ولكن حان الوقت لإيجاد حل لهذا الأمر؛ فسواء كنت طالباً أم موظفاً متوسط المستوى، فإنَّ القدرة على تدوين الملاحظات الهامة والهادفة تُعدُّ مهارةً بالغة الأهمية؛ إذ تساعدنا الملاحظات الجيدة في تذكر الحقائق والأفكار التي ربما نكون قد نسيناها، كما تساعدنا عملية تدوين الأفكار على تذكرها بشكل أفضل في المقام الأول.
أحد الأسباب التي تجعل الناس يواجهون صعوبةً في تدوين الملاحظات الفعالة هو أنَّهم لا يعرفون بالضبط الهدف منها؛ إذ يحاول الكثير من الناس، الطلاب منهم والموظفون، تسجيل محاضرة أو كتاب أو اجتماع بشكل كامل في ملاحظاتهم؛ والذي يُعدُّ وصفةً للإخفاق.
لا تترك محاولة تدوين كل حقيقة ورقم بهذا الشكل مجالاً للتفكير فيما تكتبه، وكيف ترتبط الأفكار ببعضها، إذا كان لديك مساعد شخصي، فلا مشكلة في أن تطلب منه كتابة كل شيء بالتفصيل؛ ولكن إذا كنت بمفردك، فإنَّ لملاحظاتك هدف مختلف يجب تحقيقه.
إنَّ الهدف من تدوين الملاحظات بسيط، وهو مساعدتك على العمل بشكل أفضل وبسرعة أكبر؛ ممَّا يعني أنَّه ليس من الضروري أن تتضمن ملاحظاتك كل المعلومات، بل أهم النقاط فقط.
وأما إذا ركزت على تدوين كل شيء، فلن يتمكن عقلك من التعرف إلى ما هو هام حقاً؛ مما يعني أنََّه حينما تُذاكر من أجل اختبار كبير أو تحضِّر بحثاً دراسياً، سينبغي عليك الخوض في كل تلك المعلومات الإضافية التي لا قيمة لها لتكتشف القليل من المعلومات الهامة.
ما الذي عليك تدوينه؟
عليك أن تركِّز أثناء تدوين الملاحظات على سؤالين:
- الأول: ما هي المعلومات الجديدة بالنسبة لك؟ إذ لا فائدة من تدوين الحقائق التي تعرفها بالفعل؛ فإذا كنت تعلم أنَّ تاريخ الوحدة بين سوريا ومصر هو عام 1958، فلا داعي لتدوين ذلك؛ لذا يمكنك حذف أي معلومة متأكد أنَّك تعرفها من ملاحظاتك.
- والثاني: ما هي المعلومات التي تهمُّك؟ ما هي المعلومات التي من المرجح أن تكون مفيدة لك في وقت لاحق، سواء في اختبار أم مقال أم مشروع؟ ركِّز على النقاط التي تتعلق مباشرةً بما تقرؤه، أو توضِّحها (مما يعني أنَّه عليك أن تكون قد قرأتَ بالفعل قبل ذلك).
ونقدم إليك أنواع المعلومات التي عليك أن تُعير انتباهك إليها:
1. تواريخ الأحداث:
يساعدك تدوين التواريخ في إنشاء تسلسل زمني للأحداث، وترتيب المعلومات حسب وقت حدوثها، وفهم سياق الأحداث.
على سبيل المثال، تساعدك معرفة أنَّ إسحاق نيوتن (Isaac Newton) ولد عام 1643 في ربط عمله بأعمال الفيزيائيين الآخرين الذين عاشوا قبله وبعده، وبالتوجهات الأخرى التي كانت سائدة في القرن السابع عشر.
2. أسماء الأشخاص:
تساعدك القدرة على ربط الأسماء بالأفكار الرئيسة على تذكُّرها بشكل أفضل، وحينما تُذكر هذه الأسماء مرةً أخرى، ستتمكن من التعرُّف إلى الروابط التي تربط بين الأفكار المختلفة سواء تلك التي تم اقتراحها من قبل الأشخاص ذاتهم، أم أولئك الذين لهم علاقة بهم بطريقة ما.
3. النظريات وأُطر العمل:
يجب عليك تدوين أي جملة لها علاقة بنظرية أو إطار عمل معين؛ لأنَّها تُعدُّ النقاط الرئيسة في معظم الوقت.
4. التعاريف:
كحال النظريات تماماً، يعدُّ التعاريف من النقاط الرئيسة أيضاً؛ فما لم تكن متأكداً من أنَّك تعرف تعريف المصطلح بالفعل، يجب عليك تدوينه.
وتذكَّر دائماً أنَّ العديد من مجالات المعرفة تستخدم الكلمات العادية بطرائق غير مألوفة بالنسبة لنا.
5. الحوارات والمناظرات:
يجب عليك تسجيل أيَّ قائمة من الإيجابيات والسلبيات المتعلقة بموضوع ما، وأي نقد لفكرة رئيسة، وجميع جوانب أية مناظرة متعلقة بالأفكار التي تقرؤها؛ فهي النقاط التي ينبثق عنها التقدم في كل تخصص، وسوف تساعدك على فهم كيف تغيرت الأفكار ولماذا، إضافة إلى فهم عملية التفكير، وتطوير فكرة الموضوع.
6. الصور البيانية:
عندما تستخدم صورة بيانية لتوضيح نقطة ما، عليك تدوين بضع كلمات لتسجيل التجربة.
من الواضح أنَّه من المبالغة أن تصِف جميع التفاصيل الدقيقة، ولكن يكفي أن تدوِّن وصفاً مختصراً للوحة أو جملة قصيرة حول ما نوقش في الفصل أو الجلسة أو الاجتماع؛ لتذكِّرك وتساعدك في إعادة تكوين التجربة في عقلك.
7. معلومات أخرى:
على الأرجح أنَّه يجب عليك تدوين أي معلومة يكتبها الأستاذ على السبورة، إلا إذا كانت معلومةً بديهيةً أو أمراً تعرفه بالفعل، عادةً ما تكون عناوين الكتب، والأفلام، والمسلسلات التلفزيونية، والوسائط الأخرى مفيدة، على الرغم من أنَّها قد لا تكون ذات صلة بالموضوع الذي يُتناول.
يمكنك أن تضع هذا النوع من المعلومات على الهامش للبحث عنها فيما بعد، فغالباً ما تكون مفيدة للأبحاث؛ لذا أعِر انتباهك لتعليقات الآخرين أيضاً، وحاول تدوين جوهرها الذي يساعدك على الفهم على الأقل.
8. أسئلتك الخاصة:
احرص على تدوين جميع الأسئلة التي تخطر ببالك حول المادة التي تدرسها، سيساعدك هذا على تذكر الأسئلة التي يجب عليك أن تسألها لأستاذك، أو البحث عن معلومة ما لاحقاً، كما سيحثُّك على التمعُّن في المواطن التي لم تتمكن من فهمها.
3 تقنيات فعالة لتدوين الملاحظات:
لست مضطراً لأن تكون بارعاً في تدوين الملاحظات حتى تكون فعالة، ولكن ثمة بعض التقنيات التي يجمع الناس على أنَّها مفيدة:
1. إنشاء مخطط:
سواء كنت تستخدم الأرقام الرومانية أو التعداد النقطي، فإنَّ إنشاء مخطط يُعدُّ طريقةً فعالةً لاستخلاص العلاقات الهرمية بين الأفكار والبيانات؛ على سبيل المثال: يمكنك كتابة اسم قائد هام في محاضرة التاريخ، وتدوين الأحداث الرئيسة التي شارك فيها تحته، ثم إضافة وصف موجز تحت كلٍّ منها، وهكذا.
يُعدُّ إنشاء المخطط طريقةً رائعةً لتدوين الملاحظات التي تأخذها من الكتب؛ لأنَّ المؤلف عادةً ما ينظم الموضوع بطريقة فعالة إلى حد ما، ويمكنك الانتقال من بداية الفصل إلى نهايته، ثم إعادة صياغته ببساطة في ملاحظاتك.
أما بالنسبة للمحاضرات، فلن يفيدك المخطط كثيراً؛ لأنَّ العلاقة بين الأفكار ليست هرمية دائماً، وقد ينتقل المحاضِر من فكرة إلى أخرى عشوائياً؛ فقد ترتبط فكرةٌ نوقشت في نهاية المحاضرة بالمعلومات التي ذُكرت في بدايتها بشكل أفضل، الأمر الذي يجبرك إمَّا على التنقل باستمرار بين كل نقطة وأخرى لتجد أين تتناسب المعلومات بشكل أفضل (هذا إذا كان لا يزال ثمة مساحة لكتابتها)، أو تخاطر بفقدان العلاقة بين ما قاله المحاضِر للتو، وما ذكره من قبل.
2. إنشاء خارطة ذهنية:
قد تكون الخارطة الذهنية طريقةً ملاءمةً أكثر لتتبع العلاقات بين الأفكار أثناء المحاضرات، وإليك طريقة إنشائها:
- ابدأ بكتابة الموضوع الرئيس للمحاضرة في منتصف الصفحة.
- ارسم فروعاً متشعبةً من المركز؛ بطريقة يعبِّر فيها كل فرع عن فكرة فرعية واحدة تُذكر في المحاضرة.
- دوِّن النقاط المتعلقة بالأفكار الفرعية في شكل غصينات صغيرة تنبثق من الفكرة الرئيسة.
إنَّ الأمر المفيد هنا هو أنَّه إذا كان عليك أن تُدرِج نقطةً ما تحت العنوان الفرعي الأول، ولكنَّك وصلت إلى العنوان الفرعي الرابع مثلاً، يمكنك إضافتها بسهولة في الفرع الأول، وبالطريقة نفسها، إذا كانت نقطة ما ترتبط بفكرتين مختلفتين، فيمكنك ربطها بفرعين مختلفين.
أما إذا كنت ترغب في ترتيب الخارطة فيما بعد، فيمكنك إعادة رسمها، أو كتابتها باستخدام برنامج مثل "فري مايند" (FreeMind)، وهو برنامج مجاني لرسم الخرائط الذهنية (تحتوي بعض منصات الويكي (Wiki) على مكونات إضافية تتعلق بالخرائط الذهنية الخاصة ببرنامج (FreeMind)، في حال كنت تستخدم ويكي (Wiki) لتتبع ملاحظاتك).
3. تدوين الملاحظات باستخدام نظام كورنيل (Cornell System):
يُعدُّ نظام كورنيل (Cornell System) نظاماً بسيطاً، ولكن فعالاً لتعزيز قدرتك على التذكر، واستخلاص الفائدة المثلى من ملحوظاتك، ويمكنك إنشاؤه من خلال اتباع الخطوات الآتية:
- ارسم خطاً أفقياً في الجزء السفلي من الورقة بحجم ربع الصفحة.
- ارسم خطاً رأسياً آخر من هذا الخط بمقدار 5 سم لتحديد الجزء الأيمن من الصفحة.
- بعد أن قسَّمت صفحتك الآن إلى ثلاثة أقسام، خصِّص الجزء الأكبر من الصفحة لتدوين الملاحظات بشكل طبيعي عبر إنشاء مخطط، أو خارطة ذهنية، أو أي شيء آخر.
- وبعد المحاضرة، اكتب سلسلةً من الأسئلة المتعلقة بالموضوع الذي دوَّنت ملاحظات عنه في العمود الأيمن؛ إذ سيساعدك ذلك في استيعاب المعلومات التي نوقشت في المحاضرة أو أثناء قراءة كتاب، بالإضافة إلى أنَّها توفر أداةً مفيدةً للمراجعة والمذاكرة عند اقتراب الاختبارات من خلال تغطية القسم الرئيس بيدك، ومحاولة الإجابة على الأسئلة الموجودة في القسم الأيمن.
- دوِّن ملخصاً قصيراً من سطرين أو ثلاثة سطور بصياغتك الخاصة للأفكار التي تناولتها؛ إذ سيساعدك ذلك في فهم المعلومات أيضاً من خلال إجبارك على صياغتها بطريقة مختلفة، كما أنَّه يشكِّل مرجعاً مفيداً عندما تحاول العثور على معلومة ما في ملاحظاتك فيما بعد.
الخلاصة:
إنَّنا لم نتناول سوى بضعة من الأساليب والاستراتيجيات المتنوعة التي ابتكرها الناس لتدوين ملاحظات جيدة؛ إذ يستخدم بعضهم أقلام تمييز، أو أقلاماً ملونة؛ ويستخدم بعضهم الآخر نظام باروك (baroque system)، أو الملاحظات اللاصقة.
لقد حاولنا أن نتناول الموضوع بشكل عام وبسيط، ولكن في نهاية المطاف ينبغي أن تعكس التقنية التي تستخدمها طريقة تفكيرك، تكمن المشكلة في أنَّ معظم الناس لا يضعون الطريقة التي يفكرون بها في عين الحسبان، مما يتركهم في حالة من التشتت والضياع؛ الذي تعكسه ملاحظاتهم.
أضف تعليقاً