مهارات التفكير الإبداعي لحل المشكلات المعقدة

دائماً ما نقرأ في إعلانات فرص العمل عبارة "مهارات التفكير الإبداعي" بوصفها شرطاً أساسياً يجب توفره في المتقدِّم إلى الشاغر الوظيفي، وقد يخطر في بالنا تساؤل عن العلاقة بين امتلاك مهارة التفكير الإبداعي والعمل، فندرك من خلال التجارب أنَّ الشركات التي تبحث عن موظفين يمتلكون مهارات التفكير الإبداعي هي شركات طموحة تسعى إلى كسر الحدود والروتين، وتهدف إلى التميز، وغالباً ما تنجح في تخطي الصعوبات التي تواجهها وحل المشكلات التي تعترضها بفضل المهارات الإبداعية لموظفيها التي تم توظيفها في ابتكار حلول خارجة عن المألوف.



لا تقتصر مهارات التفكير الإبداعي على حل مشكلات الشركات؛ بل يمكن توظيفها في حل المشكلات الشخصية والاجتماعية والدراسية؛ وذلك لأنَّ الإبداع لا يعرف حدوداً ويمكن تسخيره في جميع جوانب الحياة؛ لذا وانطلاقاً من أهمية الإبداع وقدراته السحرية قررنا أن نفرد هذا المقال لخوض تفاصيل مهارات التفكير الإبداعي ودورها في حل المشكلات المعقدة.

ما هو التفكير الإبداعي؟

التفكير الإبداعي هو نمط من أنماط التفكير التي يستخدمها الإنسان، ويعني النظر إلى الأمور بعين جديدة؛ إذ إنَّه التفكير الخارج عن المألوف أو التفكير خارج الصندوق كما هو شائع في مصطلحاتنا المهنية، ولا يعني ذلك أنَّ التفكير الإبداعي هو تقديم حلول أو أفكار عشوائية وغير منطقية؛ بل بخلاف ذلك تماماً إنَّه اقتراح لأفكار مدروسة ومنطقية ولكنَّها لم تخطر في بال أحد سابقاً، ويكون ذلك بفضل حالة تسمى "التفكير الجانبي"؛ وتعني القدرة على ملاحظة الأمور بطريقة مختلفة وغير واضحة للجميع.

في مثال عن التفكير الإبداعي نذكر التأليف الموسيقي وتحديداً مقطوعة الفصول الأربعة، فالعلامة الموسيقية هي ذاتها ومتاحة لجميع الموسيقيين، ولكنَّ وحده "فيفالدي" استطاع نظمها بهذه الطريقة والخروج بهذه التحفة العذبة من اللحن، الأمر كذلك ينطبق على الشعر فالكلمات في اللغة محدودة ولكنَّ الشعراء أمثال "محمود درويش" و"نزار قباني" و"بدر شاكر السياب" استطاعوا رسم تصاوير مذهلة من كلمة مألوفة للجميع، وهنا يكمن الإبداع.

إنَّ التفكير الإبداعي ليس مرتبطاً بالفنون فقط؛ بل إنَّ وجوده في أي مجال قادر على إضافة لمسة من التميز والابتكار، إضافة إلى تمكين أصحابه والجهات التي يعملون من أجلها من الحصول على مخارج ذكية لأزماتهم وحلول مبهرة لمشكلاتهم ومناظير جديدة لأعمالهم، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على المؤسسات التي يتبعون لها، فتتضاعف إنتاجيتها ويتعاظم انتشارها وتتفوق على منافسيها، وهذا ما يفسر سعي أرباب العمل الكبير إلى توظيف أصحاب التفكير الإبداعي بين كوادرهم.

ما هي مهارات التفكير الإبداعي؟

مهارات التفكير الإبداعي هي مكونات هذا النوع من التفكير التي يثمر توظيفها في النواحي الفنية والعملية في الحصول على نتائج مبهرة للعمل الإبداعي، فما هي أهم مهارات التفكير الإبداعي:

إقرأ أيضاً: 6 نصائح لتعزيز مهارة التفكير الإبداعي

1. مهارة التفكير التحليلي:

تعد مهارة التفكير التحليلي واحدة من مهارات التفكير الإبداعي، وتعني تشريح المشكلة وتمحيصها وتقليبها على جوانبها بعناية من أجل الحصول على فهم شامل لها، والاطلاع على كل جزئية من جزئياتها التي يمكن أن تكون مخرجاً للحل الإبداعي أو نواة له، فالأمر يشبه حل المسائل الرياضية الذي كنا نقوم به في المدرسة؛ إذ يجب علينا قراءة المسألة بتمهل وتمعن ومعرفة كل من الثوابت والمتغيرات، ومن ثم إدراك العمليات التي طرأت عليها، وبعد فهم أبعاد المسألة وتكوين صورة واضحة عن العمليات نشرع بالبحث عن الحل الإبداعي لها.

2. الانفتاح:

الانفتاح هو أيضاً واحد من مهارات التفكير الإبداعي، ويعني التفكير في جوانب جديدة لم يتطرق لها أحد سابقاً، ومن ثم سبر الحلول التي تنتج بمعايير المنطق ومقاييسه، فإذا ما كانت منطقية ومقبولة يتم اعتمادها، وإلا فإنَّها تُنفى ويُعاد البحث عن حلول جديدة؛ إذ إنَّ الانفتاح بصفته مهارة إبداعية يعني إلغاء التحيزات والافتراضات السابقة والتجهز لطرق جميع أبواب الحلول التي يقترحها التفكير، وهنا ستنفتح أمامنا عوالم الإبداع.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح تساعد على تنمية التفكير الإبداعي

3. التنظيم:

يعد التنظيم من أهم مهارات التفكير الإبداعي، وعلى الرغم من أنَّه يبدو متعارضاً مع الإبداع من المنظور التقليدي كون المبدعين أشخاصاً فوضويين كما يشاع عنهم، إلا أنَّه خطوة ضرورية للخروج بأفكار إبداعية منظمة وقابلة للوصول إلى أذهان الآخرين.

لنفترض مثلاً أنَّ طباخاً ماهراً انتبه إلى طعم لذيذ نتج عن تمازج نكهتين تذوقهما بطريقة الصدفة، ثم دخل المطبخ وبدأ يضع المقادير والمكونات بشكل عشوائي وحصل على طبق شهي، كيف سيستطيع تقديمه إلى جمهوره دون مهارة التنظيم؟

لقد انتبه الطباخ بإبداعه إلى الطعم واستطاع توظيفه في استخراج طبق من الحلوى، ولكنَّه مضطر إلى تنظيم طريقة التحضير وترتيب إضافة المكونات وضبط كمياتها وتوقيت طهيها ليحصل على وصفة إبداعية رسمية خاصة به يقدمها لجمهوره.

4. مهارة التواصل:

أما مهارة التواصل فهي أيضاً من أهم مهارات التفكير الإبداعي، وهي أساسه أيضاً، ودونها يبقى الإبداع كنزاً دفيناً في رأس صاحبه لا يستطيع تمريره إلى الآخرين أو إفادتهم منه، فينبغي على المبدع أن يملك مهارات التواصل الشفوية والكتابية ومهارات الإقناع التي تتيح له الاستحواذ على تفكير الشخص المقابل له والأخذ بيده بين الأفكار خطوة بخطوة ليصل إلى النتيجة التي وصل إليها الشخص المبدع.

إنَّ مهارة التواصل تتطلب ذكاءً عاطفياً، فهو الذي يمكِّن من إدارة عملية تواصل فعال مع الآخرين تتيح للمبدع كسب ثقتهم فيبوحون له عن مكنونات أنفسهم، ويقوم المبدع بتحليلها واستنباط الحلول الإبداعية منها، ومن ثم تقديمها لهم بطريقة تضمن قبولهم بها.

مثال: رغبت معلمة للمرحلة الابتدائية بتعليم طلابها الحواس الخمس، ولكنَّ المفردات والمعلومات الجديدة كانت صعبة بالنسبة إليهم، فقامت بتحويل كلمات الدرس إلى أغنية، وراحت تغنيها لهم وتشير إلى الحواس بيديها، فما كان من الأطفال إلا أن حفظوا الأغنية وفهموا الدرس خلال وقت قياسي وكثير من المتعة.

5. مهارة حل المشكلات:

إنَّ مهارة حل المشكلات هي من أهم مهارات التفكير الإبداعي، وهي الورقة الرابحة التي يضمن وجودها عند الفرد حصوله على فرص عمل مرموقة، فهي المهارة الأكثر طلباً في الموظفين الذين يبحث عنهم أرباب العمل التي يعد ذكرها في السيرة الذاتية رسالة توصية وترشيح يعزز فرص القبول.

إذا ما تساءلنا عن سبب الطلب الكبير على مهارة حل المشكلات فنجيب بأنَّها مخرج النجاة من الانهيار الكلي في مواجهة المشكلات التي تعترض الشركات، فكم من مرة أشرفت فيها الشركة على الإفلاس والانتهاء لتلمع فكرة إبداعية في ذهن أحد موظفيها لحل المأزق الذي تمر به، وكم من مرة نجح المنافسون في ابتلاع السوق وكسب الرهان لتكون فكرة إبداعية أخرى هي طوق النجاة الذي أعاد الشركة إلى بر الأمان.

شاهد بالفيديو: 5 نصائح لاكتساب مهارة حل المشكلات

مهارات التفكير الإبداعي لحل المشكلات المعقدة:

لقد تحدَّثنا عن مهارة حل المشكلات بصفتها واحدة من مهارات التفكير الإبداعي، لكن كيف يمكن توظيف التفكير الإبداعي في حل المشكلات المعقدة؟ يتم ذلك عبر اتباع الخطوات الآتية:

1. تحديد المشكلة:

تكون أولى خطوات توظيف مهارات التفكير الإبداعي في حل المشكلات المعقدة عبر تحديد المشكلة والاعتراف بوجودها، فلن نستطيع أبداً حل مشكلة لا نعترف بوجودها؛ لذا إن كنت تملك متجراً للملابس مثلاً وتعاني من قلة الإيرادات فلن تستطيع إيجاد استراتيجية حل هذه المشكلة وتحسين الدخل إن لم تعترف بمشكلتك.

2. تحليل المشكلة:

ثاني خطوات توظيف مهارات التفكير الإبداعي في حل المشكلات المعقدة تكون عبر تحليل المشكلة، التي غالباً ما تكون عبارة عن مشكلات عديدة متداخلة؛ لذا فإنَّ أخذ نفس عميق وإجراء تفكير تحليلي للمشكلة يساعد كثيراً على إيجاد سبل حلها.

بالعودة إلى انخفاض مبيعات المتجر يمكن التفكير في قيمة الدخل ومقارنتها بالتكاليف والنفقات ونسبة الأرباح وحساب المستوى المنطقي لهذه القيمة، ومن ثم إعادة النظر في استراتيجية التسعير، أو ربما تهتدي بالتفكير إلى سبب آخر لانخفاض الدخل مثل تعامل الموظفين السيئ مع الزبائن، ووجود المتجر في منطقة نائية، وعدم تناسب جودة البضاعة مع المستوى المعيشي لسكان المنطقة (كأن تبيع ماركات عالمية غالية الثمن في حي شعبي فقير)، وعدم وجود ترويج كافٍ للمتجر والبضاعة على الإنترنت وغيرها من الأسباب التي قد يكون سبب مشكلتك اجتماع سببين أو أكثر منها.

3. العصف الذهني في التفكير بحل:

بعد تحليل المشكلة وتحديد أسبابها ننتقل إلى الخطوة التالية من خطوات توظيف مهارات التفكير الإبداعي في حل المشكلات المعقدة وهي إجراء عصف ذهني للحلول واختيار الأنسب منها والأكثر تميزاً، وبالعودة إلى متجرنا الراكد الذي وجدنا أنَّ سبب ركوده هو جهل الناس به، نقوم بعصف ذهني لابتكار حلول دعائية تساهم في شهرته بوقت سريع، مثل الإعلانات الإبداعية المتلفزة أو الطرقية، أو الاستعانة بخبير تواصل اجتماعي للترويج للمتجر على صفحات التواصل الاجتماعي، كما يمكن إجراء عروض لافتة كتقديم زهرة حمراء وتغليف هدية أنيق مع كل قطعة ملابس تُشترى بمناسبة عيد الحب مثلاً أو حذاء رياضي ملائم مع كل لباس رياضي يتم شراؤه.

من الضروري مراعاة المنطق في اعتماد الحل الإبداعي، ففي حالة تطبيق حل الحذاء الرياضي بوصفه هدية مع اللباس الرياضي يجب أن يكون ثمن اللباس الرياضي يغطي تكلفته وتكلفة الحذاء مع وجود هامش ربح لتجنب الخسائر، فإذا كانت قيمة اللباس لا تغطي تكاليفه فإنَّ المتجر سيفلس بالتأكيد.

إقرأ أيضاً: 7 عوامل مهمة لتحقيق التفكير الإبداعي

4. إطلاع فريق العمل على الخطة:

هذه هي المرحلة الأخيرة من خطوات توظيف مهارات التفكير الإبداعي في حل المشكلات المعقدة؛ وذلك لأنَّ الثمار الجيدة تكون حصيلة تضافر العديد من الجهود، ويمكن أن يقترح أحد أعضاء فريق العمل فكرة إبداعية أخرى تحسِّن الحل، كأن يقترح أحد الموظفين في متجرك التواصل مع مشغل الخياطة الذي ينتج الألبسة الرياضية لإنتاج قبعات رياضية ملائمة تضاف إلى العرض السابق مع رفع ثمنه بشكل يغطي التكاليف ويوفر نسبة أرباح، وبهذا يستفيد الزبون بشراء زي رياضي متناسق وكامل دون أن يضطر إلى التسوق والبحث.

في الختام:

يمكن أن يكون التفكير الإبداعي موهبة فطرية، لكن يمكن اكتسابه أو تطويره وصقله عبر التدريب المستمر والعصف الذهني المكثف، أو إجراء عصف ذهني مع فريق العمل، وإنَّ توظيف مهارات التفكير الإبداعي في حل المشكلات المعقدة هو أنجع الحلول التي تعود بنتائج خيالية ومذهلة بالتأكيد.




مقالات مرتبطة