القيام بشيء ما أو القيام بشيء مُختلِف، وإذا أدرك النرجسي أنَّه يجب عليه احترام الشخص من أجل البقاء في مجموعة وإذا كان الشخص مستقراً اجتماعياً وهادئاً في سلوكه - ويمكن التنبؤ به بالنسبة إلى الطفل النرجسي - يمكن أن ينجح هذا التواصل.
الانخراط في مواجهة مع الطفل أو الشاب النرجسي سيؤدي إلى "معركة" تكون للنرجسي فرصة جيدة للفوز بها أو إلحاق الضرر بالآخرين، وإذا كانت تُوجَدُ مواجهة حقيقية؛ على سبيل المثال بين طفل عادي اجتماعياً وآخر نرجسي، فيجب على الكبار التدخل، ومن الهام توعية المجموعات دون وصم الطفل بمشكلات سلوكية.
في الختام:
يمكن أن يكون معسكر العطلات فرصة لعلاج أي طفل لديه سلوك نرجسي، ففي مرحلة الطفولة تكون لدى معظم الأطفال سلوكات نرجسية مؤقتة، وأحياناً تكون أكثر أو أقل وضوحاً؛ لذلك تُوجَدُ فرصة أن يغيِّرَ الطفل صورته الذاتية إلى الأفضل من خلال الانخراط في المجموعة، ومن خلال تجربة نشاطات التحدي، ومن خلال التفكير أو التغذية الراجعة، ولقد اكتسبَ العديد من الأطفال بالفعل الثقة بالنفس واحترام الذات من خلال مجموعة تعمل بشكل جيِّد ومشرفين مثقفين ويقظين.
أضف تعليقاً