ببساطة؛ حل المشكلات هو عملية تحديد المشكلة، وتطوير مسارات الحل الممكنة، واتخاذ الإجراء المناسب.
لماذا حل المشكلة مهم؟ تمكِّنك مهارات حل المشكلات الجيدة ليس فقط في حياتك الشخصية، ولكنَّها مُهمَّة في حياتك المهنية؛ ففي الاقتصاد العالمي الحالي سريع التغير، غالباً ما يَعدُّ أصحاب العمل حل المشكلات اليومية أمراً ضرورياً لنجاح مؤسساتهم، وبالنسبة للموظفين، يمكن استخدام حل المشكلات لتطوير حلول عملية وخلاقة، وإظهار الاستقلال والمبادرة لأصحاب العمل.
لماذا يُعدُّ حل المشكلات مهارة رئيسة في مكان العمل؟
يَظهر حل المشكلات جنباً إلى جنب مع الكفاءات الأساسية الأخرى في عديدٍ من الأطر التنظيمية المستخدمة في كل من التوظيف والتطوير، وإنَّ حل المشكلات هو مطلب يومي؛ ففي كثيرٍ من الأحيان دون التفكير في الأمر، نقوم بحل المشكلات بأنفسنا أو استشارة الآخرين للحصول على المشورة، وغالباً ما يحل الأشخاص المشكلات من خلال الاعتماد على الخبرة السابقة في مواجهة سيناريوهات أو مواقف مماثلة، ومع ذلك، في مكان العمل تتزايد الطلبات مدفوعةً بخطى التغيير، فغالباً ما يُطلب من الموظفين تحليل وحل المشكلات الجديدة وغير المحددة جيداً، أو إكمال المهام دون خبرة سابقة، أو بيانات موجزة واضحة للاستفادة منها.
مهارة حيوية:
من حيث كفاءات الخريجين والإداريين، فإنَّ أفضل تعريف لحل المشكلات المعقدة هو: "القدرة على حل المشكلات الجديدة غير المحددة في بيئات معقدة وفي العالم الحقيقي". إنَّها المهارة الأكثر طلباً في عام 2020؛ حيث يُتوقَّع أن يطلب أكثر من 36٪ من طالبي الوظائف في جميع الصناعات، أن يتمتع الموظفون بمهارة حل المشكلات كأحد مهاراتهم الأساسية.
شاهد بالفيديو: 5 مهارات ناعمة تحتاجها في عام 2020
ما هو حل المشكلات؟
حل المشكلات؛ هو شكل من أشكال التفكير، وغالباً ما يُنظر إليه على أنَّه أكثر الوظائف الفكرية التي يمكن أن يمتلكها الشخص تعقيداً، ويعرف حل المشكلات على أنَّه: "مهارة معرفية عالية المستوى، ويَحدث في الكائن الحي إذا كان لا يعرف كيفية الانتقال من حالة معيَّنة لتحقيق الهدف المنشود". هناك أنواع عدَّة من المشكلات التي يَصعب حلُّها بشكلٍ كبير، وتتطلب مهارات قائد رائع وقادر على حل المشكلات للتعامل معها، وفيما يلي بعض سمات المشكلات والتي تسمَّى مشكلات غير بسيطة:
- غياب الوضوح: هذا تحدٍّ؛ حيث يوجد نقص في وضوح الموقف، وخير مثال على ذلك: هو الشخص الذي يمتلك قارباً، ولكن نادراً ما يُبحر في الماء، وفجأةً تعيَّن عليه التعامل مع أجواء عاصفة لم يواجهها من قبل؛ ففي هذا الموقف يفتقر إلى الوضوح، ونقص في المهارات والخبرات.
- الحكمة والتوازن: هذا هو المكان الذي يجب أن تتحقق فيه أهداف متعددة مع محاولة تحقيق التوازن. تصوَّر مؤسسة تطلب من القائد إنجاز تقرير حول كيفية خفض التكاليف، ولكن دون تقليص في عدد الموظفين، مع السماح بزيادة الإيرادات للشركة.
- التعقيد والتشابك: وذلك عندما تتعامل مع عددٍ كبير من البنود والقرارات التي يجب أخذها في الاعتبار للمشكلة، وأهم مثال على ذلك: هو الموقف الذي يتعامل فيه شخص ما مع عديدٍ من العوامل المعقدة في وقت واحد، مثل: الميزانية المالية؛ حيث يتعيَّن عليهم جعلها متوازنة بشكلٍ صحيح مع مراعاة كافة البنود والجوانب المختلفة لها.
- الديناميكيات المتغيرة: هذا التحدي يتعلق باعتبارات الوقت؛ تخيَّل قائداً عسكرياً يواجه هجوم العدو خلال خمس دقائق، ويحتاج إلى وضع خطة دفاعية قوية ومتماسكة وبسرعة؛ فالخطأ هنا يؤدي إلى إزهاق الأرواح.
الآن بعد أن عرفنا حل المشكلات، كيف ينطبق ذلك على القيادة؟
حل المشكلات والقيادة:
ما الذي يجعل حل المشكلات مهماً جداً للقيادة؟ حسناً، الإجابة المختصرة: هي أنَّه بدون مهارات حل المشكلات، لن يكون القائد قادراً على حل عديدٍ من المشكلات التي سيواجهها في حياته، بدءاً من المشكلات العادية إلى المشكلات الحرجة.
بالنسبة للأشخاص الذين يتطلعون إلى هذا القائد، فإنَّ هدوء القائد عندما يكون تحت الضغط، وقدرته على تقييم الموقف، ومعرفة ما سيحدث، وكيف سيؤثِّر قراره في الموقف، هو المفتاح للحل الصحيح للمشكلات.
قد يولَد الناس بقدرات عقلية منطقية للغاية تسمح لهم بتقييم المواقف بسرعة، وتحديد أفضل مسار للعمل، ولكن بدون ممارسة استخدام ذلك في المواقف المختلفة، يمكِن أن تتلاشى هذه المهارة؛ فعند امتلاك أي موهبة، يجب صقلها وممارستها لجعلها تعمل بشكلٍ صحيح، وغالباً ما يمتلك القادة قدرات حل المشكلات، ولكنَّ الأمر متروك لهم لجعل هذه القدرات تعمل بشكلٍ صحيح، ويجب أن يكونوا قادرين على النظر إلى المشكلات التي واجهوها في الماضي، وأن يكونوا قادرين على استخدام هذه التجارب لمعرفة مأزقهم الحالي.
أنواع المشكلات في المؤسسة:
يكاد يكون من المستحيل تخيُّل موقف لا يضطر فيه القائد إلى التعامل مع التحديات الخارجية، وغالباً ما تثير قضايا مثل: نقص التمويل والموارد، اتجاهات معيَّنة في المجتمع معارضة لعمل المؤسسة، والمشكلات الشخصية داخل المنظمة؛ كل هذه المشكلات تطلُّ برأسها في المؤسسة، ويمكِن للقوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في العالم الخارجي أن تؤثِّر في المنظمة أيضاً؛ وخير مثال على ذلك (كوفيد 19) إلى حد ما، فإنَّ مقياس أي قائد هو مدى قدرته على التعامل مع استمرار الأزمات والمضايقات البسيطة التي تهدد مؤسسته، وإذا كان قادراً على حل المشكلات، والاستفادة من الفرص، وحل النزاع بجو من الهدوء، وبأقل قدر من الجلبة والتوتر، فإنَّ معظم القضايا الخارجية بالكاد يمكِن ملاحظتها لأي شخص آخر.
إذا لم يتعامل القائد مع التحديات الخارجية بشكل جيد، فمن المحتمل ألا تفعل المنظمة ذلك أيضاً، ولقد رأينا جميعاً أمثلة على ذلك في المنظمات؛ حيث يكون لدى الجميع، من القائد إلى أصغر موظف، نظرة قلقة باستمرار، ويتم تمرير الأخبار في همسات، وعندما يشعر الناس أنَّ القادة متوترون أو قلقون؛ فإنَّهم يصبحون هم أنفسهم كذلك، وينتقل تركيز المجموعة من المهام المطلوبة إلى الوضع المقلِق الحالي.
أولاً، مشكلات خارجية:
يفاجئنا العالم في كل منعطف حين يرمي بالحواجز؛ حيث يبدو الطريق واضحاً، ويكشف عن طرائق سريعة واسعة، ثم يقدم لنا المفاجآت الإيجابية أو السلبية، ويمنحنا فرصاً لممارسة القيادة مع كل التحديات التي تنطوي عليها، وتتضمن بعض المواقف الشائعة التي تتطلب من القادة استخدام مواردهم ما يلي:
- النقد: وخاصة النقد غير المستنير، سواء للمؤسسة أو للمَهمة التي تقوم بها المؤسسة أو للأفراد.
- المشكلات الشخصية: يؤدي اندلاع المشكلات الشخصية للآخرين، سواء داخل المجموعة أو خارجها إلى ارتباك في العمل.
- الأزمات: تلك التي ترتبط بالجوانب المالية، والبرامج، والعلاقات العامة، والمخاوف القانونية، وحتى القضايا الإنسانية (فقدان الحماس، وانخفاض الروح المعنوية).
- الكوارث: والتي تختلف عن الأزمات؛ ففي الأزمات، يبدو أنَّ شيئاً مُهماً (غالباً ما يكون سلبياً، ولكن ليس دائماً) يَحدث وأنت تحاول السيطرة على الموقف، أما في الكارثة، حدوث الأسوأ بالفعل وأنت تحاول التعامل مع ذلك بطريقة ما.
- مواقف عدائية: من القوى القوية مثل: مجموعات الأعمال، الحكومة المحلية، منظمات مؤثرة.
- مكاسب مالية أو سياسية غير متوقَّعة: أحياناً يكون التعامل مع المنفعة غير المتوقعة أصعب من التعامل مع الكارثة.
- الشراكات والتحالفات: قد يستدعي التعاون مع مجموعة أو منظمة أخرى القائد أن يحدد بوضوح الحدود التي يمكن أن يعمل ضمنها، وأن يوازن بين احتياجات مؤسسته واحتياجات الشراكة بشكلٍ عام.
هذه القائمة غيض من فيض، ومع ذلك، غالباً ما يتم اختبار القادة من خلال الأحداث الخارجية والأشخاص.
الاستراتيجيات العامة للتعامل مع الظروف الخارجية:
السؤال المطروح هنا: ما هي بعض الاستراتيجيات العامة التي يمكنهم استخدامها للتعامل مع هذه وغيرها من الظروف الخارجية - وبالتالي لا يمكِن التنبؤ بها ولا يمكِن السيطرة عليها في كثيرٍ من الأحيان؟
1. كن استباقياً:
بغضِّ النظر عن المواقف، من المهم أن يفعل القادة شيئاً ما، فأحياناً يكون الانتظار هو الاستراتيجية الصحيحة، ولكن حتى عندما يكون كذلك، فإنَّه يجعل المجموعة متوترة لرؤية قائدها -على ما يبدو- لا يمارس بعض السيطرة.
ففي نموذج (فرانكلين روزفلت) في بداية ولايته الأولى، في أعماق الكساد العظيم الذي ضرب الولايات المتحدة الأمريكية، أنشأ فرانكلين روزفلت وكالات وبرامج حكومية، واتخذ خطوات للسيطرة على الاقتصاد، وبدا عموماً أنَّه كان مسؤولاً، فلم ينجح كل شيء، ولكنَّ الانطباع العام -والدقيق- الذي حصل عليه الناس هو أنَّه كان يحاول السيطرة على موقف فظيع، وقد شعروا بالراحة من ذلك. حاول روزفلت طوال فترة رئاسته الطويلة أن يكون استباقياً، وقد أثبتَ التاريخ إلى حدٍّ كبيرٍ حكمة وفاعلية استراتيجيته.
2. كن مبدعاً:
حاوِل التفكير "خارج الصندوق"؛ أي بطرائق غير متوقَّعة لكنَّها فعَّالة، وإذا حدثَت كارثة (ربما فقدتَ للتو مصدراً رئيساً للتمويل)، فكيف يمكِنك تحويل ما يشبه نهاية العالم إلى بداية جديدة؟ هل يمكِنك تغيير الطريقة التي تعمل بها المنظمة للتعامل مع الخسارة؟ وهل يمكِنك استخدام حقيقة أنَّك على وشك خسارة الخدمات لكسب الدعم المجتمعي؟ وهل هذه فرصة لتنويع التمويل الخاص بك؟ وهل يمكِنك توسيع آفاقك ومدى وصولك من خلال التعاون؟ لا تنظر فقط إلى ما هو واضح، ولكن ضع في اعتبارك الموقف من جميع وجهات النظر، وابحث عن طرائق غير عادية لإنجاح الأمور، وعندما تمر في أزمة تذكَّر المفهوم الصيني للأزمة، الطابع الصيني لكلمة "أزمة" يجمع بين كلمتي "الخطر" و"الفرصة".
3. واجه الصراع بصراحة:
هذا لا يعني الخروج للقتال؛ بل تحديد الصراع والاعتراف به والعمل على حلِّه، وهذا صحيح للصراع الذي يَحدث داخل مجموعتك، والصراع الذي يَحدث بين المجموعة والآخرين، حيث يتصرف كثيرٌ من الناس، بمَن فيهم القادة، كما لو أن الصراع غير موجود؛ لأنَّهم يجدون صعوبة في التعامل معه أو يبدو مخيفاً، ونتيجةً لذلك، يزداد الأمر سوءاً، وبحلول الوقت الذي يندلع فيه، قد يكون من المستحيل تقريباً حله، وإذا تمَّت مواجهته مبكراً؛ فيمكِن حل أي تعارض تقريباً بطريقة مفيدة لجميع المعنيين؛ فوظيفة القيادة هي أن تمتلك الشجاعة لتسمية الصراع والعمل على حله.
إذا كان هناك اختلاف فلسفي بين موظفي المنظمة، على سبيل المثال، فمن المهم أن يتم الاعتراف به ومناقشته، وإذا تم ذلك بطريقة واقعية، دون توجيه أصابع الاتهام أو اتهامات حول الافتقار إلى الصواب السياسي أو النقاء الفلسفي -قبل أن يصل إلى النقطة التي يغضب فيها الناس من بعضهم بعضاً- فقد يؤدي ذلك إلى تبادل الأفكار بدلاً من الشتائم والحقد، ويمكِن أن يصبح مزيج الأفكار في المنظمة أكثر ثراءً، ويمكن للجميع الشعور بأنَّ وجهة نظره تُؤخَذ على محمل الجد، ويمكِن للموظفين جميعاً الاستفادة.
4. ابحث دائماً عن أرضية مشتركة:
إذا كانت هناك معارضة لما تفعله، فقد يكون ذلك لجزء واحد محدد منه فقط، أو قد يكون مبنياً على سوء فهم، وهناك عددٌ قليل من المجموعات أو الأفراد الذين ليس لديهم بعض الاهتمامات المشتركة، وإذا تمكَّنتَ من العثور عليها؛ فقد يكون لديك أساس لحل المشكلات وتمكين الأشخاص من العمل معاً.
5. احتفظ بموضوعيتك:
إذا كنتَ تتوسط في نزاع داخل المنظمة، فلا تنحاز إلى أي طرف، حتى لو كنتَ تعتقد أنَّك تعلم أنَّ أحد الطرفين على حق، وسيظهر ذلك إذا توسطتَ بشكلٍ موضوعي وجيد، وإذا واجهتَ منتقدين أو معارضة؛ فلا تفترِض تلقائياً أنَّهم أشرار؛ بل فكِّر ما هي مخاوفهم ولماذا يختلفون مع ما تفعله؟ لا تتورط في معركة ما لم يكن هناك بديل حقاً، حتى المعارضة الشديدة يمكِن التغلب عليها في كثيرٍ من الأحيان من خلال مزيج من الاحترام والضغط السياسي وحل المشكلات بطريقة إبداعية، وعندما تشعر أنَّ عليك القتال؛ اختر معاركك بعناية، وتأكَّد من أنَّ لديك الموارد التي تحتاجها أنت، مثل: المال، والمؤيدين، والدعم الداخلي، وكل ما تحتاجه للحفاظ على الصراع، حيث يمكِن للمعارك أن تعزز قضيتك، أو يمكِنها أن تقتل مبادرتك من مرة واحدة وإلى الأبد، فلا تدخل في معركة ليس لديك فرصة للفوز بها.
6. ابحث عن فرص للتعاون:
هذا مهم داخل وخارج مؤسستك، وقم ضمن فريق العمل بإشراك أكبر عدد ممكن من الأشخاص في القرارات، وتأكَّد من أنَّهم يتحكمون في ما يفعلونه، وكلما زاد انتماؤهم لعملهم والمؤسسة، زاد حماسهم، وبالتالي زادت فاعلية المنظمة، وزادت فاعليتك كقائد. حاول إقامة علاقات مع المنظمات والفرق الأخرى خارج المنظمة، ودعهم يعرفون ما تفعله، واحصل على الدعم وقدِّم لهم، واعمل معهم إلى أقصى حد ممكن، واصنع قضية مشتركة مع المجموعات الأخرى التي لها اهتمامات مماثلة بالشراكات والتعاون، هناك قوة، وستكون أقوى كتحالف بين المجموعات أكثر من أي فرد منكم.
ثانياً، مشكلات داخلية:
بينما تقدِّم القيادة لكل واحد منا الفرصة لإظهار أفضل ما لدينا، فإنَّها تكشف أيضاً عن حدودنا، وفي كثيرٍ من الحالات، يتعيَّن على القادة الجيدين التغلب على هذه القيود من أجل نقل واتباع رؤيتهم، فالخوف، وانعدام الثقة، وانعدام الأمن، ونفاد الصبر، وعدم التسامح (كل ذلك يمكن أن يكون بمثابة حواجز أمام القيادة، وفي نفس الوقت، فإنَّ الاعتراف بها والتغلب عليها يمكن أن يحول القائد المتوسط إلى قائد عظيم).
غالباً ما يكون من الصعب جداً على الأشخاص، وخاصة أولئك الذين يرون أنفسهم كقادة، الاعتراف بأنَّ لديهم سمات شخصية أو خصائص شخصية تتعارض مع قدرتهم على تحقيق أهدافهم، فجزء من القيادة الجيدة هو تعلُّم قبول حقيقة تلك السمات، والعمل على تغييرها حتى لا تقف في طريقها، وفي بعض الأحيان، قد يمثِّل ما يبدو أنَّه ميزة تحدياً أيضاً، وقد ينفر أتباع القائد الحاسم للغاية من خلال عدم استشارتهم مطلقاً أو بتجاهل نصائحهم باستمرار، فقد لا يتمكن القائد الذي يتمتع ببراعة في تطوير العلاقات مع الآخرين في المنظمة من إخبار شخص ما عندما لا يقوم بعمله، كما يمكِن لبعض الخصائص أن تكون ذات حدين، إيجابية في بعض الظروف وسلبية في حالات أخرى، ويكمن التحدي الحقيقي في معرفة الفرق وتكييف سلوكك وفقاً لذلك.
القادة كونهم بشراً؛ فهم يعانون من نفس المشكلات والإخفاقات مثل أي شخص آخر، فمِن أعظم تحديات القيادة مواجهة مشاكلك الشخصية، والتأكد من أنَّها لا تمنعك من ممارسة القيادة، وإنَّ الاعتراف بالمواقف والميول التي تعترض طريقك، والعمل على التغلب عليها، ضروري للغاية إذا كنتَ تريد أن تصبح قائداً فعالاً. من بين السمات الشخصية الأكثر شيوعاً التي يتعيَّن على القادة الجيدين التغلب أو الحفاظ عليها:
1. ضعف الثقة بالنفس:
يشعر كثيرٌ من القادة، في بعض الأوقات على الأقل، أنَّهم ليسوا على قدر المهام التي يواجهونها، وقد يعتقدون حتى أنَّهم يخدعون الناس بجو كفاءتهم، في حين يعرفون أنَّهم في الحقيقة ليسوا قادرين على الإطلاق، فعدم الأمان من هذا النوع يمنعهم من أن يكونوا استباقيين، ومن متابعة رؤيتهم، ومن الشعور بأنَّهم قادة، ويمكِن أن يكون معيقاً لكل من القائد وفريق العمل والمنظمة أيضاً.
2. الدفاع عن النفس:
حقيقةً تأتي هذه المشكلة مع ضعف الثقة وتتفاقم معها، وتظهر في أغلب الأحيان على أنَّها عدم القدرة على تقبُّل النقد (قد يشعر الآخرون بعدم كفاءة القائد كما يشعر هو بنفسه)، وقد يتحوَّل ذلك إلى عداء من القائد لأي شخص، حتى لو كان حليفاً، عندما يبدأ في الانتقاد والتعبير عن الأخطاء أو إظهار العيوب، وغالباً ما تتضمن هذه السمة أيضاً مقاومة عنيدة لتغيير الأفكار أو الخطط أو الافتراضات الحالية، حتى لو ثَبُتَ أنَّها غير فعالة.
ففي نموذج دفاعي مستميت؛ أعرب قائد إحدى الوكالات الدولية باستمرار عن التزامه التام بالاستماع إلى آراء ومقترحات العاملين في المجال، حيث يُحسب له أنَّه غالباً ما يتشاور مع مقدمي الخدمات حول الاتجاهات الجديدة أو المبادرات الجديدة التي كانت الوكالة تخطط لها، وللأسف؛ عندما كانت تأتي الانتقادات سلبية، كان يتجاهلها دائماً، ويغضب إذا أشار أي شخص أنَّه لم يكن متعاوناً حقاً، فهو يرغب فقط بالاستماع إلى مَن يتوافق وأفكاره ومخططاته، وكان يتصرف بنفس الطريقة مع مرؤوسيه في الوكالة، وغالباً ما يصل إلى حد الصراخ على الناس عندما يختلفون معه، وكانت النتيجة أن شعَر مقدِّمي الخدمات بالإقصاء والخداع بسبب تصرفات القائد –رغم أنَّه كان يزعم رغبته الدائمة في الاستماع لهم– وزاد الطين بلة عندما وضع عدداً من اللوائح والإصلاحات التي لم تنجح بسبب عدم قدرته على الاستماع إلى ردود الفعل السلبية، وتدهورت علاقاته مع العاملين في هذا المجال تدهوراً كبيراً، واستمر في الترويج لاستعداده لطلب الآراء والمشورة من مقدمي الخدمات، لكنَّه لم يكن قادراً على قبول الخلاف أو قبول الاقتراح القائل بأنَّه ليس منفتحاً ومتعاوناً تماماً.
3. التردد في حسم القرارات:
في بعض الأحيان يكون من الصعب اتخاذ قرار صائب 100%، فالقائد قد لا يَعرف أبداً حتى وقت لاحق، ما إذا كان قد اتخذ القرار الصحيح، والحقيقة هي أنَّ القادة مدعوون لاتخاذ قرارات طوال الوقت، مع قليلٍ من الوقت للنظر فيها، فمِن المهم أن يكون لديك أكبر قدر ممكن من المعلومات، ولكن في مرحلة ما، عليك فقط اتخاذ القرار والتعايش معه، حيث أنَّ بعض القرارات قابلة للتراجع والسحب والتعديل وبعضها الآخر غير قابل، ولكن في كلتا الحالتين، من المهم أن تتعلم اتخاذ قرار عند الضرورة وأن تفهم أنَّ التعايش مع العواقب جزء من كونك قائداً.
4. مشكلة القنبلة الذرية:
اتخذ هاري ترومان قراراً بإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما، ثم ذهب إلى الفراش ونام طوال الليل بغضِّ النظر عما تعتقده بشأن القرار، حيث كانت التكاليف البشرية مذهلة، ولا يزال المؤرخون يجادلون فيما إذا كان قد أنقذ الأرواح على الأمد الطويل من خلال القضاء على الحاجة إلى غزو الحلفاء لليابان. لقد كافح ترومان مع القرار نفسه؛ ولكن بمجرد اتخاذه، وافق على أنَّه قد تم، ولم يكن هناك فائدة من مزيدٍ من الألم.
5. عدم المباشرة والوضوح:
كثيرٌ من الناس يريدون بشدة أن يكونوا محبوبين، أو يخافون بشدة من إيذاء الآخرين، بحيث يَصعب عليهم قول أي شيء سلبي، وقد يُحجِمون عن إخبار شخص ما بأنَّه لا يقوم بعمله بشكلٍ كافٍ، أو معالجة مشكلة شخصية، ولسوء الحظ، من خلال ترك هذه الأشياء تستمر، فإنَّه يجعلها تسوء أكثر، مما يجعل معالجتها أكثر صعوبة، ومن الضروري أن تتعلم متى يكون الحزم ضرورياً، وكيف تمارسه.
6. عدم القدرة على أن تكون موضوعياً:
لا يؤدي النظر إلى المواقف من خلال نظارات وردية، أو على النقيض، بالتصرف بشكلٍ هستيري إلى قيادة فعالة؛ فكلا الطرفين ذميم، ومثلما تُعدُّ الموضوعية مهمة في التعامل مع القضايا الخارجية، من المهم مراقبة موضوعيتك بشكلٍ عام؛ فهناك فرق بين أن تكون فرداً متفائلاً وأن تكون غير قادر على رؤية كارثة تلوح في الأفق؛ لأنَّه من المؤلم جداً التفكير فيها، وعلى نفس المنوال، فإنَّ رؤية السلبيات المحتملة في موقف إيجابي ظاهرياً، لا يعني أن تكون مصاباً بالشلل بسبب افتراض أنَّ الكارثة تتربص في كل زاوية؛ فقد يؤدي عدم القدرة على التحديد الدقيق للإيجابيات والسلبيات في أي موقف والرد بشكل مناسب إلى خلق مشكلات خطيرة.
7. نفاد الصبر:
وذلك عند التعامل مع الأشخاص والمواقف، قد يبدو -بالنظر إلى أهمية الحسم والحزم- هذا الصبر ليس فضيلة يحتاجها القائد؛ ففي الواقع، ربما تكون أهم سمة يجب تطويرها، ولا يتم حل المواقف على الفور، وأي شخص يعمل في أي منظمة، يعرف أنَّ القاعدة الأولى هي: "أنَّ كل شيء يستغرق وقتاً أطول مما تعتقد" ويحتاج الأشخاص في المواقف غير المألوفة إلى بعض الوقت لفهم الموقف بشكلٍ أكثر دقة، وقد يتخذ القادة الذين نفد صبرهم قرارات متهورة، وقد ينفر الموظفون أو المتطوعون أو الشركاء، ويمكِنهم في كثيرٍ من الأحيان أن يجعلوا المواقف أسوأ وليس أفضل. من الصعب التحلي بالصبر، لكنَّ الأمر يستحق العناء.
بالإضافة إلى السمات الشخصية التي يمكِن أن تقف في طريق القائد، وهناك آثار الأزمات الصحية والشخصية؛ ففي إحدى المؤسسات الصحية قررَت مديرة منظمة الرعاية الصحية التي كانت تعالَج من سرطان الكبد الاستقالة، لأنَّها شعرَت أنَّها بحاجة إلى بذل كل طاقتها في التعافي، ولن تستطع أن تنصف منصبها القيادي، بينما في نموذج مناقض لذلك؛ واصَل مدير منظمة مجتمعية العمل في أثناء علاج زوجته من مرض السرطان، لكنَّه وجد نفسه يرتكب أخطاء جسيمة في مجموعة متنوعة من المواقف. إنَّ الطلاق، والوفيات، والانعكاسات المالية الشخصية -أي من نفس المشكلات الشخصية التي قد يواجهها أي شخص آخر- يمكن أن تزعج أي قائد وتؤثِّر في اتزانه وتعامله مع المشكلات؛ فمن المهم أن تفهم أنَّ هذه الأنواع من الأزمات من المحتمل أن يكون لها تأثير في قيادتك، إلا إذا كنتَ جيداً للغاية في الفصل بين مجالات حياتك المختلفة.
مرة أخرى، هذه القائمة بعيدة عن الاكتمال، لكنَّها تتضمن عديداً من العقبات الأكثر شيوعاً التي يرميها القادة أمام أنفسهم، ولحسن الحظ، هناك بعض الاستراتيجيات التي يمكن استخدامها لتحديد وإزالة تلك العوائق، أو على الأقل قطعها حتى تتمكن من القفز فوقها بسهولة أكبر.
ثالثاً، التحديات الناشئة عن القيادة نفسها:
القيادة الحقيقية تتطلب كثيراً من الناس؛ كقائد، فأنت مسؤول عن رؤية ورسالة المؤسسة، وعن التمسك بالمعايير، وغالباً ما تكون ممثِّل المجموعة لبقية العالم وحاميها أيضاً، وقد تكون هذه المسؤوليات مشتركة، ولكن في معظم المنظمات، يتحمل شخص واحد الجزء الأكبر من العبء.
بالإضافة إلى مسؤولياتها، تجلب القيادة تحديات مثل: تحفيز الناس -غالباً دون أن يبدو أنَّهم يفعلون ذلك- ومنعهم من الركود عندما يكون أداؤهم جيداً، ويجب على القادة أيضاً أن يحفزوا أنفسهم، ليس فقط للظهور، ولكن في الواقع، ليكونوا متحمسين لما يفعلونه، ويجب أن يكونوا على دراية بخدمة المؤسسة وموظفيها وكل ما يتطلبه ذلك. بعبارة أخرى، يجب أن يكونوا قادة طوال الوقت.
فما هي بعض التحديات المحددة التي يواجهها عديدٌ من القادة، وكيف يمكنك التعامل معها؟
1. استمِع بهدف الفهم والاستيعاب:
استمِع إلى ردود فعل الناس على أفكارك وخططك وآرائك، واستمِع أكثر مما تتكلم. استمِع لمجموعة كبيرة من الناس، وليس فقط لمن يتفقون معك، وتَحقَّق لمعرفة سبب تفكيرهم أو شعورهم بالطريقة التي يفعلونها، وافترِض أنَّ كل شخص لديه شيء مهم ليقوله، وإذا سمعتَ نفس الأشياء من عدد من المصادر المختلفة والمتنوعة، فعليك على الأقل التفكير في إمكانية كونها دقيقة، وإذا كانت تتعلق بأشياء تفعلها ويمكِنك تغييرها، فيمكِنك تجربتها.
2. اطلب تقييم (360 درجة) واستفد من نتائجه:
هذه هي التعليقات (آراء الناس عنك) من كل من حولك - الموظفون والمتطوعون ومجلس الإدارة والمشاركون والأشخاص من المنظمات أو المجموعات الأخرى التي تعمل معها - أي شخص تعمل معه بأي شكل من الأشكال، وكما هو الحال مع الاستماع، إذا سمعتَ نفس الشيء من عديدٍ من المصادر المختلفة، فمن المحتمل أن يكون هذا صحيحاً، ثم اعمل على التحسين؛ فلن تفيدك جميع التعليقات في العالم إلا إذا فعلتَ شيئاً بها.
3. انظر إلى ما يدور حولك:
هل أنت مركز الجدل والفوضى؟ أو هل يبدو أنَّ الشعور بالهدوء والسعادة يسكنان أينما كنتَ؟ من المحتمل أن تكون الإجابة في مكان ما بين هذين الطرفين، ولكن ربما يجب أن تكون أقرب إلى جانب الهدوء والشعور الجيد، فحتى لو كنتَ منخرطاً في معركة مع قوى الشر، يمكِنك تعزيز الهدوء في نفسك ومع مَن تعمل معهم، وفي الوقت نفسه، يمكِن أن تكون مجموعتك على قمة العالم، ولا يزال بإمكانك أنت وزملاؤك تسلُّق الجدران إذا كان هذا هو نوع الجو الذي تصنعه. هناك سؤال آخر يجب طرحه؛ وهو هل إذا كان الأشخاص الذين تعمل معهم سعداء ومتحمسين؟ إذا كنتَ تلبِّي احتياجاتهم، فستكون هناك احتمالات إذا كنتَ غير حساس وغير صبور، أو إذا كنتَ بغيضاً تماماً، فربما يتمنون لو كانوا في مكان آخر، وسيخبرك إلقاء نظرة حولك عما -وكيف- تفعله كقائد.
4. اطلب المساعدة في مواجهة التحديات الداخلية:
يجد معظم القادة صعوبة في التعامل مع التحديات والمشكلات بشكل فردي، وقد يكون المعالج النفسي، أو الصديق الحميم، أو الزميل الحكيم، أو عالم الدين الموثوق، أو الكوتش (Coach) أو المنتور (Mentor) قادرين على مساعدة القادة في اكتساب منظور حول القضايا التي يجدون صعوبة في مواجهتها، ويجد كثيرٌ من الناس أنَّ التأمل أو أحد أشكال اكتشاف الذات مفيد في فهم أنفسهم وفي اجتياز التغيير؛ فلا ينبغي أن يشعر القائد أنَّه عليه القيام بكل ذلك بمفرده، وتكمن الصعوبة هنا في أنَّك إذا كنتَ دفاعياً، فمن المحتمل أن تكون دفاعياً بشأن كونك دفاعياً، وإذا كنتَ غير آمن، فقد تكون غير آمن بشأن العثور على المساعدة، هناك دائماً فرصة أن تكتشف أنَّ عدم الأمان لديك له ما يبرره.
في الختام:
أحد أكبر تحديات القيادة هو تحمُّل المسؤولية التي تمنحها القيادة، وجزء رئيس من هذه المسؤولية هو مسؤولية التعامل مع المشكلات المؤسسية؛ تلك الجوانب التي يمكِن أن تمنعك من أن تكون قائداً فعالاً، وهذا ليس بالأمر السهل، لكنَّ المكافآت رائعة، وغالباً ما يمتلك القادة قدرات حل المشكلات، ولكنَّ الأمر متروك لهم لجعل هذه القدرات تعمل بشكلٍ صحيح، فيجب أن يكونوا قادرين على النظر إلى المشكلات التي واجهوها في الماضي، وأن يكونوا قادرين على استخدام هذه التجارب لمعرفة مأزقهم الحالي.
أضف تعليقاً