تبيَّن أنَّ هذه "المناطق الزرقاء" محدودة ببعض المناطق في العالم، وهي:
- "مدينة سردينيا" (Sardinia) في "إيطاليا" (Italy).
- "جزر "أوكيناوا" (Okinawa) في "اليابان" (Japan).
- "مدينة لوما ليندا" (Loma Linda) في "كاليفورنيا" (California) في "الولايات المُتحدة الأمريكية" (USA).
- "نيكوجا" (Nicoya) في "كوستاريكا" (Costa Rica).
- "إيكاريا" (Ikaria) في "اليونان" (Greece).
لكن ما دفع العلماء لتكثيف دراستهم لهؤلاء المُعمِّرين هو ملاحظتهم أنَّهم نادراً ما يعانون من معظم الأمراض التي يعاني منها معظم الناس في الغرب في منتصف العمر.
المثير للدهشة أنَّه تكاد تنعدم لديهم الإصابة بالخرف، ومشكلات القلب والاكتئاب، ما يعني فعلياً أنَّ سكان هذه المناطق يعيشون حياة ذات جودة عالية وليس فقط حياةً طويلة، وهذا ما دفع العلماء لتكثيف البحث لمعرفة السر وراء الحياة الطويلة، والهانئة لسكان هذه الأماكن، وهو الأمر الذي يعني كثيراً للأغلبية من سكان العالم. إذاً،
ما هو الخطأ في طبيعة حياة سكان الغرب؟
تُعزى 50% من نسبة الوفيات سنوياً في "الولايات المُتحدة الأمريكية" (USA) للإصابة بأمراض القلب والسرطان، واللذين تساهم فيهما عوامل يمكن الوقاية منها، وجدير بالذكر أنَّ ثمة شعوباً تكاد تنعدم فيها نسبة الإصابة بأمراض القلب، كما يوجد شعوب لا يعاني أفرادها من الإصابة بالسرطان إلا في حالات نادرة جداً إذا لم تكن معدومة.
العامل المشترك بين الظاهرتين هو نمط الغذاء والحياة الصحية، ومع ذلك، لا يفسِّر هذان العاملان وحدهما سبب طول عمر سكان هذه المناطق.
ما يثير الدهشة هو أنَّ معدلات الإصابة بالسرطان في مجتمعات "المناطق الزرقاء"، (على وجه الخصوص، إيكاريا في اليونان) تكاد لا تُذكَر مقارنةً بما هي عليه في الغرب، في حين تنخفض نسبة الإصابة بأمراض القلب إلى النصف وفق نفس المقارنة، وتنعدم نسبة الإصابة بالخرف.
يعني ذلك حرفياً أنَّه نادراً ما يُصاب هؤلاء الأشخاص بالأمراض التي يصاب بها معظم سكان العالم الغربي، ويعيشون حياةً أكثر متعةً تكاد تخلو من الآلام التي تسببها الأمراض، وباختصار يتمتع سكان هذه المناطق بصحة مثالية طيلة حياتهم، وحتى وفاتهم تقريباً.
من الواضح أنَّ نمط الحياة الذي يعيشه هؤلاء الأشخاص لا يضمن لهم التمتع بصحة رائعة على الأمد القصير فحسب، بل يجنِّبهم الإصابة بالأمراض التي تبدأ بالظهور عادةً في العقد الخامس والسادس من العمر لدى معظم الناس وتؤدي بهم إلى الوفاة.
لذلك، فقد يساعدك ما سنوضِّحه من خصائص مشتركة ومميزة لهذه المجتمعات على إطالة عمرك، وليس هذا فحسب، بل ستتمتع خلال حياتك الطويلة بصحة رائعة وحياة سعيدة، ولكن لنكتشف أولاً العوامل المشتركة بين سكان "المناطق الزرقاء".
توصَّل الباحثون إلى استخلاص نتائج تجمع بين 3 من سكان المناطق المذكورة آنفاً، وهي: "سردينيا"، و"أوكيناوا"، و"لوما ليندا"، والمثير للاهتمام أنَّ العوامل المشتركة بين سكان هذه المناطق لا تقتصر فقط على العوامل المادية التي يُعتقد أنَّها المُساهم الأساسي في تحسين الصحة مثل الرياضة والغذاء.
كي نتوخى الدقة، فإنَّنا سنذكر القواسم المشتركة في نمط الحياة الخاص بسكان هذه المناطق، ومن ثمَّ سنذكر السمات الثقافية الخاصة بكل واحد منها:
شاهد بالفيديو: 7 عادات يومية قد تقصّر العمر
القواسم المشتركة في نمط الحياة الخاص بسكان المناطق الزرقاء:
1. اﻷسرة:
تشدد ثقافة كل من هذه المناطق على أهمية الأسرة، بوصفها الأولوية القصوى في الحياة، ويحرص سكان هذه المناطق على الاجتماع بأفراد أسرهم ورؤيتهم وزيارتهم بانتظام، وينطبق نفس الأمر على الأقارب الأبعد وليس فقط الأقارب من الدرجة الأولى، ومن الواضح أنَّ التفاعل الاجتماعي هو السمة الأبرز في ثقافة هذه المجتمعات.
2. الامتناع عن التدخين:
غني عن البيان أنَّ التدخين عامل أساسي في كثير من الأمراض المميتة، ومن المرجَّح أنَّك تدرك ذلك دون الحاجة إلى أية مقارنات، أو قراءة أية دراسة علمية.
3. النظام الغذائي النباتي:
يمتاز سكان هذه المناطق الخمس باحتواء وجباتهم بشكل أساسي على المنتجات النباتية، ولا يعني ذلك أنَّهم لا يتناولون اللحوم أو الكربوهيدرات، وإنَّما يعني أنَّ وجباتهم تتألف بشكل أساسي من النباتات، مع بعض اللحوم، أو الكربوهيدرات المكررة.
4. ممارسة نشاط بدني خفيف أو متوسط الشدة لكن بانتظام:
غالباً ما نعتقد أنَّ ممارسة النشاط البدني تعني الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية وممارسة الرياضات المُجهدة، وفي الواقع لا يمارس هؤلاء الأشخاص ذوي معدَّل العمر الأطول في العالم تمرينات رياضية قاسية، وإنَّما يمارسون نشاطات بدنية خفيفة ولكن بانتظام، مثل البستنة، أو المشي لمسافات طويلة، أو أي عمل آخر يتعلق بالزراعة، لكنَّهم يمارسون هذا النشاط يومياً؛ إذاً، يكمن سرهم في ممارسة نشاط بدني خفيف، أو متوسط الشدة، وعلى أساس يومي.
5. العلاقات الاجتماعية:
العلاقات الاجتماعية هامة بالنسبة إلى سكان "المناطق الزرقاء"، وهي تسهم في طول أعمارهم بنسبة الثلث تقريباً، ومع ذلك فإنَّ لكل مجتمع ما يميزه في هذا الجانب، وهو ما سنوضحه فيما يأتي:
تأثير الحياة الاجتماعية في صحة الإنسان وطول عمره:
بخلاف ما كنا نعتقد لفترة طويلة، فإنَّ جانباً هاماً من العوامل التي تؤثِّر في عمر الإنسان وصحته هي جوانب غير مادية.
خصائص مجتمع "إيكاريا":
فيما يأتي بعض الخصائص المثيرة للاهتمام، وهي:
- يعد سكان "إيكاريا" الأسرة أولوية، ويتميزون بروابط عائلية متينة جداً (توصلت معظم الدراسات إلى وجود علاقة بين الروابط الأسرية القوية وانخفاض معدلات الإصابة بالاكتئاب والتوتر).
- المشي في المتوسط لمسافة 8 كيلومتر يومياً على أرض غير مستوية؛ وذلك بسبب رعيهم للمواشي التي يربونها.
- شرب عصير العنب، إذ توصلت معظم الدراسات إلى أنَّ عصير العنب مليء بمضادات الأكسدة.
- وجهة نظر متفائلة عن الحياة: يتميز سكان إيكاريا بموقف ذهني متساهل تجاه الحياة، كما يتمتعون بحس فكاهة عالٍ.
خصائص مجتمع "أوكيناوا":
تتميز ثقافة مجتمع "أوكيناوا" بمفهوم مميز عن الحياة إذ يُعد أنَّه لا يمكن الشعور بمغزى الحياة دون الاستيقاظ باكراً في الصباح، كما يتميزون بـ:
- علاقات اجتماعية قوية بين أفراد العائلة والأصدقاء تساعدهم على توفير الدعم العاطفي والمالي حتى.
- امتلاك معظم سكان "أوكيناوا" لحدائق في فناء منازلهم التي يزرعون فيها بعض الأشجار المثمرة، ويقضون فيها بعض الوقت للترفيه.
- اتِّباع نظام غذائي نباتي بشكل أساسي، كما أنَّهم لا يأكلون لحد التخمة.
خصائص مجتمع "نيكوجا":
لدى سكان "نيكوجا" سمة مشابهة جداً لسمة المجتمع في "أوكيناوا"، وهي وجود مغزى من الحياة:
- يتمحور المغزى الأساسي للحياة غالباً في الحفاظ على الأسرة، أو بناء علاقات قوية مع المحيط الاجتماعي (من الواضح أنَّ الحياة الاجتماعية سبب أساسي للصحة وإطالة العمر).
- اتِّباع نمط حياة يقوم على الاستيقاظ منذ الفجر والعمل الدؤوب، والنوم مبكراً مدة 8 ساعات.
- تناول وجبة كبيرة في الصباح، ووجبة خفيفة جداً في الليل.
في الختام:
نعلم أنَّ النظام الغذائي، وممارسة النشاط البدني، ونمط الحياة وما إلى ذلك هي عوامل حاسمة فيما يتعلق بالصحة وطول العمر ولكن ربما تؤثر العديد من العوامل غير المادية الأخرى في صحة الإنسان ومعدَّل عمره، وتؤكِّد خصائص مجتمعات "المناطق الزرقاء" أنَّ الحياة الاجتماعية قد لا تقل تأثيراً عن غيرها من العوامل المادية التي تؤدي دوراً في صحة الإنسان وإطالة عمره؛ لذلك قد يكون آن الأوان لإيلاء ما يكفي من اهتمام لهذا الجانب الذي تتزايد الأدلة على أهميته في صحتنا النفسية والجسدية.
أضف تعليقاً