غالباً ما يكون الأمر مرتبطاً بشيء يبدو عرضياً مثل نظرة سريعة إلى تقويمك، وبالتأكيد، وعندما تعتقد أنَّ لديك بضع ساعات للقيام بشيء تستمتع به بشأن عملك، تتذكر فجأة أنه يتعين عليك اصطحاب أحد أفراد عائلتك إلى طبيب الأسنان، وتتحكَّم العوامل الخارجة عن رغباتك وأمنياتك في الغالب بمستويات السعادة والتعاسة في حياتك اليومية.
وصحيح أن العمل لا يمثل دائماً مصدراً للمتعة المطلقة، ولكنه قد يكون كذلك، وبالمثل، تمر حياتك الأسرية بلحظات جميلة، ولكن ليس عندما تقضيها في مهمة بغيضة ولكنها ضرورية، ونظراً إلى أنَّ هذه الأمور حتمية، فما الذي يمكنك فعله لتخفيف حدتها والتعامل معها على وجه أفضل؟
نظرية تقرير المصير ومعضلة العمل والأسرة
ينقسم الباحثون الذين يدرسون الطرائق التي يوازن بها البالغون بين أدوارهم المتضاربة إلى معسكرَين، ويقترح المعسكر الذي يقول بحتمية التضارب أنَّ أياً كانت الموارد التي تستثمرها في العمل، سواء كانت عاطفية أم غيرها، سوف تستنزف أية طاقة متبقية لتكريسها للعائلة أو غيرها من الأعمال غير المتعلقة بالعمل، ويقترح المعسكر الذي يقول بتكامل الأدوار أن التزامات العمل والأسرة يفيد كل منهما الآخر، وأنت تتعلم تنظيم وقتك في العمل مثلاً، وهذا يؤهِّلك لإدارة أسرتك على نحو أفضل.
فلقد ركزت الأدلة المتراكمة على كل جانب من جوانب هذا السؤال التجريبي على الأدوار أكثر من التركيز على الآليات الداخلية التي تحفز هذا السلوك، ووفقاً لمارلا وايت (Marla White) وزملائها من جامعة فرجينيا للتكنولوجيا (Virginia Tech)، فإنَّ هذا خطأ، ووفقَ فريق البحث: "نظريات التحفيز هي وجهة نظر غير مستغلة في أدبيات العمل والأسرة، فإذا كان الناس يتصرَّفون بطرائق تتفق مع قيمهم، فيمكنهم تحمُّل درجة لا بأس بها من الانزعاج، والضيق وحتى الضغوطات.
يتصرف الناس في تلك اللحظات بطرائق صادقة مع أنفسهم، ومن ثم من المرجح أن يشعروا بالسلامة والعافية، وباستخدام النظرية التحفيزية المقبولة على نطاق واسع والمعروفة باسم نظرية تقرير المصير (SDT)، تقترح وايت وآخرون أنَّ الصدق مع الذات يتحقَّق عندما تلبي في الوقت نفسه الاحتياجات الأساسية للكفاءة (القيام بعملك قياماً جيداً)، والاستقلالية (الشعور بالتحكم في أفعالك)، والارتباط (القرب من الآخرين)، وفي هذه اللحظة الرائعة، سيكون لديك الحافز لاستثمار الوقت والطاقة والانتباه بطريقة موجَّهة داخلياً، فقد يكون العمل صعباً، وقد تكون الحياة العائلية صعبة، ولكن إذا كنت تقدِّر هذين الأمرين، فستكون قادراً على تحمُّل مواعيد طبيب الأسنان العرضية أو أي شيء آخر يعوق تركيزك في العمل.
شاهد بالفديو: 7 خطوات لبلوغ الرضا عن الذات
وضع نظرية تقرير المصير تحت الاختبار التجريبي
قد تظن أنَّ هذا النهج مثالي بعض الشيء لتطبيقه على متطلبات الحياة اليومية، فمن الجيِّد أن نضع نظريات حول الصدق مع الذات، ولكن هل لهذه الفكرة أي أساس من الصحة؟
أكمَلَ المشاركون من خلال الإنترنت البالغ عددهم 220 والذين يعملون 36 ساعة أسبوعياً على الأقل، مجموعتين من الاستبيانات بفاصل زمني قدره ثلاثة أشهر، وسمح ذلك لفريق البحث بدراسة التأثير المتأخر للدوافع في الرضى عن الحياة، بدلاً من الاعتماد فقط على بيانات الارتباط، وكان نموذج التنبؤ الأساسي الذي تقوم عليه الدراسة بسيطاً للغاية.
ففي أحد المسارات، استخدمت دوافع نظرية تقرير المصير في العمل للتنبؤ بالرضى الوظيفي، والذي استُخدم بدوره في الجزء الثاني من الاختبار للتنبؤ بالرضى عن الحياة، وجرى تتبُّع مسار مماثل لدافع الأسرة وفقاً لنظرية تقرير المصير وكانت النتيجة نفسها، وهي الرضى عن الحياة، وتمنحك المقاييس المستخدمة في الدراسة فرصة لتجربتها على نفسك لتعرف نتيجتك (استخدم تقييمات من 1 إلى 5 لكل منها):
عناصر العمل:
- الاستقلالية: أنا حر في التعبير عن أفكاري وآرائي في العمل.
- الارتباط: يهتم بي الناس في العمل.
- الكفاءة: يمنحني العمل في معظم الأيام إحساساً بالإنجاز.
عناصر العائلة:
- الاستقلالية: عندما أكون مع عائلتي، يكون لي رأي فيما يحدث.
- الارتباط: عندما أكون مع عائلتي، أشعر بالحب والاهتمام.
- الكفاءة: عندما أكون مع عائلتي، أشعر بأنَّني شخص كفء.
لتختبر مصداقيتك، أعطِ رأيك بما يأتي:
الوقت الذي أقضيه في العمل يتوافق مع قيَمي، والاهتمام الذي أخصصه لعائلتي/ حياتي الشخصية هو ما يتعيَّن عليَّ فعله بناءً على أولويات حياتي، وبالانتقال إلى النتائج، كانت هذه النتائج أكثر دعماً لتوقعات نظرية تقرير المصير في مجال العمل منها في مجال الأسرة.
ومع ذلك، في مكان العمل، كان الدافع إلى الرضى عن الحياة مدعوماً إلى حدٍّ كبير بالبيانات، وشعر العمَّال الذين لُبِّيَت احتياجاتهم وفقاً لنظرية تقرير المصير بمزيد من الصدق، ومن ثمَّ شعروا بالرضى شعوراً أكبر عن وظائفهم وعن حياتهم.
القراءات الأساسية للصدق مع الذات
على الرغم من أنَّ إشباع الحاجة كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالدافع الذاتي (الشعور بالتحكم)، إلَّا أنَّ ذلك لم يتنبأ بالرضى عن الحياة، ومع ذلك، فقد تنبأ الصدق مع الذات في سياق الأسرة والرضى عنها بالرضى العام عن الحياة، وبالعودة إلى مثال موعد طبيب الأسنان، قد لا يكون لديك خيار، ولكن يمكنك أن تشعر رغم ذلك بأنَّك صادق، لأنَّك تفعل شيئاً ما من أجل شخص تحبه.
العثور على الصدق في التوازن بين العمل والأسرة
يوفر الفصل بين الدافع الذي تشعر به في العمل والدافع الذي تشعر به في حياتك الأسرية/ الشخصية أفكاراً هامة حول قدرتك على اكتساب مشاعر الصدق مع الذات التي تعطي معنى لحياتك، وعلى الرغم من أنَّك قد تشعر أن أيامك تخضع لإملاءات الآخرين، إلَّا أن معدي الدراسة يشيرون إلى أنَّ نتائجهم هامة، لأنَّها تعترف بأن "البشر ليسوا مجرد متلقِّين سلبيين لبيئاتهم، ولكنهم يتَّخذون خيارات بشأن كيفية التصرف في هذه البيئات".
ومن الهام أيضاً الاعتراف بمحدودية تأثير الدافع الذاتي في حياتك المنزلية والأسرية، ولاحَظَ مُعدِّو الدراسة أنَّه عندما تكون متطلبات العمل ثقيلة جداً، فإنَّ شعورك بالصدق مع الذات يتعثَّر، وهذه هي اللحظات التي يمكنك فيها تذكير نفسك بالصورة الكبيرة، ربما من خلال التركيز ليس على الوقت، ولكن على جودة تفاعلاتك مع أفراد الأسرة.
في الختام
قد تجد الرضى في جوانب الحياة التي قد لا تبدو دائماً آسرة، خاصة عندما تتراكم متطلبات الحياة، ويمنحك تحديد ما يتيح لك الشعور بالصدق مع الذات الشعور بالرضى للاستمرار حتى عندما تبدو تلك المتطلَّبات مستعصية.
أضف تعليقاً