هل من المعيب أن يبكي الرجل؟

من قال أنَّ بكاء الرجل ضعفاً؟ ومن يجد صواباً أن يقال للطفل الذكر: "عيب لا تبكي، فأنت رجل، والبكاء للبنات"؟ أقوال إن تكرَّرت تضفي على وظيفة البكاء التي هي من الفطرة والطبيعة الإنسانية طابعاً سلبياً في ذهن الفرد، الشيء الذي يترتب عنه كبت ثم جفاء في الشخصية.



رقة القلب ورهافة الحس:

قال الله تعالى في عدة مواضع في كتابه الكريم:

  • "وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا".
  • "وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا".
  • "وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ".

لا بدَّ أنّك صادفت هذا الموقف مرات عديدة من بعض المربين مع أبنائهم الذكور. وفي كثير من الأوساط العربية إن لم نقل أغلبها سادت ثقافة أنَّ الرجل عيب أن يبكي، وعيب أن يكون حساساً، حتى أصبح بعضهم يشكو من الغلظة والجفاء في تواصله؛ يقول تعالى في محكم تنزيله: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"، كأنَّ الله لم يرزقه القلب كما رزقه للنساء ولكثيرٍ من الرجال الأفاضل الصالحين ومنهم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأغلب الصحابة والتابعين.

يقول "توني بوزان" في كتابه "استخدام خرائط العقل في العمل": "إذا نظرت إلى أعظم النماذج العالمية للعبقرية والإبداع ستلاحظ أنَّ أعظم الفنانين غالباً هم أعظم العلماء والعكس صحيح؛ فقد كان لدى "ليوناردو دافنشي" اتجاه علمي تجاه خلق بعض أجمل الفنون في العالم، فقد استخدم العباقرة كلاً من النصفين الأيمن والأيسر من المخ"، ومن سمات الفنانين رقة القلوب ورهافة الحس.

أن تفيض العين في مواقف حياتية ليس معناه أن يتناقض ذلك مع القوة ولا مع الرجولة ولا مع النجاح ولا مع القيادة؛ حيث علَّمنا التاريخ أنَّ الشخصيات القيادية الكبيرة والمتوازنة والتي تركت بصمة في تاريخ الإنسانية كانت تتميز بهذا الجانب من الشخصية والذي أسماه "غولمان" في كتابه الذكاء العاطفي "المهارات الناعمة"، وخير دليل لنا الرسول الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم والصحابي الجليل أبي بكر الصديق الذي كان يقال عنه أنَّه كان بَكَّاءً.

بكاء الرجل في علم النفس:

يصف علم النفس بكاء الرجل بأنه حالة طبيعية واستجابة انفعالية عما يمر به الرجل من مواقف وأحداث. وبكاء الرجل في علم النفس هو أمر طبيعي، كون الرجال والنساء هما صنفا الجنس البشري ويمتلكان المشاعر والأحاسيس ذاتها، ولكن الفارق بينهما هو عتبة الانفعال التي توصل إلى درجة البكاء. ومن المعروف أن البكاء عند النساء هو سلاح يتم استخدامه لاستعطاف الطرف الآخر، وهو وسيلة تعبيرية عما يجول في قلوبهن من مشاعر وأفكار، فالنساء قد يبكين شوقاً وحزناً وفرحاً ولأسباب قد تكون في نظر الكثيرين غير موجبة، على عكس الرجال الذين لا يبكون بفعل المواقف العادية والحياتية كالمشاكل في العمل أو مرض الأبناء وغيرها من الحوادث التي جُبلت طينتهم على تقبّلها بصبر وحكمة، إلا أن بكاء الرجل يكون نتيجة الحوادث الكبيرة والمصائب كموت الأبناء أو وقوع ظلم كبير.

ومن الجدير الإشارة إلى أن أسلوب تربية الرجل وطريقة تنشئته تلعبان دوراً كبيراً في وصوله إلى مرحلة البكاء، ويمكن ملاحظة أن المجتمعات الشرقية تربي ذكورها منذ نعومة أظفارهم على أن بكاء الرجل أمر معيب ومن شأنه أن يحط من رجولته ويقلّ من قدره، فيكبر الرجل وفي ذهنه معتقد أن البكاء أمر خاص بالنساء، فيكبح جماح عواطفه، ويمنع نفسه عن تفريغ مشاعره بطريقة البكاء التي تعتبر من أكثر الطرق فاعلية في تخليص النفس من الحزن والكآبة.

إذاً فإن بكاء الرجل في علم النفس هو حالة عاطفية طبيعية، تتأثر بعاملين أساسيين: أولهما الاختلافات السيكولوجية بين الرجل والمرأة، وميل الرجل إلى كونه أكثر تعقلاً ومنطقية، وثانيها طريقة التربية التي تلعب دوراً هاماً في تعامل الرجل مع مشاعره بشكل عام ودموعه بشكل خاص.

شاهد بالفيديو: 6 فوائد صحّية للبكاء

لماذا يرى المجتمع بأن بكاء الرجل ضعف؟

لا تمتلك جميع المجتمعات وجهة النظر ذاتها تجاه بكاء الرجل، ففي بعض المجتمعات التي يتربّى أبناؤها على مستوىً عالٍ من الذكاء العاطفي ينظرون إلى بكاء الرجل بنوع من التقبّل والتعاطف البعيد عن الوصم بالضعف والعار. أما في بعض المجتمعات الشرقية أو المتحفّظة فيرى المجتمع بأن بكاء الرجل ضعف، لأن هذه المجتمعات تربي أطفالها الذكور على مبدأ قوامتهم على النساء، إذ تتطلب هذه القوامة أن يكونوا ذوي صلابة وقوة قد تضطرهم إلى كبت جانبهم الإنساني العاطفي، والتصرف كأن لهم قلوباً من صخر. ويعتمد المنظور التربوي لهذه المجتمعات على كبح دموع الذكر منذ طفولته وترديد عبارات من قبيل "أنت رجل من المعيب أن تبكي" و "الرجال لا تبكي" فيغص الطفل بدموعه ويتفطّر قلبه حزناً وألماً دون ن يسمح لدمعة واحدة أن تفر من عينيه، ثم يعتاد ذلك بمرور السنوات ويجد طرقاً أخرى لتفريغ مشاعر الحزن لديه فيلجأ إلى التدخين أو الانطواء والانعزال والانصراف عن الكلام.

إذاً فإن المجتمع الذي يرى في بكاء الرجل ضعفاً هو مجتمع قاسٍ يحرم الرجل من حق طبيعي له، وإن بكاء الرجل لا يدل على ضعفه بل هو دليل على إنسانيته وشاعريته ورهافة حسه، فالنبي الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام قد بكى ولعلّ في بكائه دليلاً على مشروعية بكاء الرجل.

متى يبكي الرجل؟

يبكي الرجل إذا ما بلغ مرحلة شعورية توصله إلى ذرف الدموع. وإن البنية السيكولوجية للرجل تجعل عتبة البكاء مرتفعة عنده مقارنة بالمرأة، إلا أن الرجل هو كائن إنساني تعتمل المشاعر والأحاسيس في قلبه، وتتفاعل المواقف في نفسه حتى يصل أحياناً إلى درجة البكاء. ويبكي الرجل غالباً في مراحل التأثر الشديد، سواء كانت المشاعر المؤثرة إيجابية أم سلبية، ففي الحالات التي يغمر التقى الإيمان قلب الرجل أثناء صلاته فإن الرجل يبكي خشيةً وخشوعاً، وفي الحالات التي يفقد فيها الرجل شخصاً عزيزاً كالأم والأب والأبناء والزوجة فإنه يبكي حزناً وألما على الفراق، وفي مرات كثيرة يبكي الرجل تعبيراً عن اختلاط مشاعره كتلك الحالات التي يبكي فيها الأب عندما يزف ابنته عروساً، أو تلك التي يستقبل فيها مولوده في غرف الولادة.

وفي المقابل فإنه توجد حالات يبكي فيها الرجل تعبيراً عن عجزه وانعدام حوله وقوته، فيبكي الرجل عند وقوعه تحت الظلم، أو وقوع من يحب تحت الظلم وهو مقيد لا يستطيع فعل شيء، أو يبكي قهراً عندما يكون غريمه يفوقه بأضعاف في الجبروت والقوة، كما يحدث في حالات الحروب التي يعجز فيها الرجل مهما بلغت قوته وشدته من أن يفعل شيئاً حيال بيته الذي هدمته القذائف والطائرات.

إن الرجل يبكي لأسباب عديدة، ولكن البكاء دائماً هو خياره الأخير الذي لا يلجأ إليه إلا عندما يعجز عن التصرف أو التعبير.

إقرأ أيضاً: 6 اختلافات بين عقل الرجل والمرأة

من بعض أسباب بكاء الرجال:

من أسباب بكاء الرجال هو انعدام القدرة على فعل أي شيء أو التعبير عما يجول في خاطره من مشاعر، فتتقطر الدموع من عينيه عصيّة على الكتمان، وفيما يلي مجموعة من بعض أسباب بكاء الرجال:

1. بكاء الرجل من أجل الحب:

إن بكاء الرجل من أجل الحب هو أمر شائع ولو أنه يبقى طيّ الكتمان، فالرجل كائن عاطفيّ له مشاعره الخاصة وأشواقه وعواطفه التي يحاول التعبير عنها بشتّى الوسائل والطرق، ولكن الأشواق ما إن استحكمت في القلوب حتى ملكت زمامها، وجعلت الدموع مطواعة لها. وبكاء الرجل من أجل الحب غالباً يكون تنفيثاً عن الشوق، أو إذا ما تمكّن الحب من قلب الرجل ولم تبادله المحبوبة ذلك الشعور، فيبكي وجداً وصبابة. ولعلّ في قصيدة الشاعر الأمير أبي فراس الحمداني التي كتبها في السجن إلى محبوبته ما يلخص بصدق بكاء الرجل من أجل الحب، فهو كان قد وقع أسيراً في السجون مغيباً خلف الأسوار عن حبيبته، فكان البكاء طريقةً مثلى لتخفيف مصابه إلا أن مكانته المرموقة بكونه أميراً وفارساً مغواراً، وخوفه من الوصم بالضعف والعار منعه من ذرف الدموع أمام الناس، فكان ينتظر هبوط الليل لتحجب العتمة دموعه عن عيون الشامتين كما يخبرنا في قوله:

أراك عصّي الدمع شيمتك الصبر          أما للهوى نهي عليك ولا أمر

نعم، أنا مشتاق وعندي لوعة                ولكنّ مثلي لا يذاع له سرُّ

إذا الليل أضواني، بسطت يد الهوى        وأزهقت دمعاً من خلائقه الكبرُ

2. بكاء الرجل من القهر:

بكاء الرجل من القهر هو أمر في غاية القساوة والألم، فالرجل يبكي من القهر عندما يكون عاجزاً عن فعل أي شيء لنفسه ولأحبته من أجل تخليصهم من المأزق أو الكارثة التي وقعوا فيها. وفي الحروب على وجه الخصوص يبلغ وقع القهر على القلوب أوجه، فلا يجد الرجل وسيلة لدفع هذا القهر أو إيقافه فيبكي بحرقة قهره وانكساره. وإن صور بكاء الرجال في قصف غزة لا تبارح أذهاننا ولا تفارق مخيلاتنا لما حملته من دلالات القهر والقسوة.

3. بكاء الرجل من الظلم:

إن بكاء الرجل من الظلم هو واحد من أصعب أنواع بكاء الرجال، لأن الظلم بطبيعة الحال فعل قاسٍ ومؤلم، وليس أشد منه إيلاماً إلا الشعور به. فالرجل إذا ما ظلم وعجز بشتى الوسائل عن تبيان الحقيقة ورفع الظلم عن نفسه وأهله، فإنه لا يجد بدّاً من البكاء بحسرة تمزّق القلوب. وإن مشهد الرجل يبكي من الظلم هو من أكثر مشاهد بكاء الرجال قسوة، أولاً لأن دموع الرجال عزيزة وأبية لا تذرف لأسباب تافهة، وثانياً بعد معرفة السبب وراء هذه الدموع، والذي يكون الظلم الذي لا يمكن احتماله ولا يمكن ردعه في الوقت ذاته.

عندما يبكي الرجل فاعلم:

عندما يبكي الرجل فاعلم أن المصيبة غمرت قمة الجبل، أو عندما يبكي الرجال فاعلم أن الهموم فاقت الجبال، كل هذه العبارات ومثيلاتها تدعم فكرة عصيان الدموع الذكورية وإباءها، فهي مجبولة على المقاومة والصبر ولا تذرف إلا بعد أن تنتهي مخازن التصبّر والتجلّد. إن الرجال بطبيعتهم يقاومون البكاء ولا يلجؤون إليه إلى عنوة وقسراً تحت تأثير المشاعر والمواقف التي تفرض نفسها على دموعهم وعيونهم دون استئذان.

إقرأ أيضاً: كيف تعبر عن مشاعرك بطريقة صحية؟

أقوال وعبارات عن بكاء الرجال:

  • إنّ الرجل لا يبكي إلا مرة ولكن دموعه عندئذ تكون من دم.
  • عندما يبكي الرجال فاعلم أن الهموم فاقت الجبال.
  • دموع المظلومين هي في أعينهم دموع، ولكنها في يد الله صواعق يضرب بها الظالم.
    إذا قسا القلب قحطت العين.
  • الحب الذي تغسله العيون بدموعها يظل طاهراً وجميلاً وخالداً.
  • حينما أنحني لأقبل يديكِ، وأسكب دموع ضعفي فوق صدرك، واستجدي نظرات الرضا من عينيكِ حينها فقط أشعر باكتمال رجولتي.

الذكاء العاطفي عند الرجل:

يساعد الذكاء العاطفي الرجل في التعبير عن مشاعره بطريقة مثلى، وذلك لأن الذكاء العاطفي يتيح للرجل فهم مشاعره بالدرجة الأولى وتوصيفها وتعريفها، ومن ثم التعرف على الأسباب التي حرضت في داخله كل شعور. ومن أهمية الذكاء العاطفي أيضاً أنه يتيح للرجل إدارة مشاعره وعواطفه والتعبير عنها بطريقة صحية ومدروسة، فتكون تصرفاته عبارة عن استجابات للمواقف والأحداث وليست ردات فعل. ونشير هنا إلى ضرورة تدرب الرجل على مهارات الذكاء العاطفي وتنميتها وذلك لأن الذكاء العاطفي متدنٍّ عند الرجال بشكل عام، بسبب سيطرة الذكاء المنطقي والعقلي ومهارات حل المشكلات ومراقبة الذات عندهم.

ولا بد أن نشير أيضاً إلى مهارات بناء العلاقات الاجتماعية التي يمنحها الذكاء العاطفي للرجل، ومهارات التحفيز الذاتي، ومهارات التعاطف مع الآخرين، مما يمكن الرجل من فهم ذاته وفهم محيطه، وتقبل المشاعر والأحداث بطريقة أفضل.

شاهد بالفيديو: 10 علامات تدل على الذكاء العاطفي العالي

بكاء الرجل في الإسلام:

فلنستشعر معاً هذه القصص:

1. بكاء الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلّم):

تروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فتقول: (قام رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم– ليلةً من الليالي فقال: (يا عائشة ذريني أتعبَّد لربي)، فتطهَّر ثم قام يصلي، فلم يزل يبكي حتى بلَّ حِجره، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلَّ لحيته، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلَّ الأرض، وجاء بلال رضي الله عنه يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال له: [أفلا أكون عبداً شكوراً؟]) رواه ابن حبَّان.

ولما أراد النبي –صلَّى الله عليه وسلَّم– زيارة قبر أمه بكى بكاءً شديداً حتى أبكى مَن حوله، ثم قال: (زوروا القبور فإنَّها تذكر الموت) رواه مسلم.

ويوم أرسلت إليه إحدى بناته تخبره أنَّ صبياً لها يوشك أن يموت، لم يكن موقفه مجرد كلمات توصي بالصبر أو تقدِّم العزاء، ولكنَّها مشاعر إنسانية حرَّكت القلوب وأثارت التساؤل، خصوصاً في اللحظات التي رأى فيها النبي –صلَّى الله عليه وسلَّم– الصبي يلفظ أنفاسه الأخيرة، وكان جوابه عن سرِّ بكائه: (هذه رحمة جعلها الله، وإنَّما يرحم الله من عباده الرحماء) رواه مسلم.

يروي أحد الصحابة: (رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وفي صدره أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء –وهو الصوت الذي يصدره الوعاء عند غليانه–) رواه النسائي.

فعندما قُبض إبراهيم ابن النبي –صلَّى الله عليه وسلَّم– بكى وقال: (إنَّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا، وإنَّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) متفق عليه.

ولم تخلُ حياته –صلَّى الله عليه وسلَّم– من فراق قريبٍ أو حبيب، كمثل أمه آمنة بنت وهب، وزوجته خديجة، وعمِّه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهم، وولده إبراهيم عليه السلام، أو فراق غيرهم من أصحابه، فكانت عَبَرَاته شاهدة على مدى حزنه ولوعة قلبه.

2. بكاء أبي بكر الصديق:

لما اشتد برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وجعه، وذلك في مرض الموت، قيل في الصلاة فقال صلَّى الله عليه وسلم: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ، فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فقالت عائشة رضي الله عنها: إنَّ أبا بكر رجلٌ رقيقٌ، إذا قرأ القرآن غلبه البكاء، فقال صلَّى الله عليه وسلم: مُرُوهُ فَلْيُصَلِّ.

وفعلاً صلَّى بالناس، وفعلاً بكى كعادته في قراءة القرآن تماماً كما وصفته ابنته الفاضلة السيدة عائشة رضي الله عنها: رجلٌ رقيقٌ.

إقرأ أيضاً: هل يساعد التنفيس عن المشاعر فعلاً؟

3. رقة قلب وبكاء الحسن البصري:

قال حمزة الأعمى: وكنت أدخل على الحسن منزله وهو يبكي، وربما جئت إليه وهو يصلي فأسمع بكاءه ونحيبه فقلت له يوماً: إنَّك تكثر البكاء، فقال: يا بني، ماذا يصنع المؤمن إذا لم يبكِ؟ يا بني إنَّ البكاء داعٍ إلى الرحمة، فإن استطعت أن تكون عمرك باكياً فافعل، لعله تعالى أن يرحمك.

ثم نادى الحسن: بلغنا أنَّ الباكي من خشية الله لا تقطر دموعه قطرة حتى تعتق رقبته من النار، عن حفص بن عمر قال: بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني غداً في النار ولا يبالي.

وعن حميد قال: بينما الحسن في المسجد تنفس تنفساً شديداً ثم بكى حتى أرعدت منكباً ثم قال: لو أنَّ بالقلوب حياةً، لو أنَّ بالقلوب صلاحاً لأبكتكم من ليلةٍ صبيحتها يوم القيامة، إنَّ ليلة تمخض عن صبيحة يوم القيامة ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر من عورة بادية ولا عين باكية من يوم القيامة.

في الختام:

أن يتسم الرجل بأقل عاطفة من المرأة ليس معناه ألّا يبكي، وليس معناه أن يكون جافاً.

ليس عيباً أن يبكي الرجل ولا نقصاً من رجولته وطبيعته التي يغلب عليها طابع السلطة والقوة؛ بل بكاء الرجل في مواقف عديدة من الحياة تستدعي التأثر، دليل على رهافة حس ورقة قلب، ووجدان يتحرك، ودليل على ذكاء عاطفي أو روحاني بلغة اليوم، ويشهد لنا التاريخ الإسلامي على شخصيات عظيمة قيادية وقوية لا تفتأ تبكي في مواقف بسيطة ولكن مؤثرة.

فلنوضِّح لأبنائنا هذه النعمة ولنعطها حقها في الشرح لكي تُدار من قبلهم أحسن إدارة، ومن ثم يتحرروا من الأفكار النمطية التي ما نزال نعاني منها في مجتمعاتنا والتي قد تخلُّ بذكائهم العاطفي.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة