تشيرُ الإحصاءات العالميَّة إلى أنَّ اضطرابات الصحَّة النفسيَّة شائعةٌ بين الأطفال والمراهقين، ويعاني واحد من بين كل ستة أفراد تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاماً من مرضٍ عقليٍّ أو نفسيٍّ كل عام - أي ما يزيد عن 15% - ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها وخلال عام 2019، وصلَت نسبة اضطرابات الصحَّة النفسيَّة أو التنمويَّة أو السلوكيَّة لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و8 سنوات إلى 17.4%.
في الفترة من 2018 إلى 2019 كان حوالي 15% من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً يعانون من حالة الاكتئاب الكبير، و37% كانوا يشعرون بمشاعر مستمرَّة من الحزن أو اليأس، فيما أعلن نحو 20% منهم أنَّهم فكَّروا جديَّاً في الانتحار، وتُبيِّنُ هذه الأرقام الواقع المقلق الذي يعيشه الأطفال والمراهقون، والذي يتطلَّبُ اهتماماً جادَّاً وإجراءاتٍ فعَّالة لدعم صحَّتهم النفسيَّة؛ لضمان مستقبلٍ أفضل لهم وللمجتمع ككل.
المشكلات النفسيَّة وطبيعتها:
تتجسَّدُ المشكلةُ النفسية في مشاعرَ أو سلوكاتٍ غير مرغوب فيها من المجتمع، وتصدرُ عن الفرد باستمرارٍ؛ نتيجةً للتوتُّرات النفسيَّة والاحتياجات التي يعاني للحصول عليها دون قدرةٍ على مواجهتها، وتشكِّلُ هذه المشكلات عائقاً في مسار نموِّ الفرد وتقدُّمه، وتتضمَّنُ الأعراض المُرتبطة بالمُشكلات النفسيَّة اضطرابات في التَّفكير والانفعالات، وقد تظهرُ أيضاً في صورة أعراضٍ جسديَّة.
تُعَدُّ المشكلات النفسيَّة اضطرابات وظيفيَّة ناجمة عن عقبات يواجهها الفرد، وترتبط بالعواطف والسُّلوكات وتفاعل الفرد مع محيطه، وتحولُ دون التكيُّف السَّليم مع بيئته، كما أنَّ هذه المشكلات ليست اضطرابات عضويَّة بحتة، وتختلف كذلك عن الأمراض العصبيَّة التي تكون أسبابها عادةً عضويَّة.
تؤدِّي المشكلات النفسيَّة إلى تأثيرات سلبيَّة في النُّمو والتطوُّر الشَّخصي؛ ولذلك من الضروري فهمها وعلاجها بطرائقَ تتناولُ الجَّوانب النفسيَّة والاجتماعيَّة المُحيطة بالفرد، ويُعدُّ الأطفال والمراهقون أكثر الفئات عرضة للإصابة بالمشكلات النفسيَّة التي تكون مؤقَّتة أو طويلة الأمد، وتتداخلَ مع حياة الطِّفل أو المراهق اليوميَّة، وأدائه في المدرسة، وعلاقاته مع الأصدقاء والعائلة.
المشكلات النفسيَّة الأكثر شيوعاً عند الأطفال والمراهقين:
يعاني الأطفال والمراهقون من اضطراباتٍ ومشكلاتٍ نفسيَّة قد تؤثِّرُ في حياتهم الخاصَّة، وتحصيلهم الدِّراسي، وعلاقاتهم مع العائلة والمحيط، ومن أبرز هذه المشكلات:
أولاً: اضطرابات القلق
تُعدُّ اضطرابات القلق من المشكلات النفسيَّة الأكثر شيوعاً بين الأطفال والمراهقين في الوقت الحاضر، فوفقاً لبيانات منظَّمة الصحَّة العالميَّة، يعاني حوالي 4% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاماً، و5% من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً من اضطراب القلق.
القلق، هو شعورٌ مُزعجٌ ينشأ من الخوفِ وعدمِ اليقين بشأن المستقبل، وتصاحبه عادةً علامات فيزيولوجية، مثل: (التعرُّق، التوتُّر، التَّعب، زيادة ضربات القلب، الأرق، توقُّع النتائج السلبيَّة، ضيق التنفُّس، صُعوبة النوم) وتجعلُ هذه الأعراض الشَّخص يشكُّ في طبيعة التَّهديد، وقدرته على التَّعامل معه بنجاح، كما يؤدِّي القلق إلى تأثيراتٍ سلبيَّة في الحياة اليوميَّة، مثل: صعوبة التَّركيز في المدرسة، وتجنُّب النشاطات الاجتماعيَّة، واضطرابات النَّوم، وإظهارُ قلقٍ مبالغٍ فيه في مواقف لا تهدِّد الحياة.
تشملُ اضطرابات القلق التي تُصيب الأطفال والمراهقين مجموعةً متنوِّعةً من الحالات النفسيَّة التي تؤثِّرُ في شعورهم وسلوكهم، وأبرز هذه الاضطرابات:
1. اضطراب القلق العام (GAD):
يتميَّزُ بقلقٍ مُفرط ومستمرٍّ بشأن العديد من الأشياء اليوميَّة، مثل الأداء في المدرسة، والعلاقات الاجتماعيَّة، والصحة.
2. اضطراب القلق الاجتماعي:
يتمثَّلُ في الخوفِ الشَّديد من المواقف الاجتماعيَّة أو الأداء أمام الآخرين، فيسعى الشَّخص إلى تجنُّب هذه المواقف.
3. اضطراب الهلَع:
يتضمَّن نوباتٍ مُتكرِّرة من الذُّعر الشَّديد (نوبات الهَلَع) والتي تتسم بخوفٍ مُفاجِئٍ وغير مبرَّرٍ.
4. اضطراب قلق الانفصال:
يظهرُ أساساً عند الأطفال، ويتمثَّلُ في الخوف غير الطَّبيعي من الانفصال عن الأبوين أو الأشخاص الذين يعتمدون عليهم.
5. اضطراب الوسواس القهري (OCD):
يتميَّزُ بوجود أفكار أو صور ذهنيَّة متكرِّرة وغير مرغوب فيها (وساوس) تدفعُ الطِّفل أو المراهق إلى أداء تصرُّفات متكرِّرة تُسمَّى "قهرات"؛ لتقليل القلق المرتبط بهذه الأفكار.
6. اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD):
يصيبَ الأطفال والمراهقين بعد تعرُّضهم لأحداث صادمة أو مخيفة.
7. اضطراب الرُّهاب المُحدَّد:
يتمثَّلُ في الخوف الشَّديد وغير المنطقي من أشياء معيَّنة أو مواقف مُحدَّدة، مثل الخوف من الظَّلام، أو المرتفعات، أو الحيوانات.
ثانياً: الاكتئاب
الاكتئاب هو ثاني أكثر المُشكلات النفسيَّة شيوعاً عند الأطفال والمراهقين، وتشيرُ تقديرات مُنظَّمة الصحة العالمية إلى أنَّ حوالي 3.1% من الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و17 عاماً يعانون من الاكتئاب، وتختلفُ هذه النسبة حسب الفئة العمريَّة، فبالنسبة إلى الأطفال فإنَّ حوالي 1-2% في الفئة العمرية 6-12 عاماً يعانون من الاكتئاب، بينما تزداد النسبة بوضوحٍ بين المراهقين، فتشيرُ التَّقديرات إلى أنَّ حوالي 5-8% من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاماً يعانون من الاكتئاب.
الاكتئاب هو اضطرابٌ نفسيٌّ شائعٌ يتميَّزُ بمشاعر مستمرَّةٍ من الحزن وفقدان الاهتمام أو المتعة في النشاطات اليوميَّة، ويؤثِّر الاكتئاب في التَّفكير والسُّلوك، ويسبِّب مجموعةً متنوِّعةً من المشكلات العاطفيَّة والجسديَّة، وقد يجد الأشخاص المصابون بالاكتئاب صعوبةً في تأدية النشاطات اليوميَّة العاديَّة، وأحياناً قد يشعرون كما لو أنَّ الحياة لا تستحقُّ العيش، فالاكتئاب ليس مجرَّد حزنٍ عابرٍ، أو ردَّ فعل طبيعي على تحدِّيات الحياة، بل هو حالةٌ طبيَّةٌ تحتاج إلى العلاج.
يؤثِّرُ الاكتئاب في المشاعر والأفكار والسلوكات، وقد يتطلَّبُ علاجاً طويل الأمد، وتشمل أعراضه: (الشُّعور بالحزن أو الفراغ، فقدان الاهتمام أو المتعة في النشاطات اليوميَّة، تغيُّرات في الوزن أو الشهية، صعوبة في النَّوم أو النَّوم الزائد، فقدان الطاقة، مشاعر انعدام القيمة، الشُّعور بالذَّنب، صعوبة التَّفكير أو التَّركيز، وأحياناً أفكار عن الموت أو الانتحار).
شاهد بالفيديو: 13 طريقة تساعد الأبوين على علاج الاكتئاب عند الأطفال
توجد عدَّة أنواعٍ من الاكتئاب التي قد تصيب الأطفال والمراهقين، ومنها:
1. الاكتئاب الشَّديد (MDD):
يتميَّز بنوباتٍ من الحزن الشَّديد وفقدان الاهتمام بالنشاطات التي كانت مُمتعةً سابقاً، إضافةً إلى أعراض أخرى تؤثِّرُ في القدرة على العمل والنوم والدراسة والأكل.
2. الاكتئاب المُستمر (اضطراب عسر المزاج):
هو نوعٌ من الاكتئاب المُزمنِ، وتكون أعراضه أقلَّ حدَّة من الاكتئاب الشَّديد، ولكنَّها تستمرُّ لفترةٍ أطول قد تصل إلى سنتين أو أكثر.
3. الاضطراب الاكتئابي ثنائي القطب:
يتضمَّنُ هذا الاضطراب نوباتٍ من الاكتئاب تتناوبُ مع نوباتٍ من الهوس أو النشوة غير الطبيعيَّة.
4. الاكتئاب الموسمي (SAD):
هو نوعٌ من الاكتئاب الذي يظهرُ ويختفي في مواسم معيَّنة، عادةً يكون في فصل الشتاء عندما يكون ضوء الشَّمس أقل.
5. الاكتئاب النَّفسي:
هو نوعٌ شديدٌ من الاكتئاب يتضمَّنُ أعراضاً ذهانيَّة مثل: (الأوهام، أو الاعتقادات الخاطئة، أو الهلوسات، أو رؤية أو سماع أشياء غير موجودة).
ثالثاً: اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط ADHD
يأتي اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط في المرتبة الثالثة في قائمة المشكلات النفسيَّة الأكثر شيوعاً عند الأطفال والمراهقين، ويُشخَّصُ عادةً في وقتٍ مُبكِّرٍ؛ بسبب تأثيرات هذا الاضطراب في التعلُّم والسُّلوك، وتشيرُ الدراسات إلى أنَّ حوالي 9% من الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و17 عاماً يواجهون "ADHD" اليوم، والذُّكور هم أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب من الإناث، فالنسبة أعلى لديهم بثلاث مرات تقريباً.
من أعراض اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط "ADHD":
- صعوبة التَّركيز على التَّفاصيل، أو ارتكاب أخطاء سهواً، والتململ أو النَّقر بالأصابع أو القدمين.
- صعوبة الحفاظ على التَّركيز في أثناء النشاطات أو اللعب.
- يبدو الطفل وكأنَّه لا يستمعُ عند التحدُّث إليه مباشرةً.
- عدم اتِّباع التعليمات بدقَّة، وصعوبةٌ في إنهاء المهام.
- تجنُّب النشاطات التي تتطلَّبُ تركيزاً مستمرَّاً.
- فقدان الأدوات الضروريَّة للمهام، مثل: (الألعاب، الواجبات المدرسية، الأقلام).
- التشتُّت بسهولة بالمنبِّهات الخارجيَّة.
- النُّهوض من المقعد في المواقف التي يُتوقَّعُ فيها البقاء جالساً.
- الجَّري أو التسلُّق في مواقف غير مناسبة.
- الحديث المُفرِط، والإجابة قبل انتهاء السؤال، وصعوبة في انتظار الدور.
- مقاطعة الآخرين، أو التدخُّل في محادثاتهم أو ألعابهم.
رابعاً: اضطرابات الأكل
تُعدُّ اضطرابات الأكل بين الأطفال والمراهقين مشكلةً صحيَّةً نفسيَّةً متزايدة على المستوى العالمي، فوفقاً لأحدث البيانات المُتاحة، تتفاوتُ نسبةُ انتشار اضطرابات الأكل بين هذه الفئات العمريَّة فهي تميل للظُّهور في فترة المراهقة وأول فترة العشرينيات بنسبةٍ أعلى من الطفولة، ومن أشهر هذه الاضطرابات:
1. اضطراب فقدان الشهيَّة العصبي (Anorexia Nervosa):
يُصيبُ حوالي 0.3% من المراهقين، وحوالي 0.1% إلى 0.2% من الأطفال قبل سنِّ البُلوغ، ويتميَّزُ هذا النَّوع بالخوف المَرَضي من زيادة الوزن، والرَّغبة المُلِّحة في فقدان الوزن، ويُسبِّبَ فشلاً في النُّمو الطبيعي، وضعفاً في الجِّهاز المناعي، ومشكلاتٍ في القلب والكلى، وقد يُسبِّبُ الموت في حالاته الشَّديدة.
إقرأ أيضاً: دماغ المراهق وما يحتاج الآباء معرفته
2. اضطراب الشَّرَه المَرَضي العصبي (Bulimia Nervosa):
يُصيبُ حوالي 0.9% من المراهقين، وهو نادر الظهور في مرحلة الطفولة، ويتميَّزُ بنوباتٍ من الأكل الشَّرِه، ثمَّ محاولاتٍ للتخلُّص من السُّعرات الحراريَّة عن طريق التقيُّؤ الذَّاتي، أو استخدام مُليِّنات، أو ممارسة الرِّياضة بكثرة، وقد يُسبِّبُ هذا النَّوع تآكل الأسنان بفعل التقيُّؤ المُتكرِّر، واضطراباتٍ في الجهاز الهضمي، ونقص البوتاسيوم الذي يؤثِّرُ في صحَّة القلب، ويسبِّبُ اختلالات في الكهرباء القلبيَّة.
3. اضطراب الأكل الشَّرِه (Binge Eating Disorder):
يصيبُ حوالي 1.5% إلى 3% من الأطفال والمراهقين، ويتناول المصاب بهذا الاضطراب كميَّات كبيرة من الطعام في فترات قصيرة دون الشُّعور بالسَّيطرة أو التحكُّم، فيزداد وزنه ويُصاب بالسُّمنة، وهذا يؤدِّي إلى ظهور مشكلات صحيَّة مثل: ارتفاع ضغط الدم، ومرض السكري، وأمراض القلب.
المشكلات النفسيَّة الأكثر شيوعاً عند الأطفال مقارنةً بالمراهقين:
1. اضطراب الانفصال العاطفي:
هو القلقُ الشَّديد عند انفصال الطِّفل عن والديه أو القائمين على رعايته، فيعاني الطِّفل من خوفٍ مُفرطٍ من فقدانهم، أو إصابتهم بمكروه.
2. الكذب:
يشملُ التصرُّفَ بطريقةٍ غير صادقة، أو تعمُّد إخفاء الحقيقة.
3. السَّرقة:
تتضمَّن أخذ أشياءٍ دون إذنٍ والتصرُّف بها.
4. اضطرابات النوم:
تشملُ الأرَق، والكوابيس، وصعوبات النوم الأخرى التي قد تكون بسبب القلق أو التوتُّر أو عدم الرَّاحة العامَّة.
5. التبوُّل اللاإرادي:
يشمل التبوُّل في الفراش أو في الملابس دون التحكُّم فيه، ويكون ناتجاً عن مشكلاتٍ في التحكُّم العضلي أو التوتُّر النَّفسي.
6. العِناد:
يتضمَّن المقاومة وعدم الطَّاعة للسُّلطة أو الأوامر، وقد يكون ردَّ فعلٍ على تغييرات في البيئة، أو محاولةً للسَّيطرة على الأمور المحيطة بهم.
المشكلات النفسية الأكثر شيوعاً عند المراهقين مقارنة بالأطفال:
1. اضطراب الاستخدام المادي:
يحاولُ المراهقون غالباً تجربة المُخدِّرات والكحول لا سيَّما في المجتمعات الغربيَّة، ففي عام 2020 انتشر هذا الاضطراب لدى أكثر من 400 ألف مراهق في أمريكا.
2. اضطرابات الهويَّة:
تشملُ القلق بشأن الهوية الشخصيَّة والجنسيَّة عندما يبدأ الشباب في استكشاف هويَّتهم.
3. إيذاء النَّفس والسُّلوك الانتحاري:
قد يتعرَّضُ المراهقون لمشكلاتٍ في التَّعامل مع الضُّغوطات النفسيَّة، وهذا يؤدِّي إلى إيذاء النَّفس أو التَّفكير في الانتحار.
4. المبالغة في ردود الفعل:
يتمثَّلُ في استجاباتٍ عاطفيَّة مُفرِطة للأحداث أو المواقف اليوميَّة.
5. أحلام اليقظة:
هي تجارب واقعيَّة يختبرها المراهق في حالاتٍ يعيشها بلا وعي.
6. الخجل والميل للانطواء:
يتمثَّلُ في الشُّعور بالحرج أو عدم الرَّاحة في المواقف الاجتماعيَّة.
7. التمرُّد:
يتمثَّلُ في المقاومة النَّشِطة للسُّلطة أو القوانين أو القيم الاجتماعية المُعتمدة.
طرائق تشخيص المشكلات النفسيَّة عند الأطفال والمراهقين:
تُشكِّلُ المشكلات النفسيَّة التي يواجهها الأطفال والمراهقون جزءاً أساسيَّاً من التحدِّيات التي قد تؤثِّرُ في نموِّهم العقلي والاجتماعي، ويعتمدُ التَّشخيص الدَّقيق على استخدام مجموعةٍ متنوِّعة من الأدوات والطَّرائق التي تتيح فهماً شاملاً للحالة النفسيَّة للفرد.
إليكَ أبرز هذه الطَّرائق والأدوات:
1. المُقابلات السريريَّة:
تُجمَعُ المعلومات من خلال مقابلاتٍ مع الطِّفل أو المراهق وأفراد الأسرة، ويُركَّزُ على التَّاريخ الطِّبي، والسُّلوكات، والعوامل النفسيَّة والاجتماعيَّة.
2. التقييم النَّفسي:
يشملُ استخدام الاختبارات النفسيَّة والمقاييس المُعتمَدة؛ لتقييم النَّمط السلوكي والعاطفي والانفعالي.
3. الملاحظة السلوكيَّة:
يُراقَبُ سلوك الطِّفل أو المراهق في بيئاتٍ مُختلِفة مثل المدرسة أو المنزل.
4. التقييم الأكاديمي:
يُقيَّمُ أداء الطِّفل أو المراهق في المدرسة؛ للكشف عن صعوبات التعلُّم أو القدرات العقليَّة.
شاهد بالفديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية
أنواع العلاجات المُمكنة للمشكلات النفسيَّة الأكثر شيوعاً عند الأطفال والمراهقين:
تتنوَّعُ العلاجات التي يمكن تقديمها للأطفال والمراهقين الذين يعانون من المشكلات النفسيَّة، ومن أهم هذه العلاجات:
1. العلاج النَّفسي:
وله عدَّة أنواع، منها:
- العلاج السُّلوكي المعرفي (CBT): يُركِّز على تغيير الأنماط السلوكيَّة والتفكيريَّة غير الصحيَّة.
- العلاج السلوكي: يستخدمُ تقنيات مثل التعرُّض التَّدريجي للمواقف المُخوِّفة؛ لعلاج القلق والخوف.
- العلاج العائلي: يشملُ المشاركة الأسريَّة لفهم وحل المشكلات العائليَّة التي تؤثِّرُ في الطِّفل أو المراهق.
2. الدَّواء:
قد يصفُ الأطبَّاء أدويةً مثل مضادات الاكتئاب أو مثبطات القلق في حالات الاضطرابات النفسيَّة الشَّديدة التي تتطلَّبُ تدخُّلاً دوائيَّاً.
3. العلاج التعليمي والدعم:
تضمَّن تقديم دعم إضافي وتكييفات تعليميَّة؛ لتلبية احتياجات الطِّفل أو المراهق الذي يعاني من صعوبات التعلُّم أو اضطرابات التَّواصل.
4. التدخُّل المُجتمعي:
يشملُ التعاون مع الجهات الخارجيَّة مثل المدارس والمجتمعات؛ لدمج الطِّفل أو المراهق في بيئته الاجتماعيَّة بطريقةٍ صحيحةٍ ومدروسة.
عقبات الرعاية النفسية للأطفال والمراهقين:
قد تُصادفنا بعض العقبات عند تقديم الرِّعاية النفسيَّة للأطفال والمراهقين، ومنها:
1. قلة التوعية والتَّعليم:
يُعَدُّ نقص التَّوعية، وعدم الفهم الصحيح للمشكلات النفسيَّة لدى الأطفال والمراهقين عائقاً كبيراً قد يؤدِّي إلى تأخيرٍ في التَّشخيص والعلاج، وربَّما إلى استخدام الأساليب غير الفعَّالة في التعامل مع المشكلات النفسيَّة.
2. نقص الموارد الصحيَّة:
تفتقرُ المؤسَّسات الصحيَّة إلى الموارد اللازمة لتقديم الخدمات النفسيَّة اللازمة في العديد من المناطق، وقد يكون هذا نتيجةً لنقص التَّمويل، ونقص الخبرة، ونقص الأطبَّاء والمعالجين المتخصِّصين.
3. المعادلة الثقافيَّة:
تكون التحدِّيات الثقافيَّة والاجتماعيَّة عائقاً كبيراً أيضاً، وتختلف العقائد والتقاليد والمعتقدات الثقافيَّة فيما يتعلَّقُ بالصحَّة النفسيَّة، وهذا يؤدِّي إلى عدم الرَّغبة في البحث عن المساعدة النفسيَّة، أو إلى التأخُّر في ذلك.
4. التَّمييز والوصم:
قد يتعرَّض الأطفال والمراهقون الذين يعانون من مشكلاتٍ نفسيَّة للتمييز والوصم، سواء في المدرسة أم المجتمع، وهذا الوضع يؤثِّرَ سلباً في قدرتهم على طلب المساعدة والحصول على العلاج.
5. قلة الخدمات المتكاملة:
قد يكون هناك نقص في الخدمات المتكاملة التي تتضمَّنُ العلاج النفسيَّ الشَّامل في بعض الأماكن، ويشملُ ذلك النقص الدَّعم الاجتماعي والتعليمي والطُّبي.
6. التكاليف:
تُمثِّلُ تكاليف الرِّعاية الصحيَّة للأطفال والمراهقين عبئاً اقتصاديَّاً كبيراً على الأسر، وهذا يقفُ حائلاً في طريق العلاج.
7. سرعة تغير سلوكات الأطفال والمراهقين:
تتغيَّرُ سلوكات ومشاعر الأطفال بسرعةٍ، وهذا يُصعِّبُ على المعلمين والآباء اكتشاف اضطرابات الصحَّة النفسيَّة أو السلوكيَّة أو العاطفيَّة في وقت مُبكِّر.
إقرأ أيضاً: عادات يوميّة تؤدي لتدمير الصحة النفسيّة للإنسان
في الختام:
تُشكِّلُ المشكلات النفسيَّة الشَّائعة عند الأطفال والمراهقين تحدِّياتٍ كبيرة تؤثِّرُ في نموِّهم العقلي والعاطفي والاجتماعي، ويمكننا فهم مدى تأثيرها العميق في حياتهم من خلال التعرُّفِ إلى هذه المشكلات مثل: (اضطرابات القلق، الاكتئاب، اضطرابات الأكل، وغيرها) ومن الضروري أن نعملَ على تعزيز الوعي المجتمعي بأهميَّة الصحَّة النفسيَّة، وأن نقدِّمَ الدَّعمَ المناسب من خلال الموارد المُتاحة.
إنَّ التدخُّل المُبكِر والرِّعاية الشَّاملة يؤدِّيان دوراً حيويَّاً في مساعدة الأطفال والمراهقين على التغلُّبِ على صعوباتهم النفسيَّة وبناء مستقبلٍ صحيٍّ ومزدهرٍ، ويمكننا بجهودٍ مشتركة من الأسرة والمدرسة والمجتمع توفير بيئةٍ داعمة تساعدُ على تقليل تأثير هذه المشكلات، وتحسين جودة حياة الشَّباب.
المصادر +
- سوسن شاكر الجلبي، مشكلات الأطفال النفسية وأساليب المساعدة فيها، دمشق، سوريا، 2015.
- 5 Common Mental Health Disorders Among Teens
- CHILD AND ADOLESCENT MENTAL HEALTH
أضف تعليقاً