ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، ويُحدِّثنا فيه عن الثراء.
الخطأ في تعريف الثروة:
المشكلة هي أنَّنا أخطأنا في تحديد الفرق في المعنى بين "الغنى" و"الثراء"، وبعد أن حددنا المشكلة سنعرف أنَّنا نعطي قيمةً كبيرةً جداً للمال والمادة، على نقيض العاطفة أو السعادة التي لا نعطيهما القيمة الفعلية، وهذا الخطأ سببه حقيقة أنَّنا نعتقد أنَّ الممتلكات المادية ستجلب لنا السعادة، وهي طريقة متخلفة لرؤية الحياة.
إنَّ سعادتنا هي التي تنتج المال والماديات، والأهم من ذلك، أنَّها تنتج الكم المناسب من الاثنين؛ وذلك بسبب العائد الضئيل من السعادة التي تعود به الممتلكات المادية علينا؛ فعلى سبيل المثال، هل امتلاكك لثلاث سيارات سيحقق لك رضىً أكبر من امتلاكك لسيارتين؟
فالسيارة الأولى التي تملكها لها تأثير هائل: فهذه النقلة الجديدة ستغير حياتك، لكن كلما زاد عدد السيارات التي تملكها، يمكنك أن تشعر كيف أنَّ هذه السعادة ستبدأ بالتضاؤل تدريجياً؛ فالسيارة الرابعة ستؤثر في حياتك تأثيراً بسيطاً حتى بالكاد ستشعر بأثرها.
وعند شراء السيارة الخامسة، كان يجب عليك أن تقضي كثيراً من الوقت والاهتمام في بناء ما يكفي من الثروة لتتمكن من دفع ثمنها، وهذا سيقلل سعادتك، ناهيك عن الفراغ الذي ستشعر به جراء اعتقادك طوال الوقت أنَّ امتلاكك لخمس سيارات سيكون العامل الفارق لرفع جودة حياتك.
ولكن لا تقلق، توجد ثلاثة عوامل من الثروة لا يتراجع تأثيرها عند أي حد؛ فكلما استثمرت فيها أكثر، زادت في حياتك، وبهذه الطريقة، لا ينبغي لنا أن نركز على الثروة بالمعنى التقليدي لها؛ بل على هذه الثروات الثلاث:
1. الثروة العاطفية:
الخطوة الأولى نحو الثروة الحقيقية هي تراكم المشاعر الإيجابية، وهي كمية الأفكار والقرارات المبهجة لديك، والتي ترتبط مباشرة بمقدار ثرائك عاطفياً.
لبناء هذه الثروة، يجب عليك أن تركز على العقلية، بصرف النظر عن مكان وجودك في الحياة، فمن الممكن أن تصبح غنياً للغاية في هذا الجانب، وكل ما عليك القيام به هو تدريب عقلك على البحث عن الإيجابية ونشرها؛ فالأفكار الإيجابية تؤدي إلى تجارب إيجابية، والتي بدورها تعزز المشاعر المبهجة، وهذا يؤدي إلى أفعال إيجابية وعقلية إيجابية على نحو متزايد، وهلم جراً.
قبل أن تتحقق أي ثروة أخرى، ستحتاج إلى زيادة رصيدك العاطفي؛ لذا فكر في الأمر على أنَّه حساب توفير لإجمالي ثروتك العاطفية.
2. ثروة الوقت:
بطريقة أو بأخرى، هذا النوع من الثروة هو الهدف النهائي للجميع، وسواء كنا نعرف ذلك أم لا، عندما نضع أهدافاً، فإنَّ النتيجة النهائية هي قدرتنا على استخدام وقتنا بالطريقة التي نراها مناسبة، فـ "ثروة الوقت" هي الثروة التي نتلقاها جراء امتلاكنا لوقتنا الخاص؛ فكلما امتلكت مزيداً من الوقت، كنت أكثر ثراء.
كم هو عظيم أن تكون قادراً على استثمار كل دقيقة من وقتك، فعندها ستكون أكثر سعادة، فثروة الوقت لا تعني مقدار وقت الفراغ الذي تملكه؛ بل تعني مقدار الوقت الذي تخصصه في توجيه حياتك نحو الاتجاه الذي تريده.
سواء كنت ترغب في العمل 16 ساعة في اليوم في الأعمال التجارية التي تحبها أم قضاء اليوم في مقابلة الناس، فطالما تقضي وقتك في فعل ما تريد، فأنت ثري.
شاهد بالفيديو: 18 نصيحة سريعة لاستثمار الوقت بفاعلية
3. الثروة المكانية:
الثروة الأخيرة هي الثروة المكانية، أو على نطاق أوسع، هي ثروة الحرية في اتخاذ القرارات، وكما نرى أنَّ الجمع بين هذه الجوانب الثلاثة للثروة تضيف الملكية الحقيقية إلى قراراتك، وسأتعمق بها أكثر عن طريق توضيح الثروة المكانية.
عندما تتوازن ثروتك العاطفية، تصبح قادراً على وضع خطة لزيادة ثروتك من الوقت، ومن خلال المشاعر الإيجابية الخاصة بك، تصبح قادراً على الرؤية بوضوح وبناء الحياة التي تزيد من وقتك ومن ثمَّ تطوير عواطفك، وبعد أن تعزز وقتك ستصبح قادراً على العيش أينما ووقتما تشاء.
ومن خلال ثروة الوقت، ستصبح مستعداً لاختيار المكان الذي تريد العيش فيه، أو السفر إليه، وأود أن أقترح أن تجرِّب الإجازات القصيرة في مناطق مختلفة حول العالم، حتى تعثر على المكان الذي يلائمك.
من الجنون بالنسبة إليَّ أنَّ الناس ما زالوا لا يتحدثون عن قوة الاقتصاد التشاركي لتحقيق ثروة مثل هذه؛ فإذا كنت قد بنيت حياة مليئة بالثروة العاطفية وثروة من الوقت، فمن الطبيعي أن تستفيد من منصات مثل "أيربي إن بي" (Airbnb) للسفر بأقل تكلفة، وبالنسبة إليَّ، فالثروة المكانية هي القدرة على العيش المستقل في أماكن متعددة حول العالم.
إنَّ تأجير منزلك في أثناء استئجار منزل شخص آخر في مكان جديد ومميز، يعني أنَّك تمتلك عواطفك ووقتك والأماكن التي ترغب في البقاء فيها، والجزء الأفضل هنا هو أنَّ ثروة المكان ستؤدي مباشرةً إلى ثروة عاطفية أكبر، وهذا بدوره سيؤدي إلى تعزيز ثروة وقتك، وسيعزز قدرتك على العيش حيث تريد.
وإذا كنت تشعر بالاستغراب، فأنت لست الوحيد، فبالنسبة إلى بعض الأشخاص، تحقيق هذه الأنواع الثلاثة من الثروة يحتاج إلى جمع الثروة بالمعنى التقليدي؛ أي المال، ولكنَّ هذا ليس صحيحاً بالنسبة إلى الجميع.
التركيز على ثروتنا من السعادة بدلاً من الثروة المادية:
بطبيعة الحال، كما يقول الكاتب الأمريكي "رولف بوتس" (Rolf Potts) ساخراً: "من بين كل الحوارات الغريبة التي يسمعها المرء في الأفلام، يوجد حوار يبرز بالنسبة إليَّ؛ فهو ليس من فيلم كوميدي أو خيال علمي أو فيلم إثارة مليء بالمؤثرات البصرية؛ بل من فيلم "وول ستريت" (Wall Street)، فعندما كانت شخصية "تشارلي شين" (Charlie Sheen) شخصية واعدة في سوق البورصة، أخبر صديقته عن أحلامه قائلاً: "أعتقد أنَّني إذا استطعتُ جني بعض المال قبل أن أبلغ الثلاثين من عمري، وتمكنت من الخروج من هذه الفوضى، فسأقود دراجتي النارية في جميع أنحاء الصين".
عندما رأيت هذا المشهد لأول مرة قبل بضع سنوات، أصبتُ بالدهشة، فبعد كل شيء، "تشارلي شين" أو أي شخص آخر، يمكن أن يعمل لمدة ثمانية أشهر عاملَ نظافة ويجني ما يكفي من المال لركوب دراجة نارية في جميع أنحاء الصين، وحتى لو لم يكن لديه دراجة نارية خاصة به، فإنَّ شهرين آخرين من التنظيف سيكسبونه ما يكفي لشراء واحدة عندما يصل إلى الصين".
لكن بالنسبة إلى أشخاص مثلي، فنحن نحتاج إلى المال لتحقيق الثروة في هذه الفئات الثلاث؛ فأنا أحب اقتناء الماديات، وأعلم أنَّني سأكون سعيداً فقط إذا كانت ثروة الوقت والمكان لدي هي نتيجة مباشرة للدخل الدائم الذي أستطيع جنيه، أما بالنسبة إلى الآخرين، فوجود بعض المال في جيوبهم وحقيبة ظهر على ظهورهم هي كل ما يحتاجون إليه للسيطرة على مشاعرهم ووقتهم ومكانهم.
في الختام:
المفتاح هو تخصيص ثروتك التقليدية بما يزيد من الثروات الثلاث الحقيقية لديك، وبهذه الطريقة لا يُعَدُّ المال هو الهدف، ولكن نتيجة لشيء أكبر أو حتى أعظم.
أضف تعليقاً