ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدون "ليو بابوتا" (Leo Babauta)، ويُحدِّثنا فيه عن تأثير دفع النفس لأقصى حدودها.
دفع قدراتي إلى أقصى حدودها في رياضة الجري:
دعنا نستخدم رياضة الجري مثالاً عن ذلك كي تتضح الفكرة أكثر؛ أولاً: أنا لا أتَّبع هذه الممارسة في كل مرة أجري فيها؛ بل أركض حوالي ثلاث مرات في الأسبوع، وعادةً ما أبذل أقصى طاقتي مرة واحدة فقط، بينما أجري في المرتين الأخريين بطريقة مريحة، إليك الخطوات التي أتبعها عند الجري بأقصى طاقتي:
1. الإحماء:
أبدأُ عادة بالهرولة الخفيفة، ثم أمشي لمدة دقيقة، لأهيئ جسدي للجري.
2. الانتقال إلى الجري تدريجياً:
ابدأ بالجري، وأزيد سرعتي تدريجياً.
3. ذروة السرعة:
أركض بأقصى سرعة ممكنة بالنسبة إلي.
4. بلوغ حدود طاقتي:
أرغب في مرحلة ما بالتباطؤ: وهنا أصل إلى عتبة التحمُّل وأرغب في التراجع، وفي هذه المرحلة، أحاول الاستمرار في دفع نفسي لأقصى طاقتي وعدم التراجع، وأعني هنا الجري بوتيرة سريعة ومستمرة.
5. الاستمرار في الجري على نفس الوتيرة:
يزداد شعوري بعدم الراحة كلما استمريت بدفع قدراتي لأقصى حدودها؛ فإذا تمكنتُ من الاستمرار، فعلتُ ذلك، أمَّا إذا كنت بحاجة للراحة، فأرتاح قليلاً، ثم أحاول معاودة دفع نفسي لأقصى طاقتي.
أكرِّر الأمر محاولاً الاستمرار لأطول فترة ممكنة، ثم أتوقف عند حاجتي للراحة، لأعود إلى الجري مجدداً، فإذا تمكنت من الاستمرار دون راحة، فعلتُ ذلك، لكنَّ الراحة جزءٌ من العملية؛ لا يعني الأمر إذاً عدم التراجع أبداً؛ بل استمرار الفرد في دفع نفسه لأقصى إمكاناته لأطول فترة ممكنة، واللجوء للراحة بوصفها وسيلة للعودة والاستمرار.
لقد ساهمت هذه الممارسة في تعزيز مهاراتي في رياضة الجري، على الرغم من أنَّه ليس الهدف الأساسي منها؛ بل الهدف هو تعلم كيفية تقبل شعور عدم الراحة وتحمله.
الجوانب الأخرى التي يفيد فيها دفع القدرات لأقصى حد:
1. تمرينات القوة:
على غرار الجري، أسعى دائماً إلى تحقيق الأداء الأمثل في تدريبات رفع الأثقال وتمرينات الوزن، ولا أقيد نفسي بأوزان محددة أو أكرر التمرين لعدد معين من المرات؛ ولكنِّي أعرف مدى طاقتي في ذلك اليوم؛ فإذا تمكنت من رفع أوزان أثقل أو تكرار التمرين أكثر، فعلتُ ذلك، فيتعلق الأمر ببلوغ عتبة التحمُّل والاستمرار رغم ذلك، وهو ما يجعلني أقوى دوماً.
2. التعلم:
يؤدي تعلم شيء جديد لم نفهمه بعد إلى الشعور بالانزعاج والرغبة في التوقف والاستسلام فوراً، لكنَّ المثابرة مدةً أطول، تعزز قدرتك على التعلم أكثر؛ لذا استمر في التعلم حتى لو عجزت عن فهم المسألة التي تدرسها.
3. الأعمال الإبداعية:
سواء أكنت كاتباً أم مؤلفاً موسيقياً أم فناناً أم صانع محتوى عبر الإنترنت، ستمر بمرحلة تفقد فيها رغبتك في العمل وتقاوم الاستمرار، ولكن إذا تحملت هذا الشعور قليلاً، ستستعيد قدرتك على الإبداع، وإلا ستظل عالقاً في منطقة راحتك، ولن تنمو أبداً.
شاهد بالفديو: 8 طرق لتنمية الإبداع في نفسك
4. التركيز:
إذا كان هدفك تعزيز تركيزك على العمل أو أي نشاط آخر، فحاول الاستمرار في العمل لفترة أطول حتى لو راودتك بعض مشاعر الارتباك والتوتر والقلق وأردت التوقف عن العمل.
5. العلاقات:
تتجلى أروع جوانب العلاقة في مرحلة استكشاف الشريكين لبعضهما؛ فتتيح لنا هذه المرحلة فرصة لاكتشاف شخصياتنا وتعميق فهمنا للطرف الآخر، لكن يفضِّل الكثيرون البقاء في دائرة الأمان واليقين، فالسيطرة على الأمور ممكنة، ولكن، حين تنتابك رغبة في إثبات صحة وجهة نظرك والتحكم بمجريات الأمور، حاول التخلص من هذا الشعور ودفع نفسك للغوص في تجربة الغموض لبعض الوقت.
ثمة كثير من الجوانب الأخرى التي يمكنك تطبيق هذه الممارسة فيها، مثل التأمل والأكل الصحي والمغامرات والخطابة والشؤون المالية وغيرها، ولكنَّ الأهم هو دورها في تعزيز التعلم وتحقيق النمو وزيادة الألفة بين الشريكين والإبداع.
إقرأ أيضاً: 10 عادات يمارسها الأشخاص الأذكياء يوميَّاً
فوائد دفع القدرات لأقصى حدودها:
ستلامس العديد من الفوائد نتيجة دفع نفسك لأقصى حدودك أحياناً، ومنها:
1. تحقيق النمو:
ستشهد نمواً سريعاً في شخصيتك وفي المجال الذي تمارسه مثل الرياضة والتعلم.
2. زيادة الثقة بالنفس:
ستكتسب الثقة بنفسك، وتدرك أنَّك قادر على دفع نفسك وتحقيق الأداء الأمثل لفترة أطول مما كنت تعتقد سابقاً، وهذا يمنحك الثقة في جميع جوانب حياتك.
3. توسيع الآفاق:
لن تتردد بعد الآن في الإقدام على أي شيء ترغب به، وستكون قادراً على توسيع مداركك في مجالات جديدة من الحياة كان الوصول إليها يبدو مستحيلاً في السابق.
4. تخفيف التوتر:
غالباً ما نتوتر بسبب عدم القدرة على التعامل مع أمر ما، ولكن تختفي جميع هذه المشاعر السلبية مع ازدياد الثقة بالنفس وتوسيع مدارك الحياة، فنشعر بالحيوية وتزداد قدرتنا على التعامل مع الأمور.
ملاحظات ختامية:
1. لا تحتاج دوماً إلى دفع نفسك لأقصى حدودك:
أنصحك بتطبيق هذه الممارسة حوالي 20-25% من الوقت الذي تقضيه في التدريب في مجالٍ ما؛ إذ يجب أن تكون مرتاحاً أكثر، وتقوم بأمور سهلة بوصفها جزءاً من تدريبك.
2. الراحة والرعاية الذاتية هامة:
إذا كنت تمارس أي عمل وأنت مُرهق، سيضرك دفع نفسك لأقصى حدودك أكثر من أن ينفعك، وهذا يعني أنَّك يجب أن تعمل على استعادة طاقتك عبر أخذ قسطٍ كافٍ من الراحة، أمَّا إذا كنت تفضل الراحة دوماً، فحاول الضغط على نفسك قليلاً، ولكن دون المبالغة بالأمر.
3. قد تختلف الطاقة القصوى في كل جلسة تدريب:
حينما أمارس رياضة رفع الأثقال، أحياناً يكون الوزن الذي أرفعه أخف من الوزن الذي رفعته في التمرين الماضي، ربما لأنَّني لم أستعد طاقتي تماماً بعد، أو لم أنم جيداً، أو أشعر ببعض التوتر؛ لذا لا تعتمد على مستوى محدد من الطاقة التي عليك بذلها؛ بل على مدى شعورك بعدم الراحة.
أحياناً، تبالغ في الضغط على نفسك؛ لأنَّك تعتقد أنَّه يجب عليك دفع نفسك إلى حد معين، فتتجاهل الإشارات الجسدية التي تنبه بضرورة التوقف، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج مناقضة.
4. الفضول لاستكشاف المجهول:
الهدف ليس دفع النفس لأقصى حدودها فحسب؛ بل الاستمرار بقدر المستطاع، فيتردد الكثيرون أمام هذا النوع من المجهول، ولكن تخيل لو أنَّ هذا المجهول مساحة تنبض بالجمال والحب والإبداع.
5. الاحتفاء بجميع النجاحات البسيطة:
تشجيع نفسك هو أمر هام جداً؛ فإذا بذلت بعض الجهد اليوم، ولكن لم ترغب ببذل مزيد منه، فاحتفِ بكل ما أنجزته مهما كان بسيطاً، وستعتاد على تشجيع نفسك، وهذا يعزز أداءك.
6. اختيار مجال أو اثنين تعمل فيهما بأقصى طاقتك:
إذا كنت تبذل أقصى طاقتك لإنشاء شيء ما وتحسين لياقتك البدنية والتركيز في العمل إلى جانب التأمل وتعلم شيء جديد، فتصاب بالإرهاق وتستنزف طاقتك؛ لذلك كل أسبوع (أو كل شهر)، اختر مجالاً تود التركيز عليه، ويمكنك تغييره في الأسبوع اللاحق، لكن لا تحاول دفع نفسك لأقصى حدودك في 4-5 أشياء خلال أسبوع واحد.
في الختام:
إن بذل أقصى طاقة هو مفتاح النجاح والإنجاز في جميع جوانب الحياة. من خلال بذل الجهد والمثابرة، يمكننا تحقيق أهدافنا وطموحاتنا، وتحسين حياتنا بشكل عام.
أضف تعليقاً