أولاً، معنى الألم النفسي:
يُستَخدم مصطلح "الألم النفسي" للتعبير عن الألم الذي ينشأ عن مصادر غير جسدية ويشير إلى استجابات غير مستحبة، ويمكن لأشياء مثل المعتقدات والمخاوف والعواطف القوية أن تسبب الألم أو تزيده أو تطيل أمده، وعرَّفه "شنايدمان" الباحث في السلوك الانتحاري بأنَّه: "حجم الأذى الذي يتعرَّض له الإنسان؛ إذ إنَّها معاناة ذهنية وعذاب ذهني".
إذاً، الألم النفسي تجربة حسية وعاطفية غير سارة، والإحساس يتألف من شقين: الأول "مؤثر"؛ أي السبب أو الدافع أو المنبه، والثاني هو "الاستجابة"؛ أي الخبرة التي يعيشها الإنسان، وخبرة الألم هي خبرة معاناة وحزن.
وبغض النظر عن السبب، يمكن القول إنَّ هذا الألم النفسي ألم شديد ويؤثر تأثيراً كبيراً في العديد من المجالات المختلفة في حياة الفرد، مع أنَّه في الغالب قد يَعُدُّه الكثيرون أنَّه أقل خطورة من الألم الجسدي، ولكن من الهام أن يُؤخَذ الألم النفسي على محمل الجد، ويوجد عدد من المشاعر الشائعة المرتبطة بالألم النفسي، التي يمكن أن يكون لها تأثير في صحتك الجسدية والعقلية. ويُعرَف الألم النفسي بأسماء عدة أخرى نذكر منها: الألم الروحي، والنفسية، والمعاناة العاطفية، والألم العاطفي، وألم الروح، والألم العقلي.
ثانياً، أسباب الألم النفسي:
1- الحزن:
عرَّفه معجم علم النفس الأمريكي (APA) بأنَّه حالة عاطفية من التعاسة، وتتراوح في شدتها من معتدلة إلى شديدة، وعادة ما يثيرها فقدان شيء ذي قيمة عالية، ويتجلى بعلامات خارجية مثل: البكاء، والتشاؤم، والحزن، وتختلف الأسباب التي تدفع بالإنسان إلى الحزن مثل: فقدان العمل، وموت شخص عزيز، والإصابة بالمرض، والفشل في علاقة عاطفية، والشعور بعدم الرضى عن شيء ما، والشعور بالنقص، وغيرها من الأسباب.
2- القلق:
عرَّف "معجم علم النفس والطب النَّفسي القلق بأنَّه: "شعور عام بالفزع والخوف من شر مُرتَقب وكارثة توشك على أن تحدث، والقلق استجابة إلى تهديد غير محدد، وكثيراً ما يصدر عن الصراعات اللاشعوريَّة ومشاعر عدم الأمن والنزاعات الغريزية الممنوعة من داخل النفس؛ وفي الحالتين يُملأ الجسم بإمكانية مواجهة التهديد، فتتوتر العضلات وتتسارع ضربات القلب".
كما عرَّفه "لاري" (Leary 1983): "رد فعل معرفي انفعالي مُكرَه يتميز بالخوف من احتمالية حدوث أمر مفاجئ سلبي، ويرى بصفة عامة أنَّ القلق هو خبرة معرفيَّة انفعاليَّة ذاتية".
ويعيش الأفراد على اختلاف أعمارهم حالات مختلفة من القلق، فنجده عند طالب قبل دخوله إلى قاعة الامتحان، وعند أم تنتظر مولدها، وعند جندي قبل خوضه المعركة، وغيرها من الحالات، كما توجد أسباب عدَّة تدفع الإنسان إلى القلق منها: القلق من المستقبل المجهول، وعدم التكيف مع المحيط، وعدم تحقيق الأهداف المرسومة وغيرها.
3- الخوف:
هو اضطراب يصيب الفرد عند تعرُّضه إلى خطر ما أو تهديد، سواءً كان حقيقياً أم تخيلاً؛ مثل الخوف الاجتماعي أو الفوبيا من الأماكن المغلقة أو فوبيا الحشرات وغيرها، ويؤثر الخوف في كلتا الحالتين النفسية والجسدية تأثيراً سيئاً؛ إذ يُحدِث حالة من التوتر والإرهاق الذي يدفع الفرد إلى اختيار العزلة والبقاء بمفرده واختيار الوحدة عوضاً عن مواجهة هذا الخوف، ومن ثم يحدث الألم النفسي للفرد.
4- الغضب:
يُعَدُّ الغضب من الانفعالات التي تشتهر شهرة أكبر في حياة الإنسان، وكثيراً ما يشعر بها عندما يواجه الضغوطات في حياته، وهو انفعال غير سار وأحد أسباب حدوث الألم النفسي.
5- الاكتئاب:
هو اضطراب مزاجي يسبب الحزن الدائم، ويؤثر في مختلف جوانب حياة الفرد من طريقة تفكير أو سلوك أو قيامه بالأعمال، كما يؤثر في حياة الناس المحيطين بالفرد والمحبين له؛ وذلك بسبب عجزهم عن مساعدته في التخلص من الاكتئاب وعودته إلى الحياة الطبيعة والخروج أو التخلص من الاكتئاب فهو ليس بالأمر السهل إذ يصعب الخروج منه، ويتطلب رحلة علاج طويلة نوعاً ما.
ثالثاً، أعراض الألم النفسي:
- الصداع المستمر وآلام الرأس.
- آلام المعدة.
- الحزن الشديد والاكتئاب، والمعاناة من الذكريات المؤلمة.
- حدوث تغيرات عدة في عادات الروتين اليومي ولا سيما في عادات النوم وعادات تناول الطعام.
- الإدمان وتعاطي المواد المؤذية للجسم مثل المخدرات.
- شرب الكحول.
- التدخين بشراهة.
- حدوث مشكلات هضمية مثل الإسهال أو الإمساك والغثيان.
- التغير في ضربات القلب والإصابة بأمراض القلب؛ إذ يقول الأطباء في هذا المجال إنَّ رد فعل القلب تجاه حالات التوتر تكون قوية، وأصبح هناك ما يُعرَف بـ "متلازمة القلب المنكسر".
- ارتفاع ضغط الدم: فمن المعروف عادةً أنَّ المرور بالمواقف العصبية يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم قصير الأمد، ولكنَّ الألم النفسي المستمر، من الممكن أن يُحدِث ارتفاع ضغط الدم طويل الأمد، وعلى الرغم من عدم تأكيد الباحثين لذلك بشكل قاطع، إلَّا أنَّ آراء الأكثرية تذهب في هذا الاتجاه.
رابعاً، ما هو تأثير الألم النفسي في الفرد؟
- فقدان الدافعية: من المعروف أنَّ الدافعية تعني استعداد الفرد إلى بذل قصارى جهده لتحقيق أهدافه التي حددها بشكل مسبق؛ بمعنى أنَّ الدافعية هي مفتاح سلوك الإنسان، ولكن عندما تعصف الأزمات بالفرد مسببة له الألم النفسي، فقد يفقد الدافعية والحماسة التي ترافقها ولا يهتم بتحقيق أهدافه وتتملكه حالة من اليأس وعدم الرضى عموماً.
- الاستسلام للمشكلات وعدم القدرة على مواجهتها أو التفكير في حلول لها.
- الابتعاد عن الواقع والتعلق بأحلام اليقظة، وتخيُّل أشياء لم تحدث أو يريد حدوثها.
- فقدان القدرة على التكيف مع المحيط والتعاطي بطريقة سليمة مع الأهل والأصدقاء وحتى محيط عمله بشكل عام.
- الإفراط في القلق والخوف الشديد، والذي يتحول عند اشتداده إلى الخوف المرضي.
- الوحدة؛ حيث يُفضِّل الفرد الذي يعاني من الألم النفسي البقاء بمفرده بعيداً عن عائلته وأصدقائه، ولا يُفضِّل الحديث أو التعبير عما في داخله.
- التأثير في السلوك وطريقة تفكير الفرد وتعاطيه مع الأمور التي تُطرَح أمامه.
- السلوكات القهرية: وهي مجموعة من التصرفات الغريبة؛ والتي تكون في معظمها غير مقبولة؛ وهي سلوكات تهدر الكثير من الوقت، ومن هذه السلوكات: الاستحمام أكثر من مرة خلال اليوم، والامتناع عن مصافحة الآخرين، والتلعثم خلال الحديث، والعيش في الأوهام وافتراض أشياء لم تحدث، وتكرار الكلمات، والإحساس بالحاجة إلى القيام بالأمور نفسها بشكل دائم.
- الإحساس بالوهن العام في الجسم وعدم امتلاك الطاقة للقيام بأي عمل مهما كان صغيراً.
- التفكير في الانتحار.
شاهد بالفيديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية
خامساً، كيف يمكن علاج الألم النفسي؟
- تقبُّل الواقع والأحداث والمشاعر السلبية المنبثقة عنه: أول خطوة في علاج الألم النفسي هي الاعتراف بالمشاعر السلبية وليس تجاهلها كما هو شائع، فكبت المشاعر لا يجعل الاكتئاب والقلق يذهبان بعيداً؛ بل على العكس قد يفاقم الأمور أكثر؛ لذا يجب على الفرد النظر إلى داخله بتمعن وتحديد السبب الرئيس وراء وجود هذه المشاعر، ومن ثم يجب محاولة التقليل من هذه المشاعر قدر الإمكان عن طريق اتباع أساليب عدة مثل: التقليل من ضغط العمل، وتعلم مهارات التواصل مع الآخرين، والتحلي بالصبر، وتغيير نمط التفكير وغيرها، وحتى إن لم تنتهِ هذه المشاعر بشكل كلي، إلَّا أنَّ البداية تكون بخطوة.
- الحصول على الدعم من المقربين منك: عند الشعور بالضغط والألم النفسي ينبغي طلب الدعم والمساعدة من الآخرين الذين تثق بهم؛ إذ إنَّ الدعم له تأثير كبير حيث يزيد من تقدير الفرد لذاته والشعور بالسيطرة على المواقف والتخفيف من حدة التوتر بشكل عام.
- القيام بالنشاطات الاجتماعية ومحاولة البقاء أكبر قدر من الوقت مع العائلة والأصدقاء وتجنب البقاء وحيداً، فالعزلة تدفع بالذكريات المؤلمة إلى الظهور وتزيد من التوتر؛ لذا يجب تجنب حدوث ذلك.
- الإيمان بالله والتحلي بالصبر والأمل ومحاولة التفاؤل وتوقُّع الأفضل في الأيام القادمة.
- العلاج في المراكز المتخصصة باستخدام إحدى طرائق العلاج ومنها:
- العلاج السلوكي المعرفي: وهي طريقة في العلاج تعتمد على تبادل الحديث والحوار بين المريض والمعالج النفسي بهدف تحليل المشكلات التي يواجهها المريض والتغلب عليها بتغيير نمط التفكير والتصرف.
- العلاج النفسي: يقوم على الحديث مع الطبيب النفسي؛ حيث يتعرَّف الطبيب إلى حالة المريض النفسية ومشاعره وسلوكه ويحل كلاً منها ليساعد المريض على السيطرة على حياته ومجرياتها.
- العلاجات الدوائية: وذلك بالاستعانة بالأطباء المختصين.
- القيام بالنشاطات الجسدية والرياضية؛ حيث تُكسِب الجسم طاقة وتعمل على تغيير المزاج.
- الاسترخاء وإعطاء الجسم الراحة الكافية.
عندما تتأذى النفس ويصاب الإنسان بالألم النفسي عليه أن يتحلى بالإيمان الكافي الذي يجعله يبحث في الأسباب وعلاجها ليشعر بالارتياح، وكلَّما كان الألم كبيراً، كان إحساس التخلص منه والشعور بالراحة عظيماً وشعر الفرد بلذة الانتصار، وفي هذه اللحظة يشعر الإنسان بجمال الحياة وبنعم الله عزَّ وجل.
المصادر:
أضف تعليقاً