ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون سكوت إتش يونغ (Scott H Young)، ويخبرنا فيه عن تجربته في الاستفادة من العزلة.
قبل أيام قليلة كان لي شرف الجلوس، وعدم القيام بأيِّ عمل، ولم أجلس لأسترخي أو لأنَّني أفتقر إلى الفاعلية؛ بل لأنَّني لا أريد أن أفعل أيَّ شيء على الإطلاق؛ إذ جلست على كرسي، واستسلمت للتفكير فقط، وفي البداية كان الأمر مزعجاً، وشعرت أنَّني بحاجة إلى فعل شيء ما، وإن كان بلا معنى ومشتت، لكن بعد ساعة تقريباً من العدم بدأت أفكر بوضوح، وأقدِّر الأشياء بطريقةٍ جديدة.
لا يمكن وصف العزلة الكاملة، وعدم القيام بأيِّ شيء على أنَّها حالة مملة، فحتى الملل يتطلب نشاطاً؛ إذ تعدُّ مشاهدة الطلاء وهو يجف نشاطاً، وإن افتقر افتقاراً تامَّاً للصفات المثيرة للاهتمام؛ فالعزلة بالنسبة إلى ناس عديدين؛ إمَّا مرعبة فقط، أو ممتعة فقط، وكثيرون يفضلون أن يصفوها بالصفة الأولى.
العزلة هي الأساس:
يُشل الخوف من العزلة نشاطك في مجالات أخرى من الحياة؛ فإذا كنت لا تستطيع البقاء وحدك أو دون القيام بأيِّ نشاط ستسعى إلى فعل أِيِّ شيء لملء هذا الفراغ، وإن لم يكن خياراً جيداً؛ فمثلاً ستشتري البقالة التي لست بحاجة لها إذا كنت جائعاً أو ستتناول الوجبات السريعة التي لا تريدها، وبالمثل إذا كنت لا تستطيع تحمل العزلة، فسوف تملأ حياتك بعلاقاتٍ، وأنشطة لا معنى لها، وغالباً على حساب شيءٍ عظيمٍ حقاً.
عدم القدرة على تحمل العزلة يشبه عدم القدرة على تحمل الفقر؛ إذ لا يمكن الوصول إلى تجارب عديدة في الحياة إلا إذا كنت على استعداد للمخاطرة بمستوى معين من الدخل أو الاستغناء عنه؛ فإذا كنت تحتاج إلى 70 ألف دولار سنوياً لتكون سعيداً، فقد ألغيت للتو مجموعة كبيرة من الاحتمالات، وإذا كنت بحاجة إلى صحبة، ونشاطٍ دائمين، فسوف تحرم نفسك من إبداع الأفكار الجديدة أو من الأشخاص أو الأهداف التي تتطلب بعض العزلة.
توجد أهداف عديدة تتطلب درجة ما من العزلة قبل أن تبدأ بتحقيقها، وبعد أن تجلس وحيداً مع أفكارك فقط لبضع ساعات تبدأ في إزالة بعض الأفكار المغلوطة التي كانت تعوقك؛ فإذا لم تتسامح مع تفكيرك الصريح الواضح لن تتعثر أبداً بتلك الأفكار الملهمة الجديدة.
العزلة من أجل أفكار جديدة:
لقد مارست بعض أشكال التأمل ممارسة متقطعة في السنين الخمسة الماضية، وعلى الرَّغم من أنَّ ممارسين عديدين لديهم طقوس متقنة للتأمل إلا أنَّني أعتقد أنَّ القيمة الحقيقية لرياضة التأمل تكمن في غياب النشاط، والتفكير في أفكار غير منظمة، وغير مشتتة.
اعتماداً على الحالة الذهنية التي تكون فيها عند بداية دخولك في حالة من العزلة يمكن أن تكون أول 15-30 دقيقة صعبة للغاية، ويمكن أن تكون الرغبة في النهوض والقيام بشيء ما أمراً مرهقاً، ومع ذلك غالباً بعد اجتياز هذه المدة تبدأ في توليد أفكار رائعة، وتظهر لديك فجأة نظرة ثاقبة أو حلولاً لمشكلاتٍ مستعصية سابقاً، وتتحول المواقف الصعبة إلى مواقف بسيطة.
شاهد بالفيديو: خمس خطوات للعملية الإبداعية
الازدهار في العزلة:
لا يحتاج الشعور بالراحة في أثناء العزلة إلى عزل نفسك بعيداً في الجبال، وأن تصبح ناسكاً؛ بل يعني منح نفسك فرصة فقط لتكون من دون أشخاص أو نشاط لبضع ساعات، وقد يكون هذا صعباً في عالم مزدحم بالناس والنشاطات.
يعجبني اقتراح المتحدث التحفيزي الكندي الأمريكي بريان تريسي (Brian Tracy) المتمثل بالجلوس وحيداً في سيارتك، أو في حجرة صغيرة ضمن مساحة معزولة؛ إذ يمكن أن تكون تلك استراتيجية جيدة إذا كنت محاطاً دائماً بأشخاص في العمل وفي المنزل.
قوة العزلة:
يمكنك أن تقول بصراحة إنَّك راضٍ، وإنَّك في سلام عندما تكون في عزلة تامة فلديك قوة هائلة تستثمرها في كلِّ جانب آخر من جوانب الحياة؛ وذلك لأنَّك تترك وراءك بصمة شخص يتوق إلى شيء يتجاوز مجرد الرغبة فيه، ومن دون أن يعوقك ذلك يمكنك التعامل مع كلِّ موقف بالقوة، بدلاً من اليأس.
لا يحتاج الشخص الذي يستمتع بالعزلة إلى البقاء في علاقة غير مُرضية، ولا إلى قضاء الوقت في نشاط ممل؛ فالأشخاص الذين يتمتعون بعزلتهم لا يحتاجون لملء حياتهم بالمشتتات.
أضف تعليقاً