يساعدك التخيل والتفكير الإيجابي على تحقيق أي شيء تقريباً، ولكن هل من بحوث علمية تؤكِّد هذا؟
نعم! يوجد بحث علمي يسمى بالتبايُن العقلي، ولكن نتائجه مثيرة للجدل إلى حد ما.
نناقش في هذا المقال ما ينطبق عليه التبايُن العقلي وما لا ينطبق، ونلقي نظرة على محاسنه ومساوئه وبعض المخاوف المتعلقة به، ومن ثم نعرض بعض الدراسات عنه.
ما هو التبايُن العقلي؟
هو تقنية تعتمد على التخيل ابتكرتها اختصاصية علم النفس التحفيزي "غابرييل أوتينجن" (Gabriele Oettingen)؛ وذلك لتحسين فاعلية استراتيجيات ضبط النفس التقليدية مثل التخيل الإيجابي للمستقبل، فهذه التقنية مجرَّبة وتبيَّن أنَّها تؤدي إلى:
- تحسين الأداء الأكاديمي، ومن ثمَّ الحصول على درجات عالية في الاختبارات، وقضاء وقت أطول بكثير في التحضير للاختبارات الموحدة.
- تحسين الصحة، والتشجيع على ممارسة مزيد من التمرينات الرياضية، وتقليل تناول الوجبات الخفيفة غير الصحية، والإكثار من تناول الفاكهة.
- التشجيع على طلب المساعدة وتعزيز سلوك تقديم المساعدة.
- زيادة احتمالية اتخاذ خطوات للتخفيف من التدخين.
يجب أن تعرف قبل الخوض في تفاصيل هذه التقنية أنَّ تأثيرها يعتمد على توقعات النجاح، وتنجح هذه التقنية عندما يستخدمها الناس الذين يتوقعون النجاح، فيزداد التزامهم بالهدف ويرتفع مستوى نشاطهم؛ ولكنَّها لا تحقق النتائج المطلوبة عندما يستخدمها الناس الذين يتوقعون النجاح بنسبة ضئيلة؛ فهذا يؤدي إلى انخفاض الالتزام بالهدف وفقدان الدافع.
آلية عمل التبايُن العقلي:
آلية عمل التبايُن العقلي بسيطة جداً، وفي الواقع ربما مارست هذه التقنية من قبل، ولكنَّك تعرفها باسم التخيل، في حين أنَّ التخيل والتبايُن العقلي يختلفان قليلاً، وغير متشابهين جداً.
إليك كيف تمارس التبايُن العقلي:
- اكتب أو فكِّر في عدة جوانب إيجابية مرتبطة بإكمال هدفك، على سبيل المثال إذا كنت تحاول إنقاص الوزن، فقد تكون تلك الجوانب الإيجابية هي: الوسامة، والعيش مدة أطول، وتقليل الإنفاق على الرعاية الصحية، والشعور بمزيد من الحيوية، والقدرة على البقاء نشطاً، وما إلى ذلك.
- ركز في الجوانب الأكثر إيجابية، وركز في أكبر فائدة ستجنيها أو في عدة فوائد أصغر، ثم تخيل تلك الفوائد، كلما أطلت التفكير فيها وأمعنت في التفاصيل، كان ذلك أفضل.
- اكتب أو فكر في عدة عقبات تعترض طريقك في تحقيق هدفك، وعلى سبيل المثال إذا كنت تحاول إنقاص الوزن، فقد تكون تلك العوائق هي: إغراء الوجبات الخفيفة، أو شراء طعام غير صحي في أثناء التسوق، أو تناول كثير من الطعام على العشاء، أو الشراهة العاطفية، أو غياب الدافع لممارسة الرياضة، وما إلى ذلك.
- ركز في أكبر عقبة أو في بضع عقبات أصغر، ومن ثم تخيل تلك العقبات، وكلما أطلت التفكير فيها وأمعنت في التفاصيل، كان ذلك أفضل.
الأمر بسيط جداً: تخيل هدفك، ومن ثم تخيل العقبات التي ستواجهها.
في معظم الدراسات التي اختبرت التبايُن العقلي، طُلب من المشاركين استخدام هذه التقنية مرة واحدة فقط بضع دقائق، وبعد ذلك لوحظت تغيرات في السلوك دامت عدة أسابيع.
شاهد بالفديو: 7 طرق لتبنّي التفكير الإيجابي كمنهج حياة
التبايُن العقلي لا يصلح لمن يعاني نقصاً في الثقة:
تعرَّض أولئك الذين يعانون من انعدام الثقة للأذى بسبب هذه التقنية في جميع الدراسات تقريباً التي اختبرت تأثير التبايُن العقلي، لذا ينبغي ألا تُستخدم هذه التقنية لتعزيز الثقة، فهذه التقنية تترجم الأفكار الذهنية المتعلقة بالنجاح إلى عواطف تحفيزية ملموسة، وإذا كنت واثقاً من نجاحك، فإنَّ التبايُن العقلي يمكن أن يزيد من فرص نجاحك، أما إذا كنت تفتقر إلى الثقة بالنفس، فقد يكون ذلك عائقاً.
على سبيل المثال في إحدى الدراسات كان أداء المجموعة التي مارست التبايُن العقلي ولديها توقعات منخفضة للنجاح أسوأ بثلاث مرات من مجموعة التحكم، فإذا لم تكن واثقاً من النجاح، فلا تستخدم هذه التقنية، ففي بعض الحالات، قد يكون من المنطقي تقليل الالتزام تجاه الأهداف غير القابلة للتحقيق حتى توفر الوقت والطاقة لتحقيق أهداف معقولة تتناسب مع قدراتك.
ما هو سبب تطوير التبايُن العقلي؟
عندما يوصي كتاب أو موقع ويب أو مدرب بالتخيل، فغالباً ما يشيرون إلى الجزء المتعلق بالتخيل الإيجابي للمستقبل من التبايُن العقلي، إنَّهم يقترحون عليك أن تتخيل تحقُّق هدفك؛ أي الحصول على المكافآت في النهاية، والتعامل مع الأمور من وجهة نظر عقلك الباطن.
ينجح التخيل الإيجابي للمستقبل عندما تقصر تخيلك على الواقع، فعندما تربط تخيلك بالواقع، سوف يتفاعل الدماغ مع التخطيط والدراسة الدقيقة، فهو يساعد على تحفيزك على النجاح؛ لأنَّك عندما تستطيع تخيل شيء ما، فهذا يعني أنَّك تستطيع تحقيقه، لهذا السبب ينجح تخيل المستقبل الإيجابي، فهو يقنع عقلك بأنَّ المستقبل الذي تريده من المرجح أن يتحقق؛ أي ما دمت قادراً على تخيله، فإنَّك تستطيع تحقيقه.
يعدُّ جزء التخيل الإيجابي للمستقبل مفيداً لأولئك الذين يعانون من انخفاض الثقة بالنفس، ولكنَّه يفشل مع أولئك الذين يتمتعون بقدر أكبر من الثقة بالنفس، فإذا كنت تتمتع بالثقة ولكنَّك تفتقر إلى الحافز، فقد ثبت أنَّ ضرر التخيل الإيجابي للمستقبل أكبر من نفعه؛ لأنَّ عقلك يفترض أنَّ تحقيق الهدف أسهل مما هو عليه في الواقع، وهذه مشكلة نظراً لأنَّ عقلك الباطن يتمتع بكفاءة عالية، فهو يخصص فقط القدر اللازم من الطاقة لتحقيق أهدافه، وأي شيء أكثر من ذلك سيكون مضيعة للوقت.
إذا اعتقدتَ أنَّ تحقيق هدفك سهل، فسوف يخصص عقلك له طاقة أقل؛ وهذا يؤدي إلى تقليل الالتزام بالأهداف وتحقيقها، ولحل هذه المشكلة تم تطوير التبايُن العقلي لمساعدة الأشخاص الذين لديهم ثقة أكبر في نجاحهم ولكن ينقصهم التحفيز.
مقارنة بين التبايُن العقلي والتخيل:
إذا كنت تثق بقدرتك على النجاح في تحقيق أهدافك، فاستخدم التبايُن العقلي بوصفه وسيلة لتحفيز نفسك؛ أما إذا كنت تفتقر إلى الثقة في نجاح أهدافك، فاستخدم فقط جزء التخيل الإيجابي للمستقبل (التخيل)، فيساعد هذا عقلك الباطن على الشعور بأنَّك قادر على النجاح.
ما هو سبب نجاح التبايُن العقلي؟
يمتلك العقل الباطن أفقاً زمنياً قصيراً، فهو يتصرف بناءً على العاطفة والعادة والرغبة، ولا تعود صعوبة توليد الحافز لتحقيق أهدافنا طويلة الأمد إلى عدم اهتمام العقل الباطن؛ بل بخلاف ذلك؛ هو يريدك أن تكون بصحة جيدة وثرياً وسعيداً؛ ولكن المشكلة هي أنَّه لا يفهم.
أنت تعرف أنَّ الجري في الخارج يساعد على حرق الدهون وتحسين نظام القلب والأوعية الدموية، ولكنَّ عقلك الباطن يرى في ذلك إهداراً لا طائل منه للطاقة، فأنت تفهم أنَّ بذل جهدك في الكتابة باستخدام لوحة المفاتيح يساعدك على إنتاج عمل جيد؛ وهذا يؤدي إلى ترقيتك ويسمح لك بكسب مزيد من المال، ولكنَّ عقلك الباطن لا يرى سوى أنَّك تضيع وقتك في الضغط على الأزرار مراراً وتكراراً.
يساعد التبايُن العقلي عقلك الباطن على الفهم، فهو يربط بين الوعد بالمكافأة المستقبلية والعقبات التي يجب التغلب عليها في الوقت الحاضر، وأنت - الواعي - تفهم، ولكن عقلك الباطن لا يفهم إلا بالتخيل، ولهذا السبب تفشل أفكارك عن العظمة والإنجاز في مساعدته على الفهم.
اختُزلت هذه الفكرة إلى تغييرات معينة ملموسة في الدماغ، فعندما يقترن التبايُن العقلي مع توقعات عالية بالنجاح، يزداد الاتصال العصبي بين العائق والمكافأة المستقبلية، وهذا يعني أنَّ صعود السلالم يصبح مرتبطاً على نحو أكبر بالصحة.
مخاوف وأسئلة عن التبايُن العقلي:
توجد عدة مخاوف وأسئلة لم يُجَب عنها فيما يتعلق بهذه التقنية، منها:
- ما هو سبب قلة الباحثين الذين توثقوا من فاعلية هذه التقنية؟
- ما هو تأثير هذه التقنية على الأمد الطويل؟
حتى الآن، عدد قليل من الدراسات اختبرت تأثير هذه التقنية مدة تزيد على بضعة أسابيع.
- من يستفيد ومن يتأذى من هذه التقنية؟
من المؤكد أنَّ ثمة متغيرات أخرى إلى جانب توقعات النجاح تؤدي دوراً في هذا الأمر.
- إذا كان التبايُن العقلي ضاراً جداً للأشخاص ذوي التوقعات المنخفضة بالنجاح، فكيف يمكن تحديد التوقعات المنخفضة بسهولة ودقة؟
- كم مرة يجب ممارسة التبايُن العقلي؟ على سبيل المثال هل 10 دقائق من التبايُن العقلي تضاهي ضعف فاعلية 5 دقائق؟ هل مرة واحدة في اليوم أكثر فاعلية سبع مرات من مرة واحدة في الأسبوع؟
في الختام:
لقد تناول هذا الجزء من المقال تعريف التبايُن العقلي وأسباب نجاحه وآلية عمله وبعض المخاوف والأسئلة عنه، ويتناول الجزء الثاني والأخير 9 دراسات عن التبايُن العقلي.
أضف تعليقاً