تعريف الفساد:
يمكن أن نعرّف الفساد بأنه يعني إساءة استخدام السلطة العامة لتحقيق مكاسب شخصية؛ إذ يمكن أن يقوم بذلك سياسي منتخب أو موظف مدني أو صحفي أو مدير مدرسة أو أي شخص في السلطة، وهذا ما نسميه بالفساد العام، ولدينا أيضًا الفساد الخاص بين الأفراد والشركات، على سبيل المثال، التعليم والتراث والزواج وما إلى ذلك. وبالتالي، فإن تعريف الفساد ينطبق على أشكال مختلفة، وفي مختلف جوانب الحياة.
ماهو الفساد الإداري؟
مفهوم الفساد الإداري: الفساد لغةً هو التلف؛ أي خروج الشيء عن الاعتدال، ويأتي على النقيض منه في اللغة الإصلاح. عادةً ما يشمل الفساد الإداري طرفين، الموظف والشخص الذي يريد تنفيذ مصلحة ما له، بطرائق غير مشروعة.
عرَّف صندوق النقد الدولي الفساد الإداري اصطلاحاً بأنَّه: "سوء استخدام السلطة العامة من أجل الحصول على مكسب خاص يتحقق حينما يقبل الموظف الرشوة أو يطلبها أو يستجديها أو يبتزها"، وقد عرَّفته أيضاً منظمة الشفافية الدولية بأنَّه: "كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب ويحقق مصلحةً لفرد أو جماعة".
يمكن القول إذاً، بأنَّه سلوك غير شرعي يقوم به الموظف نتيجةً لظروف معيَّنة، فيستغل مكانته في العمل، والصلاحيات التي يمتلكها، لتحقيق ربح غير مشروع، أو لتحقيق منافع شخصية لن يكون قادراً على تحقيقها باستخدام الطرائق الرسمية والشرعية، فهو بذلك احتيالٌ على القانون لتحقيق مآرب خاصة.
ليست ظاهرة الفساد الإداري ظاهرةً جديدةً، ولا ترتبط بزمانٍ أو مكانٍ محددين؛ حيث كشف فريق الآثار الهولندي في عام 1997، عن وجود ألواح مسمارية تعود إلى آلاف السنين، عُثِر عليها في موقع (داكا) في سوريا، وقد كانت بمنزلة أرشيف يشبه دائرة الرقابة حالياً، وتفضح تلك الألواح قضايا تتعلق بالرشاوى والفساد الإداري.
أنواع الفساد الإداري:
للفساد الإداري أشكال عدة، ومن أنواعه:
1. الفساد العرضي:
هو الفساد الذي يحدث عرضياً، ويقوم به صغار الموظفين، وفي أغلب الأحيان، يعبِّر هذا النوع عن سلوك شخصي بحت، كقبول الموظف رشاوى صغيرة، أو سرقته لأغراض مكتبية، أو قيامه بعمليات الاختلاس الصغيرة.
2. فساد نظامي أو تنظيمي:
ويظهر هذا الفساد من خلال مجموعة من السلوكات التي يقوم بها الموظفون، ومن الأمثلة عليه: عدم الالتزام بمواعيد العمل، وغياب التعاون بين الموظفين، وعدم احترام قوانين العمل وتطبيقها، وغالباً ما يحدث هذا النوع من الفساد الإداري حين تكون الإدارة فاسدة برمتها؛ أي أنَّ الفساد يكون من رأس الهرم، ممَّا يحوِّل المؤسسة إلى شبكة مترابطة للفساد.
3. فساد مالي:
هو الأكثر انتشاراً، ويحصل من خلاله الموظف على المال مقابل مصلحة أو خدمة يؤديها لمصلحة شخص ما، كما يشمل هذا النوع هدر المال العام لتحقيق مكاسب شخصية.
وهناك من وضَّح أنواع الفساد الإداري، بتقسيمه إلى مجموعة من الانحرافات الوظيفية التي تشتمل على الأنواع السابقة بمزيدٍ من التفصيل، وهي على الشكل الآتي:
1. الانحرافات التنظيمية:
وهي مخالفات الموظف لمهامه وواجباته الوظيفية، مثل: عدم احترام العمل والامتناع عنه، السلبية، إفشاء أسرار العمل، التراخي، عدم الالتزام بالتعليمات وعدم تحمُّل المسؤولية.
2. الانحرافات السلوكية:
وهي التي تتعلق بالموظف، شخصيته وسلوكاته وتصرفاته، وتشمل استعمال سُلطته ومنصبه استعمالاً غير صحيح، كانتهاك كرامة عمله، والمحسوبيات؛ الأمر الذي يؤدي إلى وصول أشخاص غير مؤهلين إلى العمل، إضافةً إلى الوساطات.
3. الانحرافات المالية:
وتشتمل كل مخالفة مالية يقوم بها الموظف، كمخالفة القواعد المالية داخل المنظمة، أو تبديد الأموال العامة، عن طريق زيادة الإنفاق من دون داعٍ، على أثاث المكاتب أو إقامة الحفلات.
4. الانحرافات الجنائية:
هي الأعمال التي يقوم بها الموظف للحصول على مبالغ مالية غير مشروعة، وليست من حقه، كالرشوة والتزوير مقابل المال أو اختلاس المال العام.
شاهد بالفديو: 10 أمور تدل على سوء الإدارة في العمل
أسباب الفساد الإداري:
هناك عوامل كثيرة تساعد على نمو بذرة الفساد داخل المؤسسات، وسنعددها فيما يأتي:
1. العوامل السياسية:
عندما يكون النظام السياسي فاسداً من الأساس، فالطبيعي أن يصل الفساد إلى المؤسسات؛ حيث تنتشر المحسوبيات والوساطات تلقائياً، فضلاً عن تدخُّل رؤساء الأحزاب والمسؤولين في سير الأمور، وفي القرارات داخل المؤسسة.
2. العوامل الاقتصادية:
حينما يكون دخل الفرد متدنياً، وغير متناسبٍ مع الظروف المعيشية، سيبدأ الموظف وقتها البحث عن البديل، فيلجأ إلى استغلال منصبه وصلاحياته لتحسين وضعه، إضافةً إلى غياب التخطيط الجيد عند البدء بعملية التنمية الاقتصادية، وافتقار أي مشروع جديد إلى دراسة جدوى.
3. العوامل الاجتماعية والثقافية:
تسود في دول العالم الثالث مظاهر انعدام المساواة الاجتماعية، كما قد تجد في بعض الدول، مثل الدول العربية، الولاء للقبيلة أو العشيرة أو المذهب أو الطائفة أكثر من الولاء للوطن، وهذا طبعاً، ينتج عن تدني مستويات الثقافة، علاوة على التخلف في مختلف النواحي، وخاصةً النواحي الثقافية؛ هذا ما يترك آثاره في طباع الناس وفي حدود أخلاقهم، فيصبح التخلي عن المعايير الأخلاقية في العمل أمراً شائعاً.
4. العوامل الإدارية:
حيث تجد انتشاراً كبيراً للروتين والبيروقراطية، وغياب الدور الفاعل لأجهزة الرقابة، فضلاً عن فسادها وعدم استقلاليتها، وأيضاً، التخلف وغياب استخدام الأجهزة والتقنيات والإجراءات الإدارية الحديثة، ولن ننسى سياسات التوظيف العشوائية، ودور المحسوبيات فيها، وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
5. عوامل خارجية:
وهذا ما يكون شائعاً عند وجود شركات أجنبية داخل الدولة، أو نتيجةً لوجود مصالح بين الإدارات الداخلية وشركات خارج البلاد، فتُستخدَم أساليب غير مشروعة لتقديم امتيازات إلى هذه الشركات داخل البلاد.
الأسباب العامة:
إضافةً إلى العوامل السابقة، هناك العديد من الأسباب العامة التي تؤدي إلى الفساد الإداري؛ نذكر منها:
- الفقر والجهل وعدم امتلاك أي معرفة حقيقية بالحقوق الفردية، فضلاً عن نظام القيم التقليدي السائد والقائم على القرابة والنسب.
- عدم وجود فصل حقيقي بين سلطات الدولة الثلاث: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية؛ حيث تطغى التنفيذية على التشريعية، وأيضاً، يُعدُّ ضعف السلطة القضائية وعدم نزاهتها، أحد الأسباب الجوهرية في الفساد الإداري.
- عدم الرغبة الجدية في مكافحة الفساد من قبل القيادة السياسية؛ وذلك حتى لا تظهر اليد الممتدة لتلك القيادات داخل هذا الفساد.
- الافتقار إلى الخدمات والمؤسسات التي تقدِّم الخدمة للمواطنين؛ ممَّا يؤدي إلى ظهور طرائق غير سوية لتحصيل مصالحهم.
- غياب تفعيل القوانين والعقوبات الرادعة.
- تقليص دور الإعلام، وكفُّ يده، وعدم إعطائه الحصانة، حتى لا يتمكن من فضح الفساد.
آثار الفساد الإداري السيئة وطرائق مكافحته:
تظهر الآثار السلبية والسيئة للفساد الإداري في كل جوانب الحياة، ويمكن تلخيص هذه الآثار بالآتي:
1. آثار على الصعيد الاجتماعي:
تظهر في انتشار الإحباط والسلبية بين الموظفين والمواطنين، وانتشار الجريمة كرد فعل على عدم تكافؤ العمل، فضلاً عن انهيار النظام الأخلاقي في المجتمع، ويضاف إلى ذلك، تدني قيمة العمل، وانتشار فكرة التفريط بمعايير العمل وأداء الواجب، بحيث تصير هذه السلوكات شائعة ومقبولة في المجتمع.
2. آثار على الصعيد الاقتصادي:
يقف الفساد الإداري عقبةً في وجه التنمية الاقتصادية، كما يؤدي إلى هجرة الكفاءات الاقتصادية بسبب انتشار المحسوبيات، وإلى عجزٍ في ميزانية الدولة بسبب الهدر الكبير، كما أنَّه يمنع حصول الدولة على المساعدات الأجنبية.
3. آثار على النظام السياسي:
حيث يصبح هذا النظام عاجزاً عن احترام أبسط حقوق المواطنين، كتكافؤ الفرص أو المساواة. كما يؤدي إلى ظهور صراعات في الدولة عند تعارض مصالح الرؤوس الكبيرة، ناهيك عن الضعف الذي يصيب مؤسسات الدولة العامة، واتخاذ القرارات المصيرية لمصالح شخصية، بدلاً من اتخاذها بناءً على المصالح العامة.
مكافحة الفساد الإداري:
تتلخص آليات مكافحة الفساد الإداري بالشفافية، والمساءلة، والمحاسبة، والنزاهة؛ إذ إنَّ هذه الآليات هي العناصر الأساسية في أي استراتيجية لمكافحة الفساد الإداري، وتشمل كل استراتيجية مجموعة من الإجراءات المستمرة لإحراز أداء أفضل.
ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ أي استراتيجية لمكافحة الفساد، لن تُحقق النجاح إلا إذا ارتبطت برغبة وإرادة حقيقية من قبل القيادة السياسية، فضلاً عن الحاجة إلى صحوة ثقافية، لإظهار الآثار الخطيرة للفساد الإداري في مختلف جوانب الحياة؛ لذا وبناءً على ما سبق، فإنَّ كل استراتيجية لمكافحة الفساد يجب أن تكون منوطة بالإجراءات الآتية:
- بناء نظام ديمقراطي يقوم على الشفافية والمساءلة، وعلى مبدأ فصل السلطات، بحيث يخضع الجميع للقانون.
- التأكيد على بناء سلطة قضائية قوية ومستقلة تماماً، والتزام السلطة التنفيذية بأحكامها، كما يجب إبعاد هذه السلطة عن أي عامل قد يؤدي إلى إضعافها، أو التأثير فيها.
- تنشيط وتفعيل القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد، بحيث لا تبقى حبراً على ورق، ومن هذه القوانين قانون العقوبات، الذي يجب من خلاله تشديد الأحكام والعقوبات على جُنَح الرشوة والمحسوبيات، بحيث تكون صارمة وجدية وشديدة، وأيضاً قانون الإفصاح عن الذمم المالية، بحيث يصبح كل مسؤول مضطراً إلى الإجابة عن سؤال: من أين لك هذا؟
- تطوير وتفعيل دور الرقابة والمساءلة للهيئات التشريعية؛ وذلك عن طريق الأدوات البرلمانية، كأن يقوم مجلس الشعب بتوجيه مجموعة من الأسئلة المباشرة إلى الوزراء، وذلك عبر نقاشات علنية، فضلاً عن القيام بالاستجوابات والتحقيقات إذا اقتضى الأمر ذلك.
- تعميق عمل وسائل الرقابة وتعزيز دورها، والعمل على جعلها مستقلة، وإبعادها عن أي ضغط قد تتعرض له.
- إجراء ندوات تدريبية وبرامج توعية لتعريف الموظفين بالفساد الإداري، وخطره، ونتائجه الكارثية، على المجتمع عموماً وعلى الفرد خصوصاً. كما يجب التركيز على بناء نظام الإنسان أخلاقياً، وتدعيم هذا الجانب دائماً.
- إعطاء الإعلام دوره الحقيقي، ومنح الحصانة للصحفي، حتى يتمكن من أخذ دوره الحقيقي في فضح الفاسدين.
عقوبة الفساد الإداري:
تختلف عقوبات الفساد الإداري من دولة إلى أخرى، ومن شركة إلى أخرى، فهناك من يطبق عقوبة السجن، وآخرون يطبقون عقوبة الفصل مع العمل، وهناك من يطبق عقوبة ضمن نطاق العمل، مثل تخفيض المرتبة الوظيفية، وهذه العقوبات كلها تأتي ضمن لائحة تنفيذية تضعها الدولة في نطاق العمل العام والحكومي، وكذلك ضمن اللوائح التنظيمية للمؤسسات والشركات.
في الختام:
كما رأينا فيما سبق، الفساد الإداري بذرة سيئة تتغذى على حساب مصالح المواطنين وحقوقهم المشروعة، فالتغيير والإصلاح لا يكون بمجرد الكلام؛ بل يتطلب جهوداً حثيثة ورغبة جدية في إحداث فرق، كما يحتاج من المخلصين الذين يشغلون مناصب كبيرة، بذل جهود حقيقية في محاولة إنقاذ الأجيال الجديدة من امتداد وتشعب جذور الفساد.
أضف تعليقاً