نصائح لبناء الثقة بالنفس

لو تأملنا واقع حياتنا الذي نعيشه يوماً بيوم، لوجدنا أنَّنا ضيعنا كثيراً من فرص حياتنا، وأنَّنا قمنا بعديد من السلوكات التي ليست من سلوكاتنا، وقد يصل الحال بنا إلى درجة أن نتخلى عن أهدافنا، وقد نتخلى أحياناً عن أهدافنا بسبب غياب الثقة بأنفسنا؛



إذ إنَّ غياب الثقة بالنفس لدى الإنسان يُعَدُّ واحداً من أكثر الأشياء التي تهدم حياته بشكل فعلي، وذلك له عواقب وخيمة عليه، وقد تصل إلى حد إنهاء الحياة بحد ذاتها، وغالباً يكون واحد من أهم أسباب الانتحار هو ضعف إيمان الشخص بنفسه، ولعلَّ أبرز المشكلات التي يعانيها الأشخاص الذين ليست لديهم ثقة بأنفسهم هي:

  1. القلق والتوتر النفسي وما يرافقه من اكتئاب.
  2. التشتت الفكري وضياع الهدف.
  3. عدم القدرة على اتِّخاذ القرارات.
  4. تحوُّل المرء إلى خادم يُلبي احتياجات الآخرين دون النظر إلى حاجاته هو.

كثيرة هي المشكلات التي يعانيها الأفراد الفاقدون للثقة بأنفسهم، والتي لا مجال لذكرها ضمن سطور هذا المقال، ولكنَّنا سنستعرض معاً بعض المفاهيم التي تساعد على بناء الثقة بالنفس من خلال معرفة تعريف الثقة بالنفس، وما هي أهم الأشياء التي تضر بثقة المرء بنفسه، وأهمية الثقة بالنفس، وهل الثقة بالنفس موهبة فطرية أم هي أمر مكتسب.

ما هو تعريف الثقة بالنفس؟

تتعدد التعاريف التي تشرح لنا مفهوم الثقة بالنفس، إلَّا أنَّ جميع الباحثين وأهل الاختصاص يتفقون على أنَّها تعني إيمان المرء بنفسه وبما يملكه من قدرات لمواجهة تحديات الحياة والتعامل معها.

ما هي الأشياء التي تهدم ثقة المرء بنفسه؟

1. التربية والبيئة المحيطة:

تؤدي التربية المنزلية دوراً فعالاً في عدم ثقة المرء بنفسه من خلال أخطاء تربوية فادحة يرتكبها الآباء بحق الأبناء، مثل الحماية الزائدة عن حدها، والإفراط في الدلال، وعدم تحميلهم المسؤولية، كما يؤدي المحيط البيئي مثل المدرسة والأصدقاء دوراً فعالاً في هدم الثقة، مثل التنمُّر في المدرسة والتعنيف الجسدي والمعنوي، وكذلك تنمر الأولاد على بعضهم بعضاً، كلها أمور تثر سلباً في بناء ثقة الإنسان بنفسه.

2. عقدة الذنب:

نعاني في مجتمعنا العربي تحديداً من عقدة الذنب التي لا تفارقنا على طول يوميات حياتنا إلى درجة أنَّنا إن كنَّا في اجتماعٍ وكان فيه شيء من السرور والسعادة، يقول أحدنا: "اللهمَّ أعطنا خير هذا السرور"، وهذا القول لو تأملنا فيه لوجدنا أنَّ التفسير الصحيح له أنَّ حالة السرور هي الحالة الطارئة، وحالة عقدة الذنب التي نعيشها هي الحالة العامة والتي يجب أن تكون سائدة، وهنا سأطرح سؤالاً وأنا متأكِّد من أنَّك ستجيب بمنتهى الصدق والصراحة، هل يوجد شعب في هذا العالم يعيش عقدة الذنب مثلما يعيشها أهل الشرق الأوسط بشكل عام والمجتمع العربي بشكل خاص؟

أتركُ لك الإجابة.

3. عدم أخذ المشاعر الخاصة في الحسبان:

بصراحة مطلقة ودون مواربة أغلبنا دون استثناء يولي الأهمية القصوى إلى مشاعر الآخرين واهتماماتهم بصرف النظر عن المشاعر الخاصة التي تعترينا، فمَن منا لا يراعي مشاعر مديره في العمل على حساب مشاعره؟ ومَن منا لا يراعي مشاعر أستاذه على حساب مشاعره؟ حتى لدرجة أنَّ الزوج قد يراعي مشاعر زوجته أو النقيض على حساب مشاعرهم الخاصة؛ لذا إنَّ عدم اهتمام المرء بمشاعره ورغباته يحوِّله إلى خادم لمشاعر الآخرين في الوقت الذي يجب أن تكون فيه الأولوية لمشاعره ليحافظ عليها ويديرها بشكل صحيح.

4. مقارنة الذات بالآخرين:

توجد عبارة جميلة جداً نعلمها أغلبنا لكن لا نعلم أثرها، وهذه العبارة هي: "الشخص الوحيد الذي يجب أن تقارن فيه نفسك هو أنت فقط".

لو تأملنا هذه العبارة لوجدنا أنَّه في كل مرة يقارن فيها المرء نفسه فإنَّه يقلل من قيمة ذاته وثقته بنفسه، وهو بعبارة أخرى يقول عن نفسه عند قيامه بالمقارنة: "أنا لست مؤهلاً إلى أن أكون مثل ذلك الشخص، وقدراتي لا تسمح لي أن أجاريه، وشيئاً فشيئاً يبدأ المرء برؤية الجميع على أنَّهم أفضل منه لينتهي به الأمر إلى أن يكون معدوم الثقة بنفسه.

لماذا الثقة بالنفس هامة بالنسبة إلى الإنسان؟

 تنبع أهمية الثقة بالنفس عن العلاقة الوثيقة مع الإنسان، فهي تؤثر في مختلف جوانب الحياة الإنسانية وفي كل مفاصلها اجتماعياً وعاطفياً وثقافياً واقتصادياً، فلا يمكن لأي شخص في هذا العالم أن يحقق النجاح في حياته دون أن يكون حراً ومستقلاً، وحرية المرء مقرونة بشكلٍ وثيق بمقدار ثقته بنفسه.

لعلَّ السؤال الذي يدور في بالك الآن هو: هل الثقة موهبة، أم هي مهارة مُكتسبة؟

إنَّ الإجابة عن هذا السؤال تحتمل الوجهين لكن بنسب مختلفة، والمقصود من المذكور هنا أنَّه يوجد أشخاص يولدون ولديهم شيء من التمرد الفطري، فكم مرة سمعنا أشخاصاً يقولون: "ابني له شخصيته المستقلة"، أو "إنَّه قائد بين إخوته"، أو يقول أحدهم لديه حب القيادة، كل تلك الصفات يمكن أن تُولَد مع الإنسان فطرياً وكلها يمكن أن تنعكس مستقبلاً ثقة بالنفس، إلَّا أنَّ كل ما سبق هي حالات فردية وقد تكون قليلة بالمقارنة مع الآخرين؛ لذا إنَّ الثقة بالنفس هي أقرب ما تكون إلى مهارات يمكن للإنسان اكتسابها من خلال التدريب عليها.

هنا نصل إلى النقطة الأهم في الحصول على طريقة عمل يمكن للمرء أن يستخدمها في حياته من أجل رفع مستوى الثقة بنفسه وعكس هذه الثقة على واقع حياته، وهذا ممكن من خلال اتِّباع الخطوات الآتية:

الخطوة الأولى: اختيار الأشخاص بعناية

لبناء ثقة الإنسان بنفسه عليه أولاً إعادة ترتيب الأشخاص في حياته، وبعبارة أخرى إجراء غربلة لقائمة الأشخاص الموجودين في حياته؛ فإذا كان يريد أن ينمِّي مهارة الثقة بنفسه، يجب أن يعمل على الابتعاد عن الأشخاص السلبيين الذين يُشعرونه بعدم الأمان، والعمل على إحاطة نفسه بأشخاصٍ يقدِّرون قيمة الحياة كلها وقيمة أنفسهم، فكل ما في هذه الحياة يمكن اكتسابه من خلال العدوى.

يوجد مثل شعبي يقول: "رافق السعيد تسعد، ورافق الشقي تشقى"، وهذا المثل ينطبق تماماً على كيفية اكتساب المرء الثقة بنفسه، فمن غير الممكن أن يزيد المرء من الثقة بنفسه وهو يجالس أولئك الخائفين المتشائمين في حياتهم.

شاهد: 6 علامات تدل على ضعف الثقة بالنفس

الخطوة الثانية: تدريب النفس على مواجهة التحديات

نحن ندرك تماماً مدى الصعوبات التي يمكن للمرء أن يتعامل معها خلال الحياة اليومية، فهذه الحياة على الرغم من تطورها الكبير إلَّا أنَّها تعج بكثير من الصعوبات والعقبات التي تؤثر في نفسية الإنسان، وقد تجعله فاقداً للثقة بنفسه وبقدراته، إلَّا أنَّ الحل لا يكمن في الاستسلام؛ بل على النقيض من ذلك تماماً؛ فالحل الوحيد يكون في المواجهة وتقبُّل تلك الصعوبات والإقبال عليها دون خوف، والعمل على تجاوزها بالإيمان بالنفس، وتقدير الذات، وتقبُّل التغيرات، وامتلاك المرونة الفكرية، والنظر الدائم إلى النصف الممتلئ من كأس الحياة.

قد يقول قائل هنا إنَّ هذا الكلام مجرد تنظير بعيد عن الواقع، إلَّا أنَّ لا حل سوى مواجهة هذا التحدي أو الاستكانة إليه والقبول بالواقع وتدمير الحياة، فأيهما تفضل؟

الخطوة الثالثة: ممارسة التخيل

يُعَدُّ التخيل من أهم الطرائق التي تساعد المرء على بناء الثقة بنفسه، كيف لا وهو الذي ينقله إلى العالم الذي يريده هو تحديداً بعيداً عن رغبات الآخرين، فالتخيُّل الشخصي نابع عن الرغبات الحرة للفرد التي تكون بعيدة عن المؤثرات الخارجية، وعلى المرء شيئاً فشيئاً أن ينقل تلك التخيُّلات إلى واقعه ليعيشها تماماً.

على سبيل المثال، إن كنتَ ترغب في أن تكون كاتباً، ما عليك سوى تخيُّل نفسك وأنت تكتب وتحصد جوائز الكتابة التي تكتبها، ولتحقيق هذا الأمر واقعاً عليك أن تبدأ القراءة وتحويلها إلى عادة لتبدأ بتشكيل ذخيرة معلومات تساعدك على بدء ما تخيَّلته.

في مثال آخر لو أحبب المرء أن يكون ذا جسم جيد، ما عليه سوى تخيل نفسه وهو يمارس الرياضة، ويبني العضلات، ويرتدي الملابس التي يرغب فيها، وإنَّ تحويل هذا التخيل إلى واقع يبدأ من خلال اتباع نظام غذائي معيَّن تبعاً للحالة الشخصية، وممارسة الرياضة، وملاحظة الأثر الذي يحصل عليه، إنَّ التخيُّل هام لدرجة كبيرة في إكساب المرء ثقة بنفسه، إلَّا أنَّه من الهام جداً ألَّا يبالغ في التخيل وأن يكون واقعياً في خيالاته فلا يطلب المستحيل.

الخطوة الرابعة: تقدير إنجازاتك

يُعَدُّ تقدير الذات أمراً بالغ الأهمية في اكتساب المرء للثقة بنفسه، ويأتي تقدير الذات من جراء عدم استصغار الإنجازات الشخصية، وعدم الاستماع لكلام المحبطين، فعلى سبيل المثال: يوجد أشخاص ممن يودُّون الإقلاع عن عادة التدخين مثلاً، فيبدؤون برنامج تخفيف عدد السجائر اليومية، وقد ينجحون في الأمر بداية، إلَّا أنَّ كلام المحيطين قد يؤثر فيهم فيفقدون الثقة بأنفسهم ولا يقدِّرون إنجازاتهم فيعودون إلى عادة التدخين، وكثيرون منا سمعوا أشخاصاً يقولون: هل تخفيف سيجارة في اليوم يعني أنَّك ستترك التدخين؟ وسمعوا آخرين يقولون: لن تفلح في الأمر، لقد قلت ذلك عشرات المرات من قبل.

قد يتأثر المرء في هذه الكلمات، لكن في حال كان الفرد مقدِّراً لذاته وإنجازاته، لأدرك يقيناً كمَّ الإنجاز الكبير الذي قام به عندما خفض عدد سجائره اليومية بمقدار سيجارة واحدة، أو عندما استيقظ قبل ربع ساعة من موعد استيقاظه المعتاد.

الخطوة الخامسة: البحث عن الأشياء التي تحبها في حياتك

هل تخيَّلت يوماً أن تعود طفلاً؟ قد تجد هذا السؤال غريباً بعض الشيء، إلَّا أنَّه لو تأملنا قليلاً وعُدنا إلى طفولتنا لوجدنا أنَّنا كنا واثقين بأنفسنا أكثر من الآن، ألم ترفض الأشياء التي لم تكُن تحبها؟ ألم يمارس عليك الأهل ضغطاً من أجل أن تلبس لباساً معيناً وأنت ترفض لمجرد أنَّك لم تحبه؟ وكثيرة هي الأمثلة التي عايشناها واقعاً في طفولتنا، والتي تدل على تمسكنا بالأشياء التي نحبها، فلماذا الآن وقد امتلك الفرد منا وعيه وأصبح يتنازل عما يحبه بصرف النظر عن المسببات التي تدفعه إلى التنازل عنه؟

إنَّ البحث عن الأشياء التي نحبها والعمل على اقتنائها يزيد من ثقة المرء بنفسه وبقدراته وخياراته؛ الأمر الذي ينعكس إيجاباً على نفسه التي بين جنبيه.

إقرأ أيضاً: 5 خطوات لتحدّي الخوف واكتساب الثقة بالنفس

الخطوة السادسة: قول كلمة "لا" دون خشية العواقب

يجب أن تعلم يقيناً أنَّه لا توجد أولوية في هذا العالم أكثر من ذاتك، فلا تكُن مثالياً في هذه الحياة وقدِّر رغباتك أولاً، فلا تقدِم على شيء وأنت لست على قناعة تامة به، ولا تتنازل عن حقك في طلب الأدلة والبراهين للأشياء التي يمكن أن تواجهك في حياتك، فلا تخشَ من قول كلمة "لا" لما لا يوافق رغباتك وطموحاتك، فكم من كلمة "لا" كانت خيراً من ألف كلمة "نعم"، وكم من كلمة "لا" جنَّبت المرء مزيداً من الضغوطات التي يمكن أن يتعرَّض إليها فيما لو قال "نعم"، فعندما تملك كلمة "لا" صحيحة فأنت بطريقة أو بأخرى تبني الثقة بنفسك من خلال عدم السماح للآخرين بتقرير مصيرك.

في الختام:

قبل أن تتخذ قرارك النهائي في أيَّة ضفة ستقف؛ عليك أن تعلم أنَّ الثقة بنفسك هي مفتاح نجاحك في هذه الحياة، وهي الخطوة الأولى نحو تحقيق أهدافك وبلوغ المراد؛ لذا عليك أن تعرف أنَّ ماضي المرء لا يساوي حاضره، ومهما كانت تجارب الحياة قاسية عليك، فتوجد لديك فرصة للنهوض.

لا تستلم ولا تقُل هذا نصيبي وهذا حظي، وفي هذا السياق تقول كيمبرلي فريدماتر (Kimberly Friedmutter) مؤلفة كتاب "قوَّة اللاوعي": إنَّ استخدام المرء لجمل مثل: "لقد فشلت"، أو "هذا هو حظي"، أو "كنت أعلم أنَّ هذا الأمر سيحصل لي"، جميعها عبارات مدمِّرة تحطِّم ثقة الفرد بنفسه.

إقرأ أيضاً: 6 أسرار تمنحك الثقة بالنفس

إنَّها جمل تنمِّي في داخل المرء أفكاراً وهمية بأنَّنا ضعفاء في هذا العالم، وأنَّنا الضحية العاجزة عن مواجهة صعوبات الحياة وتغييراتها، في حين أنَّ الحقيقة هي على النقيض من ذلك تماماً، إلَّا أنَّها تتطلب من المرء مواجهة صادقة مع نفسه فلا يهمل مشاعره، ويقول "لا" بكل قوة لكل ما يخالف رغباته ويقف عائقاً في طريق تحقيق أهدافه، ويبحث عن الأشياء التي يحبها في حياته، ويمارس التخيل لما يريده ويعمل على نقل تخيلاته لأرض الواقع ليعيشها بكل ثقة بنفسه وبقدراته على أنَّه إنسان مخلوق على هذه الأرض وله دور سام يجب أن يؤديه.




مقالات مرتبطة