ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة ساي ويكمان (Cy Wakeman)، وتُحدِّثنا فيه عن أثر استخدام الكلمات المناسبة في تقبل الطبيعة المعقدة للناس.
يمثل هذا الحرف البسيط قوة عظمى، ويحررني من التناقض، والاختيارات السيئة، ويقضي هذا الحرف الصغير على اليأس، ويزيد نطاق معرفتك وفهمك ويفتح قلبك؛ إنَّه يشير إلى احتمالات لا نهاية لها، ممَّا يزيد الإبداع ويعزز الابتكار، وهو أسرع حلٍّ ممكن لأكثر المعضلات صعوبة؛ إذ يوفر وجهات نظر مختلفة فورية، ويساعد على التخلص من الحكم والمعاناة.
يمكن تمثيل حرف "و" برمز فريد وهو علامة الجمع، ومع ذلك، كما هو الحال بالنسبة إلى الخلية الواحدة، يمكن أن ينمو حرف "و" ليصبح شيئاً كبيراً ومعقداً وجميلاً، وهذا الحرف هو أكثر بكثير من مجرد إضافة شيء إلى آخر؛ إذ لا يعترف هذا الحرف بجانبين مختلفين أو أكثر فقط؛ بل يرفع من مستوى التفكير على الفور، ويسمح لي بإدراك كثير من الأمور وفهمها.
كما يساعدني على تجاوز الألم المتأصل في الازدواجية؛ ويدفعني إلى الاعتراف بالمفارقات، ويوضح لي طريقة القيام بالأشياء الصعبة، فمن منا لا يريد استخدام هذه الحرف الفريد؟
يمكن للكثير من الأشياء أن تكون صحيحة في آن واحد:
من أحد الأمور الأساسية للشعور بالرضى، هو فهم الطرائق المتعددة التي يمكن أن تكون بها الأشياء التي قد تبدو متناقضة صحيحة في آن واحد؛ إذ يُعدُّ استخدام حرف "و" طريقة لإزالة الغمامات التي نفرضها على أنفسنا بسبب رؤيتنا المحدودة.
إذا تمكنت من فهم هذه الفكرة، والتأمل فيها حقاً، فستصل إلى مرحلة الشعور بالتعاطف بسرعة، وتطوِّر قدراً أكبر من التسامح مع الفوضى الموجودة في هذا العالم الذي نعيش فيه.
تميل عقولنا التي تطورت للتركيز على البقاء إلى اعتماد منظور "إما / أو" المعتادة عليه، والذي يحد من الاحتمالات والقدرات ويمنعك من تحقيق ما تريده في الحياة، ومع ذلك نختار اعتماد هذا المنظور مراراً وتكراراً؛ لأنَّ الذات الأنانية تحب الأمان واليقين وتختار هذه الصفات بدلاً من الدقة وبالتأكيد بدلاً من التعقيد.
يمثل الحل الفطري "إما / أو" للتنافر المعرفي، عقبة أمام التواصل والهدف والعيش الصادق؛ أي أمام الأشياء التي نتوق إليها؛ لذلك من أجل العيش إلى الحدِّ الأقصى في هذه الفوضى الموجودة من حولنا، نحتاج إلى أن نصبح ماهرين في التفكير المتناقض وأن نطور القدرة على فهم أنَّه من الممكن أن تكون معظم الأشياء صحيحة في آن واحد، وكذلك نحن بحاجة إلى أن نتعلم كيف نتعامل مع القلق الناجم عن التنافر المعرفي، والذي يناشد غريزة البقاء لدينا ويضع كبرياءنا في حالة تأهب قصوى، لكن من خلال الممارسة، يمكننا إحباط هدف الكبرياء للشعور بتحسن من خلال التخلص من عادة التفكير من منظور "إما / أو".
ستؤدي محاولة تقييد هذا العالم الجميل والمعقد ضمن نطاق مساحة متضادة وثنائية البعد إلى معاناة طويلة الأمد، فعندما نتطور لنتعايش مع عدم الراحة التي يمكن أن يسببها التنافر المعرفي، تظهر احتمالات لا نهاية لها؛ ولهذا السبب أحب حرف "و" كثيراً فهو يساعد على تخفيف ضغوطات التنافر المعرفي ويسمح لنا بعيش تجربة أكثر ثراءً.
شاهد بالفديو: 8 نصائح لإظهار التعاطف ومراعاة الآخرين
انفتاح القلوب والعقول:
يوجد أمر آخر يقيدنا، وهو الإصرار على البساطة عندما يتعلق الأمر بالمشاعر؛ إذ يمنحنا حرف "و" الإذن بالشعور بكلِّ مشاعرنا، والاعتراف بالمشاعر المعقدة التي تبدو متناقضة، والتي غالباً ما نشعر بها في آن واحد.
بدأت في العام الماضي أو نحو ذلك بعقد اجتماعات ومحادثات مع الناس من خلال أن أطلب منهم أن يعبِّروا عن شعورَين يشعرون بهما في الوقت الحالي، وقد كانت الإجابات التي سمعتها ملهمة، فقد سمعت أشياء مثل: "إنَّني أشعر بالقلق حيال المستقبل ومتحمس أيضاً بشأن ما هو ممكن"، تفسح تجربة معظم المشاعر وتقبُّلها في الوقت نفسه المجال للإبداع وتشير إلى الانفتاح على الأفكار الجديدة، فعندما يفتح الناس قلوبهم، غالباً ما يزداد نطاق معرفتهم وفهمهم أيضاً.
التعبير عن المشاعر:
تتيح لك القدرة على الشعور بمشاعر مختلفة في الوقت نفسه، حياة متعددة الأبعاد؛ إذ تحدد واقعك بالكامل من خلال مشاعر عديدة وليس من خلال شعور واحد فقط، وعندما تدرك أنَّ المشاعر تأتي بسرعة وتنحسر في النهاية، فلا داعي للخوف من الشعور بها في الوقت الحالي.
الاعتقاد بأنَّنا نستطيع الشعور بشعور واحد فقط في كلِّ مرة، عبارة عن فخ، ويمكن أن يؤدي إلى قرارات خاطئة، على سبيل المثال إذا فقدت زوجي السابق، فهل هذا يعني أنَّني أخطأت في الانفصال؟ أو إذا شعرت بالفرح والراحة في أعقاب مروري بتجربة طلاق مؤلمة، فهل هذا يعني أنَّني لم أحبه قط؟ بالطبع لا؛ إذ يمكنني أن أفتقده وأحبه وأدرك أيضاً أنَّ قرار الانفصال الذي اتخذته هو القرار الصائب بالنسبة إلي، ولا يمكن عدُّ المشاعر على أنَّها صحيحة أو خاطئة، فهي مجرد مشاعر فقط؛ لذلك اشعر بها وحررها، ولا بأس بأن تشعر بمشاعر مختلفة في الوقت نفسه؛ فهذا أمر طبيعي تماماً، ومن طبع الإنسان، وسيساعدك حرف "و" على إدراك ذلك.
يعزز حرف "و" قبول الذات:
يُعدُّ حرف "و" مفيد أيضاً لعدم الاهتمام بالتغذيات الراجعة، فعلى سبيل المثال إذا قال لك شخص ما كيف ينظر إليك، فهذا لا يعني أنَّه يجب أن يحدد هويتك؛ فالبشر كائنات معقدة ومتعددة الأوجه؛ فأحياناً يمكن أن نكون لطفاء، وأحياناً أخرى يمكن أن نكون قاسيين، وفي بعض الأحيان يمكنك أن نكون جيدين في إدارة الأموال، وفي أحيان أخرى ننفق المال بتهور، وكذلك يمكن أن نكون والدَين محبين ونجد أنفسنا نصرخ على أطفالنا.
من خلال تذكُّر أنَّ التغذيات الراجعة لا تحدد هويتك، يكون من السهل التقليل من أسلوبك الدفاعي، وربما يمكنك تقبُّل احتمال أن يكون الكلام الذي يُقال لك حقيقي بين محاسنك وسيئاتك، ممَّا يؤدي إلى زيادة التعاطف مع الذات والقبول.
عندما تشعر بأنَّك في مأزق ما، حاول تبديل كلمة "لكن" بـ "و"، واشعر بالتغيير الذي سيحدث:
- لقد أخطأت، ولكن (و) يمكنني أن أحاول إصلاح خطئي.
- أنا محبط من اختيارك، ولكنَّني (و) أحبك.
- أنا أفهم وجهة نظرك، ولكن (و) لدي وجهة نظر مختلفة عما لديك.
- أنا أبذل قصارى جهدي، ولكن (و) يمكنني أن أبذل قصارى جهدي أكثر.
يعدُّ حرف "و" عبارة عن طريقة لتكوين نظرة أوسع وأكثر واقعية عن أنفسنا وعن الآخرين؛ إذ يصبح من غير الضروري السعي لأن تكون أكثر لطفاً؛ لأنَّك ستكون أكثر لطفاً، ويمكن أن يفتح استخدام حرف "و" قلبك للتعاطف ويساعدك على رؤية الناس من منظور مختلف؛ لذلك في المرة القادمة التي تجد نفسك فيها منزعجاً من شخص ما، أو تصفه بكلام ما، جرب استخدام حرف "و"، وسوف تتغير وجهة نظرك على الفور.
توفير الأمان في أثناء دعوة الآخرين إلى العظمة:
يمكن أن يساعد حرف "و" الأشخاص على التحدث عن موضوعات صعبة والقيام بأشياء صعبة أيضاً؛ هذا من الطرائق التي تعلمتها لتوفير الأمان للآخرين في أثناء دعوتهم لتحقيق العظمة؛ إذ يساعدك حرف "و" على البقاء في علاقة مع شخص ما بينما تشارك في إنشاء مستقبل أفضل، ويفسح المجال للإنسان بالنمو والتطور؛ بل وحتى التراجع في بعض الأحيان.
حرف "و" هو طريقة للطمأنة ولطلب شيء مختلف؛ إذ يحافظ استخدامه على التعاطف بوصفه أساساً في المحادثات التي تحتاج إلى سلوك قد يكون غير مرغوب فيه أو يحتاج إلى التغيير دون الشك فيما إذا كان الشخص لطيفاً.
شاهد بالفديو: 12 عقبة تمنعك دائماً من الوصول إلى النجاح
توسيع تفكيرك:
إذا نُظِر إلى معضلة على أنَّها تناقض، فسيُقتل الابتكار، وسيُتذرَع بالندرة وسيُفقد الأمل في الحلول المبتكرة، فما هو الجانب الذي اخترته؟
مَن الذي قرر تقسيم العالم إلى اثنين؟ إنَّني أؤمن بواحد فقط؛ وهو العالم البشري، أريد أن أكون في الجانب الذي يأخذ كلُّ الأشخاص الموجودين على هذا الكوكب في الحسبان؛ إذ إنَّ العالم وفير، وسيَوَدُّ كبرياؤك أن تفكر بطريقة أخرى، وسيظهر ظهوراً كبيراً وجريئاً في الأوقات الصعبة التي تتطلب حل المشكلات.
أحياناً عندما أعقد اجتماعات مع طاقم العمل، أستجيب لخيار واحد قد يبدو صعباً بين خيارين لا أفضلهما، بالسؤال: "أين يوجد حرف "و" هنا؟".
يُعدُّ حرف "و" مفيدة للإنقاذ؛ فأنا أجمع بين كلمتي "نعم" و "و"، ممَّا يتيح لي الاحتمالات دون الشعور بأنَّني يجب أن أواجهها جميعها؛ إذ يمكننا أن نحلم معاً بتعمق دون القلق من أن تكون مسؤوليتي هي تحقيق حلمك.
في الختام:
في عالمنا اليوم، يُعدُّ حرف "و" أكثر أهمية من أيِّ وقت مضى؛ فحرف "و" هو رمز على "أنا متأكدة من أنَّني لا أعرف كلَّ شيء" وقد لا أكون قادرة على الحصول على كلِّ شيء، لكن يمكنني تقبُّل كلِّ شيء على أنَّه حقيقي وممكن، وليس من الضروري أن يقلص التنافر المعرفي من الاحتمالات؛ بل يمكن أن يزيد من قدرتنا على العيش في هذه الفوضى.
إنَّ معرفة وقبول حقيقة احتمال وجود أشياء عدة صحيحة في آن واحد، يجعل العيش في هذه الفوضى أكثر سلاماً إذا سمحت لحرف "و" أن يبدأ في العمل، فإنَّ هذا الجرف الصغير اللطيف سيُكسبك منظوراً واسعاً للعالم.
أضف تعليقاً