التردد في اتخاذ القرار:
التردد هو صفة بعض الأشخاص التي تمنعهم من تحقيق الأهداف التي يسعون إليها؛ وذلك لأنَّ الشخص المتردد لا يستطيع اتخاذ القرار المناسب؛ فعندما يواجه موقفاً معيناً أو مشكلة، يحاول تأجيل اتخاذ القرار قدر الإمكان، ومن ثم يحاول التهرُّب منه، ومن ثمَّ يخسر الوقت المسموح له في اتخاذ قراره ويخسر الفرصة المتاحة أمامه، التي قد لا تتكرر مرة أخرى خلال حياته.
قد لا يستطيع الإنسان اتخاذ قرار سريع في أمر معين لأنَّه يريد التفكير ملياً من خلال جمع كافة المعلومات وموازنة الحقائق بتأنٍّ، ففي هذه الحالة لا يُعَدُّ التردد أمراً سيئاً؛ إنَّما يساعدك على تجنب التسرُّع والتهور واتخاذ قرار حكيم ومناسب، لكن يصبح التردد في اتخاذ القرار مشكلةً تحتاج إلى حلٍّ عندما تصبح فترة التفكير أطول من اللازم؛ وذلك لأنَّها تعطِّل القدرة على عيش الحياة عيشة طبيعية.
أسباب التردد في اتخاذ القرار:
توجد عدة أسباب تؤدي إلى التردد في اتخاذ القرارات، ومنها ما يأتي:
1. الخوف:
يُعَدُّ الخوف المسؤول الأول والأهم عن تردد الإنسان في اتخاذ القرار؛ وذلك لأنَّه يجعل منه شخصاً عاجزاً عن خطو أي خطوة إلى الأمام، فالإنسان بطبعه يخاف من أي خطوة نحو المجهول أو أي أمر غير مألوف بالنسبة إليه؛ وذلك لأنَّه لا يرغب في الخروج من منطقة الراحة الخاصة به التي توجد فيها كل الأمور المألوفة بالنسبة إليه، والتي يعلم أسبابها ونتائجها.
وعندما يكون الإنسان على وشك اتخاذ قرار في حياته، يشعر أنَّه اقترب من الخطر؛ فالخوف الذي ينتابه قد يجعله يغير قراره ويتراجع عنه؛ لذلك لا ضرر من الخوف القليل قبل اتخاذ القرارات؛ أي ضمن حدود معينة لكن إن تنامى الخوف في داخله، يصبح عدواً لدوداً لتطوُّره في الحياة، وقد يكون خوف الإنسان من اتخاذ القرار موروثاً من أحد والديه؛ وذلك لأنَّ صفات الوالدين تنتقل للأطفال نتيجة تعاملهم واحتكاكهم المباشر معهم.
2. قلَّة الثقة بالنفس أو انعدامها:
إنَّ شكَّ الإنسان في اختياراته وعدم ثقته أنَّه قادر على اتخاذ قرار صائب في حياته، يجعل عملية اتخاذ القرار من أصعب الأمور بالنسبة إليه، وقد تأتي قلَّة الثقة بالنفس نتيجة الخيبات المتكررة والتجارب السلبية التي يتعرض لها الإنسان في حياته، لكن هذه الأسباب ليست مبرراً للتردد المبالغ فيه؛ وذلك لأنَّ الإنسان عليه تقدير نفسه دائماً.
3. عدم معرفة الهدف:
إن لم يستطيع الإنسان معرفة ما هو هدفه الأكبر في الحياة وكيفية الوصول إليه، لن يستطيع معرفة ما هو الطريق الصحيح الذي يوصله إليه، وما هي القرارات الصائبة التي تصب في مصلحته، ومن ثمَّ سيصبح تردده كبيراً في اتخاذ أي قرار في حياته.
4. السعي نحو الكمال:
يبحث معظم الأشخاص عن الكمال في حياته؛ لذلك يُعَدُّ اتخاذ قرار خاطئ مهما كان بسيطاً أمراً مزعجاً بالنسبة إليهم، ومع مرور الوقت يصبح الإنسان مهووساً باتخاذ القرارات الصحيحة، ومن ثمَّ يزداد تردُّده في اتخاذ أي قرار مهما كان بسيطاً؛ كاختيار ملابسه أو لون سيارته، وقد يكون الأهل هم السبب في هذا الأمر؛ فالكثير من العائلات لا تسمح لأبنائها بارتكاب أي خطأ، ومن ثمَّ يصبح الأبناء في سعي دائم نحو الكمال في حياتهم؛ وذلك للحصول على رضى الأهل.
شاهد بالفيديو: كيف تتعلَّم فن اتخاذ القرارات الصحيحة
5. الاهتمام لآراء الناس:
يتردد معظم الأشخاص في اتخاذ أي قرار في حياتهم؛ وذلك لأنَّهم يريدون أن يستمعوا لآراء الجميع من حولهم من أصدقاء وأقارب وزملاء في العمل، حتى إن لم يكن لديهم الخبرة الكافية في الموضوع، التي تمكِّنهم من إعطاء رأي مفيد.
وقد يتردد الإنسان في اتخاذ القرار لأنَّه يرغب في إرضاء الناس المحيطين به، فهو لا يهتم بتحقيق ما يريده بقدر ما يهتم بتحقيق ما يتمناه الآخرون، ولأنَّ إرضاء العديد من الأشخاص في وقت واحد صعب جداً؛ يصبح التردد في اتخاذ القرار كبيراً جداً.
6. توفر العديد من الخيارات:
عند وجود الكثير من الخيارات أمام الفرد ويجب عليه الاختيار بينها، تصبح حيرته كبيرة وتردُّده كبيراً، بينما إن كانت الخيارات قليلة، تكن عملية اتخاذ القرار أسهل.
7. الخوف من تحمُّل المسؤولية:
يرغب العديد من الأشخاص في الابتعاد عن تحمُّل المسؤولية، ولكنَّ اتخاذ أي قرار في الحياة، يترتب عليه نتائج وعواقب جيدة أو سيئة؛ لذلك عدم الاستعداد لتحمُّل هذه النتائج يصبح عائقاً أمام اتخاذ القرار، ومن ثمَّ يزيد من تردد الإنسان في اتخاذ القرارات وخاصةً القرارات المصيرية.
8. الإفراط في التفكير:
يُعَدُّ الإفراط في التفكير من أسوأ الأشياء التي تصيب الإنسان، فمن الطبيعي التفكير قبل القيام بأي أمر وحتى قبل التحدُّث، لكن من غير الطبيعي الإفراط في التفكير بنفس الأمر مراراً وتكراراً؛ وذلك لأنَّه سوف يجعلك حبيس الخوف والأوهام غير الحقيقية ويصعِّب عملية اتخاذك للقرار.
علاج التردد في اتخاذ القرارات:
بعد معرفة الأسباب التي تؤدي إلى التردد في اتخاذ القرارات، يصبح من السهل معالجتها حتى يتم التخلص من التردد تدريجياً؛ فليس من السهل تغيير هذه الصفة بين ليلة وضحاها؛ بل يستغرق الأمر بعض الوقت وبعض الجهد أيضاً.
من الخطوات التي تساعد الإنسان على التغلُّب على التردد نذكر ما يأتي:
1. تعزيز الثقة بالنفس:
من الضروري العمل على زيادة الثقة بالنفس من أجل التغلب على التردد، ويتم ذلك من خلال تعويد الإنسان نفسه على رؤية طاقاته وقدراته الكامنة، والاعتراف بجميع الإنجازات التي حققها سابقاً في حياته، وتذكُّر التجارب التي نجح بها؛ وذلك ليثق بأنَّه قادر على مواجهة المشكلات باختلافها وقادر على اتخاذ قرار صائب ومفيد.
2. أخذ وقت كافٍ في التفكير:
ابتعد قليلاً عن الضوضاء والانفعالات والعصبية التي قد تنتج عن حيرتك في اتخاذ القرار، وفكِّر في مستقبلك فقط، وفكِّر جيداً في هذا القرار وبتأثيره في مختلف جوانب حياتك؛ لأنَّ هذا التأمل يساعدك على تشكيل رؤية أوضح لعواقب القرارات.
3. تحديد أهدافك الرئيسة في الحياة:
عندما تحدد ما تسعى إلى الوصول إليه أو ما هي الإنجازات التي ترغب في تحقيقها يوماً ما، فسوف تتمكن من معرفة إن كان قرارك يصب في مصلحتك ويفيد في تحقيق أهدافك، أو أنَّه لا يتعلق بأحلامك وأهدافك في الحياة؛ وذلك لتتمكن من اتخاذ قرار مفيد حالياً ومستقبلاً.
4. تحديد المشكلة التي تواجهك:
إيجاد حلول مناسبة واتخاذ قرارات صحيحة يبدأ من تحديد المشكلة التي تواجهك بدقة وتشخيصها تشخيصاً سليماً وواضحاً، فهذه الخطوة هي الخطوة الأولى في طريق نجاحك في اتخاذ القرارات.
5. جمع المعلومات الكافية:
عندما يتطلب الأمر أخذ قرار هام، يجب جمع كافة المعلومات التي تتعلق بهذا الموضوع ومن مصادر موثوقة حصراً ومتعددة؛ وذلك لأنَّ كثرة المعلومات المفيدة تساعد على اتخاذ قرار مناسب.
6. التعرُّف إلى عواقب كل اختيار:
يجب على الإنسان عندما يواجه عدة خيارات في حياته أن يفكر في إيجابيات وسلبيات كل خيار متاح أمامه؛ وذلك لأنَّ القرار الصائب يأتي بعد معرفة آثاره في حياة الإنسان.
7. تحمُّل المسؤولية:
مهما كان القرار الذي يجب عليك اتخاذه، فمن الهام ألَّا تتهرب من اتخاذه وألَّا تحاول الهروب من النتائج المترتبة عليه، فلا يمكن للآخرين تحمُّل مسؤولية حياتك؛ إنَّما كل إنسان مسؤول عما يقوم به من مواقف جيدة أو سيئة.
8. استشارة أصدقائك المقربين أو عائلتك:
قد يكون الإنسان في حيرة من أمر معين، ولكنَّ وجود أشخاص إلى جانبه مهتمين لأمره دون وجود أي مصلحة لهم في اتخاذه لقرار معين، يساعده على اتخاذ القرار المناسب له بشجاعة أكبر.
9. تحقيق التوازن بين عقلك وقلبك:
قد يفكر بعض الأشخاص بمشكلاته أو باتخاذ قراراته المصيرية اعتماداً على عواطفه فقط أو على عقله فقط، وكلتا الحالتين خاطئة وبشدة، فإنَّ التفكير الصحيح يعتمد على تحقيق التوازن بين أفكارك وتحليلات عقلك تجاه أي أمر وبين عواطفك ومشاعرك تجاهه، فهذا التوازن يساعدك على اتخاذ قرار صحيح بعيداً عن الحيرة والتردد.
10. التفاؤل والنظر إلى الحياة نظرة أكثر إيجابية:
إنَّ الاكتئاب والتشاؤم يجعل ترددك في اتخاذ القرارات أكبر؛ لذلك من الضروري محاولة التفكير بالنواحي الإيجابية، وطرد الأفكار السلبية قدر الإمكان.
11. تدريب نفسك على اتخاذ قرارات صغيرة:
كي تستطيع التغلب على ترددك، ابدأ باتخاذ القرارات اليومية البسيطة دون الاعتماد على مساعدة أحدهم لك، مثل تحديد اللباس الذي سوف ترتديه وتحديد وجبة الغداء، فعندما تصبح قادراً على اتخاذ القرارات البسيطة بسهولة، سيقل ترددك تجاه اتخاذ القرارات الأصعب تدريجياً.
12. سؤال نفسك هل ستندم لاحقاً:
عندما تواجه موقفاً يتطلب منك قراراً هاماً لحياتك؛ كأن يعرض عليك أحدهم فرصة شراء سيارة بسعر مناسب، لكن لم يكن هذا الأمر في حسبانك وتقع في حيرة من أمرك للأسباب المذكورة آنفاً، فتتردد هل توافق على هذا العرض أم ترفضه، هنا يجب أن تسأل نفسك "هل سأندم بعد 10 سنوات من الآن إن رفضت؟" فقد تساعدك هذه الطريقة على اتخاذ القرار بسرعة أكبر.
13. السيطرة على الخوف:
يجب على الإنسان مواجهة مخاوفه والابتعاد عن الأفكار السلبية التي تنتج عن خوفه فتبعده عن تحقيق أهدافه في الحياة، فإن اتبعَ الخطوات المذكورة آنفاً فور تعرُّضه لموقف يتطلب منه اتخاذ قرار ولم يستسلم لمخاوفه المبالغ بها، يستطيع التحكم بتردده، ويستغل الوقت المتاح أمامه بالتفكير الصحيح فقط، ومن الهام أن تتذكَّر أنَّ الفشل هو بداية للنجاح، وارتكاب الأخطاء يزيد الخبرة في الحياة ويزيد النضج والوعي لتصبح قراراتك حكيمة أكثر وتفكيرك منطقي وعملي أكثر.
شاهد بالفيديو: 6 نصائح للتخلص من مشاعر الخوف من الفشل
14. التوكل على الله:
يسعى الإنسان إلى تحقيق كثيرٍ من الأهداف والأمنيات، لكن عليه التذكر دائماً أنَّ كل شيء بيد الله ومستقبلك ونجاحك بمشيئته؛ لذلك اجتهد في اتخاذ قرارات صحيحة وكن على ثقة تامة بأنَّ قضاء الله هو الأجمل والأفضل لنا.
في الختام:
فكِّر دائماً في تحسين حياتك ولا تسمح لصفة سلبية في شخصيتك بأن تغير من مصيرك في الحياة؛ لذلك كن أكثر وعياً، وتعرَّف إلى نقاط ضعفك وصفاتك السلبية، واعمل جاهداً على تغييرها، ولا تضيع مزيداً من الفرص في ترددك وخوفك؛ بل تحلَّ بالشجاعة الكافية وامضِ قدماً نحو النجاح.
أضف تعليقاً