أهمية العمل للمرأة:
ممَّا لا شك فيه أنَّ العمل هو قيمة إنسانية وضرورة حياتية لكل كائن حي، فالمرأة لم تُخلق لتهتم بزوجها وأطفالها فحسب، ولم تكن هذه مهمتها الأساسية، وتاريخها القديم يوضح لنا ذلك؛ فالمرأة كانت حاكمة ومقدسة، وخير مثال على ذلك الملكة "كليوباترا" عند المصريين القدماء، وملكة تدمر "زنوبيا"، و"بلقيس" ملكة حضارة سبأ -في اليمن القديم- التي اتَّصفت برجاحة عقلها وحكمتها في إدارة مملكتها وتخليصها من فساد وطغيان كثير من الملوك؛ لكن -بكل أسف- لا نعرف فيما بعد كيف لُخِّص -في مجتمعاتنا العربية- دورها بإنجاب الأطفال وتربيتهم فحسب.
من فوائد العمل للمرأة أنَّه يجعلها قوية ومستقلة؛ وقادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها وتحقيق ذاتها، ويُشعرها بمكانتها الاجتماعية، ويوفر لها الاستقلال المادي فلا تحتاج زوجها أو أهلها لينفقوا عليها، كما يوفر لها العمل حياة اجتماعية وعلاقات مع زملاء في العمل، فلا تبقى حبيسة البيت لا تُواكب ما يجري في العالم الخارجي.
كيف للمرأة أن تحقق التوازن بين عملها وبين دورها كأم وزوجة؟
لا يُعَد بالأمر اليسير أن تُحقِّق المرأة العاملة توازناً بين عملها وأسرتها، فهو هاجس يؤرِّقها؛ دائماً ما تعيش صراعاً بين طموحها وحلمها بأن تكون شخصاً ناجحاً له بصمته في الحياة، وبين عاطفة الأمومة التي تُشعرها بالمسؤولية تجاه أولادها، وخوفها من أي تقصير بواجباتها كأم وزوجة.
فيما يلي مجموعة من الطرائق التي تساعدها في ذلك:
1. التنظيم:
تنظيم الوقت سرُّ نجاح المرأة العاملة، من خلال تحديد الألويات وتخصيص الوقت المناسب لكل منها، وتقسيم يومها بين كل واجباتها؛ فوقتٌ لعملها، ووقتٌ لأولادها تُدرِّسهم وتجلس تتحاور معهم في كل أمورهم، وتُزودهم بالمبادئ والقيم التي تجعل منهم أشخاصاً ناجحين؛ ووقت للزوج بحيث تحافظ على دورها كصديقة له وزوجة صالحة، ووقت للاهتمام بنفسها وممارسة هواياتها، ووقت للمناسبات والواجبات العائلية.
2. اختيار العمل:
أي ألا تقوم بعمل لا تريده، فتُكرِه نفسها على قبوله لظروف مادية؛ لأنَّ نتيجة ذلك إصابتها بضغط عصبي ونفسي ينعكس على بيتها وأولادها.
3. المشاركة مع الزوج والأولاد:
يجب أن تدرك المرأة أنَّ الحياة الزوجية مشاركة بين طرفين، لكل منهما واجبات عليه القيام بها وحقوق يجب أن يحصل عليها، وأن تُوضِّح لزوجها إن كان لا يفهم تلك الأمور بفعل التربية والمجتمع، فتطلب منه المساعدة، وكذلك من الأبناء، فذلك ينمِّي لديهم الإحساس بقيمة العمل والشعور بالمسؤولية؛ كأن تُعلِّمهم أن يرتبوا غرفهم ويساعدوا في أعمال الطَّي ويقفوا بجوارها للمساعدة دائماً.
4. جعل البيت مسؤولية الجميع:
يقع على عاتق الأم أن تُعلِّم أبناءها أنَّ البيت مسؤولية الجميع، وتُعلِّمهم أيضاً ضرورة الالتزام بالنظام فيه، والمحافظة على ترتيبه وإعادة كل غرض يُستخدم إلى مكانه؛ تضمن الأم بذلك تعاون الجميع معها و تخفيف أعباء البيت عليها.
5. التحضير المسبق:
يُحبَّذ للأم العاملة استغلال أيام العطل، فتقوم بإعداد وتحضير وجبات الطعام مثلاً وتجميدها في الثلاجة، لتكون سهلة التحضير خلال أيام الأسبوع، وبالتالي ترتاح الأم من تحضير الطعام يوميا وتوفر الوقت.
6. فصل العمل عن المنزل:
لا تنقل المراة الذكية ضغوط العمل ومشاكله إلى البيت، ولا تتركها تنعكس على حالتها النفسية، أو على علاقتها بزوجها وأبنائها.
7. التخلص من الإحساس بالذنب:
يجب على الأم العاملة ألا تلوم نفسها أو تشعر بالذنب تجاه أولادها أثناء وجودها في العمل؛ بل تفكر بإيجابية وبقيمتها في محل عملها، وأنَّها إنسان ناجح ومصدر فخر لأولادها.
8. تجنُّب تضييع الوقت:
بألا تنفق الأم العاملة كثيراً من وقتها في إجراء المكالمات، أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، أو مشاهدة التلفاز.
9. تخصيص وقت للأولاد:
قد لا تملك الأم العاملة كثيراً من الوقت، لكنَّ هذا لا يهم، فليس المهم كم تقضي الأم وقتاً مع الأولاد؛ وإنَّما كيف تقضي هذا الوقت، أي منحهم وقتاً نوعياً، تحرص فيه على التحدث معهم بكل تفاصيل يومهم، ومشاركتهم اهتماماتهم وميولهم، ومعرفة ما يعترضهم من مشاكل ومناقشتها وتقديم النصيحة لهم.
10. الاهتمام بالزوج:
تُهمل المرأة غالباً علاقتها بزوجها نتيجة لضغوط العمل وأعباء المنزل والأسرة، فتقع في فخ الإهمال والملل والروتين؛ لذلك على المرأة العاملة ألا تغفل عن هذا الأمر وتحرص على أن تكون صديقة لزوجها، وتجد وقتاً يومياً للتحدث معه في أمور عمله وتفاصيل حياتهما، فلا تتردد في اختراع أنشطة لكسرالروتين؛ مثل تحديد موعد شهري للخروج كزوجين معاً، والاستمتاع بصحبة أحدهما للآخر.
11. الترفيه:
ترتكب المرأة خطأ في حق نفسها، بأن تعمل طوال الأسبوع لتأتي في أيام الإجازة فتُنظِّف وتطبخ وتغسل وغير ذلك من أمور المنزل؛ مُتناسية أنَّها كائن بشري - وليس آلي - يجب أن يعيش ويستمتع بحياته؛ لذلك عليها أن تُنظِّم برنامجاً ترفيهياً مع زوجها وأولادها، وأن تخصص على الأقل يوماً واحداً في الأسبوع، تتوقف فيه عن فعل أي شيء؛ فيذهبون للسينما، ويتناولون الطعام في الخارج، أو قد يذهبون في رحلة خارج المدينة لمدة يوم واحد.
12. الرياضة:
ممارسة الرياضة أمر شديد الأهمية، يجب ألا تنساه الأم العاملة في زحمة انشغالاتها، وتحرص على أن تمارس الرياضة يومياً لمدة نصف ساعة حتى لو كانت المشي على الأقدام، فهي تكفي لتجديد النشاط اليومي، وتحسين الصحة والشعور بالسعادة.
13. رعاية الذات:
أي أن تجد الأم العاملة وقتاً للعناية بنفسها، أو ممارسة هواياتها المفضلة، أو الخروج مع صديقاتها، فهذه الأوقات ضرورية لتخفيف التوتر و تجديد طاقتها.
شاهد بالفيديو: 4 خطوات لتكوني امرأة ناجحة
دور الرجل في تفهم عمل المرأة:
يجب على الرجل أن يكون شريكاً داعماً ومسانداً للمرأة، فلا يأخذ الطريق المعاكس ويمنعها من العمل؛ بل يعطي لها المجال لتحقيق ذاتها - فالعمل يصقل شخصيتها ويزيد خبراتها ما ينعكس إيجاباً على إدارتها لحياتها وتربيتها لأولادها - فلا يتردد في تخفيف العبء الذي تحمله المرأة؛ وذلك بمشاركتها - مثلاً - في تدريس الأولاد وتوصيلهم والعودة بهم إلى المنزل، وفي الأعمال المنزلية وشراء احتياجات المنزل.
على الزوج تقدير زوجته وإشعارها دوماً بأنَّه يقدر تعبها، فلا يترك فرصة دون قول كلمة "شكراً" لها، وأن يُعلِّم الأولاد ذلك الأمر؛ لأنَّ كلمة "شكراً" تصنع فارقاً كبيراً مع المرأة وتُنسيها تعبها.
عمل المرأة بين تأييد ورفض:
هناك مفاهيم خاطئة من أنَّ عمل المرأة الأم قد يُشكِّل خطراً على العلاقة الزوجية ومستقبل الأولاد، فاختلفت الآراء بشأن عمل المرأة؛ بين مُعارضين يرون أنَّ عملها يقتصر على تربية أولادها ورعاية بيتها، ومؤيدين يرون فيه ضرورة لتطوير ذاتها ومساندة الرجال في بناء المجتمع.
لكنَّ النساء حول العالم يثبتن كل يوم أنَّ المرأة قادرة على تحمل أعباء كثيرة، وأنَّ للمرأة قدرة على التفكير بأكثر من موضوع في ذات الوقت تفوق قدرة الرجال، وهناك الكثير من قصص النساء الناجحات في مجالات عملهن، والناجحات في أُسرتهن.
لا شيء يعلو الإرادة!
قد يقع البعض في خطأ التسليم بأنَّ المرأة التي لا تعمل "ربَّة المنزل" قد تكون أكثر نظاماً ونجاحاً من المرأة العاملة، فربَّة المنزل ليست بالضرورة أفضل من المرأة العاملة؛ بل في كثير من الحالات تتفوق المرأة التي تعمل على ربَّة المنزل في مسؤوليتها؛ وذلك لشعورها بأهمية الوقت وضرورة استغلاله وتنظيمه.
وفي النهاية نقول إنَّ العلاقة المتينة التي تقوم بين الأم وأولادها وزوجها، لا يمكن أن تتدهور وتنهار نتيجة عمل الأم؛ فمتانة العلاقة لا تقوم على عدد الساعات التي تقضيها الأم بجانب طفلها وزوجها، بقدر ما تقوم على نوعية هذه الساعات وصحة تربيتها، ومدى القرب من الزوج، والأهم إرادة الأم وذكائها في تحقيق التوازن بين عملها وأسرتها، وإنجاز دورها في كل منهما على أكمل وجه دون أن يؤثر أحدهما في الآخر.
أضف تعليقاً