هل تخشى أن يفوتك أمر ما؟ كف عن القلق ولاتنشغل بمنصات التواصل الاجتماعي

كنت أعاني في السابق من مشكلة سببت لي أرقاً، وأعدها وصمة عار في حياتي، وهي الخوف من أن يفوتني أمر ما، لقد أخفيت هذا الأمر عن عائلتي وأصدقائي؛ لكنَّني اعتدت التظاهر بأنَّ أموري على خير ما يرام، ولا شيء يُسبب لي المتاعب، مع أنَّ مشكلتي كانت تتفاقم في داخلي.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب الأمريكي مارك مانسون (Mark Manson)، والذي يُحدثنا فيه عن تجربته مع الخوف من تفويت الأشياء.

ربما تكون قد سمعت عن هذه الحالة، أو حتى عانيت منها بشكل أو بآخر.

لسنوات عدة، كان السفر لأماكن جديدة هو ما أخشى تفويته علي، فما إن تقع عينيَّ على صورة جميلة لمكان ما، إلا وتراني قد أخذت كل ما أملك من مال لأتوجه إلى ذلك المكان على عجل؛ ذلك لأنَّني كنت أتحرق شوقاً، ولا أطيق صبراً لزيارة ذلك المكان، وأخشى تفويت تلك الفرصة عليَّ.

كانت تجذبني الصورة جداً، فلم أكن أهتم إن كان في الأمر خدعةً أم لا، فقد كانت رغبتي عارمةً في الذهاب، ولهذا سافرت إلى العديد من الأماكن المثيرة، وأنفقت أموالاً طائلةً؛ لكن لم يهمني إلا أن تزخر صفحتي على الفيسبوك (Facebook) والإنستغرام (Instagram) بمنشوراتٍ توثِّق رحلاتي.

كانت طبيعة بعض هذه الأماكن خلابةً؛ لكنَّ معظمها لم تكن كما بدت في الصور المعدَّلة، أو كان طقسها غير مواتٍ؛ لذا خاب أملي، خاصةً بعد أن استدنت مبلغاً ضخماً لتحقيق حلمي برحلة بحرية.

قد تظن أنَّ رغبتي في الترحال قد اضمحلت بعد هذه التجارب، لكن كانت الحقيقة مغايرة، ففي البداية كان تأثير ذلك معاكساً، فقد أقنعت نفسي أنَّني لم أُحسن اختياري في انتقاء الأماكن، أو أنَّ متابعيني على الإنستغرام (Instagram) لم يتفاعلوا تفاعلاً كافياً، أو أنَّني السبب في هذا التراجع، أو أنَّ الأماكن التي زرتها لم تكن مبهِرةً بما فيه الكفاية، وأنا لم أعرف اختيار مغامراتي.

ناهيك عن اعتقادي بأنَّني لم أتقصَّ جيداً عن الوجهات التي زرتها، ولم أدفع مبالغ كافية؛ لذا كنت أعود كما اعتدت، إلى الإنترنت لأتزود بجرعة من السعادة التي تمنحني إياها صور مناطق جديدة تغريني بزيارتها.

لسنوات عدة، ذهبت في رحلات كثيرة رائعة؛ ولكن واجهتني مشكلة غريبة: وهي السفر غالباً إلى أماكن لم أستمتع بها في الواقع، وإنفاق أموالي على رؤية أشياء لم أكن أهتم لها.

قد تبدو هذه مشكلةً سخيفة، إلَّا أنَّني أدركت متأخراً أنَّ الدافع لم يكن الاستمتاع برؤية مكانٍ خلاب؛ بل كان الخوف من عدم رؤية شيء عظيم. قد يبدو الأمر سيان، لكنَّهما مختلفان في الواقع.

شاهد بالفيديو: 7 تغييرات إيجابية يحدثها السفر في حياتك

"الخوف من تفويت أمرٍ ما" (FOMO) هو رغبةٌ جامحةٌ في تجربة شيء ما -أو في أن تكون في مكان ما- مدفوعاً ليس بما تكسبه، بل بالخوف مما قد تخسره، وفي كثير من الأحيان تسيطر عليك هواجس الخسارة؛ وهو أشبه بتعذيب نفسي تُحدثه الذات، وأسوأ فكرة تنسجها عقولنا أنَّه "اعتقاد غير منطقي" أنَّ الجميع ينعمون دائماً بمتعة أكثر منا في جميع الأوقات.

يسبب ذلك لك شعوراً بأنَّك شخص غريب الأطوار لبقائك في المنزل وعدم المشاركة، إنَّه اعتقاد غير منطقي بأنَّ المكان أو الشخص أو الحدث التالي سيكون المثالي، وستفوِّته ببقائك في مكانك نفسه، أو عدم تغيير ما تفعله.

أمسى الخوف من تفويت أمر ما مشكلةً كبيرةً يعاني منها الجيل الصاعد، وذلك نظراً لتوفُّر العديد من الخيارات والاقتراحات أمامنا، ويُعرف هذا باسم "مفارقة الاختيار" ولهذا السبب كلما كثرت الأشياء من حولنا، قلَّت سعادتنا.

فلو كنت في مطعم وعُرض عليك صنفان من الطعام، فستختار الأشهى بالنسبة لك، دون أن تعاني من صعوبة في الاختيار، أما لو خيروك بين 37 صنفاً مختلفاً، فهذا لن يسبب لك الحيرة فحسب؛ بل سيجعلك تتساءل عن مذاق الأصناف الأخرى، وما إن كان عليك العدول عن خيارك. وهذا المطعم كغيره من المطاعم التي عاهدت نفسك بالعودة إليها، مع أنَّك لست جائعاً، ولم تحب طعامهم حتى، وإنَّما لأنَّك لا تريد تفويت تجربة صنف جديد من الطعام لا أكثر.

تكمن مشكلة الخوف من تفويت أمر جديد في أنَّه يحرمك من خوض تجارب حقيقية، فقد تجد هذا غريباً نظراً لأنَّه غالباً ما يدفع الناس إلى محاولة خوض أكبر عدد ممكن من التجارب، لكنَّه في الوقت نفسه يسلب تلك التجارب نفسها أيَّ معنىً مستمر أو جلي.

تبدو بعض الأشياء دائماً أفضل من خلف الشاشات، ويرجع السبب في ذلك إلى أنَّ الخوف يجعل الناس يتخذون قراراتهم ليس بناءً على التجربة الواقعية بل المتخيلة؛ فهُم لا يرغبون في الواقع بتناول العشاء مع زملائهم في العمل، لكنَّهم يعتقدون أنَّ هذا الاجتماع العظيم سيكون منطلقاً لتمتين الروابط وتعزيز الصداقة والتآخي فيما بينهم لطول العمر.

وهذا هو السبب في ذهابهم؛ وما دام أنَّهم غير راغبين في التواجد هناك، فلن يستمتعوا بوقتهم، ولن تَقوى علاقاتهم أو تُعزَّز أواصر الصداقة فيما بينهم؛ بل سيجلسون محدقين إلى هواتفهم، ويتخيلون كل الأشياء الأخرى الرائعة التي تمنوا لو قاموا بها بدلاً من هذا العشاء الممل مع زملائهم في العمل.

بهذه الطريقة المريضة المضطربة، يُكدس الشخص حياته بالأنشطة، بينما لا يكون حاضراً قلباً وقالباً أو يعطي الأحداث حقَّ قدرها، ويعوض ضحالة تجاربه بمزيد من التجارب.

عندما كنت أتأمل الصور على الإنستغرام (Instagram) في الشواطئ والجبال، لم أفكر في الواقع في المال أو استئجار دليل سياحي أو شراء أحذية جديدة أو البحث عن الفنادق وما إلى ذلك لمعرفة ما التجربة التي سأعيشها في ذلك المكان، ولم أشغل بالي بأكثر من رغبتي في زيارة ذلك المكان الرائع عِوَض جلوسي في مكاني هذا، وبذلك ستكتمل حياتي.

إقرأ أيضاً: 4 استراتيجيات للتركيز على أهدافك وتجنب عوامل التشتيت

أدركت متأخراً أنَّ تلك كانت وسيلةً لاتخاذ القرارات التي تنمُّ عن الافتقار إلى النضج، ويسببها الاندفاع، لقد كان يكفي أن يبدو أمرٌ ما جيداً حتى أسارع فوراً إلى استنتاج أنَّه جيد واستثمار وقتي وجهدي فيه.

منذ سنوات مضت، عندما كنت أقدِّم كثيراً من النصائح المتعلقة بالعلاقات، كنت ألاحظ هذا السلوك المماثل مع الرجال والنساء الأصغر سناً وغير الناضجين.

فعلى سبيل المثال: إن رأى الرجل امرأةً جذابةً، فسيفكر مباشرةً كيف سيجعلها تُعجب به، دون أن يخوض فعلياً الخطوات المنطقية المتمثلة في طرح الأسئلة الأساسية على نفسه عن طبعها، وما إذا كان سيرتاح بصحبتها، وما إذا كان هناك توافق بينهما، أو إن كانت ستعامله جيداً، أو إن كان سيحظى بالسعادة معها، أو حتى إن كانت معجبةً بشخص آخر.

وكأنَّ عقول هؤلاء الرجال قد بُرمجت على برنامج واحد: امرأة جميلة، ليتها تكون من نصيبي.

في الواقع، يعاني هؤلاء الخوف من تفويت أمر ما عليهم، فهم يظنون أنَّ أيَّ امرأة جميلة تستحق الاهتمام أكثر من تلك التي يعيشون معها؛ وذلك لأنَّهم سيرون دائماً إناثاً مختلفات وجذابات، ولن ترضيهم أية امرأة حظوا بها. لقد سبَّب لهم ذلك اضطراباً ذهنياً، وكان بمثابة تجسيد كلاسيكي للنساء اللواتي يريدون أن يحظوا بهن، أو على الأقل اعتقدوا ذلك.

ومن هنا نستنتج أنَّ الخوف من تفويت أمر يؤدي إلى التسليع، ليس فقط مع الآخرين؛ بل مع أنفسنا أيضاً، واعتبار حياتنا كقائمة مهام يجب أن ننجز كل ما فيها قبل أن نموت، لكنَّ الحياة ليست محض مهام عليك تنفيذها كألعاب الفيديو، ولن تستمر صفحتك على الفيسبوك (Facebook) بعد مماتك.

الحياة سلسلة من التجارب المعقدة التي تحمل مزيجاً مختلفاً من الأفراح والأتراح، ويجب تقييمها واتخاذ قرار بشأنها بناءً على مشاعرنا وقيَمنا الحالية؛ لذا عليك أن تعلم أنَّ الحياة تختلف عما يصوره لك الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي تُلمِّع صورة الأشياء الباهتة، وتتجاهل الحقيقة وتحجبها إن استطاعت.

تتمثل طريقة التخلص من شعور الخوف من تفويت أمر ما، في التخلص من الأوهام التي تسيطر على مركز اتخاذ القرار لديك؛ فليس هناك من شاطئ مثالي، أو شريك مثالي، أو اجتماع مثالي للأصدقاء المثاليين.

وليس هناك من أمور حسنة وسيئة بالمطلق، فهذه كلها أشياء نسبية، والصورة أو الهاتف الذكي لهما الدور الأكبر في إبراز المحاسن أو المساوئ؛ تخيل مثلاً لو زرت أجمل شاطئ على الأرض وقلبك مثقل بالهموم، هل كنت ستستمتع في رحلتك؟

لا يمكن معرفة ما يجعل الحياة جيدةً أو رهيبةً، فهذا أمر خارج عن نطاق سيطرتنا. وكل تجارب الحياة الرائعة لها ثمن في المقابل، وهي تتطلب الاستثمار والتضحية، ومن الطبيعي والصحي تماماً أن تكون غير راغب في الالتزام بها في بعض الأحيان، هذا لا يعني بالضرورة أنَّك تفتقد أيَّ شيء، فإن سيطر عليك هذا الهاجس فسيصبح حقيقةً، في حين يكون تفويت بعض الأمور أحياناً لمصلحتك.

إقرأ أيضاً: 6 عادات يجب أن تبتعد عنها لتتخلّص من القلق والتوتر

في نهاية المطاف تخلصتُ من الخوف من تفويت أمر ما بعد أن أدركتُ أنَّني سأفوِّت أمراً عليَّ لا محالة، صحيح أنَّني قد قضيت وقتاً ممتعاً خلال رحلاتي، لكنَّني تخليت حينها عن التأسيس لحياة من الاستقرار في كنف أسرة محِبة، وتخليت عن إقامة روابط قوية مع الناس، وأن أكون عوناً وسنداً لأحبائي، كما تخليت عن قدرتي على التركيز لفترات طويلة في كل مرة، كي أستفيد من مسيرتي المهنية ومهاراتي وأحقق كامل إمكاناتي.

تكون الخبرات الثمينة على عدة أشكال، بعضها مثير ويصلح للعرض عبر منصات التواصل الاجتماعي، وآخر مغاير لذلك؛ فعندما أعود بذاكرتي إلى الماضي، أتذكر أنَّني نلت متعةً أكبر في قراءتي للكتب في رحلاتي أكثر من الرحلة نفسها، وهذا الأمر أثر فيَّ كثيراً، ولن أنكر هذه الحقيقة.

بعض هذه التجارب الأخرى الثمينة وغير المثيرة كأن تقضي الوقت بمفردك، وتحافظ على الصداقات، وتثقف نفسك، لن تراها أبداً على منصات التواصل الاجتماعي؛ ذلك لأنَّك لا تستطيع التقاط صورة لها، فهي أمور غير محسوسة، وتبدأ الخطوة الأولى لعملية البناء هذه، عندما تدرك أنَّ الحياة لا تتعلق بتكديس التجارب؛ بل بالتركيز على ما نبرع فيه ولو كان قليلاً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة