نصائح للتغلب على الخوف من المواجهة

بالنسبة إلى الكثيرين منا، فإنَّ مجرد التفكير في أنَّنا قد نضطر إلى مواجهة شخص آخر هو بحد ذاته أمرٌ يبعث بداخلنا الشعور بالخوف والقلق والكثير من الرهبة، سواء كانت تلك المواجهة تَحدُّثاً إلى زميلك في الغرفة عن معايير النظافة غير الصحية التي يمارسها، أم تواصلاً مع زميل لك في العمل ينسب الفضل له في عمل قمتَ به أو فكرة أنت طرحتَها، أم إخبار أحد أقاربك بأنَّ النكات غير اللائقة التي يقولونها هي في الواقع مسيئة.



بدلاً من التعامل مع هذه المشكلات بشكل مباشر وجهاً لوجه، فإنَّنا كثيراً ما نفضِّل تأجيل المحادثات إلى موعد لاحق أو - الأفضل من ذلك - تجنُّبها تماماً.

تقول "إلين هندريكسن" (Ellen Henderiksen)، باحثة في علم النفس السريري في "جامعة بوسطن" (Boston University): "إنَّنا غالباً ما نتصور أنَّ المواجهة مع أشخاص آخرين تشمل العديد من العوامل غير المرغوب فيها بالنسبة إلى الكثيرين منا، مثل الشعور بالغضب، أو الحقد تجاه الشخص الآخر، أو اتخاذ القرارات السريعة، أو احتمالية التعرُّض لضغوطات، أو رفض الطرف الآخر لمناقشتنا، أو القلق من عدم قدرتنا على التحكم بعواطفنا؛ حينها سوف نجهش بالبكاء أو نتصرف بحماقةٍ شديدة".

كما أضافت "هندريكسن": "إذا لم نكن جيدين في الدفاع عن أنفسنا، أو إن لم نكن قد تعلَّمنا ألا نكون مصدر إزعاج أو عبئاً على أحد، أو إذا كنا نشعر بالحساسية تجاه المشاعر القوية، فمن المؤكد أنَّ المواجهة مع الأشخاص الآخرين سوف تشعرنا بالكراهية".

عندما نتجنَّب المحادثات القاسية مع الآخرين، فإنَّنا نشعر ببعض الراحة بشكل مؤقت من همومنا، لكن على الأمد الطويل، فإنَّنا لا نؤذي إلا أنفسنا؛ حيث لن تُلبَّى احتياجاتنا، ولن تُحلَّ المشكلة؛ بل يقلُّ احترامنا لذاتنا من خلال هذا التصرف.

يقول "رايان هاوز" (Rayan Howes)، باحث في علم النفس السريري في مدينة "باسادينا" (Pasadena) في "كاليفورنيا" (California): "أنت تقول إنَّ أفكارهم أكثر أهمية من أفكارك وتتصرف وفقاً لذلك، لكن في كل مرة تستمر في التفكير على هذا النحو، فإنَّك تعزز هذا الاعتقاد، وتؤكد لذاتك أنَّه لا ينبغي عليك الدفاع عن نفسك".

إنَّ اتباع نهج التهرُّب من مواجهة الآخرين يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بعلاقاتنا معهم أيضاً؛ حيث إنَّه من خلال عدم التحدث مع الآخرين، نعتقد أنَّنا نحافظ على السلام بيننا، لكن في النهاية، لا بدَّ أن تظهر مشاعرنا السلبية تجاههم، بصرف النظر عن مقدار صعوبة محاولة تجاهُلها.

تقول "هندريكسن": "إذا تجنَّبنا الحديث عن شيء يزعجنا، فإنَّنا نكبت مشاعرنا، إلا أنَّه في نهاية المطاف، سوف تبدأ هذه المشاعر السلبية بالظهور على شكل استياء أو حقد أو عدوان سلبي، كما أنَّ تجنُّب مواجهة الطرف الآخر يبني حاجزاً بيننا وبينه، فإذا لم نتمكَّن من التحدث بصدق واحترام، فلا يمكننا بناء علاقة وثيقة".

فيما يأتي بعض النصائح المفيدة لمَن يواجه صعوبةً في مواجهة الآخرين:

1. توقَّف عن التعامل مع المواجهة على أنَّها أمرٌ سيئ:

كتبت المعالِجة النفسية "إيمي مورين" (Amy Morin) لمجلة "سايكولوجي توداي" (Psychology Today): "عليك أن تتحقق من افتراضاتك؛ سواء تعلَّمتَ التعامل مع الآخرين بحذر شديد لأنَّه كان لديك ذات يوم مدير صعب، أم أنَّ خوفك من مواجهة الآخرين يعود إلى طفولتك".

ما هي القصة الخاطئة التي نسجتَها في ذهنك عن مواجهة الطرف الآخر التي يمكن إعادة صياغتها بطريقة إيجابية؟ قد تربط فكرة المواجهة مع الآخرين بالمشادة الكلامية التي قد تحصل بينكما والعلاقات المحكوم عليها بالفشل، لكن اعلم أنَّ مواجهة الطرف الآخر يمكن أن تكون في الواقع أمراً صحياً تماماً عندما نتعامَل معها تعاملاً وديَّاً ولكن حازماً.

قالت هندريكسن: "لا يجب أن تكون المواجهة صراخاً حاداً ينتهي بقطع العلاقة؛ بل يمكن أن تكون تفاوضاً يربح فيه جميع الأطراف، أو محادثة صادقة تماماً تقرِّبك من الشخص الآخر، أو تعبيراً عن القلق العميق الذي ينتابك".

شاهد بالفديو: 7 أساليب فعالة يستخدمها الأشخاص الأذكياء لحل المشكلات

2. ركِّز على ما تريد قوله بدلاً من كيف سوف يتلقاه الطرف الآخر:

عندما ينتابك القلق الشديد حيال ردة فعل الشخص الآخر، فمن السهل أن تفقد قدرتك على التفكير وتفقد الهدف الحقيقي من المحادثة؛ حيث يقول "هاوز": "لديك حاجة أو رغبة أو رأي ولك كل الحق في التعبير عن ذلك".

إنَّه لمن المفيد أن تأخذ وقتك في توضيح وتحديد المشاعر التي تنتابك قبل بدء المحادثة مع الطرف الآخر؛ لذلك ضع بعض النقاط عمَّا يزعجك، وكن واضحاً حيال ذلك، وبدلاً من كتابة شيء غير واضح مثل: "أتمنى أن يكون زميلي في السكن أكثر مراعاة لمشاعر الآخرين"، يمكنك أن تقول: "أتمنى أن يُبلغني زميلي في السكن قبل أن يدعو الأشخاص إلى الشقة".

كتب اختصاصي علم النفس السريري "نيك ويغنال" (Nick Wignall) في منشور له في المدونة الخاصة به: "ابدأ فقط بسرد وكتابة ​​كل ما يمكنك التفكير فيه عندما يتعلق الأمر بما يزعجك، فيمكن أن تكتب عن الأشخاص الذين كانوا السبب في إزعاجك، أو عن المشاعر المختلفة التي كنت تشعر بها، أو عن التخيلات التي تدور في ذهنك، أو أي أشياء أخرى؛ حيث إنَّه من خلال إجبار نفسك على التفكير في كتابة الأسباب على الورق، ستكون أكثر وضوحاً بشأن المشكلة الحقيقية التي تزعجك".

عند تحديد النقاط الرئيسة التي تزعجك وتريد مناقشتها مع الطرف الآخر، يمكنك تدوينها على ورقة أو حفظها كملاحظة في هاتفك؛ حيث قال "هاوز" إنَّه بهذه الطريقة يكون لديك شيء للرجوع إليه في أثناء حديثك مع الطرف الآخر إذا كنت تشعر بالقلق من نسيان الأفكار التي تريد التحدث عنها.

إقرأ أيضاً: 3 تقنيات فعالة لتدوين الملاحظات

3. وازِن بين نتائج المواجهة على الأمد الطويل والشعور بعدم الراحة على الأمد القصير:

إنَّ الشعور بالقلق حيال مواجهة الشخص الآخر خلال الساعات أو الأيام القليلة القادمة، هو ثمن زهيد تدفعه مقابل الحصول على راحة البال التي سوف تستمتع بها بعد أن تنتهي المواجهة، كما أنَّه أفضل بكثير من أن تشغل تفكيرك بهذا الأمر لأسابيع عدة أو أشهر أو حتى سنوات.

قدَّم "هاوز" مثالاً عن أحد الجيران الذي استعار جزازة العشب الخاصة بك، ولكنَّه لم يُعِدها إليك حتى الآن، في هذا اليوم أنت تريد قطع العشب في حديقتك، لكنَّك فعلياً لا تريد أن تطلب من جارك أن يعيد إليك الجزارة؛ وكنتيجة لتصرُّف جارك، فإنَّ شعورك بالاستياء نحوه يتزايد وينمو كما تنمو الأعشاب في حديقتك.

قال "هاوز": "بعد خمسة أشهر من الآن، وبعد العديد من الساعات التي قضيتَها في اجترار الأفكار المتعلقة به ومشاعر الاستياء والمرارة، فإنَّك سوف تذهب إليه وتُحدِّثه غاضباً وتستعيد جزازة العشب منه، لكنَّك بالوقت نفسه سوف تُدمِّر وتُنهي صداقتك معه.

بالتأكيد، قد تمضي شهوراً تعاني من الصراع الداخلي وينتهي بك الأمر بالانفجار غاضباً في نهاية المطاف، أو قد تنزعج لمدة 30 ثانية الآن وتقول له: "مرحباً، هل تعتقد أنَّك ستنتهي من استخدام جزازة العشب قريباً؟"، وتبدأ معه المواجهة بطريقة لطيفة كي لا تُدِّمر صيفك".

إقرأ أيضاً: 8 نصائح بسيطة للعيش براحة بال وسعادة

4. استخدم عبارات "أنا" لتُبقي الموقف الدفاعي بعيداً:

بدلاً من أن تقول لصديقك: "أنت شخص أناني إلى حد كبير، فأنت تتحدث دائماً عن نفسك ولا تهتم بما أفعله"، قد تقول شيئاً مثل: "أشعر بالحزن عندما تكون محادثاتنا من جانب واحد، وسوف يعني الأمر لي الكثير إذا كنت تتواصل معي أكثر وتسألني كيف تسير الأمور في حياتي"؛ فأنت تريد أن تُبقي تركيزك على مشاعرك، حيث إنَّ مهاجمة شخصية الشخص الآخر ستجعلها دفاعية فقط، وبمجرد أن تظهر الشخصية الدفاعية لديهم، سيكون من الصعب التواصل والتحدُّث معهم.

كتبت "مورين": "تجنَّب المبالغة في توجيه الاتهام للطرف الآخر، فكل ما عليك فعله هو أن تعبِّر عن رأيك وكيف تشعر، والأهم من ذلك، أن تأخذ أنفاساً عميقة قليلة ولا تدع غضبك يسيطر عليك، حتى لو انتقدك الشخص الآخر؛ حيث إنَّ الهدف من هذه المواجهة هو أن تكون شخصاً حازماً وليس عدوانياً".

تكمن إحدى الطرائق الأخرى لتقليل الموقف الدفاعي في تحمُّل المسؤولية عن أي شيء قمتَ به، وربما تكون قد ارتكبت خطأً أو كان من الممكن أن تقوم به بشكل أفضل في ذلك الموقف، حتى لو كان شيئاً صغيراً.

كتب "ويغنال": "بالطبع، لا تريد أن تأخذ الأمور بمنحى آخر وتبدأ بالاعتذار عن أشياء لم تفعلها، أو ببساطة اختلاق الأشياء فقط لجعل الشخص الآخر يشعر بالتحسن"، لكنَّ تحمُّل المسؤولية هو "وسيلة قوية للإشارة إلى أنَّ هذا ليس أمراً شخصياً، وأنَّك لا تهاجم أو تنتقد الشخص الآخر؛ بل إنَّ الأمر يتعلق فقط بجعل الأمور أفضل للجميع في المستقبل".

5. تعامَل مع المواجهات على أنَّها نوع من التعاون بدلاً من عدِّها شكلاً من أشكال المنافسة:

قالت "هندريكسن": بدلاً من تبنِّي فكرة "أنت ضد الشخص الذي تواجهه"، تخيَّل أنَّكما تتعاونان لمعالجة هذا الإشكال، على سبيل المثال: عند الاقتراب من بدء مواجهة محتملة مع شريكك بشأن إنفاق المال بشكل زائد، لا تبدأ معه الحديث بقول: "تحتاج إلى التحكم بالمال الذي تنفقه في شراء أشياء من موقع "أمازون" (Amazon)"؛ بل ابدأ معه الحديث بقول: "أعلم أنَّنا نحاول ادخار المال كي نتمكَّن من دفع دفعة أولى لشراء المنزل، كيف يمكننا أن نتوصل إلى هدفنا؟"، إذا خرجت المحادثة عن مسارها، فوجِّهها إلى هدفك المشترك.

وأضافت "هندريكسن": ستشعر أنَّ الأمر أقل شبهاً بالخصومة وأكثر شبهاً بروح الفريق"، وقد اتفق "هاوز" مع هذا الرأي قائلاً إنَّ من الأفضل العمل معاً للوصول إلى حل مفيد للطرفين عندما تستطيع ذلك، بالإضافة إلى ذلك، يكون التعاون أقل تهديداً - وغالباً ما يكون أكثر إنتاجية - من المواجهة التامة.

وأضاف "هاوز": لنفترض أنَّ رئيسك في العمل يحتاج إلى شخص للقيام بإنجاز عمل إضافي في مشروع ما، ولكن لا يمكنك أنت شخصياً منح هذا المشروع الإضافي المزيد من الوقت؛ لذلك، يمكنك التعامل مع هذا الأمر على أنَّه مشكلة يجب حلها بدلاً من معركة من أجل الفوز.

كأن تقول: لنعمل معاً على إيجاد طريقة تمكِّنكم من حل هذه المشكلة، ليس لدي وقت إضافي؛ لذا فأنا لست من بين الخيارات الأفضل التي عليك التفكير فيها، ولكن ماذا بشأن طرح أفكار أخرى مثل تعيين موظف مؤقت أو استعارة شخص من قسم آخر أو تأجيل موعد التسليم؟ وما هي الأفكار الأخرى التي يمكنك طرحها؟

إقرأ أيضاً: كيف تواجه المشكلات الصعبة في الحياة؟

6. كافئ نفسك على مواجهة مخاوفك بصرف النظر عن النتيجة:

عندما تنتهي من مواجهة الطرف الآخر، خذ دقيقة من وقتك لتعترف بما قمت به بشكل جيد؛ فربما كنتَ قادراً على التحدث مع الشخص الآخر باحترام، حتى عندما كنت تريد الصراخ في وجهه، أو ربما بدأتَ المحادثة مع الشخص الآخر في وقت مبكِّر من الأسبوع بدلاً من تأجيلها لأشهر عدة.

كتب "ويغنال": "حتى لو لم تسر النتيجة الإجمالية بالطريقة التي تريدها، فلا يزال في إمكانك منح نفسك الفضل في القيام ببعض جوانبها بشكل جيد".

ثم كافئ نفسك بشيء بسيط، على سبيل المثال: يمكنك تناول الوجبة السريعة المفضلة لديك، أو ركوب الدراجة والذهاب للاستمتاع بالأماكن ذات المناظر الخلابة، أو الذهاب إلى الحلاق أو مصفف الشعر، أو القيام بأمور أخرى من شأنها أن تجعلك تشعر بالرضى؛ حيث قال "ريان هاوز": "لديك حاجة أو رغبة أو رأي، ولك كل الحق في التعبير عنه".

كما يشجِّع "هاوز" عملاءه على إعادة تقييم كيفية قياسهم للنجاح والفشل عندما يتعلق الأمر بالمواجهة؛ إذ إنَّ الأمر لا يتعلق بما إذا كنت قادراً على تغيير رأي أو سلوك الشخص الآخر، فلا يمكننا التحكُّم بهذه الأشياء، ومع ذلك، يمكننا أن نشعر براحة أكبر في مواجهة مخاوفنا والتحسن في الدفاع عن أنفسنا.

كما أضاف "هاوز": "إذا كنتَ قد بدأت المحادثة مع الشخص الآخر، فإنَّك قد أحسنت ذلك، وإذا كنت قد طلبت منه ما تريد، حتى لو اختلف الشخص الآخر معك، فإنَّ ذلك عمل جيد في الدفاع عن نفسك".

لقد مررنا جميعاً بالتجربة نفسها؛ فإنَّك بطريقة ما، وجدتَ نفسك تُجري محادثة مع شخص لا تشترك معه في شيء، أو شخص يخيفك، أو شخص لن يتوقف عن التذمر لما تفعله؛ حيث إنَّ هذه الأنواع من التفاعلات يمكن أن تكون غير مريحة، على أقل تقدير؛ لذا ستساعدك هذه النصائح على إجراء هذه المحادثات وغيرها.

المصدر




مقالات مرتبطة