فقد خلقنا الله تعالى بشخصيات متنوعة وقدرات متفاوتة وأكد على ذلك قوله تعالى: {ورفعنا بعضهم فوقَ بعض درجات}، ولكن يعتبر التعامل مع الفروقات الفردية أصعب عندما تكون مدرساً أو تعمل في بيئة تعليمية لأن الفروقات الفردية في التعليم تؤدي إلى التفاوت في مستوى التحصيل الدراسي ويمكن للمدرّس والمدرسة والأقران التأثير على حياة طالب بأكملها إن لم يتم مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب فمثلاً أحد معارفي لديه طفل لا يمتلك قدرات استيعابية عالية فهو بطيء في الفهم وفي الإجابة والكتابة وقد وصل به الحال في مدرسته إلى أن يتمنى الرسوب أو ترك المدرسة ليتوقف عن سماع الانتقادات والتعليقات المسيئة لذلك يجب اتباع استراتيجيات للتعامل مع الفروق الفردية في التعليم، ومقالنا الحالي يوضح معنى تلك الفروقات وأسبابها وأهم استراتيجيات العامل معها فتابع القراءة.
ما هي الفروق الفردية في التعليم؟
الفروق الفردية في التعليم أمر حتمي فهي عبارة عن اختلافات وخصائص بشرية يتفرد فيها طالب عن الجماعة، وتكون عادة الاختلافات عبارة عن صفات جسمانية مثل الطول أو الوزن، أو صفات عقلية وإدراكية مثل اختلاف درجة الذكاء والقدرة على التحليل والتفسير والتفكير، أو سلوكية مثل الانفعال والهدوء أو نفسية مثل الانطوائية والانفتاح على الآخرين والتفاؤل والتشاؤم، وبشكل عام الفروق الفردية في التعليم هي وسيلة ميز فيها الله عز وجل بين الناس بهدف تنوع أنماط الحياة نتيجة التفاوت في مستوى التحصيل الدراسي بالرغم من أننا جميعاً غالباً نمتلك الصفات والقدرات ذاتها ولكن بمقدار معين، وعلم النفس يصنف الفروق الفردية في التعليم:
- فروق كمية: خاصة بالصفات التي يمكن قياسها مثل اتزان الطالب الانفعالي أو العدوانية أو شدة الغضب أو الطول أو القوة العضلية بحيث تصنف هذه الفروق الطلاب إلى مجموعات.
- فروق في الدرجة: وهنا الاختلاف يكون في نوع الصفة مثل وجود موهبة معينة تجعل الطالب متميز في الصف.
ما هي أسباب الفروق الفردية بين الطلاب والتفاوت في مستوى التحصيل الدراسي؟
التفاوت في مستوى التحصيل الدراسي أمر طبيعي ينتج عن عدة أسباب أبرزها ما يلي:
1. الوراثة
حمل الطالب جينات قادمة من عائلته تميزه بصفات معينة ومن أكثر المورثات التي تتسبب في الفروق الفردية في التعليم بين الطالب هي المورثات المؤثرة على درجة الذكاء حيث نجد عائلة معينة معروفة بدرجة الذكاء العالية وقد أكد العلماء على أن الوراثة تتحكم بدرجة الذكاء بمعدل من 50 إلى 75% تقريباً.
2. جنس الطالب
التفاوت في مستوى التحصيل الدراسي يتعلق بجنس الطالب في بعض المواد مثل العلوم التطبيقية والمواد الميكانيكية التي يتميز فيها الذكور عادة عن الفتيات وعلى العكس فإن المهارات واللغات تظهر تفوق الفتيات على الذكور.
3. البيئة الاجتماعية
تلعب الأسرة دوراً هاماً في خلق الفروق الفردية في التعليم وذلك من خلال المستوى المادي أو كيفية التعامل بين أفراد الأسرة أو طريقة التفكير التي تجعل الطالب يستخدم الذكاء والإبداع ليتميز أو تلغي ما يمتلكه من صفات مميزة لعدم وجود الطموح لدى العائلة، بالإضافة إلى سعي الأسرة لتفرد الطالب وذلك من خلال الدورات التدريبية وتعليمه مهارات معينة وتنمية مواهبه، وكذلك يؤثر الأصدقاء والأقرباء والمحيطين على الطالب بحسب قوة علاقته بهم.
أهمية مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب
مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب أمر بالغ الأهمية لدورها الكبير وتأثيرها على النتائج التعليمية وفيما يلي أهم فوائد المراعاة:
1. تحفيز الطلاب على المشاركة
الفروق الفردية في التعليم تتسبب في خلق بيئة تعليمية غير متوافقة مع قدرات البعض لذلك مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب يجعل الفرصة متاحة للجميع للمشاركة ويعطيهم الدافع للتعبير عن الرأي والأفكار فيصبح الطالب أكثر نشاطاً وانتباهاً لكونه جزء من أي حوار يدور في الصف وينعكس ذلك إيجاباً على الأداء الأكاديمي للطلاب فالبيئة التعليمية ملبية لاحتياجات الجميع واهتماماتهم.
2. خلق جو من التعاون والألفة بين الطلاب
مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب يساعد على جعل البيئة التعليمية قائمة على الاحترام والتعاطف بين الجميع من خلال تقدير الاختلافات وتقبل الآخر بصدر رحب بالتالي مساعدته وروح التعاون والألفة تلك تجعل الطالب أكثر استعداداً ليواجه العالم الخارجي بإيجابية وكفاءة عالية وتقبل لمختلف الثقافات.
3. تعزيز ثقة الطالب بنفسه
عادة يخجل الطالب عندما يشعر بأنه مختلف عن أقرانه وربما يتعرض للتنمر منهم فيفضل عدم الذهاب للمدرسة ولكن في حال مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب فإن الفوائد سابقة الذكر تجعل الطالب أكثر ثقة بنفسه فلا يعيق اختلافه التفوق والنجاح حيث تزداد ثقته بنفسه ويصبح أكثر قدرة على مواجهة المجتمع لأنه حصل على الدعم المعنوي والأمان في بيئته التعليمية.
شاهد بالفيديو: أعراض التنمر المدرسي وعلاجه
دور المعلم في مراعاة الفروق الفردية
يلعب المعلم دوراً هاماً في مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب فهو الأداة الفعالة التي تغير مسار التعليم وتوجهه، ويمكن ذلك من خلال ما يلي:
- فهم دور الفروق الفردية في التعليم في التفاوت في مستوى التحصيل الدراسي بين الطلاب وامتلاك ثقافة عامة حول مختلف الحالات الفردية التي يمكن للمعلم مواجهتها في صفه.
- فهم كيفية التعامل مع المناهج الدراسية بحيث يتم إيصال المعلومة للجميع على اختلاف درجات الاستيعاب والذكاء والقدرات الإدراكية، وتنويع أساليب تقييم الطلاب بين الأسئلة الشفوية والتحريرية والاختبارات العملية والنظرية.
- تقبّل المعلم للفروق الفردية واعتبارها أمراً بسيطاً، والتركيز على نقاط القوة الموجودة لدى الطالب والتحدث عنها أمام الجميع.
- مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب عند تكليفهم بواجبات ونشاطات معينة، والإجابة على كافة استفساراته وإشباع فضوله قدر الإمكان.
- التحدث مع الطالب ومساعدته على اكتشاف قدراته ومعرفة ما يعيق فهمه ومشاركته ضمن الصف أو في حياته بشكل عام، والتواصل مع ذويه لمتابعة تقدمه وتقديم نصائح مساعدة ليصبح المعلم والاسرة يد واحدة.
طرق تحديد الفروق الفردية بين الطلاب
يمكن تحديد الفروق الفردية بين الطلاب من خلال أدوات واستراتيجيات لتقييم الفروق الفردية في الفصول الدراسية أبرزها ما يلي:
1. قياس أداء الطلاب على الاختبار أو السؤال ذاته
تعتبر هذه الطريقة من أسهل الطرق في تحديد الفروق الفردية في التعليم حيث يتم تحديد درس معين ويتم اختبار الطلاب فيه أو طرح سؤال واحد على الأقل ويمكن تسجيل الإجابات ليتم على أساسها أخذ لمحة عن الطالب، وهذه الطريقة تساعد في تحديد ميول الطالب هل هو الرياضيات أم العلوم أم الفلسفة مثلاً كما تساعد في تحديد درجة ذكاء الطالب في مادة معينة بحيث يتم إجراء الاختبار في كل مادة من مواد الفصل الدراسي.
2. تحديد الفروق الاجتماعية بين الطلاب
يتم ذلك من خلال أخذ لمحة عن حياة كل طالب بناءً على لقاء من الأهل والحوار مع الطالب لتحديد سبب الفروقات هل هو وارثة أم البيئة الاجتماعية المحيطة أم المستوى الاقتصادي.
3. اجراء اختبارات
يمكن الاعتماد على الاختبارات التي تحدد درجة الذكاء والتفكير التحليلي والقدرة على حل المشكلات والاستنتاج وكذلك الاختبارات السلوكية.
استراتيجيات التعامل مع الفروق الفردية في الفصول الدراسية
التفاوت في مستوى التحصيل الدراسي يصبح أقل عند مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب وذلك من خلال الاستراتيجيات التالية:
1. تنمية القدرات الفردية
بعد تحديد الفروق الفردية يمكن التركيز على القدرات والمهارات الفردية المميزة والعمل على تنميتها وتعزيز نقاط القوة من خلال تقديم الدعم والتحفيز المناسب لتطوير تلك القدرات وتوجيهها نحو المسار المناسب.
2. تعزيز التفاعل الإيجابي بين الطلاب
يجب الاستفادة من المواهب والقدرات سابقة الذكر في تطوير الصف بأكمله بحيث يتم إنشاء مشاريع جماعية يعلم فيها الطالب المميز بمهارة معينة أقرانه ويقدم لهم وجهات نظره لخلق البيئة التعليمية المتعاونة والإيجابية التي تخفي التفاوت في مستوى التحصيل الدراسي بين الطلاب.
3. تطوير البرامج التعليمية وتنويعها
لا يجب أن يستهدف المنهاج فئة معينة من الطلاب بل يجب أن تشمل الجميع كما يجب أن تتنوع المجالات التعليمية من رياضيات وفنون وعلوم ليتم تحفيز الجميع على التفوق.
4. توفير فرص خارجية للتعليم
يجب إعداد نشاطات خارجية تغني الطلاب بالمعارف المتنوعة مثل زيارات للمناطق الأثرية والسياحية والمختبرات العلمية والمسابقات والمهرجانات بحيث يتعزز شغف الطالب ويصبح أكثر ثقافة، بالإضافة إلى إعداد أنشطة ترفيهية تبعد الملل عن المدرسة وتساعدهم على الإبداع.
5. إعداد أدوات تعليمية مساعدة
تهدف تلك الأدوات لمساعدة الطلاب المتخلفين دراسياً تناسب احتياجاتهم مثل أنشطة بصرية وسمعية وأدوات تساعدهم على الفهم.
في الختام
الفروق الفردية في التعليم تتواجد في مختلف المدارس والجامعات والبيئات التعليمية وذلك نتيجة اختلاف الطلاب فقد يكون سبب الفروق الفردية في التعليم هو المورثات أو البيئة المحيطة، وينتج عن ذلك التفاوت في مستوى التحصيل الدراسي لذلك يتوجب على المعلم مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب من خلال توفر ثقافة شاملة عن كافة الفروقات ودورها وتقبلها وكذلك مراعة الفروق الفردية بين الطلاب عند تكليفهم بأنشطة أو اختبارات معينة، فإن أهمية مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب تعود إلى كونها تساعد في خلق بيئة تعليمية متعاونة وناجحة ومعززة لقدرات الطلاب وذكرنا في مقالنا مجموعة استراتيجيات تساعد على مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب مثل البرامج التعليمية المتطورة والمنوعة وفرص التعليم الخارجية.
أضف تعليقاً