مفهوم حب الذات وأهميته في الحياة والفرق بينه وبين الغرور

يُعَدُّ حب الذات مفهوماً توسعياً، يفتتح في داخلنا وعياً عن هذا الحب، ويجعله مع مرور الوقت يطفو على السطح، وبالتدريج يجعله يفيض ومن ثم ينسكب على مَن حوله من الناس؛ لأنَّ الإنسان يحب ذاته، فهذا يجعله يفكر أربعاً وعشرين ساعة في اليوم كيف يخدم الناس، وكيف يقدم لهم الفائدة؛ إذ إنَّه وصل إلى مرحلة من حب الذات جعلته يجتاز مرحلة إشباع حاجاته الفردية، إلى التطلع نحو الطريقة التي يقدر من خلالها أن يحول نفسه إلى مشروع جماعي.



سنتعرف في هذا المقال إلى المفهوم الحقيقي لحب الذات بصرف النظر عن الكلام المغلوط حوله، وما ينطوي عليه هذا المفهوم الواسع، وما يمكن أن نحققه من خلال تطبيقه في حياتنا، وسنوضح الفرق بينه وبين الغرور.

ماذا يعني "حب الذات" وفق المفهوم الإيجابي؟

حب الذات بالمفهوم الإيجابي الذي نقصده نحن في مقالنا هذا يتناقض تماماً مع ما هو شائع في أذهان عامة الناس من تكبُّر أو غرور؛ بل هو وسيلة للقضاء على هذا الغرور وتحجيمه، تمهيداً لاجتثاثه كاملاً من أعماق النفس؛ إذ إنَّ حب الذات يقتضي إشباع حاجاتها التي لا تتقاطع مع إيذاء الآخر أو حتى إيذاء النفس أو الإخلال بالأنظمة والقوانين التي تنظم حياة الناس؛ وذلك من أجل بناء اللبنة الأساسية للسلام الداخلي؛ لأنَّ الحاجات التي لا تُشبَع، تبقى مثل الثيران الهائجة والمتناحرة.

بالتأكيد لا يمكن لأي إنسان أن ينجز عمله أو يحب غيره أو يتصرف بطريقة سليمة بوجود هذه الثيران، وما يفعله الإنسان في هذه الحالة أن يُسكِت هذه الثيران بطريقة لا تؤذي أحداً، ومن بعدها يعم الهدوء والسلام في الأجواء، ومن ثمَّ يستطيع التفرغ لعمله ويصب كل طاقاته ضمنه أو يهتم بمن هم حوله ويرعاهم، ويقدم لهم كل ما يحتاجون إليه من مادة أو عاطفة.

هل ينطوي حب الذات على حب الذات بأجزائها الإيجابية فقط؟

الإنسان المحب لذاته، هو إنسان محب لكل مكوناتها، لا يستثني منها شيئاً، فإذا أراد أن يحب الأجزاء الجميلة، فإنَّه يتصرف كالأم التي لا تحب أحد أولادها لأنَّه لا يستمع لكلامها أو لا يتصرف كما تريد، وهذا التصرف بالطبع لا تقوم به الأم؛ إذ إنَّها تحب كل أطفالها بنسب متساوية، وكذلك نحن، يجب علينا أن نحب كل عناصر ذاتنا السلبية منها قبل الإيجابية، وأن نتقبلها مثلما تفعل الأم تماماً، فلا يوجد إنسان كامل، وكلنا مليئون بالعناصر السلبية والإيجابية.

كيف يساعدنا حب الذات بكل مكوناتها على تقبل جميع أنواع الناس؟

عندما نحب ذاتنا بكل مكوناتها - وخاصةً السلبية منها - فإنَّنا نتقبل سلبيات الآخرين؛ وذلك لأنَّها موجودة لدينا بشكل أو بآخر، وهذا يساعدنا على مساعدتهم، لا أن نرفضهم لأنَّهم يحملون عيباً محدداً؛ إذ إنَّ أكثر ما يمكن أن يهدم العلاقات الإنسانية هو التعامل بمبدأ "إما أبيض أو أسود"، بما معناه أن ننظر إلى أي شخص على أنَّه سيئ أو جيد، والحقيقة أنَّ هذين اللونين غير موجودين في العلاقات الإنسانية، فنحن البشر مكوَّنون من تدرُّجات هذه الألوان.

لذا عندما ترى شخصاً يصب جام غضبه على شخص آخر، أو على صفة معينة في هذا الشخص، فاعلم أنَّ الشخص الأول يحمل في ذاته تلك الصفة التي يلعنها أو يرفضها، وهذا هو سبب غضبه منها بشكل أو بآخر؛ أي إنَّه لم يتقبل هذه الصفة، مع أنَّها جزء من ذاته، وهو لا يستطيع أن يتخلص منها، لكن حين يحب ذاته بكل مكوناتها، ويحب هذه الصفة ويحتضنها، فإنَّه سيتقبل بشكل أو بآخر وجودها عند بقية الناس، ولن ينفعل أو يغضب أو يشعر بالاستفزاز عندما تتجسد له في طباع الناس.

شاهد: 8 طرق بسيطة لاكتساب تقدير الذات

متى يجب عليك أن تحب ذاتك؟

حقيقة حب الذات أن تحب نفسك وهي في القاع، وهي في أسوأ حالات الفشل والإحباط، أما أن يقتصر حب الذات على أوقات الإنجاز والفرح، فهو يتعارض تماماً مع حب الذات، وهو أشبه بمن يحبك في أوقات الفرح، ويتخلى عنك في أوقات الحزن، وبالتأكيد ستكره هذا الشخص أو تتوقف عن حبه، فكيف ترضى هذا لذاتك؟

فالحياة ليست عبارة عن نجاح وراء نجاح، أو انتصار وراء انتصار؛ بل هي عبارة عن إيقاع متناغم، مرة في الأعلى ومرة في الأسفل، فكما لا يوجد نجاح مستمر، أيضاً لا يوجد فشل مستمر، وإذا لم نحب ذاتنا في حالات الفشل فلن ننتقل إلى حالة النجاح.

ما هو الغرور؟

إنَّ الغرور هو حالة تكبُّر أو زهو بالنفس، غير مستندة إلى أي إنجازات أو قدرات أو مواهب؛ بل هو حالة يظن صاحبها أنَّه مميَّز عن بقية البشر دون وجود سبب واضح، ويرى بعض خبراء علم النفس وعلم الاجتماع، أنَّه حتى لو امتلك الإنسان كل مقومات النجاح وحقق الإنجازات والشهادات، فإنَّ ذلك ليس مبرراً أو مسوغاً للغرور والتكبر، ويُعَدُّ الغرور من أكثر الخصال المكروهة في المجتمعات وخاصةً المجتمعات العربية.

مثال عملي عن الغرور والتكبر:

في حال كنتَ متخصصاً بحكم عملك في إصلاح أعطال أجهزة الحاسوب، وأنت تتعامل مع نفس الأعطال في كل يوم، ونتيجة التكرار ربما تصبح هذه المهارة في الإصلاح من المسلمات بالنسبة إليك، وفي حال أتتكَ سيدة مسنة وفي يدها جهاز تريد منك إصلاحه، وسألتك بعض الأسئلة التي أحسستها في غير مكانها، إياك أن تجيبها باستعلاء أو تكبر أو عصبية؛ لأنَّك استغرقت طوال هذه المدة في تعلُّم هذه المهارة، فلا تنتظر من الناس أن تتعلمها في دقائق، من أجل ألا تقع في هاوية الغرور والتكبر.

ما هو السبب الذي قد يوقعنا في الغرور دون أن ندري؟

إنَّ إطلاق التسميات أو الألقاب أو التصنيفات على الناس من حولنا، يجعل رؤيتنا لهم محصورة ضمن هذه الرؤية الضيقة، التي اقتنعنا بأنَّها تمثِّل كل شيء عنهم، ونظن أنَّنا عرفنا جوهر هذا الإنسان ولكنَّنا في الحقيقة لم نرَ سوى ظله؛ وهذا يدفعنا إلى الظن أنَّنا نعرف كل شيء حتى أنفسنا.

وهذا بدوره ما يجعلنا معزولين عن الواقع الاجتماعي النقدي، ويحجب عن ذاتنا التطور الذي يوفره لها النقد؛ وكل ما ذُكر يؤدي إلى الغرور؛ وذلك لأنَّنا لم نعد نملك القدرة على رؤية ما يحصل أمامنا، والأهم من ذلك لم نعد قادرين على فهم أو حتى رؤية ما يحدث في داخلنا؛ وهذا ما يوقعنا في الغرور دون أن ندري.

شاهد أيضاً: 12 حقيقة عن حب الذات يجب على الجميع أن يتذكرها

هل يمكن أن يكون الغرور نتيجة للنرجسية الضعيفة؟

يوجد مصطلح في علم النفس يسمى النرجسية الضعيفة، وهي حالة من حب الذات الزائد عن الطبيعي، لكن فقط من وجهة نظر المراقب الخارجي؛ أي إنَّها غير ناتجة عن قناعة حقيقية عند الشخص نفسه كما في النرجسية التي نعرفها جميعاً؛ وإنَّما هي مجرد محاولة لتغطية ضعف حقيقي موجود في داخل الذات، ويهتم الشخص بعدم إظهاره للعلن، من خلال الانطواء قد الإمكان وتجنب الانخراط في العلاقات الاجتماعية، وكذلك تجنب التعبير عن الحب أو الإفصاح؛ وذلك بسبب الهشاشة الداخلية النفسية.

ماذا عمَّن يقول لك إنَّ حب الذات هو أنانية؟

إنَّ مَن يقول لك عبارة: حب الذات هو أنانية، هو بالتأكيد لم يلمس في يوم من الأيام أي معنى من معاني حب الذات، ولم يدخل في أي تجربة تتضمن حب الذات ولو جزئياً، ومن ثمَّ لا يمكنه الحكم على هذا المفهوم، وبخلاف هذا الكلام، فإنَّ حب الذات هو مفهوم قائم على الاتساع، وقائم على الكرم، بأن تنطلق من حب ذاتك وتعممه على مَن حولك، وتحب الطير والشجر والنبات والحيوان، وتحترم حياتهم وتشعر بالامتنان تجاه هذه الحياة.

مَن يحب ذاته لا ينتظر مَن يقول له، افعل كذا وافعل كذا، ويرفض تأطير الأفعال الجميلة، ضمن ما يُطلَق عليه الواجبات الاجتماعية؛ بل هو يقوم بها من تلقاء نفسه بدافع الحب والكرم والعطاء.

إقرأ أيضاً: مفهوم تطوير الذات وأهم الأسرار لتطوير ذاتك وتنميتها

ما هو سبب الهجوم الشرس الذي يشنه بعض الناس على مفهوم "حب الذات"؟

عندما تتكلم على مفهوم حب الذات، ستجد الكثير من الأصوات التي تنتقدك انتقاداً سلبياً، وتقول لك: "حب الذات أنانية"، و"حب الذات هو تكبر، ومن ثمَّ هو معصية"، وغيرها الكثير من الجمل والعبارات التي تشيطن مفهوم حب الذات، وهل سألنا أنفسنا ما هو السبب الكامن وراء هذا الهجوم الشرس؟

إنَّ مَن يهاجم مفهوم حب الذات يظن - في أغلب الحالات عن حسن نية - أنَّ حالة حب الإنسان لنفسه وذاته تعني شذوذه عن تقديم رسالته في الحياة، أو عزوفه عن خدمة غيره من الناس، واكتفاءه بخدمة ذاته فقط، والتفرغ الكامل لإشباع حاجاته الشخصية، والتكبر على مَن هم دونه، وعلى مَن لا يلبون له طلباته.

وهذا المفهوم خاطئ؛ إذ أثبتت لنا الحياة أنَّ فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف يمكن لإنسان لم يعطِ ذاته الحد الكافي من الحب والرعاية، أن يعطي هذه المكنونات لأشخاص آخرين.

إقرأ أيضاً: كيف تصبح من الأشخاص الناجحين؟

في الختام:

لا بدَّ لنا أن نسعى إلى نشر ثقافة حب الذات، وقبل ذلك يجب علينا تصحيح التفسير المغلوط لهذا المفهوم الرائع؛ وذلك لأنَّنا من خلاله نستطيع أن نرتقي بالفرد والمجتمع إلى مكان أفضل يعمه الأمن والسلام والنماء والتطور.

شاهد بالفيديو: كيف يؤدي حب الذات إلى النجاح والسعادة؟

المصادر: 1،2،3




مقالات مرتبطة