مهارات فن الإلقاء أمام الجمهور

لطالما نسمع ونشاهد كثيراً من المتحدثين من مختلف أنحاء العالم، وفي شتى قنوات التواصل المتوافرة حالياً؛ فيجذبنا بعضهم ويأسر عقولنا وقلوبنا بحديثه المتسلسل وأسلوبه القصصي الرائع، ونبرة صوته المختلطة مع مشاعره الصادقة، وتعبيرات جسده المتماشية مع كلماته، وشغفه المنطلق في أرجاء المسرح، وابتسامته المفعمة بالطاقة والحيوية، وحسه الفكاهي اللذيذ والمتميز.



ويُصِينا بعضهم الآخر بالملل والضجر بعد أول خمس دقائق من بداية المحاضرة، حيث لا يبالون في تنويع نبرات صوتهم، ولا يملكون الطاقة للتعرف إلى جمهورهم وفتح قنوات المشاركة معهم، ويتكاسلون عن التفكير بطرائق إبداعية لإيصال فكرتهم إلى الجمهور، ويتلهفون إلى إنهاء المحاضرة كما لو كانت عبئاً كبيراً يقع على كاهلهم، ولا يهتمون إلى ما تصدره أجسادهم من حركات، ويبقون أجسادهم ثابتة وجامدة بينما يتحرك فمهم فقط، ويمنحون كامل اهتمامهم إلى ذلك اللوح المعدني الذي يستعرض المعلومات، مبتعدين عن التواصل البصري مع الجمهور.

لطالما امتلك المتحدث الناجح طاقة تأثير عالية في الجمهور، فهو محترف في إيصال كلماته وأفكاره بأيسر الطرائق وأكثرها إبداعاً، ولا يوجد أقوى من متحدث جعل من المسرح، والاتصال مع الناس، والتأثير فيهم، والرفع من سوية حياتهم؛ رسالته في الحياة، وشغفه الحقيقي. إنَّه تجسيد حي للقوة الناعمة بلا منازع.

ما هي أهم المهارات التي يجب أن يمتلكها المتحدث الناجح؟ هذا ما سنتابعه من خلال هذا المقال.

هل فن الإلقاء "مكتسب"؟

يعتقد كثيرون أنَّ فن الإلقاء عبارة عن مهارة فطرية قد تأتي لبعض الناس بينما يُحرَم منها بعضهم الآخر، إلا أنَّ هذا الاعتقاد خاطئ تماماً، فقد يستطيع الإنسان اكتساب مهارة الإلقاء بالتدريب والسعي المستمر لتطوير قدراته وإمكانياته، فتستطيع أن تكون متحدثاً بارعاً إن امتلكتَ الإرادة الحقيقية لذلك، وإن تدربتَ بصبر وشغف وإصرار على التقنيات المطلوبة لشد وجذب الجمهور إليك.

لماذا يخاف معظم البشر من إلقاء محاضرة؟

  • يشترك معظم البشر بكثيرٍ من المخاوف فيما بينهم؛ كالخوف من الموت، والخوف من المرتفعات، والخوف من الحشرات، والخوف من الصوت العالي؛ في حين يتصدر "الخوف من مواجهة الجمهور" قائمة مخاوفهم على الإطلاق؛ حيث يخاف معظم الناس من رفض الآخرين لهم في أثناء إلقائهم محاضرة ما أو خلال تقديمهم لعرض تقديمي.
  • يُعدُّ الخوف من التحدث أمام الجمهور أمراً طبيعياً للغاية، حيث يفرز الجسم مادة الأدرينالين بغزارة في مواقف كهذه، مما يجعل الشخص متوتراً وقلقاً، ولكن لا يجوز أن تستمر مشاعر الخوف لأكثر من دقائق معدودات، فيجب على الشخص ترجمة معدلات الأدرينالين المرتفعة على أنَّها مُحفِّز للإثارة والمتعة. تبدأ المشكلة في سماح الشخص لمشاعر التوتر والخوف بالسيطرة عليه والتأثير في أدائه، فيتبَّنى عديداً من الأفكار السلبية مثل "لن أنجح في إلقاء المحاضرة أمام كل هذا الملأ"، "سيسخرون مني كثيراً في حال ارتكابي لأي خطأ لفظي"، "لن أستطيع جذب كل هذا الحشد إلي بالتأكيد"، الأمر الذي يجعله يتعرق ويتلعثم كثيراً، فاقداً التحكم في محتوى المحاضرة، معلناً فشله رسمياً في التحدث أمام الجمهور.
  • يتعامل معظم الناس بكثيرٍ من الجهل مع التجارب السلبية التي اختبروها على مدار سنين حياتهم، حيث يتبنون فكرة "أنَّهم لا يصلحون لإلقاء محاضرة والتحدث أمام الجمهور" وذلك في حال اختبارهم تجربة فشل في هذا المجال في الماضي. في حين يتعلَّم الشخص الناجح من أخطائه، ويحتفي بتجارب فشله لأنَّها تقدِّم له الفرص الحقيقيَّة لكي ينمو ويتطور ويرتقي.
  • يعشق معظم البشر "صورتهم المجتمعية" ويضخمون "الأنا" لديهم، الأمر الذي يجعلهم جامدين ومترددين في القيام بتجارب جديدة وذلك لكي لا تتأثر "صورتهم المجتمعية" أو تنخدش، فهم غير متصالحين مع ذواتهم ولا يجرؤون على اختبار التغذية الراجعة السلبية التي قد تأتي من الجمهور في أثناء إلقائهم المحاضرة.
إقرأ أيضاً: 10 أخطاء شائعة في العروض التقديمية

ما هي مهارات فن الإلقاء؟

1. امتلاك الشغف:

لكي تكون متحدثاً بارعاً عليك بداية أن تمتلك الشغف للموضوع الذي تقدمه، فلن تستطيع إقناع الناس بما تقول إن كنتَ لا تمتلك الإيمان المطلق بالمحتوى الذي تقدمه.

2. نبرة الصوت:

تُعدُّ نبرة صوت المُلقِي من أهم الأمور لكي يتحقق عنصر الجذب لدى الجمهور، حيث يحافظ بعض المتحدثين على وتيرة صوت واحدة طوال مدة العرض التقديمي، الأمر الذي يصيب الجميع بالملل والضجر، في حين يُنوِّع متحدثون آخرون في نبرات صوتهم، فيستخدمون النبرة المرتفعة تارة والمنخفضة والمتوسطة تارة أخرى، الأمر الذي يجعل الجميع سعيداً ومتلهفاً إلى ما يقولونه. ومن جهة أخرى، يعمد المتحدث الناجح إلى إضفاء مشاعره على صوته، بحيث تتجسد مشاعر الفرح أو الحزن أو الانفعال أو الدهشة على صوته، الأمر الذي يعطيه مصداقية وجاذبية أكبر.

3. الأسلوب القصصي:

يبتعد المتحدث الناجح عن الأسلوب الأكاديمي في أثناء تقديمه لعرض تقديمي، فهو يعلم أنَّ الجمهور يفضل أسلوب القصة على أسلوب الأرقام والإحصائيات، فيعمد إلى إيصال رسالته عن طريق إبداع قصة مؤثرة عاطفياً وتقديمها إلى الجمهور، بحيث تترسخ في أذهانهم، فمن الصعب جداً نسيان المعلومة المرتبطة بالمشاعر، على سبيل المثال: إن رغب المتحدِّث في الحديث عن القوة الحقيقية الكامنة داخل كل إنسان، وذلك من خلال قص قصته الشخصية ونجاحه في التخلص من الخجل الاجتماعي الشديد، كأن يقول: "هل تعلمون أنَّ مصدر ألمكم في الماضي قد يتحول إلى منبع رسالتكم وشغفكم؟ أنا أتذكر خوفي الشديد من التعامل مع الناس، ورعبي الشديد من إظهار أفكاري والتعبير عن آرائي، وانعدام قدرتي على توليد الأفكار بوجود الناس. ولطالما تأثرتُ بنظرات الناس الجارحة وتعليقاتهم المؤذية، فكان داخلي يصرخ ويتألم، إلَّا أنَّني لا أقوَ على البوح إلا للورق المخلص، وبقيت هكذا إلى أن كسرتُ حاجز الخوف، وتحديتُ نفسي، وصنعتُ من خيالي أداة فاعلة تعمل لِصالحي، فاعتدتُ على تخيل نفسي قوية وقادرة على التعامل مع جميع الناس، وتبنَّيتُ هذه الصورة إلى أن تحوَّلَت إلى واقع أعيشه، حيث تماشَت كل تصرفاتي ومشاعري مع الصورة الذهنية التي صنعتُها عن نفسي، واليوم أنا أمامكم حاصلة على الجائزة الذهبية في فن الخطابة والتواصل مع الآخرين". يجذب المتحدث الناجح الجمهور بأسلوبه القصصي المختلط مع المشاعر الإنسانية الصادقة والمرهفة.

4. الثقة بالمحتوى:

لكي تكون متحدثاً بارعاً لا بُدَّ أن تحضِّر لمحتوى عرضك التقديمي بطريقة احترافية، حيث يمنحك هذا الأمر ثقة عالية بالنفس وقدرة كبيرة على إقناع الآخرين.

إقرأ أيضاً: إنشاء مواد بصرية فعالة للعروض التقديمية

5. التبسيط:

يستخدم المتحدث أسلوباً مبسطاً في إيصال رسالته إلى الجمهور، فلا يستعرض رسالته بأسلوب الأرقام مستخدماً التراكيب الفنية التخصصية؛ بل يميل إلى استخدام اللغة القريبة من الناس والمفهومة من قِبل الجميع، فعلى سبيل المثال: لكي تستطيع إيصال فكرة "لا يوجد أثمن من الصحة على وجه الأرض"، لا عليك استعراض أعداد الوفيات التي تتوفى يومياً من جراء حوادث السيارات مثلاً وبأسلوب مقيت وممل، بل تستطيع استعراض قصة شخص ما قد فقد القدرة على المشي من جراء استهتاره في صحته وميله إلى السرعة الشديدة في قيادة السيارة، وتستطيع أن تلقي الضوء على انعكاس ذلك على شخصيته وطريقة تعامله مع أولاده، وكيف يمكن لهفوة صغيرة أن تفقده كثيراً من النعم التي لم يكن يشعر بقيمتها في الماضي، فها هو الآن غير قادر على أن يكون الأب المثالي ولا الزوج المثالي، فقد أصابته الهشاشة النفسية والأسى الشديد وطغت السوداوية على نظرته إلى الحياة.

6. الاختصار:

لا يميل المتحدث الناجح إلى التشعب في أفكاره؛ بل يميل إلى التركيز والاختصار، فيطرح أفكاره بطريقة مبوبة وسهلة التذكر، ويبني إطاراً واضحاً لمحاور عرضه التقديمي.

7. لغة الجسد:

يميل المتحدث الناجح إلى استخدام لغة جسده بطريقة تلائم الكلمات التي ينطقها، فيعبر بيديه ووجهه وحركات جسده عن كل ما يقوله، فهو قادر على الجمع ما بين الكلمات والجسد ونبرة الصوت بحيث يؤلف كتلةً واحدة لا تتتجزأ، فهو يعلم أنَّ لغة الجسد توثِّر بنسية 55% في إمكانية انجذاب الناس إليه، أما نبرة الصوت فتأخذ نسبة 38% في طاقة التأثير على الآخرين، في حين تأخذ الكلمات النسبة الأقل في التأثير وهي 7%، إذاً ما يهم هو "كيف تقول" وليس "ما تقول".

إقرأ أيضاً: أهمية لغة الجسد في نجاح الإلقاء أمام الجمهور

8. الدعابة:

يسعى المتحدث الناجح إلى كسر الجليد بينه وبين الناس عن طريق حس الدعابة الجميل، ومن دون إفراط لكيلا يقلل من قيمته.

9. الصدمة:

يستطيع المتحدث الناجح استخدام أسلوب الصدمة مع الجمهور من أجل الفوز بانتباههم منذ اللحظات الأولى للعرض التقديمي، كأن يستخدم أداة تدعم حديثه أو كلمات يسمعها الجمهور لأول مرة.

10. الوضوح:

يُعدُّ وضوح الكلام من أساسيات تقديم عرض ناجح، وهنا على المتحدث الناجح أن ينطق الكلمات بطريقة صحيحة وبدون سرعة، بحيث يلفظ أول حرف من الكلمة وآخر حرف فيها، كما يجب عليه أخذ وقفات صغيرة بين الجمل لكي يحفز الجمهور على التفكير والتحليل أكثر.

11. التدريب:

على المتحدث الناجح أن يتدرب كثيراً وأن يحضِّر نفسه للسيناريوهات الأكثر صعوبة وقساوة، كأن يتخيل طريقته في التعامل في أثناء تلقيه تعليقاً ساخراً من أحد الأشخاص من الجمهور، أو يتخيل حنكته في الرد على أسئلة الجمهور المفاجئة، بحيث يكون مستعداً للإجابة عن كثيرٍمن الأسئلة غير التقليدية المرتبطة بمحتوى عرضه. من جهة أخرى، يتسم المتحدث الناجح بالصدق الشديد فلا يتردد في قول كلمة "لا أعرف" في حال لم يكن لديه فكرة عن الموضوع الذي يُسأَل عنه، وفي هذا الكثير من الجرأة والثقة بالنفس.

الخلاصة:

في حال رغبت أن تكون متحدثاً بارعاً؛ فعليك أن تكون صادقاً، وصبوراً، وشغوفاً لما تقدِّمه، مُمثِّلاً تعبيرياً وبصدق لكل حرف من حروفك، قاصاً مشوقاً لأحداث قصتك، باحثاً عن الطرائق الإبداعية في إيصال فكرتك، مفعماً بالطاقة والحيوية والحرية.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة